









قالت: فلما جاوزني قمت فاقتحمت حديقة فيها نفر من المسلمين، فيهم عمر بن الخطاب وفيهم رجل عليه تسبغة له - قال محمد: والتسبغة المغفر - لا ترى إلا عيناه، فقال عمر: إنك لجريئة؛ ما جاء بك؟ ما يدريك لعله يكون تحوز أو بلاء! فوالله مازال يلومني حتى وددت أن الأرض تنشق لي فأدخل فيها، فكشف الرجل التسبغة عن وجهه، فإذا هو طلحة؛ فقال: إنك قد أكثرت، أين الفرار، وأني التحوز إلا إلى الله عز وجل! قالت: فرمى سعد يومئذ بسهم، رماه رجلٌ يقال له ابن العرقة؛ فقال: خذها وأنا ابن العرقة؛ فقال: سعد: عرف الله وجهك في النار! فأصاب الأكحل فقطعه. قال محمد بن عمرو: زعموا أنه لم ينقطع من أحد قط إلا لم يزل يبض دمًا حتى يموت. فقال سعد: اللهم لا تمتني حتى تقر عيني في بني قريظة! وكانوا حلفاءه في الجاهلية.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، عمن لا يتهم، عن عبيد الله بن كعب بن مالك، أنه كان يقول: ما أصاب سعد يومئذ بالسهم إلا أبو أسامة الجشمي حليف بني مخزوم، فالله أعلم أي ذلك كان! حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه عباد، قال: كانت صفية بنت عبد المطلب في فارع " حصن حسان بن ثابت ". قالت: وكان حسان معنا فيه مع النساء والصبيان. قالت: صفية: فمر بنا رجلٌ من يهود، فجعل يطيف بالحصن، وقد حاربت بنو قريظة وقطعت ما بينها وبين رسول الله ص، ليس بيننا وبينهم أحدٌ يدفع عنا، ورسول الله ص والمسلمون في نحور عدوهم لا يستطعون أن ينصرفوا إلينا عنهم إن أتانا آت.
قالت: فقلت: يا حسان، إن هذا اليهودي كما ترى، يطيف بالحصن، وإني والله ما آمنه أن يدل على عوارتنا من وراءنا من يهود، وقد شغل عنا رسول الله ص وأصحابه، فانزل إليه فاقتله. فقال: يغفر اله لك يا بنا عبد المطلب! والله لقد عرفت ما أنا بصاحب هذا! قالت: فلما قال لي ذلك، ولم أر عنده شيئًا احتجزت؛ ثم أخذ عمودًا، ثم نزلت من الحصن إليه فضربته بالعمود حتى قتلته، فلما فرغت منه رجعت إلى الحصن، فقلت: يا حسان، انزل إليه فاسلبه، فإنه لم يمنعني من سلبه إلا أنه رجلٌ؛ قال: مالي من حاجة يا بنت عبد المطلب.
قال ابن إسحاق: وأقام رسول الله ص وأصحابه؛ فيما وصف الله عز وجل من الخوف والشدة؛ لتظاهر عدوهم عليهم، وإتيانهم من فوقهم ومن أسفل منهم.
ثم إن نعيم بن مسعود بن عامر بن أنيف بن ثعلبة بن قنفذ بن هلال ابن خلاوة بن أشجع بن ريث بن غطفان أتى رسول الله ص، فقال: يا رسول الله، إني قد أسلمت، إن قومي لم يعلموا بإسلامي؛ فمرني بما شئت. فقال له رسول الله ص: إنما أنت فينا رجلٌ واحد؛ فخذل عنا إن استطعت؛ فإن الحرب خدعة.
فخرج نعيم بن مسعود حتى أتى بني قريظة - وكان لهم نديمًا في الجاهلية - فقال لهم: يا بني قريظة، قد عرفتم ودي إياكم وخاصة ما بيني وبينكم، قالوا: صدقت، لست عندنا بمتهم؛ فقال لهم: إن قريشًا وغطفان قد جاءوا لحرب محمد. وقد ظاهرتموهم عليه، وإن قريشًا وغطفان ليسوا كهيئتكم، والبلد بلدكم، به أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم؛ لا تقدرون على أن تحولوا منه إلى غيره، وإن قريشًا وغطفان أموالهم وأبناؤهم ونساؤهم وبلدهم بغيره؛ فليسوا كهيئتكم، إن رأوا نهزةً وغنيمة أصابوها، وإن كان غير ذلك لحقوا ببلادهم، وخلوا بينكم وبين الرجل ببلدكم؛ ولا طاقة لكم به إن خلا بكم؛ فلا تقاتلوا مع القوم حتى تأخذوا منهم رهنًا من أشرافهم يكونون بأيديكم؛ ثقة لكم على أن تقاتلوا معكم محمدًا، حتى تناجزوه، فقالوا: لقد أشرت برأي ونصحٍ.
