فارس وراجل. فأعطى الفارس أربعين درهما والراجل عشرين درهما. نكير المطوعة على الفساق ببغداد

وفي هذه السنة تجرّدت المطوّعة للنكير على الفسّاق ببغداد ورئيسهم خالد الدريوش وسهل بن سلامة الأنصاري من أهل خراسان.
ذكر السبب الذي فعلت المطوعة له ذلك

كان فسّاق الحربية والشطّار الذين كانوا ببغداد والكرخ آذوا الناس أذى شديدا وأظهروا الفسق وقطع الطريق وأخذ الغلمان والنساء علانية من الطرق.
فكانوا يأتون الرجل فيأخذون ابنه فيذهبون به فلا يقدر أن يمتنع عليهم، وكانوا يسألون الرجل أن يقرضهم أو يصلهم، فلا يقدر أن يمتنع عليهم، وكانوا يجتمعون فيأتون القرى فيكابرون أهلها ويأخذون ما قدروا عليه من متاع ومال وغيره لا سلطان يمنعهم، ولا يقدر على ذلك منهم، لأنّ السلطان كان يعتزّ بهم فكان لا يقدر أن يمنعهم من فسق يركبونه، وكانوا يجبون المارّة في الطرق والسفن، ويخفرون البساتين، وكان الناس منهم في بلاء عظيم. وخرجوا يوما إلى قطربّل، فانتهبوها علانية وأخذوا المتاع والذهب والفضّة والغنم والبقر والحمير وغير ذلك، فأدخلوها بغداد وجعلوا يبيعونها علانية.
فلمّا رأى الناس ذلك وظهور البغي والفسق والنهب، وأنّ السلطان لا يغيّره، مشى بعضهم إلى بعض وقام صلحاء كلّ ربض ودرب، فمشى بينهم أماثلهم وقالوا:
« يا قوم إنّما في كلّ درب فاسق واثنان إلى عشرة، وعددكم بعد أكثر.
فلو اجتمعتم حتى يكون أمركم واحدا لقمعتم هؤلاء الفسّاق واحتشموكم. » فقام رجل من طريق الأنبار يعرف بالدريوش، فدعا جيرانه وأهل محلّته على أن يعاونوه على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فأجابوه إلى ذلك.
فشدّ على من يليه من الفسّاق والشطّار، فمنعهم ممّا كانوا يصنعون، فامتنعوا عليه فقاتلهم وهزمهم وأخذ بعضهم فضربهم وحبسهم.
قيام سهل بن سلامة

