حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق؛ عن عاصم بن عمر بن قتادة أن عوف بن الحارث - وهو ابن عفراء - قال: يا رسول الله، ما يضحك الرب من عبده؟ قال: غمسه يده في العدو حاسرًا. فنزع درعًا كانت عليه، فقذفها؛ ثم أخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: قال محمد بن إسحاق، وحدثني محمد بن مسلم الزهري، عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير العذري، حليف بني زهرة، قال: لما التقى الناس، ودنا بعضهم من بعض، قال أبو جهل: اللهم اقطعنا للرحم، وأتانا بما لا يعرف؛ فأحنه الغداة، فكان هو المستفتح على نفسه.
ثم إن رسول الله ص أخذ حفنة من الحصباء، فاستقبل بها قريشًا، ثم قال: شاهت الوجوه! ثم نفحهم بها، وقال لأصحابه شدوا، فكانت الهزيمة، فقتل الله من قتل من صناديد قريش، وأسر من أسر منهم. فلما وضع القوم أيديهم يأسرون، ورسول الله ص في العريش، وسعد بن معاذ قائم على باب العريش الذي فيه رسول الله ص متوشحًا السيف، في نفر من الأنصار يحرسون رسول الله ص، يخافون عليه كرة العدو، ورأى رسول الله ص - فيما ذكر لي - في وجه سعد بن معاذ الكراهية لما يصنع الناس، فقال رسول الله ص: لكأنك يا سعد تكره ما يصنع الناس! قال: أجل والله يا رسول الله! كانت أول وقعة أوقعها الله بالمشركين؛ فكان الإثخان في القتل أعجب إلي من استبقاء الرجال.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثني سلمة، عن محمد بن إسحاق، قال: وحدثني العباس بن عبد الله بن معبد، عن بعض أهله، عن ابن عباس، أن رسول الله ص قال لأصحابه يومئذ: إني قد عرفت أن رجالًا من بني هاشم وغيرهم قد أخرجوا كرهًا، لا حاجة لهم لقتالنا، فمن لقى منكم أحدًا من بني هاشم فلا يقتله، ومن لقى أبا البختري بن هشام بن الحارث بن أسد فلا يقتله، ومن لقى العباس بن عبد المطلب عم رسول الله فلا يقتله؛ فإنه إنما أخرج مستكرهًا.
قال: فقال أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة: أنقتل آبائنا وأبنائنا وإخواننا وعشيرتنا، ونترك العباس! والله لئن لقيته لألحمنه السيف. فبلغت رسول الله ص، فجعل يقول لعمر بن الخطاب: يا أبا حفص، أما تسمع إلى قول أبي حذيفة، يقول: أضرب وجه عم رسول الله بالسيف! فقال عمر: يا رسول الله، دعني فلأضربن عنقه بالسيف؛ فوالله لقد نافق.
- قال عمر: والله إنه لأول يوم كناني فيه رسول الله ص بأبي حفص - قال: فكان أبو حذيفة يقول: ما أنا بآمن من تلك الكلمة التي قلت يومئذ، ولا أزل منها خائفًا إلا أن تكفرها عني الشهادة فقتل يوم اليمامة شهيدًا.
قال: وإنما نهى رسول الله ص عن قتل أبي البختري؛ لأنه كان أكف القوم عن رسول الله ص وهو بمكة، كان لا يؤذيه ولا يبلغه عنه شيء يكرهه؛ وكان ممن قام في نقض الصحيفة التي كتبت قريش على بني هاشم وبني المطلب، فلقيه المجذر بن ذياد البلوي، حليف الأنصار من بني عدي، فقال المجذر بن ذياد لأبي البختري: إن رسول الله ص قد نهى عن قتلك - ومع أبي البختري زميلٌ له خرج معه من مكة، وهو جنادة بن مليحة بنت زهير بن الحارث بن أسد، وجنادة رجل من بني ليث. واسم أبي البختري العاص بن هشام ابن الحارث بن أسد - قال: وزميلي؟ فقال: المجذر: لا والله ما نحن بتاركي زميلك؛ ما أمرنا رسول الله ص إلا بك وحدك، قال: لا والله أذًا، لأموتن أنا وهو جميعًا؛ لا تحدث عني نساء قريش من أهل مكة أني تركت زميلي حرصًا على الحياة فقال أبو البختري حين نازله المجذر، وأبى إلا القتال، وهو يرتجز:
لن يسلم ابن حرةٍ أكيله ** حتى يموت أو يرى سبيله
فاقتتلا، فقتله المجذر بن ذياد.
