وكان القاضي أبو الدراداء، وكان القاص أبو سفيان بن حرب، وكان على الطلائع قباث بن أشيم؛ وكان على الأقباض عبد الله بن مسعود.
كتب إلي السري، عن شعيبن عن سيف، عن محمد وطلحة نحوًا من حديث أبي عثمان؛ وقالوا جميعًا: وكان القارئ المقداد. ومن السنة التي سن رسول الله بعد بدر أن تقرأ سورة الجهاد عند اللقاء؛ ولم يزل الناس بعد ذلك على ذلك.
كتب إلي السري، عن شعيب، عنسيف، عن أبي عثمان يزيد بن أسيد الغساني، عن عبادة وخالد؛ قالا: شهد اليرموك ألف من أصحاب رسول الله فيهم نحو من مائة من أهل بدر. قالا: وكان أبو سفيان يسير فيقف على الكراديس، فيقول: الله الله! إنكم ذادة العرب، وأنصار الإسلام، وإنهم ذادة الروم وأنصار الشرك! اللهم إن هذا يوم من أيامك؛ اللهم أنزل نصرك على عبادك! قالا: وقال رجل لخالد: ما أكثر الروم وأقل المسلمين! فقال خالد: وما أقل الروم وأكثر المسلمين! إنما الجنود بالنصر وتقل بالخذلان؛ لا بعدد الرجال؛ والله لوددت أن الأشقر براء من توجيه؛ وأنهم أضعفوا في العدد - وكان فرسه قد حفى في مسيره - قالا: فأمر خالد عكرمة والقعقاع، وكانا على مجنبتي القلب، فأنشبا القتال، وارتجز القعقاع وقال:
يا ليتني ألقاك في الطراد ** قبل اعترام الجحفل الوراد
وأنت في حلبتك الوارد
وقال عكرمة:
قد علمت بهنكة الجواري ** أني على مكرمة أحامي
فنشب القتال، والتحم الناس، وتطارد الفرسان؛ فإنهم على ذلك إذ قدم البريد من المدينة؛ فأخذته الخيول؛ وسألوه الخبر؛ فلم يخبرهم إلا بسلامة؛ وأخبرهم عن أمداد؛ وإنما جاء بموت أبي بكر رحمه الله وتأمير أبي عبيدة؛ فأبلغوه خالدًا، فأخبره خبرًا أبي بكر؛ أسره إليه، وأخبره بالذي أخبر به الجند. قال: أحسنت فقف، وأخذ الكتاب وجعله في منانته؛ وخاف إن هو أظهر ذلك أن ينتشر له أمر الجند؛ فوقف محمية بن زنيم مع خالد وهو الرسول؛ وخرج جرجة حتى كان بين الصفين ونادي: ليخرج إلى خالد، فخرج إليه خالد وأقام أبا عبيدة مكانه، فوفقه بين الصفين؛ حتى اختلف أعناق دابتيهما، وقد أمن أحدهما صاحبه، فقال جرجة: يا خالد أصدقني ولا تكذبني فإن الحر لا يكذبني فإن الحر لا يكذب ولا تخادعني فإن الكريم لا يخادع المسترسل بالله؛ هل أنزل الله على نبيكم سيفًا من السماء فأعطاكه. فلا تله على قوم إلا هزمتهم؟ قال: لا، قال: فبم سميت سيف الله؟ قال: إن الله عز وجل بعث فينا نبيه ، فدعانا فنفرنا عنه ونأينا عنه جميعًا. ثم إن بعضنا صدقه وتابعه؛ وبعضنا باعده وكذبه؛ فكنت فيمن كذبة وباعده وقاتله. ثم أن الله أخذ بقلوبنا ونواصينا فهدانا به، فتابعناه. فقال: أنت سيف من سيوف الله سله الله على المشركين! ودعا لي بالنصر؛ فسميت سيف الله بذلك؛ فأنا من أشد المسلمين على المشركين. قال صدقني، ثم أعاد عليه جرجة: يا خالد، أخبرني إلام تدعوني؟ قال: إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، والإقرار بما جاء به من عند الله، قال: فمن لم يجبكم؟ قال: فالجزية ونمنعهم، قال: فإن لم يعطيها، قال: نؤذبه بحرب، ثم نقاتله، قال: فما منزلة الذي يدخل فيكم ويجيبكم إلى هذا المر اليوم؟ قال: منزلتنا واحدة فيما افترض الله علينا، شريفنا ووضيعنا، وأولنا وآخرنا. ثم أعاد عليه جرجة: هل لمن دخل فيكم اليوم يا خالد مثل مالكم من الأجر والذخر؟ قال: نعم، وأفضل؛ قال: وكيف يساويكم وقد سبقتموه؟ قال " إنا دخلنا في هذا الأمر، وبايعنا نبينا وهو حي بين أظهرنا، تأتيه أخبار السماء ويخبرنا بالكتب، ويرينا الآيات، وحق لمن رأى ما رأينا، ولم تسمعوا ما سمعنا من العجائب والحجج؛ فمن دخل في هذا الأمر منكم بحقيقة ونية كان أفضل منا. قال جرجة: بالله لقد صدقتني ولم تخادعني ولم تألفني! قال: بالله؛ لقد صدقتك وما بي إليك ولا إلى أحد منكم وحشة؛ وإن الله لولي ما سألت عنه. فقال: صدقني؛ وقلب الترس ومال مع خالد، وقال: علمني الإسلام، فمال به خالد إلى فسطاطه، فشن عليه قربة من ماء، ثم صلى ركعتين؛ وحملت الروم مع انقلابه إلى خالد؛ وهم يرون أنها منه حملة، فأزالوا المسلمين عن مواقفهم إلا المحامية، عليهم عكرمة والحارث بن هشام. وركب خالد ومعه جرجة والروم خلال المسلمين؛ فتنادى الناس، فثابوا، وتراجعت الروم إلى مواقفهم، فزحف بهم خالد حتى تصافحوا بالسيوف، فضربفيهم خالد وجرجة من لدن ارتفاع النهار إلى جنوح الشمس للغروب، ثم أصيب جرجة ولم يصل صلاة سجد فيها إلا الركعتين اللتين أسلم عليهما، وصلى الناس الأولى والعصر إيماء، وتضعضع الروم، ونهد خالد بالقلب حتى كان بين خيلهم ورجلهم، وكان مقاتلهم واسع المطرد، ضيق المهرب؛ فلما وجدت خيلهم مذهبًا ذهبت وتركوا رجلهم في مصافهم؛ وخرجت خيلهم تشتد بهم في الصحراء، وأخر الناس الصلاة حتى صلوا بعد الفتح. ولما رأى المسلمون خيل الروم توجهت للهرب، أفرحوا لها، ولم يحرجوها؛ فذهبت فتفرقت في البلاد، وأقبل خالد والمسلمون على الرجل ففضوهم؛ فكأنما هدم بهم حائط؛ فاقتحموا في خندقهم، فاقتحمه عليهم فعمدوا إلى الواقوصة، حتى هوى فيها المقترنون وغيرهم، فمن صبر من المقترنين للقتال هوى به من خشعت نفسه فيهوى الواحد بالعشرة لا يطيقونه؛ كلما هوى اثنان كانت البقية أضعف، فتهافت في الواقوصة عشرون ومائة ألف؛ ثمانون ألف مقترن وأربعون ألف مطلق؛ سوى من قتل في المعركة من الخيل والرجل؛ فكان سهم الفارس يومئذ ألفا وخمسمائة، وتجلل الفيقار وأشراف من أشراف الروم برانسهم، ثم جلسوا وقالوا: لا نحب أن نرى يوم السوء إذ لم نستطع أن نرى يوم السرور؛ وإذا لم نستطع أن نمنع النصرانية؛ فأصيبوا في تزملهم.