









وما زال النبي ص يرمي عن قوسه حتى اندقت سِيَتُها - والسية ما انعطف من طرفي القوس اللذين هما محل الوتر -، وفي رواية: حتى تقطع الوتر وبقي في يده قطعة قدر شبر.
شجاعة امرأة وثباتها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
لما انكشف المسلمون واختلط أمرهم، ثبتت أم عمارة المازنية واسمها نسيبة وهي زوج زيد بن عاصم قالت: خرجت يوم أُحد لأنظر ما يصنع الناس ومعي سقاء فيه ماء أسقي به الجرحى فانتهيت إلى رسول الله ص وهو في أصحابه والريح للمسلمين، فلما انهزم المسلمون، انحزت إلى رسول الله ص فقمت أباشر القتال دونه وأذب عنه بالسيف وأرمي عن القوس حتى خلصت الجراحة إليّ، رُويَ أنه كان على عاتقها جرح أجوف له غور فقيل لها: من أصابك بهذا؟ قالت: ابن قمئة لما ولي الناس عن رسول الله ص أقبل ابن قمئة يقول: دلوني على محمد فلا نجوت إن نجا فاعترضت له أنا ومصعب بن عمير رضي الله عنه فضربني هذه الضربة وضربته ضربات ولكن عدو الله كان عليه درعان.
وجاء في رواية: خرجت نسيبة يوم أُحد وزوجها زيد بن عاصم وابناها حبيب وعبد الله وقال لهم رسول الله ص بارك الله عليكم أهل بيت، فقالت له نسيبة رضي الله عنها: ادع الله أن نرافقك في الجنة، فقال: اللهم اجعلم رفقائي في الجنة، وعند ذلك قالت رضي الله عنها: ما أبالي ما أصابني من أمر الدنيا.
وقال ص في حقها: «ما التفت يمينا وشمالا يوم أُحد إلا ورأيتها تقاتل دوني»، وقد جُرحت رضي الله عنها اثني عشر جرحا ما بين طعنة برمح وضربة بسيف.
فهذه حقا شجاعة مدهشة لامرأة وقد تحملت ما أصابها من الجراح في سبيل الجهاد، وهو ما يعجز عن تحمله الرجال فضلا عن النساء، مع العلم بأن كثيرا قد فروا من القتال، لما أصابهم من الفزع والاختلاط، ويلاحظ أن المسلمين في قتالهم المشركين كانوا يرجون الاستشهاد كي يفوزوا بجنة الخلد، فما كانوا يبالون بحياتهم الدنيوية لأنها زائلة مشوبة بالأحزان والآلام، أما الآخرة فإنها دار بقاء ينعم فيها أهل الشهادة والصالحون، وكان النساء يحاربن مع الرجال ويضمدون الجراح.
وجاء في أسد الغابة: أن أم عمارة شهدت بيعة العقبة وشهدت أُحدا مع زوجها وابنيها وشهدت بيعة الرضوان وشهدت اليمامة فقاتلت حتى أصيبت يدها وجرحت يومئذ اثنتي عشرة جراحة، روى عنها عكرمة مولى ابن عباس أنها قالت للنبي ص أرى كل شيء للرجال، ما أرى النساء يذكرن بشيء، فنزل قوله تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَتِ} (الأحزاب: 35)، وبمثل هذه الروح انتصر المسلمون في جميع حروبهم وانتشر الإسلام.
إحدى المعجزات
لرسول الله ص معجزات كثيرة سيأتي ذكرها في كتابنا هذا، ومن هذه المعجزات المعجزة الآتية:
أصيبت عين قتادة بن النعمان من بني ظفر وقد تدلت على وجنتيه فردها عليه رسول الله فصحت وكانت أحسن عينيه - الطبري -، وقال ابن إسحاق: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن رسول الله ص رمى عن قوسه حتى اندقت سيتها فأخذها قتادة بن النعمان، فكانت عنده وأصيبت يومئذ عين قتادة حتى وقعت على وجنته.