قال: ثم أتى المجذر بن ذياد رسول الله ص، فقال: والذي بعثك بالحق لقد جهدت عليه أن يستأسر فآتيك به فأبى إلا القتال، فقاتلته فقتلته.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: قال محمد بن إسحاق: حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، قال. وحدثني أيضًا عبد الله بن أبي بكر، وغيرهما، عن عبد الرحمن بن عوف قال: كان أمية بن خلف لي صديقًا بمكة - وكان اسمي عبد عمرو، فسميت حين أسلمت: عبد الرحمن، ونحن بمكة - قال: فكان يلقاني ونحن بمكة، فيقول يا عبد عمرو، أرغبت عن اسم سماكه أبوك؟ فأقول: نعم، فيقول: فإني لا أعرف الرحمن؛ فاجعل بيني وبينك شيئًا أدعوك به؛ أما أنت فلا تجيبني بأسمك الأول، وأما أنا فلا أدعوك بما لا أعرف. قال: فكان إذا دعاني: يا عبد عمرو لم أجبه، فقلت: اجعل بيني وبينك يا أبا علي ما شئت، قال: فأنت عبد الإله، فقلت: نعم، فكنت إذا مررت به قال: يا عبد الإله، فأجيبه، فأتحدث معه؛ حتى إذا كان يوم بدر، مررت به وهو واقف مع ابنه علي بن علبي بن أمية، آخذًا بيده، ومعي أدراعٌ قد استلبتها، فأنا أحملها. فلما رآني قال: يا عبد عمرو! فلم أجبه، فقال: يا عبد الإله، قلت: نعم، قال: هل لك في، فأنا خير لك من الأدراع التي معك؟ قلت: نعم، هلم إذًا. قال: فطرحت الأدراع من يدي وأخذت بيده ويد ابنه علي، وهو يقول: ما رأيت كاليوم قط! أما لكم حاجة في اللبن! قال: ثم خرجت أمشي بهما.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، قال: حدثني عبد الواحد بن أبي عون، عن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن ابن عوف، عن أبيه، عن عبد الرحمن بن عوف، قال: قال لي أمية بن خلف وأنا بينه وبين ابنه، آخذٌ بأيديهما: يا عبد الإله، من الرجل منكم، المعلم بريشة نعامة في صدره؟ قال: قلت: ذاك حمزة بن عبد المطلب، قال: ذاك الذي فعل بنا الأفاعيل! قال عبد الرحمن: فوالله إني لأقودهما إذ رآه بلال معي - وكان هو الذي يعذب بلالًا بمكة على أن يترك الإسلام فيخرجه إلى رمضاء مكة إذا حميت، فيضجعه على ظهره، ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره، ثم يقول: لا تزال هكذا حتى تفارق دين محمد، فيقول بلال: أحدٌ أحدٌ - فقال بلال حين رآه: رأس الكفر أمية ابن خلف، لا نجوت إن نجوت؛ قال: قلت: أي بلال، أسيري! قال: لا نجوت إن نجوا. قال: قلت: تسمع يابن السوداء! قال: لا نجوت إن نجوا، ثم صرخ بأعلى صوته: يا أنصار الله، رأس الكفر أمية بن خلف، لا نجوت إن نجا! قال: فأحاطوا بنا، ثم جعلونا في مثل المسكة وأنا أذب عنه؛ قال: فضرب رجلٌ ابنه فوقع. قال: وصاح أمية صيحة ما سمعت بمثلها قط. قال: قلت: انج بنفسك، ولا نجاء؛ فوالله ما أغنى عنك شيئًا. قال: فبروهما بأسيافهم حتى فرغوا منهما.
قال: فكان عبد الرحمن يقول: رحم الله بلالا! ذهبت أدراعي وفجعني بأسيري.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، قال: وحدثني عبد الله بن أبي بكر، أنه حدث عن ابن عباس، أن ابن عباس، قال: حدثني رجلٌ من بنى غفار، قال: أقبلت أنا وابن عم لي حتى أصعدنا في جبل يشرف بنا على بدر، ونحن مشركان، ننتظر الوقعة على من تكو الدبرة، فننتهب مع من ينتهب. قال: فبينا نحن في الجبل؛ إذ دنت منا سحابة، فسمعنا فيها حمحمة الخيال، فسمعت قائلًا: يقول: أقدم حيزوم. قال: فأما ابن عمي فانكشف قناع فلبه فمات مكانه؛ وأما أنا فكدت أهلك، ثم تماسكت.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: قال محمد بن إسحاق: " وحدثني أبي إسحاق بن يسار، عن رجال من بنى مازن بن النجار، عن أبي داود المازني - وكان شهد بدرًا - قال: إنى لأتبع رجلًا من المشركين يوم بدر لأضربه، إذ وقع رأسه قبل أن يصل إليه سيفي، فعرفت أنه قد قتله غيري.