ثم خرج حتى أتى قريشًا، فقال لأبي سفيان بن حرب ومن معه من رجال قريش: يا معشر قريش، قد عرفتم ودي إياكم، وفراقي محمدًا وقد بلغني أمرٌ رأيت حقًا على أن أبلغكموه نصحًا لكم، فاكتموا على. قالوا: نفعل، قال: فاعلموا أن معشر يهود قد ندموا على صنعوا فيما بينهم وبين محمد، وقد أرسلوا إليه أن قد ندمنا على ما فعلنا، فهل يرضيك عنا أن نأخذ من القبليتين من قريش وغطفان رجالًا من أشرافهم؛ فنعطيكم، فنضرب أعناقهم؛ ثم نكون معك على من بقي منهم؟ فأرسل إليهم أن نعم؛ فإن بعثت إليكم يهود يلتمسون منكم رهنًا من رجالكم؛ فلا تدافعوا إليهم منكم رجلًا واحدًا. ثم خرج حتى أتى غطفان، فقال: يا معشر غطفان؛ أنتم أصلي وعشيرتي، وأحب الناس إلي، ولا أراكم تتهمونني! قالوا: صدقت، قال: فاكتموا علي، قالوا: نفعل، ثم قال لهم مثل ما قال لقريش، وحذرهم ما حذرهم؛ فلما كانت ليلة السبت في شوال سنة خمس؛ وكان مما صنع الله عز وجل لرسوله أن أرسل أبو سفيان ورءوس غطفان إلى بني قريظة عكرمة بن أبي جهل، في نفر من قريش وغطفان، فقالوا لهم: إنا لسنا بدار مقام؛ قد هلك الخف والحافر، فاغدوا للقتال حتى نناجز محمدًا ونفرغ مما بيننا وبينه؛ فأرسلوا إليهم أن اليوم السبت؛ وهو يوم لا نعمل فيه شيئًا؛ وقد كان أحدث فيه بعضنا حدثًا فأصابه ما لم يخف عليكم، ولسنا مع ذلك بالذين نقاتل معكم حتى تعطونا رهنًا من رجالكم، يكونون بأيدينا ثقة لنا؛ حتى نناجز محمدًا؛ فإنا نخشى إن ضرستكم الحرب، واشتد عليكم القتال، أن تشمروا إلى بلادكم وتتركونا والرجل في بلدنا، ولا طاقة لنا بذلك من محمدٍ. فلما رجعت إليهم الرسل بالذي قالت بنو قريظة، قالت قريش وغطفان: تعلمون والله أن الذي حدثكم نعيم بن مسعود لحق. فأرسلوا إلى بني قريظة: إنا والله لا ندفع إليكم رجلًا واحدًا من رجالنا، فإن كنتم تريدون القتال فاخرجوا فقاتلوا، فقالت بنو قريظة حين انتهت الرسل إليهم بهذا: إن الذي ذكر لكم نعيم بن مسعود لحق؛ ما يريد القوم إلا أن يقاتلوا؛ فإن وجدوا فرصة انتهزوها؛ وإن كان غير ذلك تشمروا إلى بلادهم، وخلوا بينكم وبين الرجل في بلادكم. فأرسلوا إلى قريش وغطفان: إنا والله نقاتل معكم حتى تعطونا رهنًا، فأبوا عليهم، وخذل الله بينهم؛ وبعث الله عز وجل عليهم الريح في ليالٍ شاتية شديدة البرد، فجعلت تكفأ قدورهم، وتطرح أبنيتهم. فلما انتهى إلى رسول الله ص ما اختلف من أمرهم، وما فرق الله من جماعتهم، دعا حذيفة بن اليمان، فبعثه إليهم لينظر ما فعل القوم ليلا.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، قال: حدثنا يزيد بن زياد، عن محمد بن كعب القرظي؛ قال: قال فتى من أهل الكوفة لحذيفة بن اليمان: يا أبا عبد الله، رأيتم رسول الله وصحبتموه! قال: نعم يا بن أخي، قال: فكيف كنتم تصنعون؟ قال: والله لقد كنا نجهد، فقال الفتى: والله لو أدركناه ما تركناه يمشي على الأرض، ولحملناه على أعناقنا.
