الانتصار بعد الهزيمة

لما ثبت رسول الله ولم يبق معه إلا بعض أصحابه، قال لعمه العباس: أصرخ: يا معشر الأنصار، يا أصحاب السَّمُرَة، وكان العباس عظيم الصوت، وفي رواية: قال له: ناد يا أصحاب البيعة يوم الحديبية، يا أصحاب سورة البقرة، فأقبلوا كأنهم الإبل إذا حنَت على أولادها فأمرهم أن يصدقوا الحملة على العدو فاقتتلوا قتالا شديدا فنظر إلى قتالهم فقال: «الآن حمي الوطيس» فولى المشركون الأدبار والمسلمون يقتلون ويأسرون فيهم ويتبعون آثارهم وقتل بعض المسلمين ذرية العدو فنهاهم رسول الله عن قتل الذرية وقال: «من قتل قتيلا فله سلبه»، وقُتل دريد بن الصمة فقتله ربيعة بن رفيع السلمي وجُرح خالد بن الوليد جراحات أثقلت به، فتفل النبي في جرحه فبرىء، ولما وقعت الهزيمة أسلم الناس من كفار مكة وغيرهم.
غنائم المسلمين

كانت غنائم المسلمين كما يأتي:
أُسر من العدو خلق كثير، ومن النساء نحو 6000 وغَنِم المسلمون من الإبل 24000 بعير، ومن الغنم أكثر من 40000 شاة، ومن الفضة 4000 أوقية.
تقسيم الغنائم

بدأ رسول الله بالأموال فقسمها وأعطى المؤلفة قلوبهم أول الناس فأعطى أبا سفيان بن حرب 40 أوقية من الفضة و 100 من الإبل وكذا ابناه يزيد ومعاوية، وأعطى حكيم بن حزام 100 من الإبل ثم سأله مئة أخرى فأعطاه إياها، وأعطى النضر بن الحارث بن كلدة 100 من الإبل وكذا أسيد بن جارية الثقفي والحارث بن هشام، وصفوان بن أمية، وقيس بن عدي، وسهيل بن عمرو، وحويطب بن عبد العزى، والأقرع بن حابس التميمي، وعيينة بن حصن، ومالك بن عوف.
وأعطى العباس بن مرداس 40 من الإبل فقال في ذلك شعرا فأعطاه 100 من الإبل، وأعطى مخرمة بن نوفل 50 بعير وكذا العلاء بن حارثة وسعيد بن يربوع وعثمان بن وهب وهشام بن عمرو العامري، فبلغ ما أعطى ممن ذكروا 14850 من الإبل وأعطى ذلك كله من الخمس - قال ابن سعد وهو أثبت الأقاويل عندنا - ثم أمر زيد بن ثابت بإحصاء الناس والغنائم ثم فضها على الناس فكانت سهام كل رجل أربعا من الإبل وأربعين شاة فإن كان فارسا أخذ اثني عشر من الإبل و 120 شاة، وإن كان معه أكثر من فرس لم يسهم له.
رد السبي

قدم وفد هوازن على النبي وهم أربعة عشر رجلا ورأسهم زهير بن صرد وفيهم أبو برقان عم رسول الله من الرضاعة وهو من بني سعد، وقد جاءوا مسلمين فسألوه أن يمن عليهم بالسبي، فرضي رسول الله ورضي المسلمون بما رضي به رسول الله وردّوا عليهم نساءهم وأبناءهم ولم يختلف منهم أحد غير عيينة بن حصن وكان من الأعراب الجفاة فإنه أبى أن يرد عجوزا صارت في يده منهم ثم ردها بعد ذلك ووفد عليه مالك بن عوف رئيس هوازن فرد عليه أهله وماله وأعطاه مئة من الإبل كما تقدم وأسلم وحسن إسلامه واستعمله رسول الله على من أسلم من قومه.
الغنائم والأنصار

لما رأت الأنصار ما أعطى رسول الله في قريش والعرب تكلموا في ذل وقالوا: حنَّ الرجل إلى أهله، فقال رسول الله: «يا معشر الأنصار أما ترضون أن يرجع الناس بالشاء والبعير وترجعون برسول الله إلى رحالكم؟» قالوا: رضينا يا رسول الله بك حظا وقسما، فقال رسول الله: «اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار».
رجوع رسول الله ص إلى المدينة
انصرف رسول الله ص وكان قد انتهى إلى الجِعرانة ليلة الخميس لخمس ليال خلون من ذي القعدة فأقام بها ثلاث عشرة ليلة، فلما أراد الانصراف إلى المدينة خرج ليلة الأربعاء لاثنتي عشرة بقين من ذي القعدة ليلا فأحرم بعمرة ودخل مكة فطاف وسعى وحلق رأسه ورجع إلى الجعرانة من ليلته كبائت ثم غدا يوم الخميس حتى خرج على سَرِف ثم أخذ الطريق على مرّ الظهران ثم إلى المدينة.
ولقد أنزل الله تعالى في هذه الموقعة في سورة التوبة: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِى مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الارْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودا لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذلِكَ جَزَآء الْكَفِرِينَ} (التوبة: 25، 26).
وفي هذه الغزوة سُمِيَ طلحة بن عبيد الله «الجواد» لكثرة إنفاقه على العسكر، وقيل: سُمِّي «الفيَّاض».