









حين غراسها فيؤخذ القضيب في شهر كانون الأول فيشق في وسط طرفه الذي يكون في الحفرة بمنقار لطفي ثقبا غير نافذ إلى الجهة الأخرى ويفتح ذلك الشق حتى يظهر المخ الذي في جوف ذلك القضيب إلى آخره وهو يشبه الصوف ويبدل مكانه الفتيل المذكور بعد أن فيتح بمنقار ثم يخرج ويسد على ذلك الشق ويربط عليه شريط أو لفي أو بردي من أول الشق إلى آخره ثم يطلى بطين أحمر لزج معجون بشعر ويلف عليه خرقة كتان صفيقة ويدخل القضيب المذكور في قادوس مثقب الأسفل حتى يجعل المربوط في وسطه ويزحم عليه بالطين الأبيض حتى يمتلئ القادوس ثم يغرس في حفرة يبسط فيها ويعمل في غراسه كما تقدم ويتعهد بالسقي قدر الكفاية ويدبر بما يوافقه فإنه إذا أثمر فاح من ثمره رائحة ما جعل فيه. وكذا يعمل بالغرسة المنقولة وبالكرمة، لكن الكرمة يشق قضيبها نصفين على طوله إلى آخر ما يوازي الأرض منه، وقيل قدر شبر، وقيل إلى آخره، ويحافظ على عقده لئلا تفسد، ويرمى ما في وسطه من المخ من الجهتين، ولا يترك منه شيء فيه ويجعل مكانه ما شاء كالسكر أو العسل أو اللوز المدقوق أو التمر الهندي أو المحمودة أو الصبر أو الترياق أو أي نوع شاء من الطيب كالمسك والكافور أو القرنفل أو البان ونحو ذلك، ثم يضم القسمان أحدهما إلى الآخر حتى يرجعا إلى هيئتهما الأولى فيربطان في مواضع عديدة بخيط صوف أو نحوه ويطليان بروث البقر الطري، ثم يطين بطين غير مخلوط وروث دواب مسحوق ومعجون بالطين، ثم يغرسان حيث كان ويسقيان حتى ينبتا شجرة واحدة يكون طعم ثمرها ورائحته كطعم ما وضع فيهما مما ذكر. وأما تلوين الورد وغيره فله طرق: منها تصفير الورد بأن يعمد إلى أصل الورد في شهر كانون الأول فيقشر القشر الأسود الذي على العروق دون إزالته ويشق بالطول ثم يرفع القشر بحديد رقيق من كل جهة عن العرق دون أن فيصل من الأعلى ولا من الأسفل، ويعمل ذلك والعرق وساق القضيب الذي فيه قائم على حاله ثابت في أرضه، ثم يؤخذ منه مسحوق الزعفران الطيب فيحشى به ذلك الخلل الذي بين القشر وعرق الورد، ثم تلف عليه خرقة كتان ويشد رباطه ثم يجعل عليه الطين ويترك مكانه ويرد عليه التراب، فإن ورده يخرج أصفر. منها أن يخرج الورد لا زورديا وذلك بالطريقة المذكورة في التصفير غير أنه يجعل بدل الزعفران من النيل الطيب فيأتي ورده لازورديا حسن المنظر. وقيل إذا حل النيل بالماء وسقي أصل الورد به من تشرين الأول إلى أن يورد، يخرج ورده لازورديا حسن المنظر. وإن أردت وجود الورد في غير أوانه بأن يقطف في الخرفي مثر يعطَّش إن كان سقي زمن الحر ولا يسقى بعد ذلك، ثم يسقى في آب تكرارا، فإنه يلقح لقحا جيدا ويورد في تشرين الأول وفي الربيع أيضا. وكذا إذا حرق الشارف منه في تشرين الأول وأريد استعجال ورده يسقى بالماء بعد إحراقه مدة ثمانية أيام ويقطع عنه الماء أربعة أيام ثم يسقى ثمانية أيام ثم يقطع وهكذا خمس مرات، فإنه يلقح ويورد في الخرفي. ومن أراد أن يجني الورد أي وقت أراد من العام يعمد إلى الورد في شهر أيار إذا فوّه للفتح وظهرت في أطرافه الحمرة، فيميل أغصانه إلى الأرض نزولا ولتكن رؤوس الورد مرتفعة من غير أن تمس الأرض فإنها إن مستها فسدت، ومتى أردت الورد عدت فأطلقت قضبانه وعرضتها الهواء فإنه فيتح ويجني في ذلك الوقت. وهناك طريقة أخرى وهي أن تقطع رؤوس الورد إذا فوّهت للفتح بعراجينها، وهي أغصان متصلة بها وتأخذ قلَّة جديدة وتجعل فيها قدر نصفها من الرمل الرقيق، وتغمس تلك العراجين في القير المذاب ثم تغرس في الرمل في تلك القلة وتطين وتدفن في التراب، فمتى أخرج وقطع، وغمس في القير ونقع في الماء ساعة ثم يعرّض وهو في الماء للشمس، فإن ذلك الورد فيتح ويظهر في حينه. ووسيلة أخرى يجنى فيها الورد في الخرفي وهي أن يعطش في آب وأيلول، فمتى أردت الورد في أي وقت أدخلت عليه الماء فسقيته مرة ثم أخرى ينبت ويلقح ويظهر الورد.