فقال حذيفة: يابن أخي؛ والله لقد رأيتنا مع رسول الله ص بالخندق، وصلى هويًا من الليل، ثم التفت إلينا، فقال: من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم ثم يرجع - يشرط له رسول الله أنه يرجع - أدخله الله الجنة؟ فما قام رجل. ثم صلى رسول الله ص هويًا من الليل، ثم التفت إلينا فقال مثله، فما قام منا رجل، ثم صلى رسول الله ص هويًا من الليل، ثم التفت إلينا، فقال: من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم ثم يرجع - يشرط له رسول الله الرجعة - أسأل الله أن يكون رفيقي في الجنة؟ فما قام رجلٌ من القوم من شدة الخوف وشدة الجوع وشدة البرد. فلما لم يقم أحدٌ دعاني رسول الله ص فلم يكن لي بد من القيام حين دعاني. فقال: يا حذيفة؛ اذهب فادخل في القوم فانظر ما يفعلون، ولا تحدثن شيئًا حتى تأتينا؛ قال: فذهبت فدخلت في القوم والريح وجنود الله تفعل بهم ما تفعل؛ لا تقر لهم قدرًا ولا نارًا ولا بناء. فقام أبو سفيان بن حرب، فقال: يا معشر قريش، لينظر امرؤٌ جليسه، قال: فأخذت بيد الرجل الذي كان إلى جنبي، فقلت: من أنت؟ قل: أنا فلان بن فلان. ثم قال أبو سفيان: يا معشر قريش، إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام، لقد هلك الكراع والخف، وأخلفتنا بنو قريظة وبلغنا عنهم الذي نكره؛ ولقينا من هذه الريح ما ترون؛ والله ما تطمئن لنا قدرٌ، ولا تقوم لنا نار، ولا يستمسك لنا بناءٌ؛ فارتحلوا فإني مرتحل.










ثم قام إلى جمله وهو معقول، فجلس عليه، ثم ضربه فوثب به على ثلاث؛ فما أطلق عقاله إلا وهو قائم؛ ولولا عهد رسول الله ص إلى ألا أحدث شيئًا حتى آتيه، ثم شئت لقتلته بسهم. قال حذيفة: فرجعت إلى رسول الله ص، وهو قائم يصلي في مرط لبعض نسائه مرحلٍ؛ فلما رآني أدخلني بين رجليه وطرح على طرف المرط ثم ركع وسجد؛ فأذلقته. فلما سلم أخبرته الخبر، وسمعت غطفان بما فعلت قريش، فانشمروا راجعين إلى بلادهم.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق قال: فلما أصبح نبي الله ص انصرف عن الخندق راجعًا إلى المدينة والمسلمون ووضعوا السلاح.
غزوة بني قريظة
فلما كانت الظهر، أتى جبريل رسول الله ص - كما حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، عن ابن شهاب الزهري - معتجرًا بعمامة من إستبرق، على بغلةٍ عليها رحالة، عليها قطيفة من ديباج، فقال: أقد وضعت السلاح يا رسول الله؟ قال نعم، قال جبريل: ما وضعت الملائكة السلاح وما رجعت الآن إلا من طلب القوم؛ إن الله يأمرك يا محمد بالسير إلى بني قريظة، وأنا عامد إلى بني قريظة.
فأمر رسول الله ص مناديًا، فأذن في الناس: إن من كان سامعًا مطيعًا فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة.
وقدم رسول الله ص علي بن أبي طالب برايته إلى بني قريظة، وابتدرها الناس، فسار علي بن أبي طالب عليه السلام؛ حتى إذا دنا من الحصون، سمع منها مقالة قبيحة لرسول الله ص منهم؛ فرجع حتى لقى رسول الله ص بالطريق، فقال: يا رسول الله، لا عليك ألا تدنو من هؤلاء الأخابث! قال: لم؟ أظنك سمعت لي منهم أذى! قال: نعم يا رسول الله. لو قد رأوني لم يقولوا من ذلك شيئًا. فلما دنا رسول الله ص من حصونهم، قال: يا إخوان القردة، هل أخزاكم الله، وأنزل بكم نقمته! قالوا: يا أبا القاسم، ما كنت جهولًا. ومر رسول الله ص على أصحابه بالصورين قبل أن يصل إلى بني قريظة، فقال: هل مر بكم أحد؟ فقالوا: نعم يا رسول الله، قد مر بنا دحية بن خليفة الكلبي، على بغلة بيضاء، عليها رحالة عليها قطيفة ديباج، فقال رسول الله ص: ذلك جبريل، بعث إلى بني قريظة يزلزل بهم حصونهم، ويقذف الرعب في قلوبهم. فلما أتى رسول الله ص بني قريظة، نزل على بئر من آبارها في ناحية من أموالهم، يقال لها بئر أنا؛ فلاحق به الناس، فأتاه رجالٌ من بعد العشاء الآخرة، ولم يصلوا العصر، لقول رسول الله ص: لا يصلين أحدٌ العصر إلا في بني قريظة، لشيء لم يكن لهم منه بد من حربهم؛ وأبوا أن يصلوا، لقول النبي ص: حتى تأتوا بني قريظة، فصلوا العصر بها بعد العشاء الآخرة. فما عابهم الله بذلك في كتابه؛ ولا عنفهم به رسول الله ص. والحديث عن محمد بن إسحاق، عن أبيه، عن معبد بن كعب بن مالك الأنصاري.
حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا محمد بن بشر، قال: حدثنا محمد ابن عمرو، قال: حدثني أبي، عن علقمة، عن عائشة، قالت: ضرب رسول الله ص على سعد قبة في المسجد، ووضع السلاح - يعني عند منصرف رسول الله ص من الخندق - ووضع المسلمون السلاح، فجاءه جبريل عليه السلام، فقال: أوضعتم السلاح! فوالله ما وضعت الملائكة بعد السلاح، اخرج إليهم فقاتلهم، فدعا رسول الله ص بلأمته فلبسها، ثم خرج وخرج المسلمون؛ فمر ببني غنم، فقال: من مر بكم؟ قالوا: علينا دحية الكلبي - وكان يشبه سنته ولحيته ووجهه بجبريل عليه السلام - حتى نزل عليهم، وسعدٌ في قبته التي ضرب عليه رسول اللهفي المسجد؛ فحاصرهم شهرًا - أو خمسًا وعشرين ليلة - فلما اشتد عليهم الحصار قيل لهم: انزلوا على حكم رسول الله، فأشار أبو لبابة بن عبد المنذر إنه الذبح، فقالوا: ننزل على حكم سعد بن معاذ، فقال رسول الله ص: انزلوا على حكمه، فنزلوا، فبعث إليه رسول الله ص بحمار بإكاف من ليف، فحمل عليه. قالت عائشة: لقد كان برأ كلمه حتى ما يرى منه إلا مثل الخرص.
رجع الحديث إلى حديث ابن إسحاق، قال: وحاصرهم رسول الله ص خمسًا وعشرين ليلة؛ حتى جهدهم الحصار؛ وقذف الله في قلوبهم الرعب - وقد كان حيى بن أخطب دخل على بني قريظة في حصنهم حين رجعت عنهم قريش وغطفان، وفاءً لكعب بن اسد بما كان عاهده عليه - فلما ايقنوا أن رسول الله ص غير منصرف عنهم حتى يناجزهم، قال كعب بن أسد لهم: يا معشر يهود، إنه قد نزل بكم من الأمر ما ترون، وإني عارض عليكم خلالا ثلاثا فخذوا أيها شئتم! قالوا: وما هن؟ قال: نتابع هذا الرجل ونصدقه؛ فوالله لقد كان تبين لكم أنه لنبي مرسل، وأنه للذي كنتم تجدونه في كتابكم، فتأمنوا على دمائكم وأموالكم وأبنائكم ونسائكم، قالوا: لا نفارق حكم التوراة أبدًا، ولا نستبدل به غيره. قال: فإذا أبيتم هذه علي فهلم فلنقتل أبناءنا ونساءنا، ثم نخرج إلى محمد وأصحابه رجلا مصلتين السيوف؛ ولم نترك وراءنا ثقلًا يهمنا؛ حتى يحكم الله بيننا وبين محمد؛ فإن نهلك نهلك ولم نترك وراءنا شيئًا نخشى عليه، وإن نظهر فلعمري لنجدن النساء ولأبناء.
قالوا: نقتل هؤلاء المساكين؛ فما خير العيش بعدهم! قال: فإذا أبيتم هذه على فإن الليلة ليلة السبت؛ وإنه عسى أن يكون محمد وأصحابه قد أمنوا فيها؛ فانزلوا لعلنا نصيب محمد وأصحابه غرةً.
قالوا: نفسد سبتنا، ونحدث فيه ما لم يكن أحدث فيه من كان قبلنا، إلا من قد علمت. فأصابه من المسخ ما لم يخفف عليك. قال: ما بات رجل منكم منذ ولدته أمه ليلة واحدة من الدهر حازمًا.
قال: ثم إنهم بعثوا إلى رسول الله ص: أن ابعث إلينا أبا لبابة بن عبد المنذر؛ أخا بني عمرو بن عوف - وكانوا حلفاء الأوس - نستشيره في أمرنا، فأرسله رسول الله ص إليهم فلما رأوه قام إليه الرجال، وبهش إليه النساء والصبيان يبكون في وجهه، فرق لهم وقالوا له: يا أبا لبابة، أترى أن ننزل على حكم محمد! قال: نعم، وأشار بيده إلى حلقه: إنه الذبح؛ قال: قال أبو لبابة: فوالله ما زالت قدماي حتى عرفت أني خنت الله ورسوله.
ثم انطلق أبو لبابة على وجهه، ولم يأت رسول الله ص حتى ارتبط في المسجد إلى عمود من عمده، وقال: لا أبرح مكاني هذا حتى يتوب الله علي مما صنعت؛ وعاهد الله ألا يطأ بني قريظة أبدًا.
وقال: لا يراني الله في بلد خنت الله ورسوله فيه أبدًا. فلما بلغ رسول الله ص خبره، وأبطأ عليه - وكان قد استبطأه - قال: أما لو جاءني لا ستغفرت له؛ فأما إذ فعل ما فعل، فما أنا بالذي أطلقه من مكانه حتى يتوب الله عليه.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة بن فضل، قال: حدثنا محمد بن إسحاق، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط، أن توبة أبي لبابة أنزلت على رسول الله ص: وهو في بيت أم سلمة.
