









من سيرته المرتضاة
وكان من سيرته المرتضاة: أنّه تحرّى الخير والعدل على الرعيّة، وتشدّد على العظماء المستطيلين على الضعفاء، وبلغ من عدله أنّه كان يسير إلى ال « ماه » ليصيف هناك، فأمر فنودي في مسيره ذلك في مواضع الحروث أن يتحامى، ولا يسير فيها الراكب لئلّا يضرّوا بأحد ووكّل بتعهّد ما يجرى في عسكره، ومعاقبة من تعدّى أمره، وتغريمه عوضا لصاحب الحرث.
وكان ابنه كسرى في عسكره، فعار مركب من مراكبه، ووقع في محرثة من المحارث التي كانت على طريقه، فرتع فيها، وأفسد منها. فأخذ ذلك المركب، ورفع إلى الرجل الذي وكّله هرمز بمعاقبة من أفسد هو أو دابّته شيئا من المحارث وتغريمه، ولم يقدر الرجل على إنفاذ أمر هرمز في كسرى ابنه، ولا أحد من حشمه. فرفع ما رأى من إفساد ذلك المركب إلى هرمز، فأمره أن يجدع أذنيه، ويبتّر ذنبه، ويغرّم كسرى. فخرج الرجل لإنقاذ الأمر. فدسّ له كسرى رهطا من العظماء ليسألوه التغبيب في أمره، فلقوه وكلّموه في ذلك، فلم يجب إليه، فسألوه أن يؤخّر ما أمر به هرمز في المركب حتى يكلّموه. فأمر بالكفّ عنه، ففعل. فلقى أولئك الرهط هرمز، وأعلموه أنّ بذلك [ المركب ] الذي عار، زعارة، وأنّه أخذ للوقت. وسألوه أن يأمر بالكفّ عن جدعه وتبتيره لما فيه من سوء الطيرة. فلم يجبهم إلى ما سألوه، وأمر بالمركب، فجدع أذناه وبتّر ذنبه وغرّم كسرى كما يغرّم غيره في هذا الحد، ثم ارتحل.
وأيضا: ركب ذات يوم في أوان إيناع الكرم إلى ساباط المدائن وكان ممرّه على بساتين وكروم. فاظّلع بعض أساورته في كرم، فرأى فيه حصرما فأصاب منها عناقيد، ودفعها إلى غلامه وقال:
« اذهب بها إلى المنزل، واطبخها بلحم، واتخذ منها مرقة، فانّها نافعة في هذا الإبّان. » فأتاه حافظ ذلك الكرم، فلزمه وصرخ. فبلغ اشفاق الرجل من عقوبة هرمز على تناوله من ذلك الكرم، أن دفع إلى حافظ الكرم منطقة محلّاة بذهب كانت عليه، عوضا له من الحصرم الذي رزأه من كرمه، وافتدى بها نفسه، ورأى أنّ قبض الحافظ إيّاها منه، وتخليته عنه، منّة من بها عليه.
فهذه كانت سيرة هرمز في العدل والضبط والهيبة، وكان مظفّرا منصورا لا يمدّ يده إلى شيء إلّا وأتاه، وكان مع ذلك أديبا، داهيا، إلّا عرقا قد نزعه أخواله من الترك. فكان لذلك مقصيا للأشراف وأهل البيوتات والعلماء.
وقيل: إنّه قتل ثلاثة عشر ألف رجل وستمائة رجل. ولم يكن [ له رأى ] إلّا في [ تألّف ] السفلة واستصلاحهم. وحبس خلقا من العظماء، وحطّ مراتب خلق، وقصّر بالأساورة، [ ففسدت ] عليه نيات جنده من الكبراء، [ واتصل ] ذلك بما جناه على بهرام شوبين مما سنحكيه. فكان ذلك سبب هلاكه.
ذكر سوء اختياره جنده وبهرام جوبين حتى هلك
خرج على هرمز خوارج منها: « شابة ملك الترك الأعظم في ثلاثمائة ألف مقاتل. وصار إلى باذغيس، وذلك بعد إحدى عشر سنة من ملكه، وخرج عليه ملك الروم في ثمانين ألف مقاتل قاصدا له، وخرج عليه ملك الخزر حتى صار إلى باب الأبواب، وخرج عليه من العرب خلق نزلوا في شاطئ الفرات، وشنّوا الغارة على أهل السواد واجترأ عليه أعداؤه، وغزوا بلاده.
فأمّا شابة ملك الترك فإنّه أرسل إلى هرمز وإلى عظماء الفرس يؤذنهم بإقباله ويقول:
« رمّوا لي قناطر أنهار وأودية أجتاز عليها إلى بلادكم، واعقدوا القناطر على كلّ نهر لا قنطرة له، وافعلوا ذلك في الأنهار والأودية التي عليها مسلكي من بلادكم إلى بلاد الروم، فإني مجمع على المسير إليها من بلادكم.
