









استبدال الشام بالنهر
وقد كان عليّ همّ بالخروج إلى الشام قبل. فلما عظمت الشوكة من الخوارج، وأخذوا في الاستعراض، وقتلوا الصالحين، قال الناس: « يا أمير المؤمنين، علام تخلّف هؤلاء المارقة وراءنا، يخلفوننا في أبنائنا ونساءنا بالقتل، فنبدأ بهم.
ولما انصرف إلى معسكره بالنخيلة، أمرهم أن يوطّنوا أنفسهم على الجهاد، وأن يسيروا إلى عدوهم. فتسلّلوا من معسكرهم، فدخلوا إلّا رجالا قليلا من وجوه الناس، وترك المعسكر.
فلما رأى ذلك عليّ، دخل الكوفة، وانكسر عليه رأيه في المسير، وذلك في سنة ثمان وثلاثين.
ثم جرت بين عليّ وأصحابه خطوب ومخاطبات يستنهضهم ويأبون، ويخطب فيهم ويستمدّهم، ويستدعى نصرهم، ويستبطئهم، فيتثاقلون، وخطبه مشهورة معروفة.
إلى أن طمع معاوية في العراق، وبثّ دعاته سرّا وجهرا إلى البصرة يطلب دم عثمان، وسرّب خيله في أطراف عليّفأنفذ النعمان بن بشير في ألفى رجل إلى عين التمر، وبها مالك بن كعب في ألف رجل من قبل عليّ. فلما سمع القوم به، تسلّلوا إلى الكوفة حتى بقي مالك في مائة رجل، وكتب إلى عليّ يخبره، واستمدّه.
فخطب عليّ، وأمرهم بالخروج، فتثاقلوا. فواقعهم مالك في من تبعه، وأمر أصحابه أن يجعلوا حيطان المدينة في ظهورهم ويقاتلوا. وكتب إلى محنف بن سليم أن يمدّه وهو قريب منه وقاتلهم ابن كعب في العصابة التي معه أشدّ قتال يكون.
اتفاق جيد وقع لمالك حتى هزم النعمان ومن معه
ووجّه محنف ابنه إليه، عبد الرحمن، في خمسين رجلا. فانتهوا إلى مالك وأصحابه وقد كسروا جفون سيوفهم واستقتلوا. فلما رءاهم أهل الشام، وذلك عند المساء، ظنّوا أنّ لهم مددا، فانهزموا، واتبعهم مالك، فقتل منهم ثلاثة نفر، ومضوا على وجوههم. فأما غيره من سرايا معاوية، فإنّهم كانوا يظفرون ويقتلون ويغنمون وينصرفون.
وأما من حصل من قبل بالبصرة لأجل التضريب بين الناس، فإنّه بلغ ما أراد، ووقعت الفتنة والعصبية، فطمع أهل فارس، وكرمان في عمّال عليّ، فغلب أهل كلّ ناحية على ما يليهم، فأخرجوا عمّالهم.
فاستشار عليّ أصحابه في من يضبط به فارس وكرمان. فقال ابن عباس: « أدلّك على رجل صليب الرأي عالم بالسياسة، كاف، وليّ. » قال: « من هو؟ » قال: « زياد. » قال: « هو لها. » فتوجّه ابن عباس إلى عمله بالبصرة. وكان زياد يخلفه بها. فضمّ إليه أربعة آلاف رجل، وولّى فارس، فدوّخها حتى استقاموا.
ذكر سياسة زياد لهذا الوجه
حدّث قوم من أهل فارس قالوا: ورد زياد نواحي فارس، وهي تضطرم. فلم يزل يبعث إلى رؤسائها، يعد من نصره ويمنّيه، ويخوّف من خالفه ويوعده، ويضرّب بعضهم ببعض، ويدارى من يرى مداراته، حتى دلّ بعضهم على عورة بعض، وهربت طائفة، وأقامت طائفة، يقتل بعضها بعضا، حتى صفت له فارس، فلم يلق فيها جمعا، ولا حربا، ولم يقف موقفا واحدا للقتال. وفعل مثل ذلك بكرمان حتى صفت أيضا له.
فقال الناس: « ما رأينا سيرة أشبه بسيرة كسرى أنوشروان، من سيرة هذا العربيّ، في اللين، والمداراة، والعلم بما يأتى. »
دخول بسر بن أرطاة المدينة ومكة وهروب عمال علي
ثم كثرت غارات معاوية على أطراف عليّ، ووجّه بسر بن أرطاة إلى الحجاز.