قالت أم سلمة: فسمعت رسول الله ص من السحر يضحك فقلت: مم تضحك يا رسول الله، أضحك الله سنك! قال: تيب على أبي لبابة، فقلت: ألا أبشره بذلك يا رسول الله! قال: بلى إن شئت؛ قال: فقامت على باب حجرتها - وذلك قبل أن يضرب عليهن الحجاب - فقالت: يا أبا لبابة، أبشر فقد تاب الله عليك. قال: فثار الناس إليه ليطلقوه؛ فقال: لا والله حتى يكون رسول الله ص هو الذي يطلقني بيده، فلما مر عليه خارجًا إلى الصبح أطلقه.
قال ابن إسحاق: ثم إن ثعلبة بن سعية وأسيد بن سعية، وأسد ابن عبيد - وهم نفر من بني هدل؛ ليسوا من بني قريظة ولا النضير، نسبهم فوق ذلك - هم بنو عم القوم أسلموا تلك الليلة التي نزلت فيها قريظة على حكم رسول الله ص - وخرج في تلك الليلة عمرو بن سعدي القرظي، فمر بحرس رسول الله ص؛ وعليه محمد بن مسلمة الأنصاري تلك الليلة؛ فلما رآه قال: من هذا؟ قال: عمرو بن سعدي - وكان عمرو قد أبى أن يدخل مع بني قريظة في غدرهم برسول الله ص، وقال: لا أغدر بمحمد أبدًا - فقال محمد بن مسلمة حين عرفه: اللهم لا تحرمني عثرات الكرام. ثم خلى سبيله؛ فخرج على وجهه حتى بات في مسجد رسول الله ص بالمدينة تلك الليلة. ثم ذهب فلا يدري أين ذهب من أرض الله إلى يومه هذا! فذكر لرسول اله ص شأنه، فقال: ذاك الرجل نجاه الله بوفائه.
قال ابن إسحاق: وبعض الناس يزعم أنه كان أوثق برمة فيمن أوثق من بني قريظة حين نزلوا على حكم رسول الله ص، فأصبحت رمته ملقاةً لا يدري أين يذهب، فقال رسول الله ص في تلك المقالة. والله أعلم.
قال ابن إسحاق. فلما أصبحوا نزلوا على حكم رسول الله ص، فتواثبت الأوس. فقالوا: يا رسول الله، إنهم موالينا دون الخزرج، وقد فعلت في موالي الخزرج بالأمس ما قد علمت - وقد كان رسول الله ص قبل بني قريظة حاصر بني قنينقاع، وكانوا حلفاء الخزرج، فنزلوا على حكمه؛ فسأله إياهم عبد الله بن أبي سلول، فوهبهم له.










فلما كلمه الأوس قال رسول الله ص: ألا ترضون يا معشر الأوس أن يحكم فيهم رجل منكم! قالوا: بلى: قال: فذاك إلى سعد بن معاذ - وكان سعد بن معاذ قد جعله رسول الله ص في خيمة امرأة من أسلم يقال لها رفيدة في مسجده، كانت تداوي الجرحى، وتحتسب بنفسها على خدمة من كانت به ضيعة من المسلمين؛ وكان رسول الله ص قد قال لقومه حين أصابه السهم بالخندق: اجعلوه في خيمة رفيدة، حتى أعوده من قريب - فلما حكمه رسول اله ص في بني قريظة، أتاه قومه، فاحتملوه على حمار قد وطئوا له بوسادة من أدمٍ - وكان رجلًا جسيمًا - ثم أقبلوا معه إلى رسول الله ص، وهم يقولون: يا أبا عمرو، أحسن في مواليك؛ فإن رسول الله ص إنما ولاك ذلك لتحسن فيهم. فلما أكثروا عليه قال: قد أني لسعد ألا تأخذه في الله لومة لائم. فرجع بعض من كان معه من قومه إلى دار بني عبد الأشهل، فنعى لهم رجال بني قريظة قبل أن يصل إليهم سعد بن معاذ عن كلمته التي سمع منه.
قال أبو جعفر: فلما انتهى سعدٌ إلى رسول الله ص والمسلمين، قال رسول الله ص - فيما حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا محمد بن بشر، قال: حدثنا محمد بن عمرو، قال: حدثني أبي، عن علقمة، في حديث ذكره، قال: قال أبو سعيد الخدري: فلما طلع - يعني سعدًا - قال رسول الله ص: قوموا إلى سيدكم - أو قال: إلي خيركم - فأنزلوه، فقال، فقال رسول الله ص: احكم فيهم، قال: فإني أحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم، وأن تسبى ذراريهم، وأن تقسم أموالهم. فقال: لقد حكمت فيهم بحكم الله وحكم رسوله.
