









أهل الكوفة يردون سعيد بن العاص
فخرج أهل الكوفة عليهم السلاح يقدمهم مالك بن الحارث الأشتر، فتلقّوه وردّوه وقالوا: « لا، والله، لا تلى علينا حكما، ولا تدخلها علينا ما حملنا سيوفنا. » فرجع سعيد وقال للناس: « أما اختلفتم إلّا لي؟ إنّما كان يكفيكم أن تبعثوا إلى أمير المؤمنين رجلا وتضعوا لي رجلا، وهل يخرج الألف لهم عقول إلى رجل؟ » ومضى سعيد حتى قدم على عثمان فأخبره الخبر.
فقال عثمان: « ما يريدون، أخلعوا يدا عن الطاعة؟ » قال: « أظهروا أنّهم يريدون البدل. » قال: « فمن يريدون؟ » قال: « أبا موسى. » قال: « أثبتنا أبا موسى عليهم. والله لا نجعل لأحد منهم عذرا، ولا نترك لهم حجّة، ولنصيرنّ كما أمرنا حتى يبلغ الله ما يريد. » وكان يزيد بن قيس لما استغوى الناس على سعيد بن العاص، خرج منه ذكر قبيح لعثمان. فأقبل إليه القعقاع بن عمرو حتى أخذه.
فقال: « ما تريد يا قعقاع، ألك علينا في أن نستعفى سبيل؟ » قال: « وهل إلّا ذاك؟ » قال: « لا. » وإنما قال ذلك لما لم يتمّ له جميع ما يريد - فقال له القعقاع: « فأمسك عن الكلام واستعف كيف شئت. »
كثر الناس على عثمان وكلموا عليا فيه
فلما كانت سنة أربع وثلاثين كتب أصحاب رسول اللهبعضهم إلى بعض أن: « اقدموا، فإن كنتم تريدون الجهاد فعندنا الجهاد. » وكثر الناس على عثمان ونالوا منه أقبح ما نيل من أحد، وأصحاب رسول الله يرون ويسمعون، ليس منهم أحد يذبّ ولا ينهى.
فاجتمع الناس فكلّموا عليّ بن أبي طالب،. فدخل عليّ على عثمان فقال:
« إنّ الناس ورائي، وقد كلّمونى فيك، وو الله ما أدري ما أقول لك، وما أعرف شيئا تجهله، ولا أدلّك على أمر لا تعرفه، إنّك لتعلم ما نعلم، ما سبقناك إلى شيء فنخبرك عنه، ولا خلونا بشيء فنبلّغكه وما خصصنا بأمر دونك. قد رأيت وسمعت وصحبت رسول اللهونلت صهره، وما ابن أبي قحافة بأولى بعمل الحقّ منك، ولا ابن الخطّاب بأولى بشيء من الخير منك وأنت أقرب إلى رسول الله
رحما. فالله الله في نفسك. فإنّك والله ما تبصّر من عمى ولا تعلّم من جهل، وإنّ الطريق لواضح بيّن، وإنّ أعلام الدين لقائمة. تعلم يا عثمان، أنّ أفضل عباد الله عند الله إمام عادل هدى وهدى، واستقام وأقام سنّة معلومة، وأمات بدعة معلومة. فوالله إنّ كلّا لبيّن، وإنّ السنن لقائمة لها أعلام، وإنّ البدعة لقائمة لها أعلام. وإني أحذّرك الله وسطوته ونقماته، وأحذّرك أن تكون إمام هذه الأمّة الذي سمعنا به، فإنّه كان يقال: يقتل في هذه الأمّة إمام يفتح به عليها القتل والقتال إلى يوم القيامة، ويلبس عليهم أمورهم، ويتركهم شيعا لا يبصرون الحق لعلوّ الباطل، يموجون فيها موجا. » قال عثمان: « قد والله علمت أنّك تقول [ الذي قالوه ] أما والله لو كنت بمكاني ما عنّفتك، ولا أسلمتك، ولا عبت عليك، وإني ما جئت منكرا إن وصلت رحما، وسددت خلّة، وأويت ضائعا، وولّيت شبيها بمن كان يولّى عمر.
