قال أبو جعفر: وكان جميع من شهد بدرًا من المهاجرين، ومن ضرب له رسول الله ص بسهمه وأجره ثلاثةً وثمانين رجلًا في قول ابن إسحاق.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عنه: وجميع من شهد من الأوس معه ومن ضرب له بسهمه واحدٌ وستون رجلًا. وجميع من شهد معه من الخزرج مائة وسبعون رجلًا في قول ابن إسحاق، وجميع من استشهد من المسلمين يومئذ أربعةً عشر رجلًا، ستة من المهاجرين وثمانية من الأنصار.
وكان المشركون - فيما زعم الواقدي - تسعمائة وخمسين مقاتلًا؛ وكانت خيلهم مائة فرس.
ورد رسول الله ص يومئذ جماعة استصغرهم - فيما زعم الواقدي - فمنهم فيما زعم عبد الله بن عمر، ورافع بن خديج، والبراء ابن عازب، وزيد بن ثابت، وأسيد بن ظهير، وعمير بن أبي وقاص ثم أجاز عميرًا بعد أن رده فقتل يومئذ.
وكان رسول الله ص قد بعث قبل أن يخرج من المدينة طلحة بن عبيد الله، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، إلى طريق الشأم يتحسسان الأخبار عن العير، ثم رجعا إلى المدينة، فقدماها يوم وقعة بدر، فاستقبلا رسول الله ص بتربان؛ وهو منحدرٌ من بدر يريد المدينة.
قال الواقدي: كان خروج رسول الله ص من المدينة في ثلثمائة رجل وخمسة، وكان المهاجرون أربعةً وسبعين رجلًا، وسائرهم من الأنصار، وضرب لثمانية بأجورهم وسهمانهم: ثلاثة من المهاجرين؛ أحدهم عثمان بن عفان كان تخلف على ابنة رسول الله ص حتى ماتت، وطلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد، كان بعثهما يتحسسان الخبر عن العير، وخمسة من الأنصار: أبو لبابة بشير بن عبد المنذر؛ خلفه على المدينة، وعاصم بن عدي بن العجلان؛ خلفه على العالية، والحارث بن حاطب؛ رده من الروحاء إلى بني عمرو بن عوف لشيء بلغه عنهم، والحارث ابن الصمة؛ كسر بالروحاء؛ وهو من بنى مالك بن النجار، وخوات بن جبير، كسر من بني عمرو بن عوف. قال: وكانت الإبل سبعين بعيرًا، والخيل فرسين: فرس للمقداد بن عمرو، وفرس لمرثد بن أبي مرثد.
قال أبو جعفر: وروى عن ابن سعد، عن محمد بن عمر، عن محمد بن هلال، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: ورئى رسول الله ص في أثر المشركين يوم بدر مصلتًا السيف، يتلو هذه الآية: " سيهزم الجمع ويولون الدبر ".
قال: وفي غزوة بدر انتفل رسول الله ص سيفه ذا الفقار، وكان لمنبه بن الحجاج.
قال: وفيها غنم جمل أبي جهل؛ وكان مهريًا يغزو عليه ويضرب في لقاحه.
قال أبو جعفر: ثم أقام رسول الله ص بالمدينة، منصرفة من بدر، وكان قد وادع حين قدم المدينة يهودها؛ على أن لا يعينوا عليه أحدًا؛ وأنه إن دهمه بها عدوٌ نصروه. فلما قتل رسول الله ص من قتل ببدر من مشركي قريش، أظهروا له الحسد والبغي، وقالوا: لم يلق محمدٌ من يحسن القتال؛ ولو لقينا لاقى عندنا قتالًا لا يشبهه قتال أحد؛ وأظهروا نقض العهد.
غزوة بني قينقاع

فحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، قال: كان من أمر بني قينقاع، أن رسول الله ص جمعهم بسوق بني قينقاع، ثم قال يا معشر اليهود، احذروا من الله عز وجل مثل ما نزل بقريش من النقمة، وأسلموا؛ فإنكم قد عرفتم أني نبيٌ مرسل تجدون ذلك في كتابكم؛ وفي عهد الله إليكم. قالوا: يا محمد؛ إنك ترى أنا كقومك! لا يغرنك أنك لقيت قومًا لا علم لهم بالحرب، فأصبت منهم فرصة؛ إنا والله حاربتنا لتعلمن أنا نحن الناس.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة، أن بني قينقاع كانوا أول يهود نقضوا ما بينهم وبين رسول الله ص، وحاربوا فيما بين بدر وأحد.
