









أقول: وهذا أيضًا من أحاديث الموضوعات، راجع اللآلئ المصنوعة (1: 216-218) وقد تلاعب به الكذابون فرووه تارة عن واثلة وتارة عن أنس وتارة عن أبي هريرة، ورووا نحوه في أمانة معاوية من حديث علي وابن عباس وعبادة بن الصامت وجابر وابن عمر وعبد الله بن بسر. فإن لزم من نسبة الخبرين إلى أبي هريرة ثبوتهما عنه لزم ثبوتهما عمن ذكر معه من الصحابة، بل يلزم في جميع الأحاديث الضعيفة والموضوعة ثبوتها عمن نسبت إليهم من الصحابة. ومعنى هذا أن كل فرد من أفراد الرواة معصوم عن الكذب والغلط إلا الصحابة، ولا ريب أن في الرواة المغفل والكذاب والزنديق، ولعل أبا رية أن يكون خيرًا من بعضهم فيكون معصومًا فلماذا لا يستغني بهذه العصمة ويطلق أحكامه كيف يشاء ويريح نفسه وغيره من طول البحث والتفتيش في الكتب؟ قال: (ونظر أبو هريرة إلى عائشة بنت طلحة… فقال: «... والله ما رأيت وجهًا أحسن منك إلا وجه معاوية على منبر رسول الله»).
أقول: عزاه إلى العقد الفريد، والحكاية فيه بلا سند، وحاول صاحب الأغاني إسنادها على عادته فلم يجاوز بها المدائني، وبين المدائني وأبي هريرة نحو قرن ونصف، وهؤلاء سمريون إذا ظفروا بالنكتة لم يهمهم أصدقًا كانت أم كذبًا، والعلم وراء ذلك.
قال: (ولقد بلغ من مناصرته لبني أمية أنه كان يحث الناس على ما يطالب به عمالهم من صدقات، ويحذرهم أن يسبوهم. قال العجاج: قال لي أبو هريرة: «ممن أنت؟ قلت: من أهل العراق. قال يوشك أن يأتيك بقعان الشام فيأخذوا صدقتك، فإذا أتوك فتلقهم بها، فإذا دخلوها فكن في أقاصيها وخل عنهم وعنها، وإياك أن تسبهم فإنك إن سببتهم ذهب أجرك وأخذوا صدقتك، وإن صبرت جاءت في ميزانك يوم القيامة».
أقول: عزاه إلى الشعر والشعراء لابن قتيبة، والحكاية فيه بلا سند، فإن صحت فإنما هي نصيحة لا تدل إلا على النصح لكل مسلم، والإسلام يقضي بوجوب أداء الصدقة إلى عمال السلطان إذا طلبها وبحرمة سبهم إذا أخذوها. ولو منع العجاج الصدقة لأهين وأخذت منه قهرًا، ولو سب قابضيها لأثم وضر نفسه ولم يضرهم شيئًا، ويكاد أبو رية ينقم على أبي هريرة قوله: لا إله إلا الله، ويبني على152ذلك تهمة، قاتل الله اللجاج.
وقال: (ص190): (وضعُه [بزعم المفتري] أحاديث على علي. قال أبو جعفر الإسكافي: إن معاوية حمل قومًا من الصحابة والتابعين على رواية أخبار قبيحة على علي تقتضي الطعن فيه والبراءة منه وجعل لهم في ذلك جعلا، فاختلقوا ما أرضاه، منهم أبو هريرة، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، ومن التابعين: عروة بن الزبير.
أقول: قد تقدم النظر في ابن أبي الحديد والإسكافي (ص 109)، وهذه التهمة باطلة قطعًا، فأبو هريرة والمغيرة وعمرو ومعاوية صحابيون وكلهم عند أهل السنة عدول. ثم كانت الدولة لبني أمية، فلو كان هؤلاء يستحلون الكذب على النبيفي عيب علي لامتلأ الصحيحان فضلًا عن غيرهما بعيبه وذمه وشتمه، فما بالنا لا نجد عن هؤلاء حديثًا صحيحًا ظاهرًا في عيب علي ولا في فضل معاوية؟ راجع (ص64).
وعروة من كبار التابعين الثقات عند أهل السنة لا نجد عنه خبرًا صحيحًا في عيب علي، فأما الأكاذيب الموضوعات فلا دخل لها في الحساب، على أنك تجدها تنسب إلى هؤلاء وغيرهم في إطراء علي أكثر جدًا منها في الغض منه.
