









ثم أشار عليه هؤلاء وقالوا:
« قد بذل لك الأمان فاقبله، فإنّما غايتك اليوم السلامة واللهو، وليس يمنعك أخوك من ذلك وسينزلك حيث تحبّ ويفردك مع من تحبّ وتهوى، وليس عليك منه بأس ولا مكروه. » فركن إلى ذلك وأجابهم إلى الخروج إلى هرثمة دون طاهر، وكان استشعر خوفا من طاهر. وكان جماعة من أصحابه يكرهون هرثمة، لأنّهم كانوا من أصحابه وقد عرفهم وعرفوه وخافوا أن يجفوهم ولا يجعل لهم مراتب.
فدخلوا على محمد فقالوا:
« أمّا إذ أبيت ما أشرنا به وهو الصواب وقبلت رأى هؤلاء وهو الخطأ، فالخروج إلى طاهر خير لك من الخروج إلى هرثمة. » فقال لهم محمد:
« ويحكم إني أكره طاهرا وذلك أنّى رأيت في منامي كأنّى قائم على حائط من آجر شاهق في السماء عريض الأساس وثيق لم أر حائطا يشبهه في الطول والعرض والوثاقة وعليّ سوادي ومنطقتي وسيفي وقلنسوتي وخفّى، وكان طاهر في أصل ذلك الحائط، بيده بيل يضرب به أصل الحائط فما زال يضرب أصله حتى سقط الحائط وسقطت وندرت قلنسوتي عن رأسى وأنا أتطيّر منه وأكره الخروج إليه، وهرثمة مولانا وبمنزلة الوالد وأنا به أشدّ ثقة. » فلمّا همّ محمد بالخروج إلى هرثمة وسعى له بذلك وأجابه هرثمة إلى ما أراد، اشتدّ ذلك على طاهر وأبي أن يرفّه عنه ويدعه يخرج وقال:
« هو في حيّزى والجانب الذي أنا فيه وأنا أخرجته بالحرب والحصار حتى طلب الأمان فلا أرضى أن يخرج إلى هرثمة دوني فيكون الفتح له. » فلمّا رأى هرثمة والقوّاد ذلك اجتمعوا في منزل خزيمة بن خازم، فصار إليهم طاهر في خاصّة قوّاده وحضر محمد بن عيسى بن نهيك والسندي بن شاهك وأداروا الرأي بينهم. فأخبروا طاهرا أنّه لا يخرج إليه أبدا وأنّه إن لم يجب إلى ما سأل لم يؤمن أن يجرى في أمره ما جرى مثله أيّام الحسين بن عليّ بن عيسى بن ماهان وقالوا له:
« يخرج ببدنه إلى هرثمة إذ كان يأنس به ويثق بناحيته ويدفع الخاتم والقضيب والبردة وذلك هو الخلافة إليك، فلا تفسد هذا الأمر واغتنمه. » فأجاب طاهر إلى ذلك ورضى.
ولمّا تهيّأ محمد للخروج خرج إلى صحن القصر فقعد على كرسيّ وقام خدمه بين يديه بالأعمدة. وجاءه خادم فقال:
« يا سيّدي، أبو حاتم يقرأ عليك السلام - يعنى هرثمة - ويقول لك: يا سيّدي وافيت للميعاد لحملك، ولكني رأيت ألّا تخرج الليلة فإني قد رأيت - وفي دجلة وعلى الشطّ - أمر قد رابنى وأخاف أن أغلب فتؤخذ من يدي أو تذهب نفسك ونفسي، ولكن أقم بمكانك حتى أرجع فاستعدّ، ثم آتيك القابلة، فأخرجك، فإن حوربت دونك حاربت ومعي عدّتى. » قال: فقال له محمد:
« إرجع إليه فقال له: لا تبرح، فإني خارج إليك الساعة لا محالة. » قال: وقلق:
« إنّه قد تفرّق عني الناس ومن على بابى من الموالي والحرس ولا آمن إن أصبحت وانتهى خبري إلى طاهر أن يدخل عليّ فيأخذنى. » ثم دعا بفرس له أدهم أغرّ محجّل كان يسمّيه: الزهيرى، ودعا بابنيه فضمّهما إليه وشمّهما وقال:
« أستودعكما الله. » ودمعت عيناه، فجعل يمسح دموعه بكمّه، ثم قام فوثب على الفرس وخرجنا بين يديه إلى باب القصر حتى ركبنا دوابّنا وبين يديه شمعة واحدة حتى خرجنا إلى المشرعة، فإذا حرّاقة هرثمة، فنزل في الحرّاقة.
