- كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس عظيم القبط سنة 7هـ - 628م

بعث رسول الله حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه إلى المقوقس، وذلك أنه ص عند منصرفه من الحديبية قال: أيها الناس أيكم ينطلق بكتابي هذا إلى صاحب مصر وأجره على الله؟ فوثب إليه حاطب بن أبي بلتعة وقال: أنا يا رسول الله، فقال: «بارك الله فيك يا حاطب»، وهذا نص الكتاب:
«بسم اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، مِنْ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى المُقَوْقِسِ عَظِيمِ القِبْطِ سَلامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الهُدَى، أمَّا بَعْدُ: فإنِّي أَدْعُوكَ بِدِعايَةِ الإِسلامِ أَسْلِمْ تَسْلَمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَعَلَيْكَ إِثْمُ كُلِّ القِبْطِ {قُلْ يأَهْلَ الْكِتَبِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلِمَةٍ سَوَآء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}» وختم الكتاب.
وهذا الكتاب محفوظ بدار الآثار في الآستانة، قيل: عثر عليه عالم فرنسي في دير بمصر قرب أخميم في زمن سعيد باشا.
فسار حاطب بالكتاب حتى قدم على المقوقس إلى مصر فلم يجده فذهب إلى الإسكندرية وأعطاه كتاب رسول الله ص فضمه إلى صدره وجعله في حق عاج ودعا كاتبا له يكتب بالعربية فكتب:
(إلى النبي ص بسم الله الرحمن الرحيم لمحمد بن عبد الله من المقوقس عظيم القبط، سلام عليك، أما بعد: فقد قرأت كتابك وفهمت ما ذكرت فيه وما تدعو إليه، وقد علمت أن نبيا قد بقي وقد كنت أظن أنه يخرج بالشام) وذكر له ما كان من إكرامه لحاطب، وقيل: إنه دفع له مائة دينار وخمسة أثواب ودعا رجلا عاقلا فلم يجد بمصر أحسن ولا أجمل من مارية (مريم) وأختها سيرين وهما من أهل حفَن من كورة أنصنا، قرية بصعيد مصر فبعث بها إلى رسول الله ص وأهدى له بغلة وعسلا من عسل بنها، وقيل: بعث له غير ذلك عشرين ثوبا من قباطي مصر وطيبا وعودا ومسكا، ولكنه لم يسلم، وقد قبل رسول الله ص هذه الهدايا، فأخذ مارية لنفسه، وأهدى سيرين لحسان بن ثابت وهي أم عبد الرحمن بن حسان، والبغلة تسمى «الدلدل» وكانت شهباء ولم يكن في العرب يومئذ بغلة غيرها ودعا في عسل بنها بالبركة.
وقد ذكر المرحوم حفني ناصف الهدايا التي أرسلها المقوقس إلى رسول الله ص وهي:
1 - مارية بنت شمعون وكانت أمها رومية.
2 - جارية أخرى يقال لها سيرين ولكنها أقل جمالا من مارية.
3 - جارية أخرى يقال لها قيسر.
4 - جارية سوداء يقال لها بريرة.
5 - غلام أسود يقال له هابو.
6 - بغلة شهباء وهي التي سُميت بدلدل.
7 - فرس مسرج ملجم وهو الذي سُمي بميمون.
8 - حمار أشهب وهو الذي سُمي بيعفور.
9 - مربعة فيها مكحلة ومرآة ومشط وقارورة دهن ومقص وسواك.
10 - جانب من عسل بنها.
11 - ألف مثقال من الذهب.
12 - عشرون ثوبا من قباطي مصر.
13 - جانب من العود والند والمسك.
14 - قدح من قوارير.
ويقال: إنه كان من ضمن الهدية طبيب، فقال له النبي ص «ارجع إلى أهلك نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع».
وقد أسلمت مارية قبل أن تصل إلى المدينة هي وسيرين بدعوة حاطب بن أبي بلتعة.
مارية القبطية