وإذا أردت التفاح في غير وقته يعطش شجر التفاح طوال أيام الحر ثم تسقى في أول آب بالماء تكرارا فإنه يلقح تفاحا جيدا لا سيما إن كان في الخرفي رطبا. ومن ملح الفلاحة وظرائف الخواص إحراق أغصان بعض الأشجار في أصول أشجار أخر فتحمل في غير وقتها، منها إذا حرق السذاب في أصول الورد حتى يرتفع وهج الإحراق إلى الشجرة دون أن يقرب أصلها وذلك في أي وقت كان من السنة التي لا ورد فيها فتحت الورد بعد أيام قلائل، ويجمع رماد ذلك ويخلط بالتراب وينش أصل الورد ويوضع التراب فيه ثم يسقى كالعادة تأتي النتيجة كما ذكر. ومنها الكمثري والخوخ، إذا أحرق جزء من شجر الدلب، وجزء من شجر اللوز في أصل ما ذكر، أخرجت الحمل في غير زمانه بعد طمر التراب في أصل الشجر المذكور دون اقتراب النار منها. وكذلك شجرة الجوز تحمل في غير أوانها إذا أحرقت أغصان العناب في أصلها وتجود بحمل كثير في غير وقت حملها.
وطريقة الكتابة على التفاح الأحمر وعلى الأترج والليمون أو البلح وما أشبه ذلك يكون عند تناهي تكوينه قبل أن يحمرّ أو يصفرّ، أو يكتب عليه أو ينقش أو يصور بحبر فجل أو بمداد أسود أو بصوص البيض أو بوشق محلول أو بجص محلول بماء أو بغراء محلول أو بقير مذاب أو بنحو ذلك بقلم غليظ وتغطى الحبة لئلا يغسل الندى أو المطر ما كتب عليها، ويترك كذلك في شجرته حتى يحمر أو يصفر ويمسح ما كتب عليه أو صور، أو يغسل بالماء، فإن موضع الكتابة يبدو أبيض أو أحمر أو أخضر أو أصفر بحسب لون الثمرة. ويصنع مثل ذلك في ثمار عيون البقر وهي خضراء قبل أن تسود أو تحمر. ورأيت في بعض الكتب أنه إذا كتب عليه وبخِّر بكبريت أصفر وزاج ظهرت الكتابة حمراء في التفاح الأبيض ونحوه. وإن أردت أن يكون زهر الخيري - الذي يسمى في مصر والشام منثورا - أبلق تؤخذ غرسه من خيري أحمر ومثلها من خيري أبيض أو غرستين من كل لون، فتفتلان مثل الحبل وتغرسان معا فيخرج زهره أبلق، وكذا إذا زرع البزر الأبيض والأحمر في موضع واحد، فإذا نبت فتل النبات بعضه ببعض وجمع في حلقة من قصب أو خشب أو غير ذلك، ثم يكبس تحت الأرض إلا أطرافه فتكون أزهاره بلقاء.
وتأمل هذا وما ذكر في الآس وغيره وركِّب ما شئت وولِّد ونوّع ما أردت تحصل من ذلك على أشياء بديعة.
وأما ملخ البقول الآتي ذكرها فإذا أردت أن يكون في أصل واحد منه ألوان شتى، فخذ بعرة جمل أو شبهها فجوّفها وضع فيها بزر خس وكرفس مثلا من كل منهما بزرتين أو ثلاثا ثم أدفنها في أرض مشغولة وغط ذلك بتراب طيب وزبل عفن مدقوق فينبت أصلا واحدا، وإن جعل بدل الخس بزر السلق ونحوه فإنه ينبت ومنهم من يرض بعرتين أو ثلاثا ويخلط بها البزر ويصرّ الجميع في خرقة ويطمها في الأرض كما ذكر. وإن أردت أن يعظم الشلجم والفجل فخذ قِدرا كبيرة مثقوبة واملأ نصفها تبنا واجعل فوقه ترابا طيبا وزبلا قديما، ثم ازرع فيه فجلا أو شلجما وادفن القدر في التراب حتى تكون مساوية لوجه الأرض، فإنه يخرج منها نبات عظيم بكميات كبيرة. ويمكن إنبات الكزبرة من لا شيء وذلك بأن يؤخذ تيس وترش خصيتاه بماء ثم يرش ذلك الماء على أرض مشغولة فإن الكزبرة تنبت من غير زرع بزرها وطريقة إنبات الشبث من دون زرع يكون بصب الماء الحار في أرض مشغولة فإذا مضى عليها سنة نبت في تلك الأرض الشبث. والعوسج ينبت من غير بزر إذا دفن قرن الحمل في زبل وترك حينا، فإنه ينبت عوسجا. والنعنع يمكن إنباته من الخيوط والحبال التي تحمل أوساخ الذباب في أرض عامرة. والهليون يمكن إنباته كما قال ابن زهر بقلع قرون الكباش ودفنها في التراب. ونقل أبو زكريا يحيى بن العوام في فلاحته أنه ينسب إلى بعضهم أنه أخذ قرني كبش وثقب طرفيهما الغليظين ودس فيهما قضبان الهليون وغرّق القرنين في زيت ومرغهما في رماد وطمرهما في الأرض وعمَّق لهما وأدام سقيهما بالماء فنبت الهليون بعد ثمانين يوما.
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)