









ذكر مكيدة معاوية لقيس وما تم له عليه
فأخذ معاوية يكيد قيسا من قبل عليّ، فيظهر مرة كتابا يفتعله من قيس إليه بأنه: منكر لقتل عثمان، تائب إلى الله منه، وأنّ هواه وميله معه، في أشياء تشبه هذا الكلام، ومرة يظهر رسولا يزعم: أنّه من قبله ويلقّنه وما يقوّى به قلوب شيعته من أهل الشام، ومرة يقول لثقاته: لا تسبّوا قيس بن سعد، فإنّه لنا شيعة تأتينا نصيحته سرّا، ألا ترون ما يفعل بإخوانكم من أهل حزبنا يجرى عليهم أرزاقهم. ويؤمن سربهم ويحسن إلى كل راكب قدم عليه منكم؟
فسمع جواسيس أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب وعيونه ذلك، فكتبوا إليه به.
ولم يزل معاوية بأمثال هذا المكائد حتى اتهم عليّ قيسا، وجمع ثقاته، وقال لهم ما كتب إليه من أمر قيس، فقالوا: « يا أمير المؤمنين ما يريبك إلى ما لا يريبك. اعزل قيسا، وابعث بثقتك مكانه. » فقال عليّ: « إني والله ما أصدّق هذا على قيس. » فقال عبد الله بن جعفر: « اعزله يا أمير المؤمنين، فوالله، لئن كان هذا حقّا لا يعتزل لك. » فبينا هم كذلك إذ جاء كتاب من قيس بن سعد يخبره: « إنّ رجالا قد سألونى أن أكفّ عنهم وأدعهم حتى يستقيم أمر الناس فنرى ويروا، فرأيت أن أكفّ عنهم، وألّا أتعجّل حربهم، فلعلّ الله يعطف بقلوبهم » فقال عبد الله بن جعفر: « يا أمير المؤمنين، ما أخوفنى أن يكون هذا ممالأة منه لهم. فمره بقتالهم. » فكتب إليه عليّ: « أما بعد، فسر إلى القوم الذين ذكرت، فإن دخلوا في ما دخل فيه المسلمون، وإلّا فناجزهم، والسلام. » فلما أتى قيس بن سعد الكتاب، لم يتمالك أن كتب: « أما بعد، يا أمير المؤمنين، فقد عجبت لأمرك بقتال قوم كافّين عنك مفرّغيك لقتال عدوّك، وإنك متى حاربتهم ساعدوا عليك عدوّك. فأطعنى يا أمير المؤمنين، واكفف عنهم، فإنّ الرأي تركهم. » فلما أتى عليّا كتاب قيس قرأه على أصحابه. فقال عبد الله بن جعفر: « ابعث محمد بن أبي بكر على مصر يكفك، فقد بلغني عن قيس هنات وأقوال. » يعنى ما كان يشيعه معاوية عنه.
فكتب عليّ عهد محمد بن أبي بكر على مصر. فلما قدم محمد مصر، خرج قيس، فلحق بالمدينة. فأخافه مروان والأسود بن البختري حتى إذا خاف أن يقتل، ركب راحلته وطمر إلى عليّ. وبلغ ذلك معاوية، فكتب إلى مروان والأسود يتغيّظ عليهما ويقول: « أمددتما عليّا بقيس بن سعد ورأيه ومكانته، والله لو أنكما أمددتماه بمائة ألف مقاتل ما كان ذلك بأغيظ لي من إخراجكما قيس بن سعد إلى عليّ. » ولما قدم قيس على عليّ وباثّه، ثم جاءهم قتل محمد بن أبي بكر، عرف أنّ قيس بن سعد كان يدارى أمورا عظاما من المكاره، وأنّ من كان يحمله على عزل قيس لم يكن ينصح له. فأطاع عليّ قيس بن سعد بعد ذلك في الأمر كلّه.
