









« اقتلوه! » فقتل رحمه الله.
وأتى برجل آخر من بعده طلبه الحجّاج. فقال الحجّاج:
« إني أرى وجه رجل ما أظنّه يشهد على نفسه بالكفر. » قال:
« أخادعى أنت عن نفسي؟ بلى أنا أكفر أهل الأرض، وأكفر من فرعون ذي الأوتاد. » فضحك الحجّاج وخلّى سبيله.
وتوفّى في هذه السنة المهلّب منصرفه من كسّ يريد مرو وأصابته الشوصة فدعا حبيبا ومن حضر من ولده فوصّاهم.
وصية المهلب إلى ولده حين حضرته الوفاة
قال:
« عليكم بتقوى الله، وصلة الرحم. اجمعوا أمركم ولا تختلفوا. تبارّوا لتجتمع أموركم. إنّ بنى الأمّ يختلفون وكيف ببني العلّات. وعليكم بالطاعة والجماعة، ولتكن أفعالكم أفضل من أقوالكم، فإني أحبّ الرجل أن يكون لعمله فضل على لسانه. واتّقوا الجواب وزلّة اللسان، فإنّ الرجل تزلّ قدمه فينتعش من زلّته، ويزلّ لسانه فيهلك. وآثروا الجود على البخل وأحبّوا العرب، واصطنعوا العرف. فإنّ الرجل تعده العدة فيموت دونك، فكيف الصنيعة عنده! عليكم في الحرب بالأناة والمكيدة، فإنّها أنفع من الشجاعة، وإذا كان [ اللقاء ]، ونزل القضاء. فإن أخذ رجل بالحزم وظهر على العدوّ، قيل: [ أتى ] الأمر من وجهه ثم ظفر. وإن لم يظفر بعد الأناة، قيل: ما فرّط ولا ضيّع، ولكنّ القضاء غالب.
وعليكم بقراءة القرآن وتعلّم السنن وآداب الصالحين. وإيّاكم والخفّة وكثرة الكلام في مجالسكم. اعرفوا حقّ من يغشاكم، فكفى بغدوّ الرجل ورواحه إليكم تذكرة له. وقد استخلفت عليكم يزيد. » فقال المفضّل:
« لو لم تقدّم يزيد لقدّمناه. » ومات المهلّب وصلّى عليه حبيب، ثم سار بالجند إلى مرو. فكتب يزيد إلى عبد الملك بوفاة أبيه واستخلافه إيّاه، فأقرّه الحجّاج. وذلك في سنة اثنتين وثمانين.
ذكر وقعة الحجاج وابن الأشعث بمسكن
لمّا انهزم ابن الأشعث من دير الجماجم، وتفرّق أصحابه حصل خلق منهم بالمدائن مع محمد بن أبي وقّاص وجماعة مع عبيد الله بن عبد الرحمن بن أبي سمرة بن جندب. وخرج الحجّاج في آثارهم، فبدأ بالمدائن. فلمّا بلغ محمد بن سعد عبوره خرج مع أصحابه حتى لحق بابن الأشعث. وخرج إليه عبيد الله بن عبد الرحمن أيضا، واجتمع إليه الناس من كلّ أوب حتى عسكروا معه على دجيل بمسكن، وأتاه فلّ الكوفة، وتلاوم الناس على الفرار، وبايع أكثرهم بسطام بن مصلقة على الموت، وخندق عبد الرحمن على أصحابه، وبثق الماء من جانب، فوجّه القتال من وجه واحد.
وقدم عليه خالد بن حرير بن عبد الله القسري من خراسان في ناس كانوا معه من بعث الكوفة، فاقتتلوا خمس عشرة ليلة من شعبان أشدّ قتال حتى قتل زياد بن عثيم من أصحاب الحجّاج وكان على مسالحه، فهدّه ذلك وهدّ أصحابه. وعبّى أصحابه وحضّهم على القتال، وباكرهم بقاتل لم ير مثله قطّ. وجاءه عبد الملك بن المهلّب مجفّفا وقد كشفت خيل سفيان بن الأبرد.
فقال له الحجّاج:
« ضمّ إليك يا عبد الملك هذا النشر لعلّى أحمل عليهم. » ففعل، وحمل الناس من كلّ جانب، فانهزم أهل العراق أيضا وقتل أبو البختري الطائيّ وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وكانا قالا قبل أن يقتلا:
« إنّ الفرار كلّ ساعة لقبيح بنا. » فصبرا وأصيبا.
