









ثم قدّم الزبير، فبايع، وفي الزبير خلاف، ثم تتابع الناس بالبيعة لا يكرهها أحد، وذلك يوم الجمعة لخمس بقين من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين.
وخطب على - رضي الله عنه - خطبته المشهورة، واجتمع إلى عليّ عدة من الصحابة فيهم طلحة والزبير، فقالوا: « يا عليّ، إنّا اشترطنا إقامة الحدود، وإنّ هؤلاء القوم قد اشتركوا في قتل هذا الرجل، وأحلّوا بأنفسهم. » فقال لهم: « يا إخوتاه، إني لست أجهل ما تعلمون، ولكن كيف أصنع بقوم يملكوننا ولا نملكهم. ها هم هؤلاء، وقد ثارت معهم عبيدكم، وثابت إليهم أعرابكم، وهم خلالكم، يسومونكم ما شاءوا، فهل ترون موضعا لقدرة على شيء مما تريدون؟ » قالوا: « لا. » قال: « فإني والله لا أرى إلّا رأيا ترونه، إلّا أن يشاء الله. إنّ الناس من هذا الأمر - إن حرّك - على أمور: فرقة ترى ما ترون، وفرقة لا ترى ما ترون، وفرقة لا ترى لا هذا ولا هذا، حتى يهدأ الناس وتقع القلوب مواقعها، وتؤخذ الحقوق.
فاهدأوا عني، وانظروا ما ذا يأتيكم، ثم عودوا. » ثم إنّ بنى أمية تهاربت وخرجت عن المدينة. فاشتدّ عليّعلى قريش وحال بينهم وبين الخروج على حالها تلك.
ثم خرج عليّ في اليوم الثاني فقال: « يا أيها الناس، أخرجوا عنكم الأعراب. » وقال: « يا أيها الأعراب، الحقوا بمياهكم. » فأبت السبائية، وأطاعهم الأعراب. ودخل عليّ بيته، ودخل عليه عدة من أصحاب رسول اللهفيهم طلحة والزبير.
فقال لهم عليّ: « دونكم ثأركم، فاقتلوه. » فقالوا: « قد عسوا عن ذلك. » فقال لهم: « هم والله بعد اليوم أعسى. » وتمثّل:
ولو أنّ قومي طاوعتني سراتهم ** أمرتهم أمرا يديخ الأعاديا
وقال طلحة: « تدعني، فآتي البصرة، فلا يفجأوك إلّا وأنا في خيل. » وقال الزبير: « آتي الكوفة، فلا يفجأوك إلّا وأنا في خيل. » فقال: « حتى أنظر. » وسمع المغيرة بذلك المجلس.
ذكر رأي جيد للمغيرة
فجاء المغيرة حتى دخل على عليّفقال: « إنّ حولك من يشير ويرى، ولك عليّ حقّ الطاعة، وأنّ النصح رخيص، وأنت بقية الناس، وأنا لك ناصح. واعلم أنّ الرأي اليوم تحوز به ما في غد، وأن الضياع اليوم يضيع به ما في غد. أقرر معاوية على عمله، وأقرر ابن عامر على عمله، واردد عمّال عثمان عامك هذا، واكتب بإثباتهم على أعمالهم، فإذا بايعوا لك واطمأنّ الأمر عزلت من أحببت، وأقررت من أحببت. » فقال عليّ: « والله، لو كان ساعة من نهار لاجتهدت فيها رأيي، ولا ولّيت أمثال هؤلاء [ ولا مثلهم يولّى ]، وما كنت متخذ المضلّين عضدا. » فقال المغيرة: « فإذ قد أبيت فاترك معاوية، فإنّ له جرأة، وأهل الشام يطيعونه، ولك حجّة في إثباته، كان عمر بن الخطّاب قد ولّاه الشام كلّها. » فقال عليّ: « لا والله لا أستعمله يومين. » فقام المغيرة وانصرف، ثم عاد إليه بعد ذلك، فقال: « إني أشرت عليك أول مرة بالذي أشرت، وخالفتني. ثم رأيت بعد ذلك رأيا، وأنا الآن أرى أن تصنع الذي رأيت، فتنزعهم، وتستعين بمن تثق به، فقد كفى الله أمرهم، وهم أهون شوكة من ذاك. »
رأي لابن عباس وما أشار به على علي
وخرج المغيرة، وتلقّاه ابن عباس خارجا. فدخل إلى عليّ، فقال: « يا أمير المؤمنين، أخبرني عن شأن المغيرة، ولم خلا بك؟ » قال: « إنّه جاءني بعد مقتل عثمان بثلاثة أيام وقال: أخلنى. ففعلت. فقال: كيت وكيت. فأجبته بكيت وكيت. فانصرف من عندي وأنا أعرف فيه أنّه يرى أنّى مخطئ. ثم عاد إليّ الآن، فقال: كيت وكيت.