وصلت مارية إلى المدينة سنة 8 هـ.
كان رسول الله يُعجب بمارية القبطية وكانت بيضاء جعدة جميلة فأنزلها رسول الله ص وأختها على أم سليم بنت مِلحان فأسلمتا فوطىء مارية بالملك وحولها إلى مال له بالعارية كان من أموال بني النضير فكانت فيه في الصيف وفي خرافة النخل فكان يأتيها هناك وكانت ح سنة الدين ووهب أختها سيرين لحسان بن ثابت الشاعر فولدت له عبد الرحمن وولدت مارية لرسول الله غلاما فسماه إبراهيم، وتوفيت في خلافة عمر سنة 16 هـ ودُفنت بالبقيع وكان عمر يجمع الناس بنفسه لشهود جنازتها وصلى عليها.
إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم

لما وُلد إبراهيم عق عنه رسول الله ص بشاة يوم سابعه وحلق رأسه فتصدق بزنة شعره فضة على المساكين وأمر بشعره فدُفن في الأرض وكانت قابلة مارية سلمى مولاة رسول الله ص فخرجت إلى زوجها أبي رافع مولى رسول الله فأخبرته بأنها قد ولدت غلاما فجاء أبو رافع إلى رسول الله ص فبشره فوهب له عبدا وغار نساء رسول الله ص واشتد عليهن حين رُزق منها الولد، كانت ولادة إبراهيم في ذي الحجة سنة ثمان من الهجرة (أبريل سنة 630 م) ولد بالعالية وتنافست فيه نساء الأنصار أيتهن ترضعه فدفعه رسول الله إلى أم بُرْدة بنت المنذر بن زيد بن لبيد بن خداش بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار وزوجها البراء بن أوس بن خالد فكانت ترضعه.
5 - كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي أصحمة

التجأ المهاجرون الأولون إلى الحبشة فأكرمهم النجاشي وبقوا هنالك آمنين من اضطهاد قريش ولما هاجر رسول الله إلى المدينة عاد أربعون من المهاجرين والتحقوا بالنبي ص بالمدينة وبقي منهم في الحبشة نحو خمسين أو ستين تحت حماية النجاشي وقد حمل عمرو بن أمية الضمري رسالتين إليه يدعوه في إحداهما إلى الإسلام وفي الأخرى يأمره أن يزوجه أم حبيبة وهذه صورة كتاب رسول الله ص إلى النجاشي الذي يدعوه فيه إلى الإسلام:
«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى النَّجَاشِيِّ مَلِكِ الحَبَشَةِ، سَلْمٌ أَنْتَ فإِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكَ اللَّهَ، المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلامُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ رُوحُ اللَّهِ وكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ البَتُولِ الطَّيِّبَةِ الحَصِينَةِ فَحَمَلَتْ بِعِيسَى مِنْ رُوحِهِ ونَفْخِهِ كَمَا خَلَقَ آدَمَ بِيَدِهِ ونَفْخِهِ وَإِنِّي أَدْعُوكَ إِلَى اللَّهِ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَالْمُوَالاةِ عَلَى طَاعَتِهِ وَأَنْ تَتَّبِعَنِي وَتُؤْمِنَ بِالَّذِي جاءَني فَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ وقَدْ بَعَثْتُ إِلَيْكَ ابْنَ عَمِّي جَعْفَرا وَنَفَرا مَعَهُ مِنَ المُسْلِمينَ فَإِذَا جاءوكَ فَاقْرِهِمْ وَدَعِ التَّجَبُّرَ فَإِنِّي أَدْعُوكَ وَجُنُودَكَ إِلَى اللَّهِ فَقَدْ بَلَّغْتُ وَنَصَحْتُ فَاقْبَلُوا نُصْحِي وَالسَّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الهُدَى».
فلما وصل إليه الكتاب وضعه على عينيه ونزل عن سريره فجلس على الأرض ثم أسلم وكتب الجواب للنبيّ ص وهذا هو:
«بسم الله الرحمن الرحيم إلى محمد رسول الله، من النجاشي الأصحم بن أبجر: سلام عليك يا نبيّ الله ورحمة الله وبركات الله الذي لا إله إلا هو الذي هداني إلى الإسلام، أما بعد فقد بلغني كتابك يا رسول الله فيما ذكرت عمك وأصحابك فأشهد أنك رسول الله صادقا مصدقا وقد بايعتك وبايعت ابن عمك وأسلمت على يديه لله رب العالمين وأرسل إليك بابني أرها بن الأصحم بن أبجر فإني لا أملك إلا نفسي وإن شئت أن آتيك فعلت يا رسول الله».
قال ابن إسحاق: «وذكر لي أن النجاشي بعث ابنه في ستين من الحبشة في سفينة فإذا كانوا في وسط البحر غرقت بهم سفينتهم فهلكوا».
وهذا الكتاب الذي أرسله النجاشي يؤيد إسلامه صراحة وأنه يرى في عيسى عليه السلام ما يراه الإسلام.
إسلام النجاشي