ورجعنا إلى المدينة فدخلناها وأمرنا بالباب فأغلق وسمعنا الواعية فصعدنا القبّة التي على الباب نتسمّع الصوت.
فذكر أحمد بن سلام صاحب المظالم أنّه قال: كنت مع هرثمة مع قوّاده في الحرّاقة. فلمّا دخل محمد الحرّاقة قمنا على أرجلنا إعظاما له وجثا هرثمة على ركبتيه وقال:
« يا سيّدي لا أقدر على القيام لمكان النقرس الذي بي. » ثم احتضنه وصيّره في حجره وجعل يقبّل يديه ورجليه وعينيه ويقول:
« سيّدي ومولاي وابن سيّدي ومولاي. » وجعل محمد يتصفّح وجوهنا ونظر إلى عبيد الله بن الوضّاح فقال:
« أيّهم أنت؟ » قال: « أنا عبيد الله بن الوضّاح. »
قال: « نعم جزاك الله خيرا فما أشكرنى لما كان منك في أمر الثلج ولو قد لقيت أخي - أبقاه الله - لم أدع شكرك عنده. » قال: فبينا نحن كذلك، وقد أمر هرثمة بالحرّاقة أن تدفع، إذ شدّ علينا أصحاب طاهر في الزواريق وعطعطوا وتعلّقوا بالسكّان وبعض يقطع السكّان وبعض ينقب الحرّاقة وبعض يرمى بالنشّاب فنقبت الحرّاقة سريعا ودخلها الماء وغرقت وسقط هرثمة إلى الماء وسقطنا كلّنا فتعلّق الملّاح بشعر هرثمة فأخرجه وخرج كلّ واحد منّا على حياله لقربنا من الشطّ ورأيت محمدا في تلك الحال وقد شقّ عنه ثيابه ورمى بنفسه إلى الماء. فأمّا أنا فتعلّق بي رجل من أصحاب طاهر ومضى بي إلى رجل قاعد على كرسيّ على شطّ دجلة وبين يديه نار توقد. فقال له بالفارسية:
« هذا رجل أخرج من الماء ممّن غرق من أهل الحرّاقة. » فقال لي:
« ممّن أنت؟ » قلت: « من أصحاب هرثمة أنا أحمد بن سلام صاحب المظالم مولى أمير المؤمنين. » قال: « كذبت فاصدقني. » قلت: « قد صدقتك. » قال: « فما فعل المخلوع؟ » قلت: « رأيته حين شقّ عنه ثيابه وقذف بنفسه في الماء. » قال: « قدّموا دابّتى. » فقدّموا دابّته فركب وأمر بي أن أجنب، فجعل في عنقي حبل وجنبت وأخذ في درب الزبيدية. ولمّا ع*** ساعة انبهرت فلم أقدر على العدو فقمت. فقال الذي خلفي:
« قد قام هذا الرجل وليس يعدو. » قال: « انزل فخذ رأسه. » قلت: « جعلت فداك، ولم تقتلني وأنا رجل لله عليّ نعمة ولا أقدر على العدو وأنا أفدى نفسي بعشرة آلاف درهم. » فلمّا سمع ذكر العشرة آلاف قال للرجل الذي أمره بقتلى:
http://mgtrben.net/viewimages/e69639c596.jpg
مطلوب للأنتربول الدولي خرج تسلموني
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 4 (0 من الأعضاء و 4 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)