ومشى بسطام بن مصقلة في أربعة آلاف ممّن بايعوه على الموت، فهزم أهل الشام مرارا وكشفهم حالا بعد حال، ولم يكن الحجّاج يعرف إليهم طريقا إلّا الطريق الذي يلتقون فيه. فأتى بشيخ كان راعيا، فدلّه على طريق من وراء أجمة في الكرخ طوله ستّة فراسخ في ضحضاح من الماء. فبات الحجّاج الليلة وانتخب من جلد أهل الشام أربعة آلاف، وقال لقائدهم:
« ليكن هذا العلج أمامك وهذه خمسة آلاف درهم. فان أقامك على عسكرهم فادفع إليه المال، وإن كذبنا فاضرب عنقه. فإن رأيتهم فاحمل عليهم في من معك وليكن شعاركم: يا حجّاج يا حجّاج. » فانطلق القائد صلاة العصر، والتقى عسكر الحجّاج وعسكر ابن الأشعث حين فصل القائد بمن معه. فاقتتلوا إلى الليل، فانكشف الحجّاج من جهة بسطام بن مصقلة كما حكينا من أمره قبل، حتى عبر السّيب ودخل ابن الأشعث عسكره فانتهبه.
ذكر تكاسل كان من ابن الأشعث عاد بوبال عليه واتفاق محمود للحجاج
قيل لابن الأشعث:
« الرأي أن تتبعه ولا تنفّس عنه. » فقال:
« [ قد ] تعبنا ولحقنا نصب. » فرجع إلى عسكره، وألقى أصحابه السلاح وباتوا آمنين، في أنفسهم لهم الظفر، وهجم القوم عليهم نصف الليل يصيحون بشعارهم. فجعل الرجل من أصحاب ابن الأشعث لا يدرى أين يتوجّه، دجيل من يساره وجدلة أمامه ولها جرف منكر.
فكان من غرق أكثر ممن قتل. وسمع الحجّاج الصوت، فعبر السيب، وكان قد قطعه إلى عسكره، ثم وجّه خيله إلى القوم، فالتقى العسكران على ابن الأشعث، فانهزم في ثلاثمائة. فمضى على شاطئ دجلة حتى أتى دجيلا، فعبره في السفن وعقروا دوابّهم، وانحدر في السفن إلى البصرة. فدخل الحجّاج عسكره وقتل من وجد، حتى قتل أربعة آلاف، فيهم بسطام بن مصقلة وجماعة من أهل الشرف والصبر.
وخرج ابن الأشعث بمن معه من الفلّ منهزمين نحو سجستان فلمّا دخل كرمان تلقّاه عمرو بن لقيط وكان عامله عليها. فسأله نزلا، ونزل.
فقال له شيخ من عبد القيس يقال له معقل:
« والله، لقد بلغنا عنك يا بن الأشعث أنّك جبان في مواطنك. » فقال عبد الرحمن:
« ما جبنت، والله لقد دلفت إلى الرجال بالرجال، ولففت الخيل بالخيل، ولقد قاتلت وقاتلت راجلا، فما انهزمت، ولا تركت العرصة للقوم في موطن حتى لا أجد مقاتلا، ولا أرى معي مقاتلا، ولكني زاولت ملكا مؤجّلا. » ثم مضى ابن الأشعث بمن معه حتى فوّز في مفازة كرمان وخيل الشام تتبعه، ثم مضى حتى خرج إلى زرنج مدينة سجستان، وفيها رجل من بنى تميم كان استعمله عبد الرحمن عليها يقال له عبد الله بن عامر بن بنى مجاشع. فلمّا قدم عليه ابن الأشعث منهزما أغلق باب المدينة دونه، ومنعه دخولها. فأقام عبد الرحمن أيّاما رجاء افتتاحها ودخولها. فلمّا رأى أنه لا يصل إليها خرج حتى أتى بست، فكان استعمل عليها رجلا يقال له: عياض بن هميان السدوسي، فاستقبله وقال له:
« انزل. »
ذكر طمع عياض في ابن الأشعث
فجاء ابن الأشعث حتى نزل به وانتظر حتى غفل أصحاب عبد الرحمن، وتفرّقوا عنه وثب عليه، فأوثقه وأراد أن يأمن بها عند الحجّاج ويتخذ بها عنده مكانا، وقد كان رتبيل حين سمع بمقدم عبد الرحمن عليه استقبله في جنوده، وجاء حتى أحاط ببست، وبعث إلى البكريّ، والله، لئن آذيته بما يقذى عينه أو ضررته ببعض المضرّة، أو رزأته حبلا من شعر، لا أبرح العرصة حتى أستنزلك فأقتلك وجميع من معك، ثم أسبى ذراريّكم، وأقسّم بين الجند أموالكم، وأقتل من عاند منكم. » فأرسل إليه البكري أن:
« أعطنا أمانا على أنفسنا وأموالنا ونحن ندفعه إليك سالما وما كان له من مال موقّرا. »
فصالحه على ذلك وآمنهم. ففتحوا لابن الأشعث وخلّوا سبيله، فأتى رتبيل فقال له بعد ما أنس وتساءلا:
« هذا الرجل كان عاملي على هذه المدينة، وركب مني ما رأيت، فأذن لي في قتله؟ » قال:
« آمنته وأكره الغدر به. » فقال:
« فأذن لي في لهزه ودفعه والتصغير به. » فقال:
« أمّا هذا فنعم. » ففعل به عبد الرحمن، ثم مضى مع رتبيل حتى دخل بلاده، فأنزله رتبيل وأكرمه وعظّمه وكان معه ناس من الفلّ كثير.
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)