









ولم تخرج الريح قط إلا بمكيال إلا يومئذ، فإنها عتت على الخزنة فغلبهم، ثم يعلمواكم كان مكيالها؟ فذلك قوله " فأهلكوا بريح صرصرٍ عاتيةٍ ".
والصرر: ذات الصوت الشديد.
حدثني محمد بن سهل بن عسكر، قال: حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم، قال: حدثني عبد الصمد، أنه سمع وهبًا يقول: إن عادًا لما عذبهم الله بالريح التي عذبوا بها، كانت تقلع الشجرة العظيمة بعروقها وتهدم عليهم بيوتهم، فمن لم يكن في بيتٍ هبت به الريح حتى تقطعه بالجبال، فهلكوا بذلك كلهم.
وأما ثمود فإنهم عتوا على ربهم، وكفروا به، وأفسدوا في الأرض، فبعث الله إليهم صالح بن عبيد بن أسف بن ماسخ بن عبيد بن خادر بن ثمود ابن جاثر بن إرم بن سام بن نوح، رسولًا يدعوهم إلى توحيد الله وإفراده بالعبادة.
وقيل: صالح، هو صالح بن أسف بن كماشج بن إرم بن ثمود بن جاثر ابن إرم بن سام بن نوح.
فكان من جوابهم له أن قالوا له: " يا صالحُ قد كنت فينا مرجوًا قبل هذا أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا وإننا لفي شك مما تدعونا إليه مريبٍ ". وكان الله عز وجل قد مدّ لهم في الأعمار، وكانوا يسكنون الحجر إلى وادي القرى، بين الحجاز الشام، ولم يزل صالح يدعوهم إلى الله على تمردهم وطغيانهم، فلا يزيدهم دعاؤه إياهم إلى الله إلى مباعدة من الإجابة، فلما طال ذلك من أمرهم وأمر صالح قالوا له: إن كنت صادقًا فأتنا بآية.
فكان من أمرهم وأمره ما حدثنا الحسن بن يحيى، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا إسرائيل، عن عبد العزيز بن رفيع، عن أبي الطفيل، قال: قالت ثمود لصالح: ائتنا بآية إن كنت من الصادقين. قال: فقال لهم صالح: اخرجوا إلى هضبة من الأرض، فإذا هي تتمخص كما تتمخض الحامل، ثم تفرجت فخرجت من وسطها الناقة، فقال صالح عليه السلام: " هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم ". " لها شربُ ولكم شربُ يومٍ معلومٍ " فلما ملوها عقروها، فقال لهم: " تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب ". قال عبد العزيز: وحدثني رجل آخر أن صالحًا قال لهم: إن آية العذاب أن تصبحوا غدًا حمرًا، واليوم الثاني صفرًا، واليوم الثالث سودًا، فصبحهم العذاب، فلما رأوا ذلك تحنطوا واستعدوا.
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن أبي بكر بن عبد الله، عن شهر بن حوشب، عن عمرو بن خارجة، قال: قلنا له: حدثنا حديث ثمود، قال: أحدثكم عن رسول اللهعن ثمود. كانت ثمود قوم صالح عمرهم الله عز وجل في الدنيا، فأطال أعمارهم حتى جعل أحدهم يبني المسكن من المدر فيتهدم والرجل منهم حي، فلما رأوا ذلك اتخذوا من الجبال بيوتًا فرهين، فنحتوها وجابوها وجوفوها، وكانوا في سعة من معايشهم، فقالوا: يا صالح، ادع لنا ربك يخرج لنا آية نعلم أنك رسول الله فدعا ربه، فأخرج لهم الناقة فكان شربها يومًا وشربهم يومًا معلومًا، فإذا كان يوم شربها خلوا عنها وعن الماء، وحلبوهًا لبنًا، ملئوا كل إناء ووعاء وسقاء، فإذا كان يوم شربهم صرفوها عن الماء ولم تشرب منه شيئًا، فملئوا كل إناء ووعاء وسقاء، فأوحى الله عز وجل إلى صالح أن قومك سيعقرون ناقتك، فقال لهم، فقالوا: ما كنا لنفعل، قال: إلا تعقروها أنتم أو شك أن يولد فيكم مولود يعقرها، قالوا: ما علامةُ ذلك المولود؟ فوالله لا نجده إلى قتلناه، قال: فإنه غلام أشقرُ أزرق أصهب أحمر، قال: فكان في المدينة شيخان عزيزان منيعان، لأحدهما ابن يرغب له عن المناكح، وللآخر ابنة لا يجد لها كفئًا، فجمع بينهما مجلس، فقال أحدهما لصاحبه: مايمنعك أن تزوج ابنك؟ قال: لا أجد له كفئًا، قال: فإن ابنتي كفء له، وأنا أزوجك، فزوجه فولد منهما ذلك المولود.
