









وهمّ الوليد بعزل يوسف عن العراق فكتب إليه:
« إنّك كنت كتبت إلى أمير المؤمنين بتخريب ابن النصرانية البلاد وقد كنت تحمل إلى هشام ما تحمل وقد ينبغي أن تكون عمرت البلاد ووفّرت الدخل فاشخص إلى أمير المؤمنين وصدّق ظنّه بك فيما تحمل إليه لعمارتك البلاد وليعرف أمير المؤمنين فضلك على غيرك، فانّك خاله وأحقّ الناس بالتوفير وقد علمت ما أمر به أمير المؤمنين لأهل الشام وغيرهم من الزيادة في أعطياتهم وما وصل به أهل بيته لطول جفوة هشام إيّاهم حتى أضرّ ذلك ببيوت الأموال. » فخرج يوسف واستخلف عمّه يوسف بن محمد وحمل من الأموال والأمتعة والآنية ما لم يحمل من العراق مثله، فقدم يوسف وخالد بن عبد الله محبوس فلقيه حسّان النبطي ليلا فأخبره أنّ الوليد عازم على تولية عبد الملك بن محمد بن الحجّاج بن يوسف. وقال له:
« لا بدّ لك من إصلاح أمر وزرائه. » فقال:
« ليس عندي فضل درهم. » قال:
« فعندي خمسمائة ألف درهم إن شئت فهي لك وإن شئت فارددها إذا تيسّرت. » قال:
« فأنت أعرف بالقوم ومنازلهم من الخليفة مني ففرّقها على قدر علمك فيهم. » ففعل. فقدم يوسف والقوم يعظّمونه. فقال له حسّان:
« لا تغد إلى أمير المؤمنين ولكن رح إليه رواحا واكتب على لسان خليفتك كتابا إليك: إني كتبت ولا أملك إلّا القصر ثم ادخل على الوليد والكتاب معك متحازنا فأقرئه الكتاب وأمر ابان بن عبد الرحمن أن يشترى منه خالدا بأربعين ألف ألف. » ففعل يوسف فقال له الوليد:
« إرجع إلى عملك. » فقال ابان بن عبد الرحمن:
« ادفع إليّ خالدا وأحمل إليك أربعين ألف ألف. » قال:
« ومن يضمن عنك؟ » قال:
« يوسف. » فقال:
« أتضمن عنه؟ » قال:
« بل ادفعه إليّ فأنا أستأديه خمسين ألف ألف. » فدفعه إليه فحمله في غير وطاء في محمل مكشوف وقدم به الكوفة فقتله بالعذاب.
وكانت اليمانية أتت يزيد بن الوليد فأرادوه على البيعة فشاور فقيل:
« لا يبايعك الناس فشاور أخاك العبّاس بن الوليد فإنّه سيّد بنى مروان فإن بايعك لن يخالفك أحد وإن أبي كان الناس أطوع له، فإن أبيت إلّا المضيّ على رأيك فأظهر أنّ العبّاس قد بايعك. » وكانت الشام وبيئة تخرج الملوك منها إلى البوادي وكان يزيد بن الوليد بن عبد الملك متبدّيا وكذلك العبّاس بن الوليد وبينهما أميال يسيرة فأتى يزيد أخاه العبّاس فشاوره وعاب الوليد.
فقال له العبّاس:
« مهلا يا يزيد فإنّ في نقض عهد الله فساد الدين والدنيا. » فرجع يزيد إلى منزله ودبّ في الناس فبايعوه سرّا، وبثّ ثقاته يدعون إليه ويلعنون الوليد وبلغ العبّاس أخاه، فقال له:
« لئن عاودت لما يبلغني لأشدّنّك وثاقا ولأحملنّك إلى أمير المؤمنين. » فلم ينته يزيد وبلغ معاوية بن عمرو بن عتبة خوض الناس فأتى الوليد فقال:
« يا أمير المؤمنين إنّك تبسط لساني بالأنس بك وأكفّه بالهيبة لك وأنا أسمع ما لا تسمع وأخاف عليك ما أراك تأمن. أفأتكلّم ناصحا أم أسكت مطيعا؟ » قال:
« كلّ مقبول منك ولله فينا علم غيب نحن صائرون إليه، ولو علم بنو مروان أنّ ما يوقدون عليّ رضف يلقونه في أجوافهم ما فعلوا، ونعود فأسمع منك. » وبلغ مروان بن محمد بأرمينية أنّ يزيد يؤلّب الناس ويدعوا إلى خلع الوليد فكتب إلى سعيد بن عبد الملك يأمره أن ينهى الناس ويكفّهم وكان سعيد يتألّه، فقال:
« إنّ الله جعل لكلّ أهل بيت أركانا يعتمدون عليها ويتّقون بها المخاوف وأنت بحمد ربّك ركن من أركان أهل بيتك وقد بلغني أنّ قوما من سفهاء أهل بيتك قد أسّسوا أمرا إن تمّت لهم رؤيّتهم فيه على ما أجمعوا عليه من نقض بيعتهم، استفتحوا بابا لن يغلقه الله عنهم حتى يسفك دماء كثير منهم، وأنا مشغول بأعظم الثغور فرجا، ولو جمعتني وإيّاهم لرممت فساد أمرهم بيدي ولساني، ولخفت الله في ترك ذلك لعلمي بما في عواقب الفرقة وأنّه لن ينتقل سلطان قوم إلّا بتشتت كلمتهم وأنّ كلمتهم إذا تشتّتت طمع فيهم عدوّهم وأنت أقرب إليهم مني فاحتل لعلم ذلك بإظهار المتابعة لهم فإذا صرت إلى علم ذلك فتهدّدهم بإظهار إسرارهم وخذهم بلسانك وخوّفهم العواقب لعل الله أن يرد عليهم ما قد عزب من أحلامهم فإنّ فيما سعوا فيه تغيّر النعم وذهاب الدولة فعاجل الأمر وحبل الألفة مشدود والناس سكون والثغور محفوظة وقد أمّل القوم في الفتنة أملا لعلّ أنفسهم تهلك دون ما أمّلوا ولكلّ أهل بيت مشائيم يغيّر الله بهم النعمة فأعاذك الله من ذلك وحفظ عليك دينك. » فأعظم سعيد ذلك وبعث بكتابه إلى العبّاس فأعاد العبّاس موعظة يزيد وتهديده وقال:
« يا أخي أخاف أن يكون بعض من حسدنا على هذه النعمة أراد أن يغرى بيننا. » وحلف له أنّه لم يفعل. فصدّقه.
