قال أبو رية: (وقد جاءت الأخبار بأن الثاني وهو عبد الله بن عمرو بن العاص أصاب يوم اليرموك زاملتين من علوم أهل الكتاب فكان يحدث منها بأشياء كثيرة من الإسرائيليات، وقد قال فيهما الحافظ ابن كثير: إن منها المعروف والمشهور، والمنكور والمردود).
أقول: هو نفسه رضي الله عنه لم يكن يثق بها، ولهذا كان يسمى صحيفته عن النبي (الصادقة) تمييزًا لها على تلك الصحف، وإنما كان يحكي من تلك الصحف، ماقام دليل على صدقه كصفة النبي ، أو كان محتملًا فيحكيه على الاحتمال.
89
قال: (رواية بعض الصحابة عن أحبار اليهود، كان من أثر وثوق الصحابة بمسلمة أهل الكتاب واغترارهم بهم أن صدقوهم فيما يقولون ويروون عنهم ما يفترون).
أقول: إن أراد بالتصديق أن كعبًا مثلًا كان إذا قال: إني أجد في التوراة كيت وكيت، صدقوه في أن ذلك في التوراة التي بأيدي أهل الكتاب حينئذ وقد عرفوا أن فيها كثيرًا من التحريف والتبديل، فهذا محتمل؛ لأن كعبًا أسلم ثم تعلم الإسلام وبقي محافظًا على الإسلام مجتنبًا للكبائر متمسكًا بالعبادة والتقوى، فكان عدلًا عندهم فيما يظهر، فعاملوه بحسب ذلك، وهذا هو الحق عليهم، وإن أراد بالتصديق أن كعبًا مثلًا كان لو قال: إن من صفة الله تعالى كذا، لاعتقدوا -بناء على قوله أو صحفه- أن تلك صفة الله تعالى حقًا، فهذا كذب عليهم (راجع ص68)، أما أن مسلمي أهل الكتاب كانوا يفترون، فهذه دعوى يعرف حالها مما مر ويأتي.
قال: (وقد نص رجال الحديث في كتبهم أن العبادلة الثلاثة وأبا هريرة ومعاوية وأنس وغيرهم قد رووا عن كعب الأحبار وإخوانه).
أقول: أما الرواية عن كعب فقد ذكرت لهؤلاء ولعمر ولعلي ولابن مسعود كما في فتح المغيث للسخاوي (ص405) وعادة أهل الحديث أن يقولوا: (روى عنه فلان، روى عنه فلان) ولو لم يكن المروي إلا حكاية واحدة، وهذا هو الحال هنا تقريبًا، فأنك لا تجد لهؤلاء عن كعب إلا الحرف والحرفين ونحوها، وكثير من ذلك يأتي ذكر كعب فيه عرضًا. راجع ص69. وأما روايتهم عن إخوانه فمن هم؟ راجع ص70.
قال (ص 126): (وكان أبو هريرة…. إلخ).
أقول: ستأتي ترجمة أبي هريرة رضي الله عنه وتعلم براءته.
قال: (وقد استطاع أن يدس من الخرافات والأوهام والأكاذيب في الدين ما امتلأت به كتب التفسير والحديث والتاريخ فشوهتها وأدخلت الشك إليها).
أقول: إنما كان كعب يخبر عن صحف أهل الكتاب، وقد عرف المسلمون قاطبة أنها مغيرة مبدلة، فكل ما نسب إليه في الكتب فحكمه حكم تلك الصحف، فإن كان بعض الآخذين عنه ربما يحكي قوله ولا يسميه فغايته أن يعد قولًا للحاكي نفسه وقوله غير حجة، وما جاوز هذا من شطحات أبي رية زيفته في غير هذا الموضع. (راجع ص 73).
قال: (تكذيب الصحابة لكعب… نهى عمر كعبًا عن التحديث… وقال له: «لتتركن الحديث [عن الأول] أو لألحقنك بأرض القردة»).
أقول: مر ما فيه (ص47) وقد أسقط أبو رية هنا كلمة (عن الأول) لحاجة في نفس إبليس [26] سيأتي شرحها في الكلام على ص163.
قال: وكان علي يقول: (إنه لكذاب).
