









حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ولما قال سطيح وشق لربيعة بن نصر ذلك، وصنع ربيعة بولده وأهل بيته ما صنع، ذهب ذكر ذلك في العرب، وتحدثوا حتى فشا ذكره وعلمه فيهم، فلما نزلت الحبشة اليمن، ووقع الأمر الذي كانوا يتحدثون به من أمر الكاهنين، قال الأعشى، أعشى بني قيس بن ثعلبة البكري، في بعض ما يقول، وهو يذكر ما وقع من أمر ذينك الكاهنين: سطيح وشق:
ما نظرت ذات أشفارٍ كنظرتها ** حقًا كما نطق الذئبي إذ سجعا
وكان سطيح إنما يدعوه العرب الذئبي، لأنه من ولد ذئب بن عدي. فلما هلك ربيعة بن نصر، واجتمع ملك اليمن إلى حسان بن تبان أسعد أبي كرب ابن ملكيكرب بن زيد بن عمرو ذي الأذعار، كان مما هاج أمر الحبشة وتحول الملك عن حمير وانقطاع مدة سلطانهم - ولكل أمر سبب - أن حسان ابن تبان أسعد أبي كرب، سار بأهل اليمن يريد أن يطأ بهم أرض العرب وأرض العجم، كما كانت التبابعة قبله تفعل؛ حتى إذا كان ببعض أرض العراق، كرهت حمير وقبائل اليمن السير معه، وأرادوا الرجعة إلى بلادهم وأهليهم؛ فكلموا أخًا له كان معه في جيشه، يقال له عمرو، فقالوا له: اقتل أخاك حسان نملكك علينا مكانه، وترجع بنا إلى بلادنا. فتابعهم على ذلك، فأجمع أخوه ومن معه من حمير وقبائل اليمن على قتل حسان، إلا ما كان من ذي رعين الحميري، فإنه نهاه عن ذلك، وقال له: إنكم أهل بيت مملكتنا، لا تقتل أخاك ولا تشتت أمر أهل بيتك - أو كما قال له - فلما لم يقبل منه قوله - وكان ذو رعين شريفًا من حمير - عمد إلى صحيفة فكتب فيها:
ألا من يشتري سهرًا بنومٍ ** سعيدٌ من يبيت قرير عين
فإما حميرٌ غدرت وخانت ** فمعذرة الإله لذي رعين
ثم ختم عليها. ثم أتى بها عمرًا، فقال له: ضع لي عندك هذا الكتاب، فإن لي فيه بغيةً وحاجة، ففعل. فلما بلغ حسان ما أجمع عليه أخوه عمرو وحمير وقبائل اليمن من قتله، قال لعمرو:
يا عمرو لا تعجل علي منيتي ** فالملك تأخذه بغير حشود
فأبى إلا قتله، فقتله ثم رجع بمن معه من جنده إلى اليمن. فقال قائل من حمير:
إن لله من رأى مثل حسا ** ن قتيلا في سالف الأحقاب
قتلته الأقيال من خشية الجي ** ش وقالوا له لباب لباب
ميتكم خيرنا وحيكم ** ربٌ علينا وكلكم أربابي
فلما نزل عمرو بن تبان أسعد أبي كرب اليمن منع منه النوم، وسلط عليه السهر - فيما يزعمون - فجعل لا ينام، فلما جهده ذلك جعل يسأل الأطباء والحزاة من الكهان والعرافين عما به، ويقول: منع مني النوم فلا أقدر عليه، وقد جهدني السهر، فقال له قائل منهم: والله ما قتل رجل أخاه قط أو ذا رحم بغيًا على مثل ما قتلت عليه أخاك إلا ذهب نومه، وسلط عليه السهر، فلما قيل له ذلك، جعل يقتل كل من كان أمره بقتل أخيه حسان من أشراف حمير وقبائل اليمن، حتى خلص إلى ذي رعين، فلما أراد قتله قال: إن لي عندك براءة مما تريد أن تصنع بي، قال له: وما براءتك عندي؟ قال: أخرج الكتاب الذي كنت استودعتكه ووضعته عندك، فأخرج له الكتاب، فإذا فيه ذانك البيتين من الشعر:
ألا من يشتري سهرًا بنومٍ ** سعيدٌ من يبيت قرير عين
فإما حميرٌ غدرت وخانت ** فمعذرة الإله لذي رعين
فلما قرأهما عمرو قال له ذو رعين: قد كنت نهيتك عن قتل أخيك فعصيتني، فلما أبيت علي وضعت هذا الكتاب عندك حجة لي عليك، وعذرًا لي عندك، وتخوفت أن يصيبك إن أنت قتلته الذي أصابك، فإن أردت بي ما أراك تصنع بمن كان أمرك بقتل أخيك، كان هذا الكتاب نجاةً لي عندك، فتركه عمرو بن تبان أسعد فلم يقتله من بين أشراف حمير، ورأى أن قد نصحه لو قبل منه نصيحته. وقال عمرو بن تبان أسعد حين قتل من قتل من حمير وأهل اليمن ممن كان أمره بقتل أخيه حسان، فقال:
شرينا النوم إذ عصبت علاب ** بتسهيدٍ وعقدٍ غير مين
تنادوا عند غدرهم: لباب ** وقد برزت معاذر ذي رعين
قتلنا من تولى المكر منهم ** بواءً بابن رهمٍ غير دين
قتلناهم بحسان بن رهمٍ ** وحسان قتيل الثائرين
قتلناهم فلا بقيا عليهم ** وقرت عند ذاكم كل عين
عيون نوادبٍ يبكين شجوًا ** حرائر من نساء الفيلقين
أوانس بالعشاء وهن حور ** إذا طلعت فروع الشعريين
فنعرف بالوفاء إذا انتمينا ** ومن يغدر نباينه ببين
فضلنا الناس كلهم جميعًا ** كفضل الإبرزي على اللجين
ملكنا الناس كلهم جميعًا ** لنا الأسباب بعد التبعين
ملكنا بعد داودٍ زمانًا ** وعبدنا ملوك المشرقين
زبرنا في ظفار زبور مجدٍ ** ليقرأه قروم القريتين
فنحن الطالبون لكل وترٍ ** إذا قال المقاول أين أين!
سأشفي من ولاة المكر نفسي ** وكان المكر حينهم وحيني
أطعتهم فلم أرشد وكانوا ** غواةً أهلكوا حسبي وزيني
قال: ثم لم يلبث عمرو بن تبان أسعد أن هلك قال هشام بن محمد: عمرو بن تبع هذا يدعى موثبان؛ لأنه وثب على أخيه حسان بفرضة نعم فقتله - قال: وفرضة نعم رحبة طوق بن مالك، وكانت نعم سرية تبع حسان بن أسعد.
رجع الحديث إلى حديث ابن إسحاق. قال: فمرج أمر حمير عند ذلك، وتفرقوا، فوثب عليهم رجل من حمير لم يكن من بيوت المملكة منهم، يقال: له لخنيعة ينوف ذو شناتر، فملكهم فقتل خيارهم، وعبث ببيوت أهل المملكة منهم، فقال قائل من حمير، يذكر ما ضيعت حمير من أمرها، وفرقت جماعتها، ونفت من خيارها:
تقتل ابناها وتنفي سراتها ** وتبني بأيديهم لها الذل حمير
تدمر دنياها بطيش حلومها ** وما ضيعت من دينها فهو أكثر
كذاك القرون قبل ذاك بظلمها ** وإسرافها تأتي الشرور فتخسر
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)