









أصاغرهم لم يضرعوا وكبارهم ** رزان مراسيها، عفاف صدورها
ومن رهط كناد توفيت ذمتي ** ولم يثن سيفي نبحها وهريرها
ولله ملك قد دخلت وفارس ** طعنت إذا ما الخيل شد مغيرها
ففرجت أولاها بنجلاء ثرة ** بحيث الذي يرجو الحياة يضيرها
ومشهد صدق قد شهدت فلم أكن ** به خاملًا واليوم يثنى مصيرها
أرى رهبة الأعداء مني جراءةً ** ويبكي إذا ما النفس يوحى ضميرها
وقال قيس عند استقبال العلاء بالصدقة:
ألا أبلغا عني قريشًا رسالة ** إذا ما أتتها بينات الودائع
حبوت بها في الدهر أعراض منقر ** وأيأست منها كل أطلس طامع
وجدت أبي والخال كانا بنجوة ** بقاع فلم يحلل بها من أدافع
فأكرمه العلاء، وخرج مع العلاء بن عمرو وسعد الرباب مثل عسكره، وسلك بنا الدهناء؛ حتى إذا كنا في بحبوحتها والحنانات والعزافات عن يمينه وشماله، وأراد الله عز وجل أن يرينا آياته نزل وأمر الناس بالنزول، فنفرت الإبل في جوف الليل؛ فما بقي عندنا بعير ولا زاد ولا مزاد ولا بناء إلا ذهب عليها في عرض الرمل، وذلك حين نزل الناس، وقبل أن يحطوا؛ فما علمت جمعًا هجم عليهم من الغم ما هجم علينا وأوصى بعضنا إلى بعض، ونادى منادي العلاء: اجتمعوا، فاجتمعنا إليه، فقال: ما هذا الذي ظهر فيكم وغلب عليكم؟ فقال الناس: وكيف نلام ونحن إن بلغنا غدًا لم تحم شمسه حتى نصير حديثًا! فقال: أيها الناس؛ لا تراعوا، ألستم مسلمين! ألستم في سبيل الله! ألستم أنصار الله! قالوا: بلى، قال: فأبشروا؛ فواله لا يخذل الله من كان في مثل حالكم. ونادى المنادي بصلاة الصبح حين طلع الفجر فصلى بنا، ومنا المتيمم، ومنا من لم يزل على طهوره؛ فلما قضى صلاته جثا لركبتيه وجثا الناس، فنصب في الدعاء ونصبوا معه؛ فلمع لهم سراب الشمس؛ فالتفت إلى الصف، فقال: رائد ينظر ما هذا؟ ففعل ثم رجع، فقال: سراب، فأقبل على الدعاء، ثم لمع لهم آخر فكذلك، ثم لمع لهم آخر، فقال: ماء، فقام وقام الناس، فمشينا إليه حتى نزلنا عليه، فشربنا واغتسلنا، فما تعالى النهار حتى أقبلت الإبل تكرد من كل وجه، فأناخت إلينا، فقام كل رجل إلى ظهره، فأخذه، فما فقدنا سلكًا. فأرويناها وأسقيناها العلل بعد النهل؛ وتروينا ثم تروحنا - وكان أبو هريرة رفيقي - فلما غبنا عن ذلك المكان، قال لي: كيف علمك بموضع ذلك الماء؟ فقلت: أنا من أهدى العرب بهذه البلاد قال: فكن معي حتى تقيمني عليه، فكررت به، فأتيت به على ذلك المكان بعينه؛ فإذا هو لا غدير به، ولا أثر للماء، فقلت له: والله لولا أني لا أرى الغدير لأخبرتك أن هذا هو المكان؛ وما رأيت بهذا المكان ماء ناقعًا قبل اليوم؛ وإذا إداوة مملوءة، فقال: يا أبا سهم، هذا والله المكان؛ ولهذا رجعت ورجعت بك. وملأت إداوتي ثم وضعنها على شفيره، فقلتإن كان منا من المن وكانت آية عرفتها؛ وإن كان غياثًا عرفته؛ فإذا من من المن، فحمد الله، ثم سرنا حتى ننزل هجر. قال: فأرسل العلاء إلى الجارود ورجل آخر أن انضما في عبد القيس حتى تنزل على الحطم مما يليكما؛ وخرج هو فيمن جاء معه وفيمن قدم عليه؛ حتى ينزل عليه مما يلي هجر، وتجمع المشركون كلهم إلى الحطم إلا أهل دارين، وتجمع المسلمون كلهم إلى العلاء بن الحضرمي وخندق المسلمون والمشركون، وكانوا يتراوحون القتال ويرجعون إلى خندقهم؛ فكانوا كذلك شهرًا؛ فبينا الناس ليلة إذ سمع المسلمون في عسكر المشركين ضوضاء شديدة؛ كأنها ضوضاء هزيمة أو قتال، فقال العلاء: من يأتينا بخبر القوم؟ فقال عبد الله بن حذف: أنا آتيكم بخبر القوم - وكانت أمه عجلية - فخرج حتى إذا دنا من خندقهم أخذوه فقالوا له