رجع الحديث إلى حديث ابن إسحاق: وأما ابن إسحاق فإنه قال في حديثه: فلما انتهى سعدٌ إلى رسول الله ص والمسلمون؛ قال رسول الله ص: قوموا إلى سيدكم، فقاموا إليه، فقالوا: يا أبا عمرو، إن رسول الله ص قد ولاك أمر مواليك لتحكم فيهم، فقال سعد: عليكم بذلك عهد الله وميثاقه أن الحكم فيها ما حكمت! قالوا: نعم، قال: وعلى من ها هنا؟ - في الناحية التي فيها رسول الله ص، وهو معرض عن رسول الله ص إجلالًا له - فقال رسول الله ص: نعم، قال سعد: فإني أحكم فيهم بأن تقتل الرجال، وتقسم الأموال، وتسبى الذراري والنساء.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ، عن علقمة بن وقاص الليثي، قال: قال رسول الله ص لسعد: لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة.
قال ابن إسحاق: ثم استنزلوا، فحبسهم رسول الله ص في دار ابنة الحارث، امرأة من بني النجار. ثم خرج رسول الله ص إلى سوق المدينة التي هي سوقها اليوم، فخندق بها خنادق، ثم بعث إليهم فضرب أعناقهم في تلك الخنادق؛ يخرج بهم إليه أرسالًا؛ وفيهم عدو الله حيى بن أخطب، وكعب بن أسد، رأس القوم، وهم ستمائة أو سبعمائة؛ المكثر لهم يقول: كانوا من الثمانمائة إلى التسعمائة.
وقد قالوا لكعب بن أسد - وهم يذهب بهم إلى رسول الله ص أرسالًا -: يا كعب، ما ترى ما يصنع بنا! فقال كعب: في كل موطن لا تعقلون: ألا ترون الداعى لا ينزع، وأنه من ذهب به منكم لا يرجع، هو والله القتل! فلم يزل ذلك الدأب حتى فرغ رسول الله ص، أتى بحيى بن أخطب عدو الله وعليه حلة له فقاحية قد شققها عليه من كل ناحية كموضع الأنملة، أنملة أنملة، لئلا يسلبها، مجموعة يداه إلى عنقه بحبل. فلما نظر رسول الله ص، قال: أما والله ما لمت نفسي في عداوتك؛ ولكنه من يخذل الله يخذل.
ثم أقبل على الناس، فقال: أيها الناس، إنه لا بأس بأمر الله، كتاب الله وقدره، وملحمةٌ قد كتبت على بني إسرائيل. ثم جلس فضربت عنقه، فقال جبل بن جوال الثعلبي:
لعمرك ما لام ابن أخطب نفسه ** ولكنه من يخذل الله يخذل
لجاهد حتى أبلغ النفس عذرها ** وقلقل يبغي العز كل مقلقل
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة بن الزبير، عن عائشة، قالت: لم يقتل من نسائهم إلا امرأة واحدة.
قالت: والله إنها لعندي تحدث معي، وتضحك ظهرًا وبطنًا، ورسول الله ص يقتل رجالهم بالسوق؛ إذ هتف هاتفٌ باسمها: أين فلانة؟ قالت: أنا والله. قالت: قلت: ويلك مالك! قالت: أقتل! قلت: ولم؟ قالت: حدثٌ أحدثته. قالت: فانطلق بها فضربت عنقها. فكانت عائشة تقول: ما أنسى عجبنا منها، طيب نفس وكثرة ضحك، وقد عرفت أنها تقتل! وكان ثابت بن قيس بن شماس - كما حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، عن ابن شهاب الزهري - أتى الزبير بن باطا القرظي - وكان يكنى أبا عبد الرحمن - وكان الزبير قد من على ثابت بن قيس بن شماس في الجاهلية.
قال محمد: مما ذكر لي بعض ولد الزبير، أنه كان من عليه يوم بعاث؛ أخذه فجز ناصيته، ثم خلى سبيله - فجاءه وهو شيخ كبير، فقال: يا أبا عبد الرحمن، هل تعرفني؟ قال: وهو يجهل مثلي مثلك! قال: إني أردت أن أجزيك بيدك عندي، قال: إن الكريم يجزي الكريم. ثم أتى ثابت رسول الله ص، فقال: يا رسول الله؛ قد كانت للزبير عندي يدٌ؛ وله علي منةٌ؛ وقد أحببت أن أجزيه بها؛ فهب لي دمه.
فقال رسول الله ص: هو لك، فأتاه، فقال: إن رسول الله ص قد وهب لي دمك فهو لك، قال: شيخ كبير لا أهل له ولا ولد؛ فما يصنع بالحياة! فأتى ثابت رسول الله ص: فقال: يا رسول الله، أهله ولده، قال: هم لك، فأتاه فقال: إن رسول الله ص قد أعطاني امرأتك وولدك فهم لك.
