والمفسرون بأسرهم على أن المراد أن القمر انشق وحصل فيه الانشقاق ودلت الأخبار على حديث الانشقاق.
وفي الصحيح خبر مشهور رواه جمع من الصحابة، قالوا: سئل رسول الله ص آية الانشقاق بعينها معجزة فسأل ربه فشقه، وقال بعض المفسرين: المراد سينشق وهو بعيد ولا معنى له، لأن من منع ذلك وهو الفلسفي يمنعه في الماضي والمستقبل ومن يجوّزه لا حاجة به إلى التأويل، وإنما ذهب إليه الذاهب لأن الانشقاق أمر هائل، فلو وقع لعم وجه الأرض فكان ينبغي أن يبلغ حد التواتر، نقول: النبي ص لما كان يتحدى بالقرآن وكانوا يقولون إنا نأتي بأفصح ما يكون من الكلام وعجزوا عنه، فكان القرآن معجزة باقية إلى قيام القيامة لا يتمسك بمعجزة أخرى، فلم ينقله العلماء بحيث يبلغ حد التواتر، وأما المؤرخون فقد تركوه لأن التواريخ في أكثر الأمر يستعملها المنجم وهو لما وقع الأمر قالوا بأنه مثل خسوف القمر وظهور شيء في الجو على شكل نصف القمر في موضع آخر فتركوا حكايته في تواريخهم، والقرآن أدل دليل وأقوى مثبت له وإمكانه لا يشك فيه، وقد أخبر عنه الصادق الأمين فيجب اعتقاد وقوعه، وحديث امتناع الخرق والالتئام حديث اللئام وقد ثبت جواز الخرق والتخريب على السموات وذكرناه مرارا فلا نعيده.
وعن حذيفة أنه خطب بالمدائن ثم قال: ألا إن الساعة قد اقتربت، وإن القمر قد انشق على عهد نبيّكم.
وقال الزمخشري في «تفسيره»:
انشقاق القمر من آيات رسول الله ص ومعجزاته النيِّرة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن الكفار سألوا رسول الله ص آية فانشق القمر مرتين، وكذا عن ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهما، قال ابن عباس: انفلق فلقتين فلقة ذهبت وفلقة بقيت، وقال ابن مسعود: رأيت حراء بين فلقتي القمر، وعن بعض الناس أن معناه ينشق يوم القيامة، وقوله: {وَإِن يَرَوْاْ ءايَةً يُعْرِضُواْ وَيَقُولُواْ سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ}، يرده وكفى به رادّا، وفي قراءة حذيفة: وقد انشق القمر، أي اقتربت الساعة وقد حصل من آيات اقترابها أن القمر قد انشق، كما تقول أقبل الأمير وقد جاء المبشر بقدومه.
وفي «تفسير الطبري»: وقوله: وانشق القمر يقول جل ثناؤه وانفلق القمر، وكان ذلك فيما ذكر على عهد رسول الله ص وهو بمكة قبل هجرته إلى المدينة وذلك أن كفار أهل مكة سألوه آية فأراهم ص انشقاق القمر حجة على صدق قوله وحقيقة نبوته فلما أراهم أعرضوا وكذبوا وقالوا: هذا سحر مستمر، سحرنا محمد فقال الله جل ثناؤه: {وَإِن يَرَوْاْ ءايَةً يُعْرِضُواْ وَيَقُولُواْ سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ} وبنحو الذي قلنا في ذلك جاءت الآثار وقال به أهل التأويل.
وحدث أنس بن مالك أن أهل مكة سألوا رسول الله ص أن يريهم آية فأراهم انشقاق القمر مرتين، وعن عبد الله قال: انشق القمر ونحن مع رسول الله ص بمنى حتى ذهبت منه فرقة خلف الجبل، فقال رسول الله ص «اشهدوا»، وعن عبد الله أيضا قال: انشق القمر على عهد رسول الله ص فصار فرقتين فقال رسول الله ص لأبي بكر: «اشهد يا أبا بكر»، فقال المشركون: سحر القمر حتى انشق، قال القسطلاني شارح البخاري: وهذه معجزة من أمهات المعجزات الفائقة على معجزات سائر الأنبياء لأن معجزاتهم عليهم السلام لم تتجاوز الأرضيات.
وكان انشقاق القمر قبل الهجرة بخمس سنين.
فانشقاق القمر ثابت بنص القرآن، أما من قال بأن المراد أنه سينشق، فهو إما منكر للمعجزات حتى المذكورة في القرآن، وإما أنه لا يفهم اللغة العربية فقد قال تعالى: {وَإِن يَرَوْاْ ءايَةً يُعْرِضُواْ وَيَقُولُواْ سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ وَكَذَّبُواْ وَاتَّبَعُواْ أَهْوَآءهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ} (القمر: 2، 3)، لأن الكفار لما رأوا انشقاق القمر بعد أن سألوا رسول الله كابروا وقالوا: إنه سحر مستمر، ولو كانت الآية تدل على أن القمر سينشق لما كان هناك معنى قوله: وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر، والآية هي معجزة الانشقاق والذين أنكروها بعد رؤيتها هم كفار قريش، وكان ذلك دأبهم، وقد روى أحاديث الانشقاق أهلُ السنن كالبخاري ومسلم والإمام وأحمد والبيهقي وبقية أهل السنن وقد ذكرنا تفسير كبار المفسرين.
