سعيد يقتل حيان بإطعامه ذهبا

ثم مكث أيّاما وقد ثقل سعيد على الناس وضعّفوه، فلم يأمن حيّان. فأمر سعيد بذهب فسحل وألقى في طعام وناوله حيّان. فلمّا علم أنّه قد حصل في جوفه ركب وركب معه الناس وفيهم حيّان. فركض أربعة فراسخ فنزل حيّان وعاش أربعة أيّام ومات في الرابع.
وفي هذه السنة عزل مسلمة بن عبد الملك عن العراق وخراسان وانصرف إلى الشام.
ذكر سبب عزل مسلمة عن العراق وخراسان

كان سبب ذلك أنّ مسلمة لمّا ولى أرض العراق وخراسان لم يرفع من الخراج شيئا، وكان يزيد بن عبد الملك يريد عزله فيستحييه، فيكتب بتشوّقه. فشاور مسلمة عبد العزيز بن حاتم بن النعمان في الشخوص إلى يزيد ليزوره فقال له:
« أمن تشوّق بك إليه؟ إنّك لطروب. » قال:
« إنّه لا بدّ من ذاك. » قال:
« إذا لا تخرج من عملك حتى تلقى الوالي عليه. »
فشخص. فلمّا بلغ دورين لقيه عمر بن هبيرة الفزاريّ على خمس من دوابّ البريد. فدخل عليه ابن هبيرة مسلّما، فقال:
« إلى أين يا ابن هبيرة؟ » قال:
« وجّهنى أمير المؤمنين في حيازة أموال بنى المهلّب. » فلمّا خرج من عنده أرسل إلى عبد العزيز، فجاءه. فقال:
« هذا ابن هبيرة قد لقينا كما ترى. » قال:
« قد كنت أنبأتك. » قال:
« فإنّه إنّما وجّه لحيازة أموال بنى المهلّب. » قال:
« هذا أعجب من الأوّل: يصرف عن الجزيرة ويوجّه في حيازة أموال بنى المهلّب. » قال: فلم يلبث أن جاءه عزل ابن هبيرة عمّاله والغلظة عليهم. فقال الفرزدق:
راحت بمسلمة الركاب مودّعا ** فارعى فزارة لا هناك المرتع
ولقد علمت لئن فزارة أمّرت ** أن سوف تطمع في الإمارة أشجع
ظهور أمر الدعاة في خراسان

وفي هذه السنة غزا عمر بن هبيرة الروم. فسبى سبعمائة أسير وفيها أيضا وجّه ميسرة رسله من العراق إلى خراسان، فظهر أمر الدعاة فيها.
وكان سعيد خدينة يومئذ بخراسان، فأتاه آت فقال:
« إنّ ها هنا قوما يدعون إلى إمام لهم وقد ظهر منهم كلام قبيح. » فبعث سعيد إليهم فقال:
« من أنتم؟ » قالوا:
« ناس من التجار. » قال:
« فما الذي يحكى عنكم؟ » قالوا:
« لا ندري. » قال:
« جئتم دعاة؟ » فقالوا:
« إنّ لنا في أنفسنا شغلا عن هذا. » فقال:
« من يعرف هؤلاء؟ » فجاء قوم من خراسان جلّهم من ربيعة واليمن. فقالوا:
« نحن نعرفهم، وهم علينا إن أتاك منهم شيء تكرهه. » فخلّى سبيلهم.
ثم دخلت سنة ثلاث ومائة

سبب عزل سعيد خدينة عن خراسان

وفيها عزل عمر بن هبيرة سعيد خدينة عن خراسان. وذاك أنّ الناس شكوا سعيد خدينة. فكتب عمر بن هبيرة بذلك إلى يزيد، وكتب بأسماء من أبلى يوم العقر، ولم يذكر سعيد بن عمرو الحرشيّ. فكتب إليه يزيد بن عبد الملك:
« لم لم تذكر الحرشيّ؟ ولّه خراسان! » فولّاه، وخرج سعيد الحرشيّ وقدم خراسان في سنة ثلاث ومائة والناس بإزاء العدوّ، وقد كانوا نكبوا. فخطبهم وحثّهم على الجهاد وقال:
« إنّكم لا تقاتلون عدوّ الإسلام بكثرة ولا بعدّة، ولكن بنصر الله وعزّ الإسلام. »
وكان شاعرا، فقال:
فلست لعامر إن لم تروني ** أمام الخيل أطعن بالعوالي
وأضرب هامة الجبّار منهم ** بعضب الحدّ حودث بالصقال
فما أنا في الحروب بمستكين ** ولا أخشى مصاولة الرجال
أبي لي والدي من كلّ ذمّ ** وخالي في الحوادث غير خال
إذا خطرت أمامى حيّ كعب ** وزافت كالجبال بنو هلال
وكانت السغد قد أعانت الترك أيّام خدينة. فلمّا وليهم الحرشيّ خافوا على أنفسهم. فأجمع عظماؤهم على الخروج من بلادهم، فقال لهم ملكهم:
« لا تفعلوا، أقيموا واحملوا إليه خراج ما مضى، واضمنوا له خراج ما تستقبلون، واضمنوا له عمارة أرضكم، والغزو معه، إن أراد ذلك، واعتذروا إليه ممّا كان منكم، وأعطوه رهائن تكون في يديه. » قالوا:
« لا نفعل، فإنّه لا يرضى ولا يقبل ذلك منّا. ولكنّا نأتى خجندة فنستجير بملكها ونرسل إلى الأمير فنسأله الصفح عما كان منه ونوثق له ألّا يرى منّا أمرا يكرهه. » فقال:
« أنا رجل منكم، وما أشرت به فهو خير لكم. » فأبوا وخرجوا إلى خجندة، وخرج كارزنج، وكشر، وشاركث، وثابت بأهل إشتيخن. وأرسلوا إلى ملك فرغانة، وهو الطار، يسألونه أن يمنعهم وينزلهم مدينته. فأرسل إليهم:
« سمّوا لي رستاقا أفرّغه لكم، وأجّلونى عشرين يوما، وإن شئتم فرّغت لكم شعب عصام بن عبد الله الباهليّ. » وكان قتيبة خلّفه فيه، فقيل: شعب عصام. فأرسلوا إليه:
« فرّغه لنا. » قال:
« نعم، وليس لكم عليّ عقد ولا جوار حتى تدخلوه، وإن أتتكم العرب قبل أن تدخلوه لم أمنعهم. » فرضوا، ففرّغ لهم الشّعب. وقد كان هذا الشعب من رستاق أسفرة، وأسفرة يومئذ إلى وليّ عهد ملك فرغانة وهو بلاذا، وكان قال لهم كارزنج:
« أخيّركم ثلاث خصال إن تركتموها هلكتم. إنّ سعيدا فارس العرب، وقد وجّه على مقدّمته عبد الرحمن بن عبد الله القشيريّ في كماة أصحابه، فبيّتوه واقتلوه. فإنّ الحرشيّ إن أتاه خبره لم يغزكم. » فأبوا عليه. قال:
« فاقطعوا إليه نهر الشاش، وسلوه: ما تريدون؟ فإن أجابكم، وإلّا مضيتم إلى سرباب. » قالوا:
« لا. » قال:
« فأعطوهم الخراج. »
فأبوا. ولحق كار زنج وأهل السغد بخجندة.