أقول: لم يعز أبو رية هذا إلى كتاب، ولا عثرت عليه، ولو كان له أصل لذكر في ترجمة كعب من كتب الجرح والتعديل.
90
وذكر عن معاوية أنه: «ذكر كعبًا فقال: إنه من أصدق هؤلاء المحدثين عن أهل الكتاب، وإن كنا مع ذلك لنبلو عليه الكذب» وعلق على كلمة (أصدق) أن في رواية: أمثل وإنما وقع بلفظ: (أمثل) في عبارة نقلها (ص128) عن اقتضاء الصراط المستقيم وعلق هناك أنها هي الرواية الصحيحة، أما رواية "أصدق" (فيبدو أنها محرفة) كذا يجازف هذا المسكين، وصاحب الاقتضاء يورد في مؤلفاته الأحاديث من حفظه، وإنما الرواية (أصدق) كما في صحيح البخاري وغيره. هذا وقد بين أهل العلم أن مقصود معاوية بالكذب الخطأ. راجع فتح الباري (13: 282) وتهذيب التهذيب. والسياق يوضح ذلك، فالكلام إنما هو في التحديث عن أهل الكتاب، أي عن كتبهم. ولم يكن معاوية ينظر في كتبهم، وإنما كان كعب وغيره يحكون تنبؤات عما يستقبل من الأمور فيعلم الصدق أو الكذب بوقوعها وعدمه. والظاهر أنه كان عند كعب صحف فيها تنبؤات مجملة، وكانت له مهارة خاصة في تفسيرها، وبذلك كان أكثر صوابًا من غيره، ومن أعجب ما جاء في ذلك ما جرى له مع ابن الزبير، والذي يصح عنه من ذلك قليل، غير أن الوضاعين بعده استغلوا شهرته بذلك فكذبوا عليه كثيرًا لأغراضهم، وكان الكذب عليه أيسر عليهم من الكذب على النبي .
قال: (قصة الصخرة بين عمر وكعب… إلخ).
أقول: (قد تقدم النظر فيها ص75).
قال (ص127): (…روى بعضهم عن كعب الأحبار أنه ذكر عند عبد الملك بن مروان وعروة بن الزبير حاضر أن الله قال للصخرة: «أنت عرشي الأدنى».
أقول: واضع هذا جاهل، فإن قوله: عند عبد الملك بن مروان يعني في خلافته، وإنما ولي سنة (65) بعد وفاة كعب ببضع وثلاثين سنة.
قال (ص128): (وفي مرآة الزمان لسبط بن الجوزي: «... وكان -أي: عمر - يضربه بالدرة ويقول له: دعنا من يهوديتك».
أقول: لم يسند السبط هذه الحكاية، وهو معروف بالمجازفة.
قال: (الإسرائيليات في فضل بيت المقدس).
ذكر أخبارًا عن كعب منها خبر «أنت عرشي الأدنى» المار قريبًا ونسبها إلى بعض كتب الأدب وقد قال هو نفسه (ص129) (بعد بناء قبة الصخرة ظهرت أحاديث في فضلها وفضل المسجد الأقصى) وإنما
91
بنيت قبة الصخرة بعد وفاة كعب ببضع وثلاثين سنة. وفي كتاب فضائل الشام للربعي سبع عشرة حكاية عن كعب قال فيها مخرجه الشيخ ناصر الدين الأرناؤط: (كل الأسانيد لا تصح) وفي هذا تصديق لما قلته مرارًا أن غالب ما يروى عن كعب مكذوب عليه. وبعد: فلو صح شيء من ذلك فإنما كان كعب يخبر عن صحف اليهود، ومعقول أن يكون فيها أمثال ذلك.
قال: (وعن أبي هريرة… إلخ).
أقول هذا كذب مفترى على أبي هريرة رضي الله عنه، وقد قال أبو رية (ص129): (بعد بناء قبة الصخرة ظهرت أحاديث… إلخ) وإنما بنيت بعد وفاة أبي هريرة بعدة سنين. وقوله: (تلميذ كعب الأحبار) يطلقها ظالمًا على أبي هريرة وابن عباس وابن عمرو وغيرهم من الصحابة الذين قال الله تعالى فيهم: { لِيَغِيظَ بِهِمْ الْكُفَّارَ }.