كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن أبي عمرو، عن أبي عثمان النهدي، قال: كان عمر قد عهد إلى سعد جين بعثه إلى فارس؛ ألا يمر بماء من المياه بذي قوة ونجدة ورياسة إلا أشخصه؛ فإن أبي انتخبه، فأمره عمر، فقدم القادسية في اثني عشرألفًا من أهل الأيام، وأناس من الحمراء استجابوا للمسلمين، فأعانوهم؛ أسلم بعضهم قبل القتال، وأسلم بعضهم غب القتال، فأشركوا في الغنيمة، وفرضت لهم فرائض أهل القادسية: ألفين ألفين؛ وسألوا عن أمنع قبائل العرب، فعادوا تميمًا؛ فلما دنا وستم، ونزل النجف بعث سعد الطلائع؛ وأمرهم أن يصيبوا رجلا ليسأله عن أهل فارس؛ فخرجت الطلائع بعد اختلاف؛ فلما أجمع ملأ الناس أن الطليعة من الواحد إلى العشرة سمحوا فأخرج سعد طليحة في خمسة، وعمرو بن معد يكرب في خمسة؛ وذلك صبيحة قدم رستم الجالنوس وذا الحاجب؛ ولا يشعرون بفصولهم من النجف؛ فلم يسيروا إلا فرسخًا وبعض آخر؛ حتى رأوا مسالحهم وسرحهم على الطفوف قد ملئوها، فقال بعضهم: ارجعوا إلى أميركم فإنه سرحكم؛ وهو يرى أن القوم بالنجف؛ فأخبروه الخبر، وقال بعضهم: ارجعوا لا ينذر بكم عدوكم! فقال عمرو لأصحابه: صدقتم، وقال طليحة لأصحابه: كذبتم؛ ما بعثتم لتخبروا عن السرح، وما بعثتم إلا للخبر قالوا: فما تريد؟ قال: أريد أن أخاطر القوم أو أهلك، فقالوا: أنت رجل في نفسك غدر؛ ولن تفلح بعد قتل عكاشة بن محصن؛ فاجع بنا فأبى. وأتى سعدًا الخبر برحيلهم؛ فبعث قيس بن هبيرة الأسدي، وأمره على مائة، وعليهم إن هو لقيهم. فانتهى إليهم وقد افترقوا، فلما رآه عمرو قال: تجلدوا له، أروه أنهم يريدون الغارة؛ فردهم، ووجد طليحة قد فارقهم فرجع بهم. فأتوا سعدًا، فأخبروه بقرب القوم، ومضى طليحة، وعارض المياه على الطفوف؛ حتى دخل عسكر رستم، وبات فيه يجوسه وينظر ويتوسم؛ فلما أدبر الليل، خرج وقرأتي أفضل من توسم في ناحية العسكر، فإذا فرس له لم ير في خيل القوم مثله، وفسطاط أبيض لم ير مثله؛ فانتضى سيفه، فقطع مقود الفرس، ثم ضمه إلى مقود فرسه، ثم حرك فرسه، فخرج يعدو به، ونذر به الناس والرجل، فتنادوا وركبوا الصعبة والذلول، وعجل بعضهم أن يسرج، فخرجوا في طلبه، فأصبح وقد لحقه فارس من الجند، فلما غشيه وبوأ له الرمح ليطعنه عدل طليحة فرسه، فندر الفارسي بين يديه، فكر عليه طليحة، فقصم ظهره بالرمج، ثم لحق له آخر، ففعل به مثل ذلك، ثم لحق به آخر؛ وقد رأى مصرع صاحبيه - وهما ابنا عمه - فازداد حنقًا، فلما لحق بطليحة، وبوأ له الرمح، عدل طليحة فرسه، فندر الفارسى أمامه، وكر عليه طليحة أن يركض؛ ودعاه إلى الإسار، فعرف الفارسي أنه قاتله فاستأسر، وأمره طليحة أن يركض بين يديه؛ ففعل. ولحق الناس فرأوا فارسى الجند قدقتلا وقد أسرى الثالث، وقد شارف طليحة عسكرهم، فأحجموا عنه، ونكسوا، وأقبل طليحة حتى غشى العسكر، وهم على تعبية، فأفرغ الناس، وجوزوه إلى سعد؛ فلما انتهى إليه، قال: ويحك ما وراءك! قال: دخلت عساكرهم وجستها منذ الليلة، وقد أخذت أفضلهم توسمًا، وما أدري أصبت أم أخطأت! وها هو ذا فاستخبره. فأقيم الترجمان بين سعد وبين الفارسي، فقال له الفارس: أتؤمننى على دمى إن صدقتك؟ قال: نعم، الصدق في الحرب أحب إلينا من الكذب، قال: أخبركم عن صاحبكم هذا قبل أن أخبركم عمن قبلي؛ باشرت الحروب وغشيتها، وسمعت بالأبطال ولقيتها؛ منذ أنا غلام إلى أن بلغت ما ترى، ولم أر ولم أسمع بمثل هذا؛ أم رجلًا قطع عسكرين لا يجترى عليهما الأبطال إلى عسكر فيه سبعون ألفًا، يخدم الرجل منهم الخمسة والعشرة إلى ما هو دون؛ فلم يرض أم يخرج كما دخل حتى سلب فارس الجند؛ وهتك أطناب بيته فأنذروه، فأنذرنا به، فطلبناه، فأدركه الأول وهو فارس الناس، يعدل ألف فارس فقتله، فأدركه الثاني وهو نظيره فقتله، ثم أدركته، ولا أظن أنني خلقت بعدي من يعدلني وأنا الثائر بالقتيلين، وهما ابنا عمي، فرأيت المونت فاستأسرت. ثم أخبره عن أهل فارس؛ بأن الجند عشرون ومائة ألف، وأن الأتباع مثلهم خدام لهم. وأسلم الرجل وسماه سعد مسلمًا، وعاد إلى طليحة، وقال: لا والله، لا تهزمون ما دمتم على ما أرى من الوفاءوالصدق والإصلاح والمؤاساة؛ لا حاجة لي في صحبة فارس؛ فكان من أهل البلاء يومئذ.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد بن قيس، عن موسى بنطريف، قال: قال سعد لقيس بن هبيرة الأسدي: اخرج يا عاقل، فإنه ليس وراءك من الدنيا شئ تحنو عليه حتى تأتينى بعلم القوم. فخرج وسرح عمرو بن معد يكرب وطليحة؛ فلما حاذى القنطرة لم يسر إلا يسيرًا حتى لحق، فانتهى إلى خيل عظيمة منهم بحيالها ترد عن عسكرهم، فإذا رستم قد ارتحل من النجف، فنزل منزل ذي الحاجب، فارتحل الجالنوس، فنزل ذو الحاجب منزله، والجالنوس منزله، والجالنوس يريد طيزنا باذ؛ فنزل بها، وقدم تلك الخيل. وإن ما خمل سعدًا على إرسال عمرو وطليحة معه لمقالة بلغته عن عمرو، وكلمة قالها لقيس بن هبيرة قبل هذه المرة، فقال: قاتلوا عدوكم يا معشر المسلمين. فأنشب القتال، وطاردهم ساعة. ثم إن قيسًا حمل عليهم، فكانت هزيمتهم، فأصاب منهم اثني عشر رجلًا، وثلاثة أسراء، وأصاب أسلابًا، فأتوا بالغنيمة سعدًا وأخبروه الخبر؛ فقال: هذه بشرى إن شاء الله؛ إذا لقيتم جمعهم الأعظم وحدهم؛ فلهم أمثالهم، ودعا عمرا وطليحة، فقال: كيف رأيتما قيسًا؟ فقال طليحة: رأيناه أكمانا، وقال عمرو: الأمير أعلم بالرجال منا. قال سعد: إن الله تعالى أحيانًا بالإسلام وأحيا به قلوبًا كانت ميتة، وأمات به قلوبًا كانت حية، وإني أحذركما أن تؤثرا أمر الجاهلية على الإسلام؛ فتموت قلوبكما وأنتما حيان؛ الزما السمع والطاعة والإعتراف بالحقوق؛ فما رأى الناس كأقوام أعزهم الله بالإسلام.