قال: أهل بيت بالحجاز لا مال لهم، فما بقاءهم! فأتى ثابتٌ رسول الله ص، فقال: يا رسول الله، ماله! قال: هو لك، فأتاه فقال: إن رسول الله ص قد أعطاني مالك فهو لك، قال: أي ثابت! ما فعل الذي كأنه وجهه مرآة صينية تتراءى فيها عذاري الحي، كعب بن أسد؟ قال: قتل، قال: فما فعل الحاضر والبادي، حيى بن أخطب؟ قال: قتل، قال: فما فعل مقدمتنا إذا شددنا، وحاميتنا إذا كررنا؛ عزال بن شمويل؟ قال: قتل، قال: فما فعل المجلسان - يعني بني كعب بن قريظة وبني عمرو بن قريظة - قال: ذهبوا، قتلوا. قال: فإني أسألك بيدي عندك يا ثابت، إلا ألحقتني بالقوم؛ فوالله ما في العيش بعد هؤلاء من خير، فما أنا بصابر الله قبلة دلو نضج حتى ألقى الأحبة! فقدمه ثابت فضرب عنقه، فلما بلغ أبا بكر قوله: ألقى الأحبة قال: يلقاهم والله في نار جهنم خالدًا فيعا مخلدًا أبدًا. فقال ثابت بن قيس بن الشماس في ذلك، يذكر الزبير بن باطا: "
وفت ذمتي أني كريمٌ وأنني ** صبورٌ إذا ما القوم حادوا عن الصبر
وكان زبيرٌ أعظم الناس منةً ** على فلما شد كوعاه بالأسر
أتيت رسول الله كيما أفكه ** وكان رسول الله بحرًا لنا يجري
قال: وكان رسول الله ص قد أمر بقتل من أنبت منهم.










فحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، عن أيوب بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة، أخي بني عدي بن النجار؛ أن سلمى بنت قيس أم المنذر أخت سليط بن قيس - وكانت إحدى خالات رسول الله ص، قد صلت معه القبلتين، وبايعته بيعة النساء - سألته رفاعة بن شمويل القرظي - وكان رجلًا قد بلغ ولاذ بها، وكان يعرفهم قبل ذلك - فقالت: يا نبي الله، بأبي أنت وأمي! هب لي رفاعة بن شمويل؛ فإنه قد زعم أنه سيصلي، ويأكل لحم الجمل؛ فوهبه لها؛ فاستحيته.
قال ابن إسحاق: ثم إن رسول الله ص قسم أموال بني قريظة ونساءهم وأبناءهم على المسلمين، وأعلم في ذلك اليوم سهمان الخيل وسهمان الرجال، وأخرج منها الخمس، فكان للفارس ثلاثة أسهم؛ للفرس سهمان ولفارسه سهم، وللراجل ممن ليس له فرسٌ سهم، وكانت الخيل يوم بني قريظة ستة وثلاثين فرسًا، وكان أول فىء وقع فيه السهمان وأخرج منه الخمس، فعلى سنتها وما مضى من رسول الله ص فيها وقعت المقاسم، ومضت السنة في المغازي؛ ولم يكن يسهم للخيل إذا كانت مع الرجل إلا لفرسين.
ثم بعث رسول الله ص سعد بن زيد الأنصاري، أخا بني عبد الأشهل بسبايا من سبايا بني قريظة إلى نجد، فابتاع له بهم خيلًا وسلاحًا، وكان رسول الله ص قد اصطفى لنفسه من نسائهم ريحانة بنت عمرو بن خناقة إحدى نساء بني عمرو بن قريظة، فكانت عند رسول الله ص حتى توفي عنها وهي في ملكه، وقد كان رسول الله ص عرض عليها أن يتزوجها، ويضرب عليها الحجاب، فقالت: يا رسول الله، بل تتركني في ملكك فهو أخف علي وعليك. فتركها؛ وقد كانت حين سباها رسول الله ص قد تعصت بالإسلام، وأبت إلا اليهودية، فعزلها رسول الله ص ووجد في نفسه لذلك من أمرها؛ فبينا هو مع أصحابه إذ سمع وقع نعلين خلفه، فقال: إن هذا لثعلبة بن سعية يبشرني بإسلام ريحانة، فجاءه فقال: يا رسول الله، قد أسلمت ريحانة، فسره ذلك.
فلما انقضى شأن بني قريظة انفجر جرح سعد بن معاذ، وذلك أنه دعا - كما حدثني ابن وكيع، قال: حدثنا ابن بشر، قال: حدثنا محمد بن عمرو؛ قال: حدثني أبي، عن علقمة، في خبر ذكره عن عائشة: ثم دعا سعد بن معاذ - بعد أن حكم في بني قريظة ما حكم - فقال: اللهم إنك قد علمت أنه لم يكن قوم أحب إلي أن أقاتل أو أجاهد من قوم كذبوا رسولك. اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش على رسولك شيئا فأبقني لها، وإن كنت قد قطعت الحرب بينه وبينهم فاقبضي إليك. فانفجر كلمه، فرجعه رسول الله ص إلى خيمته التي ضربت عليه في المسجد. قالت عائشة: فحضره رسول الله ص، وأبو بكر، وعمر؛ فوالذي نفس محمد بيده؛ إني لأعرف بكاء أبي بكر من بكاء عمر وإني لفي حجرتي. قالت: وكانوا كما قال الله عز وجل: " رحماء بينهم " قال علقمة: أي أمه! كيف كان يصنع رسول الله ص؟ قالت: كانت عينه لا تدمع على أحد؛ ولكنه كان إذا اشتد وجده على أحد، أو إذا وجد فإنما هو آخذ بلحيته.
