درجات الصحابة

وقال أبو رية (45) (درجات الصحابة…).
ثم قال (ص47): (رواية الصحابة بعضهم عن بعض، وروايتهم عن التابعين.. ).
وعاد يبدئ ويعيد لتأكيد تلك المكيدة الجهنمية التي سبق الكشف عنها (ص72-75، 82، 89-90، 109-110، 157، 171).
ثم قال (ص49) (نقد الصحابة بعضهم لبعض…).
أقول: ذكر أشياء معروفة مع أجوبتها في كتب الحديث، وحاصلها أن أحدهم كان إذا سمع من أخيه حديثًا يراه معارضًا لبعض ما عنده توقف فيه وظن أو جوز أن أخاه أخطأ، مع تبرئة بعضهم لبعض عن تعمد الكذب.
وذكر فيها (ص52) (ولما بلغها -يعني عائشة – قول أبي الدرداء: «من أدرك الصبح فلا وتر عليه. فقالت: لا، كذب أبو الدرداء، كان النبي ص يصبح فيوتر»).
أقول: الخبر في سنن البيهقي (2: 479) ولفظه فلا وتر له، وراويه عن أبي الدرداء وعائشة أبو نهيك الأزدي الفراهيدي، قال ابن القطان: (لا يعرف) يعني أنه مجهول الحال، ولا يخرجه عن ذلك ذكر ابن حبان له في الثقات، وفوق ذلك لا يعلم له إدراك لأبي الدرداء وعائشة، بل الظاهر عدمه فالخبر منقطع، ويعارضه ما في الصحيحين وغيرهما عن عائشة أن النبي ص: (انتهى وتره إلى السحر). وعلى فرض صحة الحكاية فإنما قال أبو الدرداء من قبل نفسه لم يذكر رواية، فكلمة
202
(كذب) بمعنى (أخطأ) كما هو معروف عنه. راجع (ص51).
قال: (وقالت عن أنس بن مالك وأبي سعيد الخدري: «ما علم أنس بن مالك وأبي سعيد بحديث رسول الله ص؟ وإنما كانا غلامين صغيرين».
أقول: ينظر في صحة هذا عنها، فقد كانا في مثل سنها أو أكبر منها، وكانا ممن يلزم النبي ص ولاسيما أنس.
قال: (وكانت عائشة ترد ما روي مخالفًا للقرآن).
أقول: راجع (ص14) لتعرف ما هو الخلاف الذي يقتضي الرد.
قال: (وتحمل رواية الصادق من الصحابة على خطأ السمع وسوء الفهم).
أقول: كلهم بحمد الله كان صادقًا عندها.
ثم حكى عن أحمد أمين عن بعض الزيدية كلمة فيها أن الصحابة تكلم بعضهم في بعض وقاتل بعضهم بعضًا، ونحو هذا. والجواب عن ذلك مبسوط في كتب أهل العلم، وموضوعنا هنا بيان صدقهم في الحديث النبوي، وقد أثبتناه ولله الحمد.
قال: (وإنما اتخذهم العامة أربابًا بعد ذلك).
أقول: أما أهل السنة فلم يتخذوا أحدًا من الصحابة ربًا، وإنما أولئك غلاة أصحابك الشيعة، [61]
قال: (ومن أساء منهم ذممناه، ومن أحسن منهم حمدناه).
أقول: أنت وهواك، أما نحن فنقول: { رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ }.
وذكر أبو رية (ص311) كلامًا للذهبي ذكر فيه ما حكى ابن وضاح قال (سألت يحيى بن معين عن الشافعي، فقال: ليس بثقة، ثم قال الذهبي: وكلام ابن معين في الشافعي إنما كان من فلتات اللسان بالهوى والعصبية، فإن ابن معين كان من الحنفية وإن كان محدثًا).
أقول: هذه من فلتات القلم، وقد برأ الله ابن معين من اتباع الهوى والعصبية، وإنما كان يأخذ بقول أبي حنيفة فيما لم يتضح له الدليل بخلافه، وعدم ميله إلى الشافعي كان لسبب آخر، وثمّ عللٌ تقدح في صحة هذه الكلمة (ليس بثقة) عنه، وقد أوضحتُ ذلك في التنكيل.