قال ابن إسحاق: فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن رسول الله ص ردها بيده فكانت أحسن عينيه وأحدّهما وكانت لا ترمد إذا رمدت الأخرى.
قتل أبي بن خلف
أقبل أبيّ بن خلف يوم أُحد نحو النبي ص وهو يقول: أين محمد؟ لا نجوت إن نجا، فاستقبله مصعب بن عمير رضي الله عنه فقتل مصعبا فاستقبله رجال من المسلمين فأمرهم رسول الله ص أن يخلوا طريقه فأقبل وهو يقول: يا كذاب أين تفر فتناول النبي ص الحربة من الحارث بن الصمة أو من الزبير بن العوّام رضي الله عنه فرماه ص بها فأصابت عنقه وخدشته خدشا غير كبير واحتقن الدم بذلك الخدش، فرجع وهو يقول: قتلني والله محمد، فقالوا له: ذهب والله فؤادك، إنا لنأخذ السهام من أضلاعنا فنرمي بها، فما بك والله من بأس، ما أجزعك إنما هو خدش، ولو كان هذا الذي بك بعين أحدنا ما ضره، فقال: واللات والعزى، لو كان هذا الذي بي بأهل ذي المجاز - سوق من أسواق الجاهلية عند عرفة - لماتوا أجمعون، إنه قال لي بمكة أنا أقتلك، فوالله لو بصق عليّ لقتلني، وكان أبيّ يقول بمكة للنبي ص يا محمد إن عندي العوذ - يعني فرسا له - أعلفه كل يوم فرقا (مكيال) من ذرة أقتلك عليها، فيقول رسول الله ص «أنا أقتلك إن شاء الله».
ولم يقتل رسول الله بيده الشريفة أحدا إلا أبيّ بن خلف لا قبل ولا بعد، ثم مات أبيّ وهم راجعون إلى مكة بسَرِف، وقيل: ببطن رابغ.
إصابة رسول الله صلى الله عليه وسلم
وصل العدو إلى رسول الله كما قدمنا فأصابته حجارتهم حتى وقع وأصيبت رباعيته اليمنى السفلى وشج في وجهه وكلمت شفته السفلى وكان الذي أصاب رسول الله عتبة بن أبي وقاص أخو سعد بن أبي وقاص والدم يسيل على وجهه وهو يقول: «كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيّهم وهو يدعوهم إلى ربهم»، فنزل في ذلك قوله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الاْمْرِ شَىْء أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَلِمُونَ}ـ (آل عمران: 128).
ودخلت حلقتان من المغفر في وجنته ص وهشمت البيضة على رأسه وسال الدم على وجهه ورموه بالحجارة حتى سقط لشقه في حفرة واحتضنه طلحة بن عبيد الله، حتى استوى قائما، وانتزع أبو عبيدة عامر بن الجراح الحلقتين اللتين كانتا غاصتا في وجنته ص وعض عليهما حتى سقطت ثنيتاه فكان ساقط الثنيتين. وامتص مالك بن سنان والد أبي سعيد الخدري رضي الله عنه الدم من وجنته ص ثم ازدرده فقال عليه الصلاة والسلام: «من مس دمه دمي لم تصبه النار» فاستشهد في هذه الغزوة.
وكان سبب وقوع رسول الله ص أن ابن قمئة علاه بالسيف فلم يؤثر السيف فيه إلا أن ثقل السيف أثر في عاتقه فشكا ص منه شهرا وقُذف رسول الله بالحجارة حتى وقع لشقه.
ولما أصيب رسول الله قالوا: لو دعوت عليهم، فقال: «إني لم أبعث لعانا ولكن بعثت داعيا ورحمة، اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون» فاعتذر عنهم وتضرع إلى الله أن يمهلهم حتى يكون منهم أو من ذريتهم من يؤمن وهذا غاية الحلم.
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)