فحدثني الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: حدثنا محمد بن عمر: عن محمد بن عبد الله، عن الزهري، أن غزوة رسول الله ص بني القينقاع كانت في شوال من السنة الثانية من الهجرة.
قال الزهري عن عروة: نزل جبريل على رسول الله صلى الله عليهما وسلم بهذه الآية: " وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء "، فلما فرغ جبريل عليه السلام من هذه الآية، قال رسول الله ص إني أخاف من بني قينقاع، قال عروة: فسار إليهم رسول الله ص بهذه الآية.
قال الواقدي: وحدثني محمد بن صالح، عن عاصم بن عمر بن قتادة، قال: حاصرهم رسول الله ص خمس عشرة ليلة لا يطلع منهم أحد. ثم نزلوا على حكم رسول الله ص، فكتفوا وهو يريد قتلهم، فكلمة فيهم عبد الله بن أبي.
رجع الحديث إلى حديث ابن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة، قال: فحاصرهم رسول الله ص حتى نزلوا على حكمه، فقام إليه عبد الله بن أبي بن سلول حين أمكنه الله منهم، فقال: يا محمد، أحسن في موالي - وكانوا حلفاء الخزرج - فأبطأ عليه النبي ص فقال: يا محمد، أحسن في موالي، فأعرض النبي ص.
قال: فأدخل يده في جيب رسول الله ص، فقال رسول الله ص: أرسلني، وغضب رسول الله ص حتى رأوا في وجهه ظلالًا - يعني تلونًا - ثم قال: ويحك أرسلني! قال: لا والله لا أرسلك حتى تحسن إلى موالي. أربعمائة حاسر وثلثمائة دارع قد منعوني من الأسود والأحمر؛ تحصدهم في غداة واحدة! وإني والله لا آمن وأخشى الدوائر. فقال رسول الله ص: هم لك.
قال أبو جعفر: وقال محمد بن عمر في حديثه عن محمد بن صالح، عن عاصم بن عمر بن قتادة، فقال النبي ص: خلوهم لعنهم الله ولعنه معهم! فأرسلوهم. ثم أمر بإجلائهم، وغنم الله عز وجل رسوله والمسلمين ما كان لهم من مال - ولم تكن لهم أرضون؛ إنما كانوا صاغةً - فأخذ رسول الله ص لهم سلاحًا كثيرًا وآلة صياغتهم؛ وكان الذي ولى إخراجهم من المدينة بذراريهم عبادة بن الصامت، فمضى بهم حتى بلغ بهم دباب؛ وهو يقول: الشرف الأبعد، الأقصى فالأقصى! وكان رسول الله ص استخلف على المدينة أبا لبابة بن عبد المنذر.
قال أبو جعفر: وفيها كان أول خمس خمسه رسول الله ص في الإسلام؛ فأخذ رسول الله ص صفيه والخمس وسهمه، وفض أربعة أخماس على أصحابه، فكان أول خمسٍ قبضه رسول الله ص. وكان لواء رسول الله ص يوم بني قنيقناع لواءً أبيض، مع حمزة بن عبد المطلب، ولم تكن يومئذ رايات. ثم انصرف رسول الله ص إلى المدينة، وحضرت الأضحى؛ فذكر أن رسول الله ص ضحى وأهل اليسر من أصحابه، يوم العاشر من ذي الحجة، وخرج بالناس إلى المصلى فصلى بهم، فذلك أول صلاة صلى رسول الله ص بالناس بالمدينة بالمصلى في عيد، وذبح فيه بالمصلى بيده شاتين - وقيل ذبح شاة.
قال الواقدي: حدثني محمد بن الفضل، من ولد رافع بن خديج، عن أبي مبشر، قال: سمعت جابر بن عبد الله، يقول: لما رجعنا من بني قنينقاع ضحينا في ذي الحجة صبيحة عشر، وكان أول أضحى رآه المسلمون، وذبحنا في بني سلمة فعدت في بني سلمة سبع عشرة أضحية.
قال أبو جعفر، وأما ابن إسحاق فلم يوقت لغزوة رسول الله ص التي غزاها بني قنينقاع وقتًا، غير أنه قال: كان ذلك بين غزوة السويق وخروج النبي ص من المدينة يريد غزوة قريش؛ حتى بلغ بني سليم وبحران، معدنًا بالحجاز من ناحية الفرع.