فقال ابن عباس: « أمّا في المرة الاولى فقد نصحك، وأمّا في المرة الأخرى فقد غشّك. » قال له: « وكيف نصحنى؟ » قال ابن عباس: « لأنّك تعلم أنّ معاوية وأصحابه أهل دنيا، فمتى تثبتهم، لا يبالون من ولى هذا الأمر، ومتى تعزلهم، يقولوا: أخذ الأمر بغير شورى وهو قتل صاحبنا، وحمّلك ما قدر عليه من الذنب، فتنتقض عليك الشام. ولا آمن طلحة والزبير أن يكرّا عليك. » فقال عليّ: « أما ما ذكرت من إقرارهم، فوالله ما أشكّ أنّ ذلك خير في عاجل الدنيا لإصلاحها، وأما الذي يلزمني من الحق، والمعرفة بعمّال عثمان، فوالله لا أولّى منهم أحدا أبدا، فإن أقبلوا فذلك خير، وإن أدبروا بذلت لهم السيف. » قال ابن عباس: « فأطعنى، وادخل دارك، والحق بما لك بينبع، وأغلق بابك، فإنّ العرب تجول جولة وتضطرب، ولا تجد غيرك. فإنّك والله لو نهضت مع هؤلاء القوم ليحمّلنّك الناس غدا دم عثمان. »
فأبى عليّ وقال لابن عباس: « سر إلى الشام، فقد ولّيتكها. » فقال ابن عباس: « ما هذا والله برأى. معاوية رجل من بنى أمية، وهو ابن عمّ عثمان، وعامله على الشام، ولست آمن أن يضرب عنقي بعثمان، أو أدنى ما هو صانع أن يحبسني فيتحكّم عليّ. » قال عليّ: « ولم تظنّ ذلك؟ » قال: لقرابة ما بيني وبينك، ولأنّ كلّ ما عليك فهو عليّ، ولكن اكتب إلى معاوية، فمنّه، وعده. » فقال عليّ: « إنّ هذا ما لا يكون أبدا. » وتمثّل:
فما ميتة، إن متّها غير عاجز ** بعار، إذا ما غالت النفس غولها
فقال ابن عباس: « أنت - يا أمير المؤمنين - رجل شجاع، ولست بأرب في الحرب. أما سمعت رسول اللهيقول: الحرب خدعة؟ » قال: « بلى. » قال ابن عباس: « أنا والله، لئن أطعتنى لأصدرنّ بهم بعد ورد، ولأتركنّهم ينظرون في دبر الأمور، ولا يعرفون ما كان وجهها، في غير نقصان عليك ولا إثم لك. » فقال عليّ: « يا ابن عباس، لست من هنيّاتك وهنيّات معاوية في شيء، تشير عليّ وأرى، فإذا عصيتك فأطعنى. » فقال ابن عباس: « أفعل، إنّ أيسر ما لك عندي السمع والطاعة. »
علي يفرق عماله على الأمصار
وفرّق عليّعمّاله في سنة ست وثلاثين. فبعث عثمان بن حنيف على البصرة، وعمارة بن شهاب على الكوفة، وعبيد الله بن عباس على اليمن، وقيس بن سعد على مصر، وسهل بن حنيف على الشام.
فأما سهل، فإنّه خرج حتى إذا كان بتبوك لقيته خيل.
فقالوا: « من أنت؟ » قال: « أمير على الشام. » فردّوه، ولم يدعوه يتجاوزها.
وأما قيس بن سعد، فإنّه لما انتهى إلى أيلة، لقيته خيل. » فقالوا: « من أنت؟ » فقال: « من فالّة عثمان، أطلب من آوى إليه، وأنتصر به. » قالوا: « فمن أنت؟ » قال: « قيس بن سعد. » قالوا: « امض. » فدخل مصر فافترق الناس: فبعضهم دخل في الجماعة وكانوا معه، وفرقة اعتزلت وقالت: « إن قتل قتلة عثمان [ فنحن معكم ]، وإلّا فنحن على جديلتنا. » وأمّا عثمان بن حنيف، فإنّه سار، ولم يردّه أحد عن دخول البصرة، ولم يوجد لابن عامر في ذلك رأى ولا تدبير، وافترق الناس بالبصرة كما افترقوا بمصر.
وأما عمارة، فلمّا صار بزبالة، لقيه طليحة بن خويلد، وكان خرج يطلب بدم عثمان. وقال له: « ارجع، فإنّ الناس لا يريدون بأميرهم بدلا، وإن أبيت ضربت عنقك. » فرجع وهو يقول: « أحرز الخطر ما تماسّك الشرّ خير من شرّ منه » - فصار مثلا.
وعلقه عمار بن ياسر إلى أن قتل.
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 5 (0 من الأعضاء و 5 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)