قال: (وروى الأعمش قال: «لما قدم أبو هريرة العراق مع معاوية عام الجماعة جاء إلى مسجد الكوفة، فلما رأى كثرة من استقبله من الناس جثا على ركبتيه ثم ضرب صلعته مرارًا وقال: يا أهل العراق! أتزعمون أني أكذب على الله وعلى رسوله وأحرق نفسي بالنار؟ والله لقد سمعت رسول اللهيقول: إن لكل نبي حرمًا وإن حرمي المدينة ما بين عير إلى ثور، فمن أحدث فيها حدثًا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. وأشهد بالله أن عليًا أحدث فيها، فلما بلغ معاوية قوله أجازه وأكرمه وولاه إمارة المدينة».
أقول: هذا من حكاية ابن أبي الحديد (1: 359) عن الإسكافي، وراجع (ص109) ولا ندري ما سنده إلى الأعمش، وقد تواتر عن الأعمش رواية الحديث بنحو ما هنا (عن إبراهيم التيمي عن أبيه قال: خطبنا علي…) فذكر ما في صحيفته وذكر الحديث فهو ثابت من رواية علي نفسه، ولا نعرف أن أبا هريرة قدم مع معاوية، ولا أن معاوية ولاه المدينة لا في ذلك الوقت ولا بعده، إنما استخلفه مروان على إمرته بعد ذلك بزمان.
قال (ص191): (وعلى أن الحق لا يعدم أنصارًا… فقد روى سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن القاسم عن عمر بن عبد الغفار أن أبا هريرة لما قدم الكوفة مع معاوية.. فجاء شاب من أهل الكوفة…153فقال: يا أبا هريرة! أنشدك بالله أسمعت رسول الله يقول لعلي بن أبي طالب: «اللهم وال من والاه وعاد من عاداه؟ فقال: اللهم نعم. فقال: أشهد بالله لقد واليت عدوه وعاديت وليه. ثم قام عنه»).
أقول: وهذا أيضًا عن ابن أبي الحديد عن الإسكافي، ولا ندري ما سنده إلى الثوري؟ وعبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر من شيوخ الثوري، فمَن عمر بن عبد الغفار؟ إنما المعروف عمرو بن عبد الغفار الفقيمي، صغير لم يدرك عبد الرحمن فكيف يروي عنه عبد الرحمن؟ مع أن عمر هالك متهم بالوضع في فضائل لأهل البيت ومثالب لغيرهم. وبينه وبين الواقعة رجلان أو ثلاثة فمن هم؟ يظهر أن هذا تركيب من بعض الجهلة بالرواة وتاريخهم، ولهذا ترى الإسكافي وأضرابه يغطون على جهلة من يأخذون عنه مفترياتهم بترك الإسناد، ويكتفون بالتناوش من مكان بعيد. ثم لو صح الخبر لكان فيه براءة لأبي هريرة (وهو بريء على كل حال) فإنه لم يستجز كتمان الحديث في فضل علي رضي الله عنه، فكيف يتوهم عليه ما هو أشد؟
أما الموالاة فأي موالاة كانت منه؟ سلم الحسن بن علي الأمر لمعاوية وبايعه هو وإخوته وبنو عمه وسائر بني هاشم والمسلمون كلهم وأبو هريرة.
ثم ذكر أبو رية شيئًا من فضائل علي رضي الله عنه: ولا نزاع في ذلك، وقد جاء عن أبي هريرة أحاديث كثيرة في فضائل أهل البيت تراها في خصائص علي والمستدرك وغيرهما، ولم يكن له إلا قصته عند وفاة الحسن بن علي، كان الحسن قد استأذن عائشة أن يدفن مع جده النبيفأذنت، فلما مات قام مروان ومن معه من بني أمية في منع ذلك فثار أبو هريرة وجعل يقول: أتنفسون على ابن نبيكم بتربة تدفنونه فيها، وقد سمعت رسول الله
يقول: «من أحبهما فقد أحبني ومن أبغضهما فقد أبغضني» -انظر المستدرك (3: 71)- وجرى له يومئذ مع مروان ما جرى مما تقدم بعضه (ص149) وباقيه في البداية (8: 108).
ثم قال أبو رية (ص192): (سيرته وولايته: استعمل عمر أبا هريرة على البحرين سنة (21) ثم بلغه عن أشياء تخل بأمانة الوالي العادل فعزله… واستدعاه وقال له: …. ).
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)