









ذكر من قال ذلك
حدثنا سفيان بن وكيع، قال: حدثنا سهل بن يوسف عن عمرو، عن الحسن، قال: كان الرجلان اللذان في القرآن قال الله عز وجل فيهما: " واتل عليهما نبأ ابني آدم بالحق " من بني إسرائيل، ولم يكونا ابني آدم لصلبه، وإنما كانا القربان من بني إسرائيل، وكان آدم أول من مات.
وقال بعضهم: إن آدم غشي حواء بعد مهبطهما إلى الأرض بمائة سنة، فولدت له قابيل وتوءمته قليمًا في بطن واحد، ثم هابيل وتوءمته في بطن واحد، فلما شبوا أراد آدم عليه السلام أن يزوج أخت قابيل التي ولدت معه في بطن واحد من هابيلن فامتنع من ذلك قابيل، وقربا بهذا السبب قربانًا فتقبل قربان هابيل، ولم يتقبل قربان قابيل، فحسده قابيل، فقتله عند عقبة حرى ثم نزل قابيل من الجبل، آخذًا بيد أخته قليما، فهرب بها إلى عدن من أرض اليمن.
حدثني بذلك الحارس، قال: حدثنا ابن سعد، قال: أخبرني هشام، قال: أخبرني أبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، قال: لما قتل قابيل أخاه هابيل أخذ بيد أخته ثم هبط بها من جبل بوذ إلى الحضيض، فقال آدم لقابيل: اذهب فلا تزال مرعوبًا لا تأمن من تراه، فكان لا يمر به أحد من ولده إلا رماه، فأقبل ابن لقابيل أعمى، ومعه ابن له، فقال للأعمى ابنه: هذا أبوك قابيل، فرمى الأعمى أباه قابيل فقتله، فقال ابن الأعمى: قتلت يا أبتاه أباك، فرفع الأعمى يده، فلطم ابنه فمات ابنه، فقال الأعمى: ويل لي! قتلت أبي برميتي، وقتلت ابني بلطمتي! وذكر في التوراة أن هابيل قتل وله عشرون سنة، وأن قابيل كان له يوم قتله خمس وعشرون سنة.
والصحيح من القول عندنا أن الذي ذكر الله في كتابه أنه قتل أخاه من ابني آدم هو ابن آدم لصلبه، لنقل الحجة أن ذلك كذلك، وأن هناد بن السري حدثنا، قال: حدثنا أبو معاوية ووكيع جميعًا عن الأعمش. - وحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا جرير وأبو معاوية عن الأعمش - عن عبد الله بن مرة، عن مسروق، عن عبد الله، قال: قال النبي: " ما من نفس تقتل ظلمًا إلا كان على ابن آدم الأول كفل منها "، وذلك لأنه أول من سن القتل.
حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي - وحدثنا ابن وكيع قال: حدثنا أبي - جميعًا عن سفيان، عن الأعمش، عن عبد الله بن مرة، عن مسروق، عن عبد الله، عن البنينحوه.
فقد بين هذا الخبر عن رسول اللهصحة قول من قال: إن اللذين قص الله في كتابه قصتهما من ابني آدم كانا ابنيه لصلبه، لأنه لا شك أنهما لو كانا من بني إسرائيل - كما روي عن الحسن - لم يكن الذي وصف منهما بأنه قتل أخاه أول من سن القتل، إذ كان القتل في بني آدم قد كان قبل إسرائيل وولده.
فإن قال قائل: فما برهانك على أنهما ولدا آدم لصلبه، وأن لم يكونا من بني إسرائيل؟ قيل: لا خلاف بين سلف علماء أمتنا في ذلك، إذا فسد قول من قال: كانا من بني إسرائيل.
وذكر أن قابيل لما قتل أخاه هابيل بكاه آدم عليه السلام فقال - فيما حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن غياث بن إبراهيم، عن أبي إسحاق الهمداني، قال: قال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: لما قتل ابن آدم آخاه بكاه آدم، فقال:
تغيرت البلاد ومن عليها ** فوجه الأرض مغبر قبيح
تغير كل ذي طعم ولون ** وقل بشاشة الوجه المليح
قال: فأجيب آدم عليه السلام:
أبا هابيل قد قتلا جميعًا ** وصار الحي كالميت الذبيح
وجاء بشرةٍ قد كان منها ** على خوفٍ فجاء بها يصيح
وذكر أن حواء ولدت لآدم عليه السلام عشرين ومائة بطن، أولهم قابيل وتوءمته قليما، وآخرهم عبد المغيث وتوءمته أمة المغيث.
وأما ابن إسحاق فذكر عنه ما قد ذكرتُ قبل، وهو أن جميع ما ولدته حواء لآدم لصلبه أربعون من ذكر وأنثى في عشرين بطنًا، وقال: قد بلغنا أسماء بعضهم ولم يبلغنا بعض.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: فكان من بلغنا اسمه خمسة عشر رجلًا وأربع نسوة، منهم قين وتوءمته، وهابيل وليوذا وأشوث بنت آدم وتوءمتها، وشيث وتوءمته، وحزورة وتوءمها، على ثلاثين ومائة سنة من عمره. ثم أباد بن آدم وتوءمته، ثم بالغ بن آدم وتوءمته، ثم أثاثى بن أدم وتوءمته، ثم توبة بن آدم وتوءمته، ثم بنان ابن آدم وتوءمته، ثم شبوبة بن آدم وتوءمته، ثم حيان بن آدم وتوءمته، ثم ضرابيس بن آدم وتؤءمته، ثم هدز بن آدم وتوءمته، ثم يحود بن آدم وتوءمته، ثم سندل بن آدم وتوءمته، ثم بارق بن آدم وتوءمته، كل رجل منهم تولد معه امرأة في بطنه الذي يحمل به فيه.