ابتداء وقعة صفين قميص عثمان وأصابع نائلة
وكان أهل الشام قدم عليهم النعمان بن بشير بقميص عثمان الذي قتل فيه مخضّبا بدمه، وبأصابع زوجته « نائلة »، مقطوعة البراجم: إصبعان منها مع شيء من الكفّ، وإصبعان مقطوعتان من أصولهما، ونصف الإبهام. فكان معاوية يضع القميص على المنبر، ويعلّق منه الأصابع، ويشنّع به، ويكاتب الأجناد. فثاب إليه الناس وبكوا سنة والقميص بتلك الحال. وآلى رجال من أهل الشام ألّا يأتوا النساء، ولا يمسّهم الماء للغسل إلّا من الاحتلام، ولا يناموا على الفرش، حتى يقتلوا قتلة عثمان، ومن عرض دونهم بشيء، أو تفنى أرواحهم.
خروج علي بن أبي طالب إلى صفين
وبلغ عليّا خبر معاوية وما يصنعه، فبعث إليه برسل، وخرج من الكوفة، فعسكر بالنخيلة، وقدم عليه عبد الله بن عباس، بمن نهض معه من البصرة، وتهيّأ منها إلى صفّين، واستشار الناس. فأشار عليه قوم أن يبعث الجنود ويقيم، وأشار آخرون بالمسير، فأبى إلّا المباشرة. فجهّز الناس.
وبلغ الخبر معاوية، فدعا عمرو بن العاص واستشاره.
فقال: « إذا بلغك أنه يسير فسر بنفسك ولا تغب عنه برأيك ومكيدتك. » قال معاوية: « فجهّز الناس. » فخرج عمرو إلى الناس، وحضّضهم وضعّف عليّا وأصحابه وقال: « إنّ أهل العراق قد فرّقوا جمعهم، وأوهنوا شوكتهم وقطعوا حدّهم. ثم إنّ أهل البصرة مخالفون لعليّ وقد قتلهم، ووترهم، وتفانت صناديدهم يوم الجمل، وإنما سار عليّ في شرذمة قليلة، منهم من قتل خليفتكم، فالله في حقّكم أن تضيّعوه، وفي دمكم أن تبطلوه. » وبعث عليّ بن أبي طالب زياد بن النضر طليعة في ثمانية آلاف و [ بعث معه ] شريح بن هانئ، ووجّه من المدائن معقل بن قيس في ثلاثة آلاف، وأمره أن يأخذ على الموصل حتى يوافيه، وسار بنفسه حتى انتهى إلى الرقّة، وقال لأهلها: « اجسروا لي جسرا حتى أعبر من هذا المكان إلى الشام. » فأبوا. وكانوا ضمّوا إليهم السفن. فنهض عليّ من عندهم ليعبر من جسر منبج، وخلّف عليهم الأشتر، ورحل ليمضى بالناس ويعبر بهم.
فنادى الأشتر: « يا أهل هذا الحصن، إليّ، إني أقسم بالله، لئن مضى أمير المؤمنين ولم تجسروا له عند مدينتكم جسرا حتى يعبر، لأجرّدنّ فيكم السيف، ثم لأقتلنّ الرجال، وأخر بنّ الديار، ولأنهبنّ الأموال. » فلقى بعضهم بعضا، فقالوا: « هو الأشتر، ويفي بما حلف عليه، ويأتى بما هو شرّ منه. » فنادوه: « نعم، إنّا ناصبون لكم جسرا، فأقبلوا. » فجاء عليّ، فنصبوا له الجسر، فعبر عليّ بالأثقال والرجال. ثم أمر عليّ الأشتر، فوقف في ثلاثة آلاف فارس حتى لم يبق من الناس أحد إلّا عبر، ثم عبر آخر الناس رجلا.
فأما زياد بن النضر وشريح بن هانئ، فسارا أمام عليّ - كما ذكرنا - من الكوفة، آخذين على شاطئ الفرات من قبل البرّ مما يلي الكوفة، حتى بلغا عانات، فبلغهما [ أخذ عليّ ] على طريق الجزيرة، وإنّ معاوية قد أقبل من دمشق في جنود أهل الشام، فقالا: « والله ما هذا لنا برأى: أن نسير وبيننا وبين المسلمين وأمير المؤمنين هذا البحر، ومالنا خير في أن نلقى جنود الشام بقلّة من معنا منقطعين من المدد.