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة وعمرو وزياد؛ وشاركهم المجالد وسعيد بن المرزبان، قالوا: فلما أصبح رستم من الغد من يوم نزل السيلحين قدم الجالنوس وذا الحاجب، فارتحل الجالنوس، فنزل من دون القنطرة بحيال زهرة، ونزل إلى صاحب المقدمة، ونزل ذو الحاجب؛ منزله بطرنا باذ، ونزل رستم منزل ذي الحلجب بالحرارة ثم قدم ذا الحاجب فلما انتهى إلى العتيق تياسر حتى إذا كان بحيال قديس خندق خندقًا، وارتحل الجالنوس فنزل عليه وعلى مقدمته - أعني سعدًا - زهرة بن الحوية، وعلى مجنبتيه عبد الله بن المعتم، وشرحبيل بن السمط الكندي، وعلى مجردته عاصم بن عمرو، وعلى المرامية فلان، وعلى الرجل فلان، وعلى الطلائع سواد بن مالك، وعلى مقدمة رستم الجالنوس، وعلى مجنبتيه الهرمزان ومهران وعلى مجردته ذو الحاجب، وعلى الطلائع البيرزان، وعلى الرجالة زاذ بن بهيش. فملا انتهى رستم إلى العتيق، وقف عليه بحيال عسكر سعد؛ ونزل الناس؛ فما زالوا يتلاحقون وينزلولهم فينزلون؛ حتى أعتموا من كثرتهم؛ فبات بها تلك الليلة والمسلمون ممسكون عنهم.
قال سعيد بن المرزبان: فلما أصبحوا من ليلتهم بشاطئ العتيق غدا منجم رستم على رستم برؤيا أريها من الليل، قال: رأيت الدلو في السماء؛ دلوًا أفرغ ماؤه، ورأيت السمكة؛ سمكة في ضحضاح من الماء تضطرب، ورأيت النعائم والزهرة تزدهر، قال: ويحك! هل أخبرت أحدًا؟ قال: لا، قال: فاكتمها.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن مجالد، عن الشعبي، قال: كان رستم منجمًا، فكان يبكي مما يرى ويقدم عليه، فلما كان بظهر الكوفة رأى أن عمر دخل عسكر فارس، ومعه ملك، فختم على سلاحهم، ثم حزمه ودفعه إلى عمر.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم - وكان قد شهد القادسية - قال: كان مع رستم ثمانية عشر فيلًا، ومع الجالنوس عشر فيلا.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن المجالد، عن الشعبي؛ قال: كان مع رستم يوم القادسية ثلاثون فيلا.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن سعيد بن المرزبان، عن رجل، قال: كان مع رستم ثلاثة وثلاثون فيلا؛ منها فيل سابور الأبيض؛ وكانت الفيلة تألفه، وكان أعظمها وأقدمها.
كتب إلي السري، عن شعيب عن سيف، عن النضر، عن ابن الرفيل، عن أبيه، قال: كان معه ثلاثة وثلاثون فيلا، معه في القلب ثمانية عشر فيلًا، ومعه المجنبتين خمسة عشر فيلا.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن المجالد وسعيد وطلحة وعمرو وزياد، قالوا: فلما أصبح رسم من ليلته التي باتها بالعتيق، أصبح راكبًا في خيله، فنظر إلى المسلمين، ثم صعد نحو القنطرة، وقد حزر الناس، فوقف بحيالهم دون القنظرة؛ وأرسل إليهم رجلًا؛ إن رستم يقول لكم: أرسلوا إلينا رجلًا نكلمه ويكلمنا، وانصرف فأرسل زهرة إلى سعد بذلك؛ فأرسل إليه المغيرة بن شعبة، فأخرجه زهرة إلى الجالنوس؛ فأبلغه الجالنوس رستم.