وكان في المدينة ثمانية رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون، فلما قال لهم صالح: إنما يعقرها مولودٌ فيكم اختاروا ثماني نسوة قوابل من القرية، وجعلوا معهن شرطًا كانوا يطوفون في القرية، فإذا وجدوا المرأة تمخض نظروا ما ولدها؟ فإن كن غلامًا قتلنه، وإن كانت جارية أعرضن عنها، فلما وجدوا ذتك المولود صرخ النسوة، وقلن: هذا الذي يريد رسول الله صالح، فأراد الشرط أن يأخذوها، فحال جداه بينه وبينهم. وقالوا: إن أراد صالح هذا قتلناه، وكان شر مولود، وكان يشب في اليوم شباب غيره في الجمعة، ويشب في الجمعة شباب غيره في الشهر، ويشب في الشهر شباب غيره في السنة، فاجتمع الثمانية الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون، وفيهم الشيخان، فقالوا: استعمل علينا هذا الغلام لمنزلته وشرف جديه، فصاروا تسعة، وكان صالح عليه السلام لا ينام معهم في القرية، بل كان في مسجد يقال له مسجد صالح، فيه يبيت بالليل، فإذا أصبح أتاهم فوعظهم وذكرهم، فإذا أمسى خرج إلى مسجده فبات فيه.
قال حجاج: قال ابن جريج: لما قال لهم صالح عليه السلام: إنه سيولد غلام يكون هلاكهم على يديه، قالوا: فكيف تأمرنا؟ قال: آمركم بقتلهم، فقتلوهم إلا واحدًا، قال: فلما بلغ ذلك المولود قالوا: لو كنا لم نقتل أولادنا لكان لكل واحد منا مثل هذا، هذا عمل صالح! فأثمروا بينهم بقتله، وقالوا: نخرج مسافرين والناس يروننا علانية، ثم نرجع من ليلة كذا وكذا فنرصد عند مصلاه فنقتله، فلا يحسب الناس إلا أنا مسافرون كما نحن. فأقبلوا حتى دخلوا تحت صخرة يرصدونه، فأنزل الله عز وجل عليهم الصخرة فرضختهم فأصبحوا رضخًا، فانطلق رجال ممن قد اطلع على ذلك منهم، فإذا هم رضخ، فرجعوا يصيحون في القرية: أي عباد الله، أما رضي صالح أن أمرهم أن يقتلوا أولادهم حتى قتلهم! فاجتمع أهل القرية على عقر الناقة أجمعون، فأحجموا عنها إلا ذلك ابن العاشر.