ثم قام بعده رجل آخر يقال له: سهل بن سلامة الأنصاري من أهل خراسان، وتكنّى أبا حاتم، فدعا الناس إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والعمل بكتاب الله وسنّة نبيه محمد وعلّق مصحفا في عنقه، ثم بدأ بجيرانه وأهل محلّته فأمرهم ونهاهم فقبلوا منه، ثم دعا الناس جميعا إلى ذلك، الشريف منهم والوضيع، وجعل ديوانا يثبت فيه اسم من أتاه يبايعه على ذلك وقتال من خالفه كائنا من كان، فأتاه خلق كثير فبايعوه. ثم إنّه طاف ببغداد وأسواقها وأرباضها وطرقها ومنع كلّ من يخفر ويجبى المارّة وقال:
« لا خفارة في الإسلام. » والخفارة أنّ الرجل منهم كان يأتى إلى من له دار أو بستان أو تجارة فيقول:
« أنت في خفرتى لا يتعرّض أحد لمالك، أدفع من أرادك بسوء ولى في عنقك كلّ شهر كذا وكذا درهما. » فيعطيه.
وقوى على ذلك فقمع أهل الشرّ وكان يخالفه الدريوش في أنّه كان لا يغيّر على السلطان شيئا ولا يخالفه ولا يقاتله ويقول:
« أنا لا أرى مخالفة أمر السلطان بشيء. » وقال سهل بن سلامة:
« أنا أرى قتال كلّ من خالف الكتاب والسنّة كائنا من كان. » فلمّا فشا ذلك وقوى، ضعف أمر منصور بن المهدي وعيسى بن محمد بن أبي خالد لأنّ معظم أصحابهم الشطّار ومن لا خير فيه، فكسرهم ذلك.
ودخل منصور بن المهدي بغداد فكاتب الحسن بن سهل وسأله الأمان له ولأهل بيته على أن يعطى الحسن جنده وسائر أهل بغداد من المرتزقة رزق ستّة أشهر إذا أدركت الغلّة. فأجابه الحسن إلى ذلك. وارتحل الحسن من معسكره فدخل بغداد وتقوّضت تلك العساكر وأشرك بين عيسى ويحيى بن عبد الله ابن عم الحسن بن سهل في ولاية السواد وأعمال بغداد.
وكان أهل عسكر المهدي مخالفين لعيسى. فوثب المطّلب بن عبد الله بن مالك الخزاعي يدعو إلى المأمون وإلى الفضل والحسن ابني سهل. فامتنع عليه سهل بن سلامة وقال:
« ليس على هذا بايعتني. » وتحوّل منصور بن المهدي وخزيمة بن خازم والفضل بن الربيع وكانوا بايعوا سهل بن سلامة على ما يدعو إليه من العمل بالكتاب والسنّة، فنزلوا بالحربية هربا من المطّلب، وجاء سهل بن سلامة إلى الحسن وبعث الى المطّلب، فأبى أن يجيبه فقاتله سهل أيّاما قتالا شديدا ثم اصطلح عيسى والمطلب، فدسّ عيسى إلى سهل من اغتاله وضربه بالسيف ضربة لم يعمل كبير عمل.
فلمّا اغتيل سهل رجع إلى منزله وقام عيسى بأمر الناس فكفّوا عن القتال.
ثم بعث عيسى إلى سهل بن سلامة، فاعتذر إليه ممّا صنع وبايعه، وأمره أن يعود إلى ما كان عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأنّه عونه على ذلك، فعاد سهل إلى ما كان عليه.
المأمون يجعل علي بن موسى (ع) ولي عهد المسلمين

وفي هذه السنة جعل المأمون عليّ بن موسى بن جعفر بن محمد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب وليّ عهد المسلمين، والخليفة من بعده، وسمّاه: الرضا من آل محمد، وأمر جنده بطرح السواد ولبس ثياب الخضرة، وكتب بذلك إلى الآفاق.
ذكر الخبر عن ذلك وسببه وما آل إليه الأمر

بينا عيسى بن محمد بن أبي خالد يعرض أصحابه منصرفه من معسكره إلى بغداد، إذ ورد عليه كتاب من الحسن بن سهل، يعلمه أنّ أمير المؤمنين المأمون قد جعل عليّ بن موسى وليّ عهده من بعده، وأنّه نظر في بنى العباس وبنى عليّ فلم يجد أفضل ولا أورع ولا أعلم منه، وأنّه سمّاه: الرضا من آل محمد، وأمره بطرح السواد، ولبس ثياب الخضرة، وذلك في شهر رمضان سنة إحدى ومائتين، ويأمره أن يأمر من قبله من أصحابه والجند وبنى هاشم بالبيعة له، وأن يأخذهم بلبس الخضرة في أقبيتهم وقلانسهم وأعلامهم ويأخذ أهل بغداد بذلك.
فلمّا أتى عيسى ذلك دعا أهل بغداد إلى ذلك، على أن يعجّل لهم رزق شهر، والباقي إذا أدركت الغلّة.
فقال بعضهم:
« نبايع ونلبس الخضرة. » وقال بعضهم:
« لا نبايع ولا نخرج هذا الأمر من ولد العبّاس، وإنّما هذا دسيس من قبل الفضل بن سهل. » وغضب بنو العبّاس، ومشى بعضهم إلى بعض وقالوا:
« نولّى بعضنا ونخلع المأمون. » وكان المتكلّم في هذا والساعي له منصور وإبراهيم ابنا المهدي.