إن رواية ابن إسحاق صريحة بأن النجاشي أصحمة أسلم، وقد قرأ جعفر بن أبي طالب عليه سورة مريم وقول عيسى: {قَالَ إِنّى عَبْدُ اللَّهِ ءاتَانِىَ الْكِتَبَ وَجَعَلَنِى نَبِيّا وَجَعَلَنِى مُبَارَكا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِى بِالصَّلَوةِ وَالزَّكَوةِ مَا دُمْتُ حَيّا} (مريم: 30، 31) الآية، وفي هذه الآية نص عيسى عليه السلام على إثبات عبوديته وقال تعالى: {ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقّ الَّذِى فِيهِ يَمْتُرُونَ مَا كَانَ للَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَنَهُ إِذَا قَضَى أَمْرا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ} (مريم: 34، 35)، وفي قوله عيسى بن مريم إشارة إلى أنه ولد هذه المرأة وابنها لا أنه ابن الله، وقال عز شأنه: {وَإِنَّ اللَّهَ رَبّى وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرطٌ مُّسْتَقِيمٌ} (مريم: 36).
وقد شك بعضهم في إسلام النجاشي لكن المصادر التاريخية المهمة تصرح بإسلامه وفي قول عمرو بن العاص أنه بايع النجاشي على الإسلام وسيأتي ذكر ذلك في موضعه ولكنه كان يخفي إسلامه لأن أمته كانت مسيحية فخشي أن يثوروا عليه.
ومما يقوي إسلام النجاشي أنه كان مسيحيا نسطوريا ومذهب نسطور قائم على التوحيد وينكر ألوهية المسيح فمن ذلك قوله: (لا تقولوا مريم أم الله لأنها من البشر ويستحيل أن يولد الإله من البشر).
وقد ذكرت أن بحيرا الراهب الذي أكرم النبي عليه الصلاة والسلام عندما رحل إلى الشام وعرّفه بعلامات فيه، كان متبعا هذا المذهب - ونسطور هذا كان رجلا جليل القدر متبحرا في الديانة المسيحية والذي يدل على مكانته الرفيعة في الدين المسيحي أنه كان بطريرك القسطنطينية من عام 428 إلى 431م وكان له أتباع كثيرون أسلم عندما عرض عليه الإسلام رسول الله ص وقرأ سورة مريم التي تنطبق على مذهبه، ولأن الإسلام يحارب عبادة الأصنام ويدعو إلى التوحيد وينكر ألوهية عيسى عليه السلام ويقر نبوّته.
وجاء في مسند الشافعي (من كتاب الجنائز والحدود) عن أبي هريرة أن النبي ص نعى للناس النجاشي اليوم الذي مات فيه وخرج بهم إلى المصلى فصف بهم وكبّر أربع تكبيرات وهذا دليل على إسلام النجاشي لأن رسول الله ص لا يصلي إلا على مسلم.
وفي صحيح البخاري: عن جابر رضي الله عنه قال النبي ص حين مات النجاشي: «مات اليوم رجل صالح فقوموا فصلوا على أخيكم أصحمة».