قال أبو جعفر: ثم رجع الحديث إلى حديث رسول الله، قال: فأرادوا أن يمكروا بصالح، فمشوا حتى أتوا على سرب على طريق صالح، فاختبأ فيه ثمانية وقالوا: إذا خرج علينا قتلناه وأتينا أهله فبيتناهم، فأمر الله عز وجل الأرض فاستوت عليهم، قال: فاجتمعوا ومشوا إلى الناقة، وهو على حوضها قائمة، فقال الشقي لأحدهم: ائتها فاعقرها، فأتاها، فتعاظمه ذلك، فأضرب عن ذلك، فبعث آخر فأعظم ذلك، فجعل لا يبعث أحدًا إلى تعاظمه أمرها، حتى مشى إليها وتطاول فضرب عرقوبيها، فوقعت تركض، فأتى رجلٌ منهم صالحًا فقال: أدرك الناقة فقد عقرت. فأقبل: فخرجوا يتلقونه ويعتذرون إليه: يا نبي الله، إنما عقرها فلان، إنه لا ذنب لنا، قال: انظروا هل تدركون فصيلها! فإن أدركتموه فعسى الله أن يرفع عنكم العذاب! فخرجوا يطلبونه، فلما رأى الفصيل أمه تضطرب أتى جبلًا - يقال له القارة - قصيرًا فصعده وذهبوا ليأخذوه، فأوحى الله عز وجل إلى الجبل، فطال في السماء حتى ما تناله الطير، قال: ودخل صالح القرية، فلما رآه الفصيل بكى حتى سالت دموعه، ثم استقبل صالحًا، فرغا رغوة، ثم رغا أخرى، ثم رغا أخرى، فقال صالح: لكل رغوة أجل يوم، تمتعوا في داركم ثلاثة أيام، ذلك وعد غير مكذوب، إلا أن آية العذاب أن اليوم الأول تصبح وجوهكم مصفرة، واليوم الثاني محمرة، واليوم الثالث مسودة، فلما أصبحوا إذا وجوهم كأنما طليت بالخلوق، صغيرهم وكبيرهم، ذكرهم وأنثاهم، فلما أمسوا صاحوا بأجمعهم: ألا قد مضى يومٌ من الأجل وحضركم العذاب، فلما أصبحوا اليوم الثاني إذا وجوهم محمرة، كأنما خضبت بالدماء، فصاحوا وضجوا وبكوا وعرفوا أنه العذاب. فلما أمسوا صاحوا بأجمعهم: الا قد مضى يومان من الأجل، وحضركم العذاب، فلما أصبحوا اليوم الثالث فإذا وجوههم مسودة كأنما طليت بالقار، فصاحوا جميعًا: ألا قد حضركم العذاب، فتكفنوا وتحنطوا، وكان حنوطهم الصبر والمقسر، وكانت أكفانهم الأنطاع، ثم ألقوا أنفسهم إلى الأرض، فجعلوا يقلبون أبصارهم إلى السماء مرة، وإلى الأرض مرة، لا يدرون من حيث يأتيهم العذاب، من فوقهم من السماء، أو من تحت أرجلهم من الأرض خشعًا وفرقًا، فلما أصبحوا اليوم الربع أتتهم صيحة من السماء فيها صوت كل صاعقة وصوت كل شيء له صوتٌ في الأرض، فتقطعت قلوبهم في صدورهم فأصبحوا في ديارهم جاثمين.
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثنا حجاج، عن ابن جريج، قال: حدثت أنه لما أخذتهم الصيحة أهلك الله من بين المشارق والمغارب منهم، إلا رجلًا واحدًا كان في حرم الله، منعه حرم الله من عذاب الله قيل: ومن هو يا رسول الله؟ قال: أبو رغال، وقال رسول اللهحين أتى على قرية ثمود لأصحابه: " لا يدخلن أحد منكم القرية، ولا تشربوا من مائهم "، وأراهم مرتقى الفصيل، حين ارتقى في القارة قال ابن جريج: وأخبرني موسى بن عقبة، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمران، أن النبي
حين أتى على قرية ثمود قال: " لا يدخلن على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم أن يصيبكم ما أصابهم ".
قال ابن جريج: قال جابر بن عبد الله: إن النبيلما أتى على الحجر، حمد الله وأثنى عليه ثم قال: " أما بعد، فلا تسألوا رسولكم الآيات، هؤلاء قوم صالح سألوا رسولهم الآية، فبعث الله لهم الناقة، فكانت ترد من هذا الفج وتصدر من هذا الفج، فتشرب ماءهم يوم وردها ".
حدثني إسماعيل بن المتوكل الأشجعي، قال: حدثنا محمد بن كثير، قال: حدثنا عبد الله بن واقد، عن عبد الله بن عثمان بن خشيم، قال: حدثنا أبو الطفيل قال: لما غزا رسول اللهعزاة تبوك، نزل الحجر فقال: " أيها الناس لا تسألوا نبيكم الآيات، هؤلاء قوم صالح سالوا نبيهم ان يبعث لهم آية، فبعث الله تعالى ذكره لهم الناقة آية، فكانت تلجُ عليهم يوم وردها من هذا الفج فتشرب ماءهم، ويوم وردهم كانوا يتزودون منه، ثم يحلبونها مثل ما كانوا يتزودون من مائهم قبل ذلك لبنًا، ثم تخرج من ذلك الفج. فعتوا عن أمر ربهم وعقروها، فوعدهم الله العذاب بعد ثلاثة أيام، وكان وعدًا من الله غير مكذوب، فأهلك الله من كان منهم في مشارق الأرض ومغاربها إلى رجلًا واحدًا كان في حرم الله، فمنعه حرم الله من عذاب الله، قالوا: ومن ذلك الرجل يا رسول الله؟ قال: أبو رغال.