وقد زعم أكثر علماء الفرس أن جيو مرت هو أدم، وزعم بعضهم أنه ابن آدم لصلبه من حواء.
وقال فيه غيرهم أقوالًا كثيرة، يطول بذكر أقوالهم الكتاب، وتركنا ذكر ذلك إذ كان قصدنا من كتابنا هذا ذكر الملوك وأيامهم، وما قد شرطنا في كتابنا هذا أنا ذاكروه فيه، ولم يكن ذكرُ اختلاف المختلفين في نسب ملك من جنس ما أنشأنا له صنعة الكتاب، فإن ذكرنا من ذلك شيئًا فلتعرف من ذكرنا، ليعرفه من لم يكن به عارفًا، فأما ذكر الاختلاف في نسبة فإنه غير المقصود به في كتابنا هذا.
وقد خالف علماء الفرس فيما قالوا من ذلك آخرون من غيرهم ممن زعم أنه آدم، ووافق علماء الفرس على اسمه وخالفه في عينه وصفته، فزعم أن جيومرت الذي زعمت الفرس أنه آدم عليه السلام إنما هو جامر بن يافث ابن نوح، وأنه كان معمرًا سيدًا نزل جبل دنباوند من جبال طبرستان من أرض المشرق، وتملك بها وبفارس، ثم عظم أمره وأمر ولده، حتى ملكوا بابل وملكوا في بعض الأوقات الأقاليم كلها، وأن جيومرت منع من البلاد ما صار إليه، وابتنى المدن والحصون وعمرها، وأعد السلاح، واتخذ الخيل، وأنه تجبر في آخر عمره، وتسمى بآدم، وقال: من سماني بغير هذا الاسم ضربتُ عنقه، وأنه تزوج ثلاثين امرأة، فكثر منهن نسله، وأن ماري ابنه وماريانة أخته ممن كان ولد له في آخر عمره، فأعجب بهما وقدمهما، فصار الملوك بذلك السبب من نسلهما، وأن ملكه اتسع وعظم.
وإنما ذكرت من أمر جيومرت في هذا الموضوع ما ذكرت، لأنه لا تدافع بين علماء الأمم أن جيومرت هو أبو الفرس من العجم، وإنما اختلفوا فيه: هل هو آدم أبو البشر على ما قاله الذين ذكرنا قولهم أم هو غيره؟ ثم مع ذلك فلأن ملكه وملك أولاده لم يزل منتظمًا على سياق، متسقًا بأرض المشرق وجبالها إلى أن قتل يزد جرد بن شهريار من ولد ولده بمرور - أبعده الله - أيام عثمان بن عفان رضي الله عنه، فتأريخ ما مضى من سنى العالم على أعمار ملوكهم أسهل بيانًا، وأوضح منارًا منه على أعمار ملوك غيرهم من الأمم، إذ لا تعلم أمة من الأمم الذين ينتسبون إلى آدم عليه السلام دامت لها المملكة، واتصل لهم الملك، وكانت لهم ملوك تجمعهم، ورؤس تحامى عنهم من ناوأهم، وتغالب بهم من عازَّهم، وتدفع ظالمهم عن مظلومهم، وتحملهم من الأمور على ما فيه حظهم على اتصال ودوام ونظام، يأخذ ذلك آخرهم عن أولهم، وغابرهم عن سالفهم سواهم، فالتأريخ على أعمار ملوكهم أصحّ مخرجًا، وأحسن وضوحًا.
وأنا ذاكر ما انتهى إلينا من القول في عمر آدم عليه السلام وأعمار من كان بعده من ولده الذين خلفوه في النبوة والملك، على قول من خالف قول الفرس الذين زعموا أنه جيومرت، وعلى قول من قال: إنه هو جيومرت أبو الفرس، وذاكر ما اختلفوا فيه من أمرهم إلى الحال التي اجتمعوا عليها، فاتفقوا على من ملك منهم في زمان بعينه أنه كان هو الملك في ذلك الزمان إن شاء الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم سائق ذلك كذلك إلى زماننا هذا.
ونرجع الآن إلى الزيادة في الإبانة عن خطأ قول من قال: إن أول ميت كان في أول الأرض آدم، وإنكاره الذين قص الله نبأهما في قوله: " واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانًا "، أن يكونا من صلب آدم من أجل ذلك.
فحدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، قال: حدثنا عمر بن إبراهيم، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة بن جندب، عن النبي عليه السلام قال: " كانت حواء لا يعيش لها ولد، فنذرت لئن عاش لها ولد لتسمينه عبد الحارث، فعاش لها ولد فسمته عبد الحارث، وإنما كان ذلك عن وحي الشيطان ".
وحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: كانت حواء تلد لآدم فتعبدهم الله عز وجل وتسميهم: عبد الله، وعبيد الله، ونحو ذلك، فيصيبهم الموت، فأتاها إبليس وآدم عليه السلام، فقال: إنكما لو تسميانه بغير الذي تسميانه به لعاش، فولدت له ذكرًا فسمياه عبد الحارث، ففيه أنزل الله عز ذكره، يقول الله عز وجل: " هو الذي خلقكم من نفس واحدة "، إلى قوله: " جعلا له شركاء فيما آتاهما " إلى آخر الآية.
حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن فضيل، عن سالم بن أبي حفصة، عن سعيد بن جبير: " فلما أثقلت دعوا الله ربهما " إلى قوله: " فتعالى الله عما يشركون ".
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)