وهذا أسدّ وأحسن من قول من جعل الآيات والأخبار تجسيما وتشبيها وتحيل على إبطالها وردها فحملها على معنى صفات المخلوقين بسوء رأيه وقبح عقيدته ونعوذ بالله من الضلال البعيد.
فصل

وأما قوله هاتوا أخبرونا ما الذي يظهر لكم من معنى هذه الألفاظ الواردة في الصفات فهذا قد تسرع في التجاهل والتعامي كأنه لا يعرف معتقد أهل السنة و قولهم فيها وهو قوله وقد تربى بين أهلها وعرف أقوالهم فيها وإن كان الله سبحانه وتعالى قد أبكمه وأعمى قلبه إلى هذا الحد بحيث لا يعلم مقالتهم فيها مع معاشرته لهم واطلاعه على كتبهم ودعواه الفهم فالله على كل شيء قدير.
وكم قد شرح هو مقالة أهل السنة في هذه المسألة وبين الحق فيها بعد توبته من هذه المقالة وبين أنه إذا سألنا سائل عن معنى هذه الألفاظ قلنا لا نزيدك على ألفاظها زيادة تفيد معنى بل قراءتها تفسيرها من غير معنى بعينه ولا تفسير بنفسه ولكن قد علمنا أن لها معنى في الجملة يعلمه المتكلم بها فنحن نؤمن بها بذلك المعنى.
ومن كان كذلك كيف يسأل عن معنى وهو يقول لا أعلمه وكيف يسأل عن كيفية ما يرى أن السؤال عنه بدعة والكلام في تفسيره خطأ والبحث عنه تكلف وتعمق أو ما سمع حكاية مالك بن أنس رحمه الله تعالى ورضي الله عنه حين سئل عن قوله تعالى الرحمن على العرش استوى كيف استوى؟ فأطرق حتى علاه الرحضاء ثم رفع رأسه فقال: الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة، ثم أمر الرجل فأخرج.
فصل

وأما قوله إنكم بدعتم مخالفيكم في هذه الأصول وسوغتم مخالفة أصحابكم فيها فكذب وبهتان.
فإننا لا نسوغ لأحد مخالفة السنه كائنا من كان. وإن كان من أصحابنا فنحن عليه أشد إنكارا من غيره.
ودليل ذلك أنك منتسب إلى أصحابنا وإمامنا فإذ صدرت منك هذه المقالة بدعناك وهجرك أصحابنا وأحلوا دمك ولولا توبتك ورجوعك لكنا عليك أشد ومنك أبعد.
ونحن لا نبدع إلا من بدعته السنة ولا نقول شيئا من عندنا ولكن النبي قال كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.
فمن أحدث في الدين خلاف ما أتى عن رسول الله وخالف أصحابه رضي الله عنهم وترك قول الأئمة والفقهاء في الدين ورجع إلى قول المتكلمين ودعا إلى خلاف السنة فقد ابتدع وإنه تعالى حسيبه والمجازي له إن شاء تاب عليه وإن شاء أضله وحق القول عليه والله سبحانه وتعالى الفعال لما [ يريد ].
فصل

وأما قوله في مسألة القرآن فالكلام فيها في فصلين أحدهما في الصوت الذي بدأ بإنكاره.
فنقول ثبت أن موسى سمع كلام الله تبارك وتعالى منه بغير واسطة.
فإنه لو سمعه من شجرة أو حجر أو ملك لكان بنو إسرائيل أفضل منه في ذلك لأنهم سمعوه من موسى نبي الله وهو أفضل من الشجرة والحجر.
فلم سُمّي موسى إذا كليم الرحمن ولم قال الله تعالى: { يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي }، وقال تعالى: { فلما أتاها نودي يا موسى إني أنا ربك } ولا يقول له هذا إلا الله تعالى.
وإذا ثبت هذا فالصوت ما سمع وما يتأتى سماعه.
وقد جاء ذكر الصوت مصرحا به في الأخبار الواردة.
قال عبد الله بن الإمام أحمد قلت لأبي: يا أبه إن الجهمية يزعمون أن الله تعالى لا يتكلم بصوت. فقال: كذبوا إنما يدورون على التعطيل.
ثم قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن سليمان بن مهران الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق عن عبد الله رضي الله عنه قال إذا تكلم الله بالوحي سمع صوته أهل السماء.
قال السجزي: وما في رواة هذا الحديث إلا إمام مقبول. وقد روي مرفوعا إلى رسول الله.
وفي حديث عبد الله بن أنيس رضي الله عنه أن الله تعالى يناديهم يوم القيامة بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب أنا الملك أنا الديان وهو حديث مشهور.