فلمّا اجتمع ليزيد أمره وهو متبدّ أقبل إلى دمشق وبينه وبينها أربع ليال متنكّرا في سبعة على حمر وكان أهل دمشق قد بايعوا ليزيد سرّا، إلّا معاوية بن مصاد وكان سيّد أهل المزّة، وبين المزّه وبين دمشق ميل.
فمضى يزيد من ليلته ما شاء في نفير من أصحابه إلى مزّة فأصابهم مطر شديد فأتوا منزل معاوية فضربوا بابه ففتح لهم فلمّا رأى يزيد قال:
« إلى الفراش أصلحك الله. » قال:
« إنّ في رجلي طينا وأكره أن أفسد بساطك. » قال:
« إنّ الذي تريدنا عليه أفسد. » وكلّمه يزيد، فبايعه، ورجع يزيد إلى دمشق ونزل دار سليمان بن سعيد الجشمي وكان على دمشق عبد الملك بن محمد بن الحجّاج بن يوسف فخاف الوباء وخرج واستخلف ابنه وكان على شرطته أبو العاج كثير بن عبد الله السّلمى، فأجمع يزيد على الظهور. وقيل للعامل: إنّ يزيد خارج. فلم يصدّق، وأرسل يزيد أصحابه بين المغرب والعشاء ليلة الجمعة سنة ستّ وعشرين ومائة، فكمنوا عند باب الفراديس حتى سمعوا أذان العتمة، فدخلوا المسجد وصلّوا وللمسجد حرس قد وكّلوا بإخراج الناس من المسجد باليل. فلما صلّى الناس صاح الحرس وتباطأ أصحاب يزيد وجعلوا يخرجون من باب ويدخلون من باب حتى لم يبق إلّا الحرس وأصحاب يزيد.
فأخذوا الحرس ومضى ابن عنبسة إلى يزيد بن الوليد وقال:
« قم يا أمير المؤمنين وأبشر بنصر الله تعالى وعونه. » فقام وقال:
« اللهم إن كان هذا لك رضا فأعنّى عليه وإن كان غير رضا فاصرفه عني بموت. » وأقبل في اثنى عشر رجلا فلمّا كانوا عند سوق الحمر لقوا أربعين رجلا من أصحابهم. فلمّا كانوا عند سوق القمح لقيهم زهاء مائتي رجل من أصحابهم فمضوا إلى المسجد ودخلوه فضربوا باب المقصورة وقال رسل الوليد: ففتح لهم خادم الباب فأخذوه ودخلوا فأخذوا أبا العاج وهو سكران وأخذوا خزّان بيت المال وصاحب البريد. وأرسل إلى كلّ من يحذره، فأخذوه. وتوجّه رسل يزيد من ليلته إلى محمد بن عبيد وهو على بعلبك فأخذه وأرسل من ليلته إلى محمد بن عبد الملك بن الحجّاج بن يوسف، فأخذه وقال:
« استدعوا أصحابنا من النواحي. » وقال للبوّابين:
« لا تفتحوا الباب غدوة إلّا لمن أخبركم بشعارنا. » فتركو الأبواب بالسلاسل فلمّا أصبحوا جاء أهل المزّة وغيرهم فما انتصف النهار حتى تتابع الناس وكان في المسجد سلاح كثير قدم به سليمان بن هشام من الجزيرة فلم يكن الخزّان قد قبضوه فأصابوا سلاحا كثيرا عتيدا وتتابع الناس من كلّ ناحية وأرسل يزيد بن الوليد إلى عبد العزيز بن الحجّاج بن عبد الملك وأمره أن يقف بباب الجابية وقال:
« من كان له عطاء فليأت إلى عطاءه ومن لم يكن له عطاء فله ألف درهم معونة. » وقال لبنى الوليد بن عبد الملك وكان معه منهم ثلاثة عشر:
« تفرقوا في الناس يروكم، وحضّوهم. » ونادى مناديه:
« من ينتدب إلى الفاسق وله ألف درهم؟ » فانتدب ألف رجل. ثم نادى مناديه:
« من ينتدب وله ألف وخمسمائة؟ » فانتدب نحو من ألفين. فعقد لجماعة. وجعل عليهم جميعا عبد العزيز بن الحجّاج عبد الملك. فخرج عبد العزيز حتى عسكر بالحيرة. وبلغ الخبر الوليد فأنفذ أبا محمّد ابن عبد الله بن يزيد بن معاوية وأجازه وجهّزه ووجهه إلى دمشق. فخرج أبو محمّد. فلمّا انتهى إلى ذنبة أقام فوجّه إليه يزيد بن الوليد عبد الرحمن بن مصاد فسالمه أبو محمّد وبايع ليزيد بن الوليد وأتى الوليد الخبر وهو بالأعدف.
ذكر آراء أشير بها على الوليد فساقه الحين إلى أحدهما
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)