فدخل المدينة ومكة، وهرب عمال عليّ، وقتل شيعة عليّ. ومضى نحو اليمن، وكان على اليمن عبيد الله بن العباس، فهرب إلى الكوفة، واستخلف عبد الله بن عبد المدان، فأتاه بسر، فقتله، ولحق ثقل عبد الله وفيه ابنان له صغيران، فقتلهما، وبلغ ذلك عليّا، فوجّه جارية بن قدامة في ألفين، ووهب بن مسعود في ألفين.
فسار جارية حتى أتى نجران، وقتل خلقا من شيعة عثمان، وهرب بسر منه، وتبعه حتى دخل مكة والمدينة، وأرجف الناس بموت عليّ. فأخذ الناس ببيعة الحسن بن عليّ، فأبوا، ثم خافوه، فبايعوه، فأقام مدة، ثم انصرف إلى الكوفة.
العراق لعلي والشام لمعاوية
ثم جرت مكاتبات كثيرة بين عليّوبين معاوية، استقرّ آخرها على وضع الحرب بينهما، ويكون لعليّ العراق، ولمعاوية الشام، لا يدخل أحدهما على صاحبه في عمله بجيش، [ ولا غارة ] ولا غزوة، وأن يضعا السيف، ولا يريقا دماء المسلمين، فتراضيا على ذلك.
تحالف الخوارج لقتل علي ومعاوية وعمرو بن العاص
واجتمع بعد ذلك نفر ممن يرى رأى الخوارج، فتذاكروا أصحاب النهر، وترحّموا عليهم، وعابوا ولاتهم، وقالوا: « ما نصنع بالبقاء بعدهم؟ فلو قتلنا أئمة الضلال، لرجونا الأجر والثواب. » فتحالف عبد الرحمن بن ملجم، والبرك بن عبد الله، وعمرو بن بكر التميمي أن يأتى كلّ واحد منهم واحدا من الأئمة الثلاثة يعنون: عليّا، ومعاوية، وعمرو بن العاص، فيغتالونهم.
فأمّا ابن ملجم فقال: « أنا أكفيكم عليّ بن أبي طالب. » وكان من أهل مصر. وقال البرك بن عبد الله: « أنا أكفيكم معاوية. » وقال عمرو بن بكر: « أنا أكفيكم عمرو بن العاص. » فتعاهدوا، وتواثقوا، وأخذوا أسيافهم وسمّوها، واتّعدوا لسبع عشرة من شهر رمضان، أن يثب كلّ واحد منهم على صاحبه الذي توجّه له.
ما جرى بين ابن ملجم وقطام في الكوفة وتعاونهما على قتل علي
فأما ابن ملجم، فإنّه دخل الكوفة، ورأى امرأة يقال لها: قطام، وكان عليّ قتل أباها وأخاها يوم النهر، وكانت فائقة الجمال، فالتبست بعقله، ونسي حاجته التي جاء لها، فخطبها، فقالت: « لا أتزوّجك حتى تشترط إليّ. » فقال: « ما شرطك؟ » قالت: « ثلاثة آلاف، وعبد، وقينة، وقتل عليّ! » قال: « هو لك، وو الله ما وردت إلّا لقتل عليّ. » قالت: « فأنا ألتمس لك من يساعدك على أمرك. » فطلبت له رجلا من قومها، والتمس عبد الرحمن آخر، فصاروا ثلاثة، وأخذوا أسيافهم في الليلة التي واعد عبد الرحمن بن ملجم أصحابه، وجلسوا مقابلي السدّة التي يخرج منها عليّ للصلاة.
فلما خرج، ضربه ابن ملجم، وأقرنه، وهرب، وتصايح الناس، فأخذ ابن ملجم، وحمل إلى عليّ.
فلما رءاه، قال: « أى عدوّ الله! ألم أحسن إليك؟ »
قال: « بلى. » قال: « فما حملك على هذا؟ » قال: « شحذته أربعين صباحا، فسألت الله أن يقتل به شرّ خلقه. » فقال عليّ: « لا أراك إلّا مقتولا به، ولا أراك إلّا شرّ خلق الله. » ثم مات عليّ بن أبي طالبوذلك في شهر رمضان سنة أربعين.
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 6 (0 من الأعضاء و 6 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)