فاستفظع هرمز ما ورد عليه من ذلك، فشاور فيه، فأجمع له على قصد ملك الترك وصرف العناية إليه. فوجّه إليه رجلا من أهل الريّ يقال له: بهرام بن بهرام جشنس ويعرف ب « جوبين ». فاختار بهرام من الجند اثنى عشر ألف رجل على عينيه من الكهول دون الشباب، وكانت عدّة من يشتمل عليه الديوان سبعين ألف مقاتل.
فمضى بهرام بجدّ وإغذاذ، حتى حاز هراة وباذغيس، ولم يشعر شابة ببهرام حتى نزل بالقرب منه معسكرا. فجرت بينهما حروب ورسائل، إلى أن قتل بهرام شابة برمية رماها إيّاه، فاستباح عسكره، وأقام موضعه، فوافاه برموذة بن شابة، وكان يعدل بأبيه، فحاربه، فهزمه، وحصره في بعض الحصون، ثم ألحّ عليه حتى استسلم له، فوجّهه أسيرا إلى هرمز، وغنم كنوزا عظيمة.
فيقال: إنّه حمل إلى هرمز من الأموال والجواهر والأوانى وسائر الأمتعة ممّا غنمه وقر مائتين وخمسين ألف بعير في مدّة تلك الأيّام. فشكره هرمز على ذلك، إلّا أنّه أراد منه أن يتقدّم بمن معه إلى بلاد الترك، وكاتبه في ذلك، فلم ير بهرام ذلك صوابا. ثم خاف بهرام سطوة هرمز، وحكى له: أنّ الملك يستقلّ ما حمله إليه من الغنائم في جنب ما وصل إليه وأنّه يقول في مجالسه:
« بهرام قد ترفّه، واستطاب الدعة ».
وبلغ ذلك الجند، فخافوا مثل خوفه.
فيقال: إنّ بهرام جمع ذات يوم وجوه عسكره، فأجلسهم على مراتبهم، ثم خرج عليهم في زيّ النساء، وبيده مغزل وقطن، حتى جلس في موضعه، وحمل لكلّ واحد من أولئك القوم مغزل وقطن، فوضع بين أيديهم، فامتعضوا من ذلك وأنكروه. فقال بهرام:
« إنّ كتاب الملك ورد عليّ بذلك، ولا بدّ من امتثال أمره إن كنتم طائعين. » فأظهروا أنفة وحميّة، وخلعوا هرمز، وأظهروا أنّ ابنه أبرويز أصلح للملك منه، وساعدهم على ذلك خلق كثير ممّن كان بحضرة هرمز.
وأنفذ هرمز جيشا كثيفا مع آذينجشنس لمحاربة بهرام، وأشفق أبرويز من الحديث وخاف سطوة بهرام، فهرب إلى آذربيجان. فاجتمع إليه هناك عدّة من المرازبة والإصفهبذين، فأعطوه بيعتهم. ولم يظهر أبرويز شيئا، وأقام بمكانه إلى أن بلغه قتل آذينجشنس الموجّه لمحاربة بهرام جوبين، وانفضاض الجمع الذي معه، واضطراب أمر أبيه هرمز.
وكتبت إليه أخت آذينجشنس - وكانت تربه - تخبره بضعف أبيه هرمز، وأعلمته أنّ العظماء والوجوه قد أجمعوا على خلعه، وأعلمته أنّ جوبين - إن سبقه إلى المدائن - احتوى على الملك. ولمتلبث العظماء بذلك أن وثبت على هرمز وفيهم بندويه وبسطام خالا أبرويز. فخلعوه وسملوا عينيه وتركوه تحرّجا من قتله. فلمّا بلغ ذلك أبرويز، بادر بمن معه إلى المدائن وسبق إليها بهرام جوبين، وتتوّج وجمع إليه الوجوه والأشراف، وجلس لهم على سريره، ومنّاهم ووعدهم وقال:
« إنّ هرمز كان لهم قاضيا عادلا، ومن نيّتنا البرّ والإحسان، فعليكم بالسمع والطاعة. » فاستبشر له الناس، ودعوا له.
فلمّا كان اليوم الثاني، أتى أباه، فسجد له وقال:
« عمّرك الله أيّها الملك، إنّك تعلم أنّى بريء مما آتاه إليك المنافقون، وإنّما هربت خوفا منك. » فصدّقه هرمز وقال له:
« يا بنيّ! لي إليك حاجتان، فأسعفنى بهما: إحداهما أن تنتقم ممّن عاون على خلعى والسمل لعيني، ولا تأخذك بهم رأفة، والأخرى أن تؤنسني كلّ يوم بثلاثة نفر لهم أصالة رأى، وتأذن لهم في [ الوصول ] إليّ. »
فتواضع له أبرويز وقال:
« عمّرك الله أيّها الملك، إنّ المارق بهرام قد أظلّنا ومعه الشجاعة والنجدة، ولسنا نقدر أن نمدّ يدا إلى من أتى إليك ما أتى، فإنّهم وجوه أصحابك. ولكن إن أدالنى الله من المنافق، فأنا خليفتك وطوع أمرك. »
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)