من أنت؟ فانتسب لهم، وجعل ينادي: يا أبجراه! فجاء أبجر بن بجير، فعرفه فقال: ما شأنك؟ فقال: لا أضيعن الليلة بين اللهازم! علام أقتل وحولي عساكر من عجل وتيم اللات وقيس وعنزة! أيتلاعب بي الحطم ونزاع القبائل وأنتم شهود! فتخلصه، وقال: والله إني لأظنك بئس ابن الأخت لأخوالك الليلة! فقال: دعني من هذا وأطمعني؛ فإني قد مت جوعًا. فقرب له طعامًا؛ فأكل ثم قال: زودني واحملني وجوزني أنكطلق إلى كيتي. ويقول ذلك لرجل قد غلب عليه الشراب، ففعل وحمله على بعير، وزوده وجوزه؛ وخرج عبد الله بن حذف حتى دخل عسكر المسلمين، فأخبرهم أن القوم سكارى، فخرج المسلمون عليهم حتى اقتحموا عليهم عسكرهم، فوضعوا السيوف فيهم حيث شاءوا، واقتحموا الخندق هرابا، فمترد، وناج ودهش، ومقتول أو مأسور، واستولى المسلمون على ما في العسكر؛ لم يفلت رجل إلا بما عليه؛ فأما أبجر فأفلت، وأما الحطم فإنه الحطم بعل ودهش، وطار فؤاده؛ فقام إلى فرسه والمسلمون خلالهم يجوسونهم - ليركبه؛ فلما وضع رجله في الركاب انقطع به، فمر به عفيف بن المنذر أحد بني عمرو بن تميم، والحطم يستغيث ويقول: ألا رجل من بني قيس بن ثعلبة يعقلني! فرفع صوته، فعرف صوته فقال: أبو ضبيعية! قال: نعم، قال: أعطني رجلك أعقلك، فأعطاه رجله يعقله، فنفحها فأطنها من الفخذ، وتركه، فقال: أجهز على، فقال: إني أحب ألا تموت حتى أمضك. - وكان مع عفيف عدة من ولد أبيه، فأصيبوا ليلتئذ - وجعل الحطم لا يمر به في الليل أحد من المسلمين إلا قال: هل لك في الحطم أن تقتله؟ ويقول: ذاك لمن لا يعرفه، حتى مر به قيس بن عاصم، فقال له ذلك، فمال عليه فقتله، فلما رأى فخذه نادرة، قال: واسوأتاه! لو علمت الذي به لم أحركه؛ وحرج المسلمون بعد ما أحرزوا الخندق على القوم يطلبونهم، فاتبعوهم، فلحق قيس بن عاصم أبجر - وكان فرس أبجر أقوى من فرس قيس - فلما خشى أن يفوته طعنه في العرقوب فقطع العصب، وسلم النسا؛ فكانت رادة، وقال عفيف بن المنذر: ال: أبو ضبيعية! قال: نعم، قال: أعطني رجلك أعقلك، فأعطاه رجله يعقله، فنفحها فأطنها من الفخذ، وتركه، فقال: أجهز على، فقال: إني أحب ألا تموت حتى أمضك. - وكان مع عفيف عدة من ولد أبيه، فأصيبوا ليلتئذ - وجعل الحطم لا يمر به في الليل أحد من المسلمين إلا قال: هل لك في الحطم أن تقتله؟ ويقول: ذاك لمن لا يعرفه، حتى مر به قيس بن عاصم، فقال له ذلك، فمال عليه فقتله، فلما رأى فخذه نادرة، قال: واسوأتاه! لو علمت الذي به لم أحركه؛ وحرج المسلمون بعد ما أحرزوا الخندق على القوم يطلبونهم، فاتبعوهم، فلحق قيس بن عاصم أبجر - وكان فرس أبجر أقوى من فرس قيس - فلما خشى أن يفوته طعنه في العرقوب فقطع العصب، وسلم النسا؛ فكانت رادة، وقال عفيف بن المنذر:
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 2 (0 من الأعضاء و 2 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)