









فإن يسلم السعدان يصبح محمدٌ ** بمكة لا يخشى خلاف المخالف
فلما أصبحوا قال أبو سفيان: من السعدان؟ سعد بكر، سعد تميم، سعد هذيم! فلما كان في الليلة الثانية سمعوه يقول:
أيا سعد سعد الأوس كن أنت ناصرًا ** ويا سعد سعد الخزرجين الغطارف
أجيبا إلى داعي الهدى وتمنيا ** على الله في الفردوس منية عارف
فإن ثواب الله للطالب الهدى ** جنانٌ من الفردوس ذات رفارف
فلما أصبحوا، قال أبو سفيان: هو والله سعد بن معاذ وسعد بن عبادة.
قال أبو جعفر: وقدم دليلهما بهما قباء، على بني عمرو بن عوف، لثنتى عشرة ليلةً خلت من شهر ربيع الأول، يوم الاثنين حين اشتد الضحى، وكادت الشمس أن تعتدل.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، قال: حدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير، عن عبد الرحمن بن عويم بن ساعدة، قال: حدثني رجال قومي من أصحاب رسول الله ص، قالوا: لما سمعنا بمخرج رسول الله ص من مكة، وتوكفنا قدومه، كنا نخرج إذا صلينا الصبح إلى ظاهر حرتنا، ننتظر رسول الله ص؛ فوالله ما نبرح حتى تغلبنا الشمس على الظلال؛ فإذا لم نجد ظلًا دخلنا بيوتنا، وذلك في أيام حارةٍ؛ حتى إذا كان في اليوم الذي قدم فيه رسول الله ص جلسنا كما كنا نجلس؛ حتى إذا لم يبق ظلٌ دخلنا بيوتنا، وقدم رسول الله ص حين دخلنا البيوت، فكان أول من رأه رجلٌ من اليهود، وقد رأى ما كنا نصنع، وإن كنا ننتظر قدوم رسول الله ص، فصرخ بأعلى صوته: يا بني قيلة هذا جدكم قد جاء.
قال: فخرجنا إلى رسول الله ص، وهو في ظل نخلة، ومعه أبو بكر في مثل سنه وأكثرنا من لم يكن رأى رسول الله ص قبل ذلك، قال: وركبه الناس، وما نعرفه من أبي بكر؛ حتى زال الظل عن رسول الله ص، فقام أبو بكر فأظله بردائه، فعرفناه عند ذلك، فنزل رسول الله ص - فيما يذكرون - على كلثوم بن هدم، أخي بني عمرو بن عوف، ثم أحد بني عبيد، ويقال: بل نزل على سعد بن خيثمة.
ويقول من يذكر أنه نزل على كلثوم بن هدم: إنما كان رسول الله ص إذا خرج من منزل كلثوم بن هدم، جلس للناس في بيت سعد بن خيثمة؛ وذلك أنه كان عزبًا لا أهل له، وكان منازل العزاب من أصحاب رسول الله ص من المهاجرين عنده؛ فمن هنالك يقال: نزل على سعد بن خيثمة، وكان يقال لبيت سعد بن خيثمة بيت العزاب، فالله أعلم أي ذلك كان، كلا قد سمعنا.
ونزل أبو بكر بن أبي قحافة على خبيب بن أساف، أخي بني الحارث ابن الخزرج بالسنح، ويقول قائل: كان منزله على خارجة بن زيد بن أبي زهير، أخي بني الحارث بن الخزرج.
وأقام علي بن أبي طالب رضي الله عنه بمكة ثلاث ليالٍ وأيامها؛ حتى أدى عن رسول الله ص الودائع التي كانت عنده إلى الناس؛ حتى إذا فرغ منها لحق برسول الله ص، فنزل معه على كلثوم بن هدم، فكان علي يقول: وإنما كانت إقامته بقباء على امرأة لا زوج لها مسلمة، ليلةً أو ليلتين، وكان يقول: كنت نزلت بقباء على امرأة لا زوج لها مسلمة، فرأيت إنسانًا يأتيها في جوف الليل، فيضرب عليها بابها، فتخرج إليه فيعطيها شيئًا معه، قال: فاستربت لشأنه، فقلت لها: يا أمة الله، من هذا الرجل الذي يضرب عليك بابك كل ليلة فتخرجين إليه، فيعطيك شيئًا، ما أدري ما هو؟ وأنت امرأة مسلمة لا زوج لك! قالت: هذا سهل بن حنيف بن واهب، قد عرف إني امرأة لا أحد لي؛ فإذا أمسى عدا علي أوثان قومه فكسرها، ثم جاءني بها، وقال: احتطبي بهذا. فكان علي بن أبي طالب يأثر ذلك من أمر سهل بن حنيف حين هلك عنده بالعراق.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، قال: حدثني هذا الحديث علي بن هند بن سعد بن سهل بن حنيف، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
فأقام رسول الله ص بقباء في بني عمرو بن عوف يوم الاثنين، ويوم الثلاثاء، ويوم الأربعاء، ويوم الخميس؛ وأسس مسجدهم، ثم أخرجه الله عز وجل من بين أظهرهم يوم الجمعة؛ وبنو عمرو بن عوف يزعمون أنه مكث فيهم أكثر من ذلك. والله أعلم.
ويقول بعضهم: إن مقامه بقباء كان بضعة عشر يومًا.
قال أبو جعفر: واختلف السلف من أهل العلم في مدة مقام رسول الله ص بمكة بعد ما استنبىء، فقال بعضهم: كانت مدة مقامه بها إلى أن هاجر إلى المدينة عشر سنين.
ذكر من قال ذلك
حدثنا ابن المثنى قال: حدثنا يحيى بن محمد بن قيس المدني - يقال له أبو زكير - قال: سمعت ربيعة بن أبي عبد الرحمن يذكر عن أنس بن مالك، أن رسول الله ص بعث على رأس أربعين، فأقام بمكة عشرًا.
حدثني الحسين بن نصر الآملي، قال: حدثنا عبيد الله بن موسى، عن شيبان، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن؛ قال: أخبرتني عائشة وابن عباس، أن رسول الله ص لبث بمكة عشر سنين، ينزل عليه القرآن.
حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا عبد الوهاب، قال: حدثنا يحيى ابن سعيد، قال: سمعت سعيد بن المسيب، يقول: أنزل على رسول الله ص القرآن وهو ابن ثلاث وأربعين، فأقام بمكة عشرًا.
حدثني أحمد بن ثابت الرازي، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن هشام، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: أنز ل على النبي صص وهو ابن ثلاث وأربعين سنة، فمكث بمكة عشرًا.
حدثني محمد بن إسماعيل، قال: حدثنا عمرو بن عثمان الحمصي، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا محمد بن مسلم الطائفي، عن عمرو بن دينار، قال: هاجر رسول الله ص على رأس عشرٍ من مخرجه.
قال أبو جعفر: وقال أخرون: بل أقام بعدما استنبىء بمكة ثلاثة عشرة سنة.
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)