الباب السادس
الأشجار المتحابة والمتشاكلة والمتنافرة والمتضادة، وعلاج أمراضها


ودفع ما يضرها، وفي إزالة ضعفها وسقمها، ودفع الآفات عنها، إلى استيفاء أعمارها، فإن الموافقة تنعش الأشجار، ويقوى بعضها بموافقة بعض، والمخالفة والمضادة توهنها وتضعفها
اعلم أن من بين الكروم والسدر مشاكلة، وكل يهوى الآخر فيقوى بقربه، وكذا بين الكرم والزيتون محبة ومشاكلة، الا أن الزيتونة تبعد عن الكرم قليلا لمنفعة الكرم، وكذا بين الكرم والقرع، وكل منعش لصاحبه، وكذا بين الكرم والميس موافقة والفة وكل ينفع صاحبه. والكرم المعلق عليه يسلم من الآفات ويكثر حمله. والتفاح والكمشري والأترج يألف بعضه بعضا، وتنفعه مجاورة بعضه لبعض. والآس والرمان متحابان مؤتلفان، يكثر حمل الرمان به، وكل ينفع الآخر. والجوز يألف التين والفرصاد وينفر مما عداهما من الأشجار، لأنه مفرط الحر واليبس فيهلك الشجر والنبات، إلا الخضر الشتوية والقصيل. والتفاح يحب الكرم والزيتون. وبصل الغاز إذا زرع عند أصل الزيتون نفعه وكثر حمله، وإذا علقت العرايش على الجوز ضعفت غاية الضعف. والكرم إذا جاور الكرنب اتجه إلى الجانب الآخر، وقيل أن زرع في كرم تلف، ولو حملت الريح رائحته إلى الكرم ضره، وإذا زرع قرب الكرم حلبة مات الكرم أو ضعفت وزبل وكذا تعمل الحلبة مع السلق، وكذا السلق إذا غرس بقرب الكرم أبطله وأيبسه. وقيل أنه عدو للتفاح.
والترمس إذا زرع في كرم أيبسه وهو عدو للأشجار كلها، وكذا العدس والفول. وإذا غرس الصعتر بقرب النارنج وما له نفس حار أضره. وعداوة العرعر مع النخل معلومة مشهورة وكذلك القطران عدو للنخل، وشجر الغاز إذا كان قريبا من الكرمة أضر بها وكذلك النخل والتين فإنهما لا يتفقان، وللكرم سموم تقتله كالشبرم والقنبيط والكرنب خاصة. والتين يضر الكرم في البلاد الحارة، وفي الباردة ينفعه، والشلجم والفجل والجرجير يضر الكرم. وبين العنب الأبيض والأسود تنافر وتضاد فلا يغرسان معا ولا يتجاوران ولا يعصران معا فيفسد ذلك العصير بسرعة.