أنشدك الله يا على، هل تعلم أنّ مغيرة بن شعبة ليس هناك؟ قال: « نعم. » قال: « فتعلم أنّ عمر ولّاه. » قال: « نعم. » قال: « فلم تلومني أن ولّيت عبد الله بن عامر في رحمه وقرابته؟ » قال عليّ: « سأخبرك. إنّ عمر كان كلّ من ولّى فإنّما يطأ على صماخه، إن بلغه حرف خلعه، ثم بلغ أقصى الغاية، وأنت لا تفعل. ضعفت ورققت على أقربائك. » قال عثمان: « هم أقرباؤك أيضا. » قال عليّ: « أجل. لعمري إنّ رحمهم مني لقريبة، ولكن الفضل في غيرهم. » قال: هل تعلم أنّ عمر ولّى معاوية خلافته كلّها، فقد ولّيته. » قال علي: « أنشدك الله، هل تعلم أنّ معاوية كان أخوف من عمر، من يرفأ غلام عمر، منه؟ » قال: « نعم. » قال عليّ: « فإنّ معاوية يقطع الأمر دونك، وأنت تعلم، فيقول للناس: هذا أمر عثمان، فيبلغك، فلا تغيّر على معاوية. »
ثم خرج عليّ من عنده وخرج عثمان على أثره، فجلس على المنبر، فقال:
أما بعد، فإنّ لكلّ شيء آفة ولكل أمر عاهة، وإنّ آفة هذه الأمة وعاهة هذه النعمة عيّابون طعّانون يرونكم ما تحبون ويسرّون ما تكرهون، يقولون لكم ويقولون، أمثال النعام يتبعون أول ناعق، أحبّ مواردها إليها البعيد، لا يشربون إلّا تبرّضا ولا يردون إلّا عكرا، لا يقوم لهم رائد، قد أعيتهم الأمور، وتعذّرت عليهم المكاسب، ألا! والله عبتم عليّ بما أقررتم لابن الخطّاب بمثله، ولكنّه وطئكم برجله، وضربكم بيده، وقمعكم بلسانه، فدنتم له على ما أحببتم أو كرهتم، ولنت لكم، ووطّأت لكم كنفى، وكففت يدي ولساني، فاجترأتم عليّ. أما والله، لأنا أعزّ نفرا، وأقرب ناصرا، وأكثر عددا وأقمن. إن قلت: هلمّ، أتى إليّ، ولقد أعددت لكم أقرانكم، وأفضلت عليكم فضولا، وكشرت لكم عن نابي، وأخرجتم [ منّى ] خلقا لم أكن أحسنه، ومنطقا لم أنطق به. فكفّوا عليكم ألسنتكم وطعنكم وعيبكم على ولاتكم، فقد كففت عنكم من لو كان هو الذي يكلّمكم لرضيتم منه بدون منطقي هذا. ألا، فما تفقدون من حقّكم. والله ما قصّرت في بلوغ ما كان يبلغ من قبلي، ومن لم تكونوا تختلفون عليه. فضل فضل من مال. فما لي لا أصنع في الفضل ما أريد، فلم كنت إماما؟ »
فقام مروان بن الحكم فتكلّم، فقال عثمان: « اسكت لا سكتّ، دعني وأصحابي، ما منطقك في هذا، ألم أتقدّم إليك ألّا تنطق بحرف؟ » فسكت مروان ونزل عثمان.
ثم دخلت سنة خمس وثلاثين فيها كان ظهور السبائية وخروج أهل مصر إلى المدينة لقتل عثمان
وكان سبب ذلك أن عبد الله بن سبا كان يهوديّا من أهل صنعاء، وأمّه سوداء.
فأسلم أيام عثمان، ثم تنقّل في بلدان المسلمين يحاول بدعة. فبدأ بالحجاز، ثم بالبصرة، ثم بالكوفة، ثم بالشام. فلم يجتمع له أمر على ما يريد، فمضى نحو مصر. فلمّا أتاها، قال لأهلها في ما يقول: « أنا أعجب ممن يصدّق بأنّ عيسى يرجع، ويكذّب بأنّ محمدا لا يرجع، وقد قال الله: « إن الذي فرض عليك القرآن لرادّك إلى معاد. » فمحمد أحقّ بالرجوع. » فوضع لهم الرجعة.
ثم قال: « ما من نبي إلّا وله وصيّ، وعليّ وصيّ محمّد. »
ثم قال: « من أظلم ممن لم يجز وصيّة رسول اللهووثب على حقّ ليس له، وتناول [ أمر ] الأمة؟ » ثم قال: « هذا عثمان قد غصب عليّا، وغيّر وبدّل، وكان وكان، فانهضوا في الأمر، وأظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واطعنوا على أمرائكم تجدوا مقالا، وادعوا إلى هذا الأمر. » وبثّ دعاة في الأمصار، وكاتب من استفسده في الأمصار وكاتبوه. ودعوا في السرّ إلى ما عليه رأيهم، وأظهروا الأمر بالمعروف، وتكاتب أهل الأمصار، حتى أوسعوا الأرض إذاعة، وتناولوا المدينة.
فدخل قوم على عثمان، فقالوا: « يا أمير المؤمنين، أيأتيك ما يأتينا؟ » قال: « لا، ما جاءني إلّا السلامة. » قالوا: « فإنّا قد أتانا كيت وكيت. » قال: « فأشيروا عليّ. » قالوا: « نشير عليك أن تبعث رجالا ممن تثق بهم إلى الأمصار حتى يرجعوا إليك بأخبارهم. » فدعا جماعة من وجوه الصحابة فيهم عمار بن ياسر، فأرسل أحدهم إلى الكوفة، وأرسل آخر إلى البصرة، وأرسل عمارا إلى مصر، وأرسل ابن عمر إلى الشام، وفرّق الباقين في البلاد. فرجعوا جميعا قبل عمار فقالوا: « أيها الناس، ما أنكرنا شيئا ولا أنكره أعلام المسلمين، ولا عوامّهم، والناس ساكتون قارّون. » فاستبطأ الناس عمّارا، فلم يفجأهم إلّا كتاب من عبد الله بن أبي سرح يخبرهم: أنّ عمارا قد استماله قوم بمصر، وقد انقطعوا إليه، منهم: عبد الله بن السوداء، وسودان بن حمران، وفلان وفلان.
فكتب عثمان إلى أهل الأمصار: « أما بعد، فإني آخذ العمّال بموافاتي في كلّ موسم، فاقدموا عليّ. »
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 5 (0 من الأعضاء و 5 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)