فذهبوا ليعبروا من عانات، فمنعهم أهل عانات، وحبسوا عنهم السفن. فأقبلوا راجعين حتى عبروا من هيت، ثم لحقوا عليّا، فقال: مقدّمتى تأتينى من ورائي! » فتقدّم إليه زياد وشريح، وأخبراه بما رأيا. فقال: « سدّدتما. »
ثم مضى. فلما عبر الفرات قدّمهما أمامه. وأرسل معاوية أبا الأعور السّلمى في جند عظيم من أهل الشام، فأرسلا إلى عليّ: « إنّا قد لقينا أبا الأعور السّلمى في جمع من أهل الشام ودعوناهم، فلم يجبنا منهم أحد، فمرنا بأمرك. » وكان عليّ أمرهما ألّا يبدءا بقتال حتى يدعوا إلى الحقّ، ويكون مبدأ القتال من غيرهما. فأرسل عليّالأشتر، فقال: « يا مال، إنّ زيادا وشريحا أرسلا إليّ أنهما لقيا أبا الأعور السلمى في جمع من أهل الشام، وأخبرني الرسول أنهم متواقفون، فالنجا إلى أصحابك النجا، فإذا قدمت عليهم فأنت عليهم، وإياك أن تبدأهم، ولا يجر منّك شنآنهم على قتالهم قبل دعائهم مرة بعد مرة، ولا تدن منهم دنوّ من يريد أن ينشب الحرب، ولا تباعد منهم بعد من يهاب الناس، حتى أقدم عليك، فإني حثيث السير في أثرك إن شاء الله. » وكتب إلى زياد وشريح بالسمع له والطاعة. فخرج الأشتر، والتقى مع القوم، وكفّ عن القتال إلى أن حمل أبو الأعور، فثبتوا له. ثم انصرف أهل الشام في تلك الليلة لما أدركهم المساء، وأقبل من الغد، وجاء الأشتر من المكان الذي كان فيه، ولم يزل يزحف حتى وقف في المكان الذي كان فيه بالأمس أبو الأعور.
فقال الأشتر لسنان بن مالك: « انطلق إلى أبي الأعور، فادعه إلى المبارزة. » فقال: « إلى مبارزتي، أو إلى مبارزتك؟ » فقال الأشتر: « لو أمرتك بمبارزته فعلت؟ » قال: « نعم، والله لو أمرتنى أن أعترض صفّهم بسيفي، ما رجعت حتى أضرب فيهم بسيفي. » فقال له الأشتر: « يا ابن أخي، أطال الله بقاءك، قد - والله - ازددت فيك رغبة. لا، ما أمرتك بمبارزته، وإنما أمرتك أن تدعوه إلى مبارزتي. إنّه لا يبرز إلّا لذوي الأسنان والكفاءة والشرف، وأنت - ولربّك الحمد - من أهل الشرف والكفاءة، غير أنك في حدث السنّ. وليس [ هو ] بمبارز الأحداث، ولكن ادعه إلى مبارزتي. » فأتاه ونادى: « آمنونى، فإني رسول. » فأومن حتى جاء إلى أبي الأعور.
قال: فدنوت منه وقلت « إنّ الأشتر يدعوك إلى المبارزة. » قال: فسكت عني طويلا ثم قال: « إنّ خفّة الأشتر، وسوء رأيه حمله على إجلاء عمّال عثمان بن عفّان من العراق، ومن خفّة الأشتر أن سار إلى بن عفّان في داره حتى قتله في من قتله، فأصبح متبعا بدمه. ألا، لا حاجة لي في مبارزته. » قال: قلت له: « إنّك قد تكلّمت، فاسمع مني أجبك. » قال: « لا حاجة لي في الاستماع منك ولا في جوابك، اذهب عني. » وصاح بن أصحابه، فانصرفت عنه، ولو سمع إليّ لأجبته بحجّة صاحبي.
فرجعت إلى الأشتر، فأخبرته أنه قد أبي المبارزة. فقال: « لنفسه نظر. »
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 2 (0 من الأعضاء و 2 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)