كان مازيار منافرا لآل طاهر لا يحمل الخراج إليهم وكان المعتصم يكتب إليه يأمره بحمله إليهم فلا يحمل ويقول:
« أحمله إلى أمير المؤمنين. » فكان المعتصم يأمر بالمال إذا بلغ همذان أن يستوفيه عامله، ثم يسلّمه إلى صاحب عبد الله بن طاهر ليردّه إلى خراسان. ولمّا ظفر الأفشين ببابك ونزل من المعتصم المنزلة التي لا يتقدّمه فيها أحد وبلغه منافرة مازيار آل طاهر طمع في ولاية خراسان ورجا أن يكون ذلك سببا لعزل عبد الله بن طاهر.
فدسّ الكتب إلى مازيار يعلمه ميله إليه بالدهقنة ويظهر مودّته ويقول أنّه قد وعد بولاية خراسان.
فدعا ذلك مازيار إلى الاستمرار في عداوة آل طاهر وترك حمل الخراج إليه، وما شكّ الأفشين، إن كاشف وخالف، سيطاول عبد الله بن طاهر حتى يحتاج المعتصم أن يوجّهه وغيره إليه ولم يزل يكاتب مازيار ويبعثه على محاربة عبد الله بن طاهر ويهوّن أمره عنده حتى خالف وأخذ رهائن أكابر أهل ناحيته وأمر الأكرة بانتهاب أموال أرباب الضياع وغلّاتهم والأفشين في كلّ ذلك يكاتبه ويعرض عليه النصرة.
وأخذ مازيار الناس بالخراج فجبى جميع الخراج في شهرين وكان يجبى كلّ سنة الثلث في أربعة أشهر. وهرب رجل ممّن أخذت رهينته.
فجمع أبو صالح سرخاستان خليفة المازيار الناس بسارية وقال:
« كيف يثق بكم الملك وهذا فلان ممّن حلف وأعطى الرهينة ثم نكث وخرج فأنتم لا تفون ولا تكرهون الحنث فكيف يرجع لكم الملك إلى ما تحبّون؟ »
فقال بعضهم:
« نقتل الرهينة حتى لا يعود غيره إلى الهرب. » فقال: « أو تفعلون؟ » قالوا: « نعم. » فكتب أبو صالح إلى صاحب الرهائن يأمره أن يوجّه بابن الهارب. فلمّا حمل إلى سارية ندم الناس على ما قالوا وجعلوا يرجعون على من أشار بذلك باللوم، فجمعهم أبو صالح وقال:
« قد ضمنتم لي قتل الرهينة وها هو قد حضر فاقتلوه. » فقال بعضهم:
« أصلح الله الأمير، إنّك أجّلت من خرج عن البلد شهرين وهذا الرهينة قبلك فنسألك أن تؤجّله شهرين فإن رجع أبوه وإلّا أمضيت فيه رأيك. » فغضب ودعا بصاحب حرسه فأمر بصلب الغلام. فسأله الغلام أن يأذن له حتى يصلّى ركعتين. فأذن له فطوّل في صلاته وهو يرعد وقد مدّ له جذع، فجذبوا الغلام من صلاته ومدّوه حتى اختنق ومات.
ثم أمر أهل سارية أن يخرجوا إلى آمل وتقدّم إلى أصحاب المسالح في إحضار أهل الخنادق من الأبناء والعرب فأحضروا ومضى معهم إلى آمل وقال لهم:
« إني أريد أن أشهدكم على أهل آمل وأشهد أهل آمل عليكم وأردّ ضياعكم وأموالكم، فإن لزمتم الطاعة والمناصحة زدناكم من عندنا ضعف ما أخذناه منكم. » فلمّا وافوا آمل ميّز أهل سارية ناحية ناحية ووكّل بهم وكتب أسماء جميع أهل آمل حتى لم يخف عليه منهم أحد، ثم عرضهم على الأسماء حتى اجتمعوا، وتقدّم إلى أصحاب السلاح حتى أخدقوا بهم ووكّل بكلّ رجل رجلين وساقهم مكتّفين حتى وافى بهم جبلا يعرف بهرمزديار وكبّلهم بالحديد وبلغت عدّتهم عشرين ألفا فحبسهم هناك، وفعل مثل ذلك بوجوه العرب والأبناء وكبّلهم وحبسهم ووكّل بهم.