فأما أهل التوراة فإنهم يزعمون أن لا ذكر لعاد ولا ثمود ولا لهود وصالح في التوراة، وأمرهم عند العرب في الشهرة في الجاهلية والإسلام كشهرة إبراهيم وقومه.
قال: ولولا كراهة إطالة الكتاب بما ليس من جنسه، لذكرت من شعر شعراء الجاهلية الذي قيل في عاد وثمود وأمورهم بعض ما قيل. ما يعلم به من ظن خلاف ما قلنا في شهرة أمرهم في العرب صحة ذلك.
ومن أهل العلم من يزعمون أن صالحًا عليه السلام توفي بمكة وهو ابن ثمان وخمسين سنة، وأنه أقام في قومه عشرين سنة.
قال أبو جعفر: نرجع الآن إلى:
ذكر إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام وذكر من كان في عصره من ملوك العجم
إذ كنا قد ذكرنا من بينه وبين نوح من الآباء وتأريخ السنين التي مضت قبل ذلك. وهو إبراهيم بن تارخ بن ناحور بن ساروغ بن أرغوا بن فالغ بن عابر بن شالخ بن قينان بن أرفخشد بن سام بن نوح.
واختلفوا في الموضع الذي كان منه، والموضع الذي ولد فيه، فقال بعضهم: كان مولده بالسوس من أرض الأهواز، وقال بعضهم: كان مولده ببابل من أرض السواد، وقال بعضهم: كان بالسواد بناحية كوثي. وقال بعضهم: كان مولده بالوركاء بناحية الزوابي وحدود كسكر، ثم نقله أبوه إلى الموضع الذي كان به نمرود من ناحية كوئي. وقال بعضهم: كان مولده بحران، لكن أباه تارخ نقله إلى أرض بابل. وقال عامة السلف من أهل العلم: كان مولد إبراهيم عليه السلام في عهد نمرود بن كوش. ويقول عامة أهل الأخبار: كان نمرود عاملًا للازدهاق الذي زعم بعض من زعم أن نوحًا عليه السلام كان مبعوثًا إليه على أرض بابل وما حولها. وأما جماعة من سلف من العلماء فإنما يقولون: كان ملكًا برأسه، واسمه الذي هو اسمه فيما قيل: زرهي بن طهماسلفان.
وقد حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثنا محمد بن إسحاق - فيما ذكر لنا والله أعلم - أن آزر كان رجلًا من أهل كوثي، من قرية السواد سواد الكوفة، وكان إذا ذاك ملك المشرق لنمرود الخاطئ، وكان يقال له الهاصر، وكان ملكه - فميا يزعمون - قد أحاط بمشارق الأرض ومغاربها، وكان ببابل، قال: وكان ملكه وملك قومه بالمشرق قبل ملك فارس.
قال: ويقال لم يجتمع ملك الأرض ولم يجتمع الناس على ملك واحد إلا على ثلاثة ملوك: نمرود بن أرغوا، وذي القرنين، وسليمان بن داود.
وقال بعضهم: نمرود هو الضحاك نفسه.
حدثت عن هشام بن محمد، قال: بلغنا والله أعلم أن الضحاك هو نمرود، وأن إبراهيم خليل الرحمن ولد في زمانه، وأنه صاحبه الذي أراد إحرقه.
حدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي في خبر ذكره عن أبي صالح وعن أبي مالك، عن ابن عابس - وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود - وعن ناس من أصحاب النبي: إن أول ملك ملك في الأرض شرقها وغربها نمرود بن كنعان ابن كوش بن سام بن نوح، وكانت الملوك الذين ملكوا الأرض كلها أربعة: نمرود، وسليمان بن داود، وذو القرنين، وبخت نصر: مؤمنان وكافران.
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)