حدثنا ابن حميد؛ قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني ابن إسحاق، قال: لم يقتل من المسلمين يوم الخندق إلا ستة نفر، وقتل من المشركين ثلاثة نفر، وقتل يوم بني قريظة خلاد بن سويد بن ثعلبة بن عمرو ابن بلحارث بن الخزرج، طرحت عليه رحى فشدخته شدخًا شديدًا. ومات أبو سنان بن محصن بن حرثان، أخو بني أسد بن خزيمة، ورسول الله ص محاصر بني قريظة، فدفن في مقبرة بني قريظة. ولما انصرف رسول الله ص عن الخندق، قال: الآن نغزوهم - يعني قريشًا - ولا يغزوننا، فكان كذلك حتى فتح الله تعالى على رسوله ص مكة.
وكان فتح بني قريظة في ذي القعدة أو في صدر ذي الحجة، في قول ابن إسحاق. وأما الواقدي فإنه قال: غزاهم رسول الله ص في ذي القعدة، لليال بقين منه؛ وزعم أن رسول الله ص أمر أن يشق لبني قريظة في الأرض أخاديد ثم جلس؛ فجعل علي والزبير يضربان أعناقهم بين يديه، وزعم أن المرأة التي قتلها النبي ص يومئذ كانت تسمى بنانة، امرأة الحكم القرظي، كانت قتلت خلاد بن سويد، رمت عليه رحى، فدعا له رسول الله ص، فضرب عنقها بخلاد بن سويد.
واختلف في وقت غزوة النبي ص بني المصطلق؛ وهي الغزوة التي يقال لها غزوة المريسيع - والمريسيع اسم ماء من مياه خزاعة بناحية قديد إلى الساحل - فقال: ابن إسحاق - فيما حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عنه، أن رسول الله ص غزا بني المصطلق من خزاعة، في شعبان سنة ست من الهجرة.
وقال الواقدي: غزا رسول الله ص المريسيع في شعبان سنة خمس من الهجرة. وزعم أن غزوة الخندق وغزوة بني قريظة كانتا بعد المريسيع لحرب بني المصطلق من خزاعة.
وزعم ابن إسحاق - فيما حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عنه - أن النبي ص انصرف بعد فراغه من بني قريظة؛ وذلك في آخر ذي القعدة أو في صدر ذي الحجة - فأقام بالمدينة ذا الحجة والمحرم وصفرا وشهري ربيع، وولى الحجة في سنة خمس المشركون.
ذكر الأحداث التي كانت في سنة ست من الهجرة
غزوة بني لحيان
قال أبو جعفر: وخرج رسول الله ص في جمادى الأولى على رأس ستة أشهر من فتح بني قريظة إلى بني لحيان، يطلب بأصحاب الرجيع؛ خبيب بن عدي وأصحابه؛ وأظهر أنه يريد الشام ليصيب من القوم غرةً، فخرج من المدينة، فسلك على غراب جبل بناحية المدينة على طريقه إلى الشام ثم على مخيض، ثم على البتراء؛ ثم صفق ذات اليسار، ثم على يين، ثم على صخيرات اليمام، ثم استقام به الطريق على المحجة من طريق مكة، فأغذ السير سريعًا؛ حتى نزل على غران؛ وهي منازل بني لحيان - وغران وادٍ بين أمج وعسفان - إلى بلد يقال له ساية، فوجدهم قد حذروا وتمنعوا في رءوس الجبال، فلما نزلها رسول الله ص وأخطأه من غرتهم ما أراد، قال: لو أنا هبطنا عسفان لرأي أهل مكة أنا قد جئنا مكة. فخرج في مائتي راكب من أصحابه حتى نزل عسفان، ثم بعث فارسين من أصحابه؛ حتى بلغا كراع الغميم، ثم كرا وراح قافلا.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني ابن إسحاق. - قال: والحديث في غزوة بني لحيان - عن عاصم بن عمر بن قتادة وعبد الله بن أبي بكر، عن عبيد الله بن كعب.
قال ابن إسحاق: ثم قدم رسول الله ص المدينة، فلم يقم إلا ليالي قلائل حتى أغار عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري في خيل لغطفان على لقاح رسول الله ص بالغابة؛ وفيها رجلٌ من بني غفار وامرأته، فقتلوا الرجل واحتملوا المرأة في اللقاح.
غزوة ذي قرد
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)