فلمّا تمكّن مازيار واستوى أمره وحبس كلّ من يخشى غائلته وأمن جميع أصحابه وأمر سرخاستان بتخريب سور مدينة آمل فخرّبه بالطبول والمزامير ثم سار إلى ساريه ففعل بها مثل ذلك ثم فعل بطميش - وهي على حدّ جرجان من عمل طبرستان - مثل ذلك وعمل سورا من طميش إلى البحر مقدار ثلاثة أميال. وكانت الأكاسرة بنته بينها وبين الترك لأنّ الترك كانت تغير على أهل طبرستان في أيّامها.
ونزل سرخاستان معسكرا بطميش وصيّر حولها خندقا وثيقا وأبراجا للحرس وصيّر عليها بابا وثيقا ووكّل به الثقات. ففزع أهل جرجان فهرب منهم قوم إلى نيسابور. وانتهى الخبر إلى عبد الله بن طاهر عامل المعتصم على خراسان، فوجّه إليه عمّه الحسن بن الحسين بن مصعب مع جيش كثيف لحفظ جرجان وأمره أن يعسكر على الخندق. فنزل الحسن بن الحسين على الخندق معسكرا وصار بينه وبين سرخاستان عرض الخندق، ثم بعث إليه عبد الله بن طاهر حيّان بن جبلة في أربعة آلاف فارس إلى قومس فعسكر على حدّ جبال شروين.
ووجّه المعتصم من قبله محمد بن إبراهيم بن مصعب أخا إسحاق بن إبراهيم في جمع كثيف وضمّ إليه الحسن بن قارن الطبري العابد ومن كان بالباب من الطبرية، ووجّه منصور بن الحسن صاحب دنباوند إلى الريّ ليدخل طبرستان من ناحية الريّ ووجّه أبا الساج إلى اللّار ودنباوند فأحدقت الخيل بمازيار من كلّ جانب فبعث مازيار إلى أهل المدن المحبّسين عنده:
« إنّ الخيل قد زحفت إليّ من كلّ جانب وإنّما حبستكم ليبعث أميركم فيسأل فيكم - يعنى المعتصم - فلم يكترث بكم وأنتم عشرون ألفا ولست أتقدّم إلى حربه وأنتم ورائي، فأدّوا إليّ خراج سنتين وأخلّى سبيلكم، ومن كان منكم شابّا قويّا قدّمته للقتال. فمن وفي رددت عليه ماله ومن لم يف أكون قد أخذت ديته، ومن كان شيخا ضعيفا صيّرته من الحفظة والحرّاس والبوّابين.
ثم إنّ سرخاستان جمع من أبناء القوّاد وغيرهم من أهل آمل ممّن فيه قوّة وشجاعة مائتين وستين فتى ممّن يخاف ناحيته وأظهر أنّه يريد مناظرتهم وبعث إلى الأكرة الدهاقين. قال لهم:
« إنّ هؤلاء هواهم مع العرب ولست آمن غدرهم وهم أهل الظنّة قد جمعتم فاقتلوهم لتأمنوا ولا يكون في عسكركم من يخالفكم. » ثم كتّفهم ودفعهم إلى الأكرة الدهاقين. فصاروا بهم إلى قناة هناك قد خربت فقتلوهم ورموا بهم في آبار القناة. ثم عطف سرخاستان إلى المحبّسين من أهل المدن فطالبهم بمال المواقفة فقالوا:
« إنّ صاحبك لم يبق لنا مالا ولا ذخيرة ولو علم أنّ وراءنا درهما واحدا لاستخرجه ولكنّا نعطى ضياعنا وأملاكنا بقيمة ما تطلب. » فقال لهم:
« الضياع للملك ولا حقّ لكم فيها فاحتالوا للملك. » فلم يجد عندهم شيئا. فقال لأولئك الأكرة الذين قتلوا من قتلوا:
« إني قد أبحتكم منازل أرباب الضياع وحرمهم إلّا ما كان من جارية جميلة من بناتهم فإنّها تصير للملك. » وقال لهم:
« صيروا إلى الحبس فاقتلوا أرباب الضياع أوّلا ثم حوزوا ما وهبت لكم من منازلهم وحرمهم. » فجبن القوم ولم يقدموا على عشرين ألفا، فلم يقبلوا منه.
وكان الموكّلون بالسور من أصحاب سرخاستان يتحدّثون ليلا مع حرس الحسن بن الحسين بن مصعب حتى استأنس بعضهم ببعض وتآمروا على تسليم السور فسلّموه، ورحل أصحاب الحسن بن الحسين من موضعهم إلى