قال الشيخ حمزة فتح الله رحمه الله في كتابه «باكورة الكلام في حقوق النساء في الإسلام»: - ومن ذلك يعلم أنه لا محذور في انشقاق القمر لسيدنا رسول الله ص وأن تأويل آيته بوضع المستقبل موضع الماضي لتحققه لا داعي إليه فضلا عن كونه خلاف الصحيح، وقد ذكرت الجرائد الأجنبية مقالة عربتها جريدة الإنسان العربية التي كانت تطبع بالآستانة العلية حاصلها: أنه عثر في ممالك الصين على بناء قديم مكتوب عليه أنه بني عام كذا، الذي وقع فيه حادث سماوي عظيم وهو انشقاق القمر نصفين فحرر الحساب فوافق سنة انشقاقه لسيدنا ومولانا رسول الله ص ـ اهـ.
ومن المعجزات نبع الماء من بين الأصابع روى حديث نبع الماء من بين أصابعه جماعة من الصحابة منهم أنس وجابر وابن مسعود، وحدث ذلك يوم الحديبية وفي غزوة بواط أمام الجموع الكثيرة ولم ينكر هذا الحديث أحد من الصحابة.
في «صحيح البخاري» عن أنس رضي الله عنه أنه قال: «أتى النبي ص بإناء وهو بالزوراء فوضع يده في الإناء فجعل الماء ينبع من بين أصابعه فتوضأ القوم»، قال قتادة: قلت لأنس: كم كنتم؟ قال: ثلاثمائة أو زهاء ثلاثمائة، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: رأيت رسول الله ص وحانت صلاة العصر فالتمس الوضوء فلم يجدوه فأتى رسول الله ص بوضوء، فوضع رسول الله ص يده في ذلك الإناء فأمر الناس أن يتوضأوا منه فرأيت الماء ينبع من تحت أصابعه فتوضأ الناس حتى توضأوا من عند آخرهم.(تكثير الطعام)
ومن معجزاته تكثير الطعام ببركته ودعائه وقد حدث ذلك مرارا.
[] (حنين الجذع)

كان مسجد النبي مسقوفا على جذوع نخل فكان رسول الله إذا خطب يقوم إلى جذع منها، فلما صنع له المنبر سمع لذلك الجذع صوت كصوت العشار، سمعه أهل المسجد حتى ارتج المسجد وكثر بكاء الناس لذلك، ما زال يحن حتى تصدع وانشق فنزل ص فالتزمه وحضنه فسكن، وحديث الجذع مشهور رواه من الصحابة بضعة عشر، منهم: أُبيّ بن كعب، وجابر بن عبد الله، وأنس بن مالك، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وسهل بن سعيد، وأبو سعيد الخدري، وبريرة، وأم سلمة، والمطلب بن أبي وداعة؛ كلهم حدَّث بمعنى هذا الحديث.
وروى حديث الجذع البخاري عن جابر بن عبد الله.
(إبراء المرضى وذوي العاهات)

وقد ذكرنا أنه ردّ عين قتادة وتفل في عين عليّ يوم خيبر، وكان أرمدا فبرأ، الإسراء والمعراج، نسج العنكبوت في الغار، وما وقع لسراقة، ودعاؤه لعبد الرحمن بن عوف بالبركة فصار أغنى العرب، وكذا دعاؤه لثعلبة بالغنى، ودعاؤه لمعاوية بالتمكن في البلاد فنال الخلافة، ولسعد بن أبي وقاص أن يجيب الله دعوته فما دعا على أحد إلا استجيب له، وقال للنابغة: «لا يقضض الله فاك» فما سقطت له سن وعاش 120 سنة، وتسبيح الحصى في يده، وكان رجل يقال له بسر بن راعي العير يأكل بشماله، فقال له رسول الله ص «كُلْ بيمينك» قال: لا أستطيع، قال: «لا استطعت»، فما وصلت شماله بعد إلى فيه هذا قليل من كثير من معجزاته ص
وفي ترجمة رافع بن عميرة أنه كان لصا في الجاهلية فدعاه الذئب إلى اللحوق برسول الله ص وهو في ضأن له، وقال رافع في ذلك:
رعيت الضأن أحميها بكلبي ** من اللصت الخفي وكل ذيب
ولما أن سمعت الذئب نادى ** يبشرني بأحمد من قريب
سعيت إليه قد شمرت ثوبي ** على الساقين قاصده الركيب
فألفيت النبي يقول قولا ** صدوقا ليس بالقول الكذوب
فبشرني بقول الحق حتى ** تبينت الشريعة للمنيب
وأبصرت الضياء يضيء حولي ** أمامي إن سعيت ومن جنوبي
اللصت وهو اللص، وشهد رافع غزوة ذات السلاسل وصحب أبا بكر الصدّيق فيها وخبره مشهور.
ومن معجزاته دعاؤه لعلي رضي الله عنه بذهاب الحر والبرد فلم يحس فيهما بعد، ولابن عباس بالفقه في الدين وعلم التأويل فصار بحرا، ولأنس بكثرة المال والولد وطول العمر فرزق مائة ولد، وعاش مائة عام، وصارت نخله تحمل في العام مرتين، وقال في عثمان: تصيبه بلوى عظيمة، فكان ما كان.