واعلم أن الضعف في الأشجار إذا كان من هرم وقد يقطع ما ظهر هرمه، وربما تستأصل الشجرة كلها بأن تقطع من وجه الأرض ويكشف عن جذورها وتزيل بالزبل المخلوط بالتراب الخصب المأخوذ من وجه الأرض، ثلث والثلثان زبلا. وأما ضعف الكرم وانقطاع حمله بحيث أنه لا يثمر البتة أو يثمر عنبا كالسمسم ثم يجف، فعلاجه أن يجمع حطب الكرم المكسوح ويضاف إليه شيء من الورق المخلوط بمثله أو دلب ويوقد حتى يحترق، ويجمع رماده في إناء زجاج أو مزجج ويصب عليه ماء عذب ويخلط ويرش على ساق الكرم وأغصانها فهو دواؤه، أو يخلط الرماد بالخل القوي بدل الماء. وقيل ترش أبوال الناس على أصل الكرمة في الأرض ويتكرر ذلك مرارا فإنها تشتد أو تقطع ويبقى منها ذراع أو ذراعان، ويخلط تراب أصلها بالزبل ويرد عليها بلا كبس، ويسقى بالماء حتى ينبت، فيترك القوي ويقطع الضعيف باليد، أو تلطخ العناقيد برماد حطب الكرم المعجون بالخل، فإنه يمنع جفاف العنب، ويرش أصل الكرم نحو عشرين يوما عكر الزيت مع الخل ثم يسقى بعد ساعة. وأما مرض العصر - وهو إذا زبل الكرم خرجت منه عصارة فجة، أن بقيت أضرت به، وإن خرجت أضعفته وأضرت به، فعلاجه تسهيل خروج هذه العصارة الزائدة في الكرمة وذلك بأن يشرط ويحز حزوزا بين الأعين من سوقها وفيما غلظ من خشبها ووسط قضبانها الغلاظ، فتسيل منها تلك العصارة والرطوبة ولا تكسح بمنجل، ولا ينزع منها غصن نزعا، وتزيل بزبل طري غير جاف، وهو ما ليس بزبل الناس ولا زرق الحمام ونحو ذلك، بل مثل روث البقر المخلوط مناصفة بالتراب وبعد ثمانية وعشرين يوما من الشرط والحزّ يؤخذ دردي زيت مذاب بلب الجوز والفستق المقشر وشيء من دقيق الشعير، أو الدردي وحده يطبخ حتى يذهب بعضه فإذا برد لطخت مواضع الحزوز ونحوها ويتكرر ذلك أو يؤخذ رماد حطب الكرم ويخلط مع الدبق والوشق أجزاء متساوية أن يدق الدبق ويرش عليه خل ثم يضاف إليه الرماد والوشق قليلاً قليلا حتى يختلط ويصير له ثخانة، ثم تلطخ به تلك الحزوز ويحل بالماء ويصب على أصل الكرمة فينفها جدا ويكون ذلك في نيسان إلى نصف آذار. والزيت والمياه حياة الكروم الجافة اليابسة، وزبل الناس وزرق الحمام يدفع ضرر الريح الباردة وكذلك بعر الغنم وزرق الخفاش وعكر الزيت الغض وكذا الماء الحار مخلوطا بزيت يصب على أصولها، وكذا رماد الكرم إذا وضع في أصولها دفع عنها الآفات. ومن علاج سيلان الرطوبة الزائدة من عيون الكرم أن يقطع غصن من الأغصان المصابة به ويطبخ مع دردي الزيت مضافا إليه ورق النعناع ويلطخ بالخليط موضع السيلان أو القطع.
وعلاج الأرض اليابسة التزبيل بروث البقر وبعر الغنم وكثرة السقي، ويرفع تراب الكرمة المريضة ويستبدل به تراب أحمر غريب أو قريب وإن خلط بزبل فهو أحسن. وعلاج الاسترخاء - وهو المرض الذي يصيب ورق الكرم فيبيض من ظهره - رماد الكرم مخلوطا بخل يلطخ به مكان المرض ثم يزاد على الخليط الماء ويصب على أصلها وتقطع عناقيدها وأغصانها الطرية والورق برفق ويبصق موضع العنقود. وأما اليرقان فإنه يصيب بعض الشجر وأكثر النبات والزروع، وعلامته في الكرم جفاف واسترخاء وسقوط ورق أو ثمر والامتناع عن امتصاص الماء. ويحدث اليرقان للنخل، وسببه الزبل الحار من الناس والحمام، وعلامته أن تصفر أصولها وتقل الخضرة من سعفها، وعلاجه أن يؤخذ قثاء الحمار وورقه فيدق ويخلط بالماء جيدا ويرش على الكروم وغيرها قبل طلوع الشمس وهو بليغ المنفعة، أو يؤخذ خشب التين وخشب البلوط فيحرقان ويطبخ الرماد في الماء العذب ساعة، ثم يرش فإنه يبرئه، أو تطعم أصول الكرم بروث البقر مخلوطا بتراب ناعم ثلاثة أيام، ورماد حطب التين والكرم يشفي من اليرقان.