203
ثم ذكر أبو رية (ص312-322) كلامًا للمقبلي، والمقبلي نشأ في بيئة اعتزالية المعتقد، هادوية الفقه، شيعية تشيعًا مختلفًا، يغلظ في أناس ويخف في آخرين، فحاول التحرر فنجج تقريبًا في الفقه، وقارب التوسط في التشيع، أما الاعتزال فلم يكد يتخلص إلا من تكفير أهل السنة مطلقًا، وكلامه هنا يدور حول قضايا الاعتزال: كالقدر، ونفي رؤية المؤمنين ربهم في الآخرة، والقول بخلق القرآن، والدفاع عن عمرو بن عبيد أحد قدماء المعتزلة، وهذه المسائل معروفة مدروسة، والمقبلي لم يسبر غورها، ولا حقق ما كان عليه الأمر في عهد النبي ص وأصحابه والتابعين بإحسان، فلذلك أخذ يلوم أحمد وينسبه إلى الإفراط في التشدد، ولعله لو علم ما علمه أحمد لنسبه إلى التسامح.
وذكر (ص315) ما روي عن أحمد في شأن ابن علية ومحمد بن هارون، والإمام أحمد وإن رجا المغفرة للأمين فلم يزد في ابن علية على إنكار قوله تنفيرًا للناس عن الباطل، واستمر أحمد على الرواية عن ابن علية، والاحتجاج به والثناء عليه بالثبت.
وذكر (ص316) مسألة الرؤية، فخلط بين رؤية النبي ص ربه ليلة الإسراء وهي التي أنكرتها عائشة ومن معها، وبين الرؤية في الآخرة.
وقال أيضًا: (لكن المحدثون لم يعرفوا مقدار الخطأ في الكلام؛ لأنه غير صنعتهم).
أقول: بل أنت لم تعرف مقدار الخطأ في العقيدة الإسلامية الحقة، ولا عرفت غور القضايا المخالفة لها.
وقال (ص317): (وقال يحيى بن معين في عتبة بن سعيد بن العاص بن أمية: ثقة، وهو جليس الحجاج…. بل روى له البخاري ومسلم).
أقول: إنما هو عنبسة بن سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية، له عند البخاري خبر واحد ذكره في الجهاد والمغازي مع روايته من طريق غيره، راجع فتح الباري (6: 30)، (7: 376)، وعند مسلم خبر واحد جاء ذكره فيه عرضًا والاعتماد هناك على رواية أبي قلابة الحرمي الثقة المأمون وذلك في قصة العرنيين، وقد أخرجها أيضًا من رواية غيرهما. هذا جميع ما لعنبسة في الصحيحين كما يعلم من ترجمته في كتاب الجمع بين رجال الصحيحين، ومعنى هذا أنهما لم يحتجا به ولا أحدهما، فأما الذين وثقوه فإنهم تتبعوا أحاديثه فوجدوها معروفة من رواية غيره من الثقات، ولم يثبت عليه جرح بين. أما مجالسته للحجاج
204
فليست بجرح بين، إذ قد يجالسه ولا يشركه في ظلمه بل يحرص على رد ظلمه ما استطاع، ويرى أن استمراره على ذلك أنفع للدين وللمسلمين من مباينته له، وقد كان نبي الله يوسف عاملًا للمشركين بمصر والملك فيهم ولم يكن يستطيع أن يحكم بخلاف دينهم بدليل قول الله عز وجل: { مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ } وإنما كان عليه السلام يعينهم على ما ليس بكفر ولا محرم عليه، فإذا جاء ما هو كفر أو محرم ولم يمكنه أن يصرفه تركه لهم، وقد أنذرهم بلطف وأذن الله تعالى أن يبقى معهم لما علم في ذلك من المصلحة.
قال: (وروى البخاري لمروان بن الحكم).