الأقصر منها فلذلك سمي كتابه بالعين لأن المتقدمين كانوا يذهبون في تسمية دواوينهم إلى مثل هذا و هو تسميته بأول ما يقع فيه من الكلمات و الألفاظ. ثم بين المهمل منها من المستعمل و كان المهمل في الرباعي و الخماسي أكثر لقلة استعمال العرب له لثقله و لحق به الثنائي لقلة دورانه و كان الإستعمال في الثلاثي أغلب فكانت أوضاعه أكثر لدورانه. و ضمن الخليل ذلك كله في كتاب العين و استوعبه أحسن استيعاب و أوعاه. و جاء أبو بكر الزبيدي و كتب لهشام المؤيد بالأندلس في المائة الرابعة فاختصره مع المحافظة على الاستيعاب و حذف منه المهمل كله و كثيرا من شواهد المستعمل و لخصه للحفظ أحسن تلخيص. و ألف الجوهري من المشارقة كتاب الصحاح على الترتيب المتعارف لحروف العجم فجعل البداءة منها بالهمزة و جمل الترجمة بالحروف على الحرف الأخير من الكلمة لاضطرار الناس في الأكثر إلى أواخر الكلم فجعل ذلك بابا. ثم يأتي بالحروف أول الكلمة على ترتيب حروف العجم أيصا و يترجم عليها بالفصول إلى آخرها. و حصر اللغة اقتداء بحصر الخليل. ثم ألف فيها من الأندلسيين ابن سيده من أهل دانية في دولة علي بن مجاهد كتاب المحكم على ذلك المنحى من الاستيعاب و على نحو ترتيب كتاب العين. و زاد فيه التعرض لاشتقاتات الكلم و تصاريفها فجاء من أحسن الدواوين. و لخصه محمد بن أبي الحسين صاحب المستنصر من ملوك الدولة الحفصية بتونس. و قلب ترتيبه إلى ترتيب كتاب الصحاح في اعتبار أواخر الكلم و بناء التراجم عليها فكانا توأمي رحم و سليلي أبوة و لكراع من أئمة اللغة كتاب المنجد، و لابن دريد كتاب الجمهرة و لابن الأنباري كتاب الزاهر هذه أصول كتب اللغة فيما علمناه. و هناك مختصرات أخرى مختصة بصنف من الكلم و مستوعبة لبعض الأبواب أو لكلها. إلا أن وجه الحصر فيها خفي و و في الحصر في تلك جلي من قبل التراكيب كما رأيت. و من الكتب الموضوعة أيضا في اللغة كتاب الزمخشري في المجاز سماه أساس البلاغة بين فيه كل ما تجوزت به العرب من الألفاظ و فيما تجوزت به من المدلولات و هو كتاب شريف الإفادة. ثم لما كانت العرب تضع الشيء على العموم ثم تستعمل في الأمور الخاصة ألفاظا أخرى خاصة بها فوق ذلك عندنا، و بين الوضع و الاستعمال و احتاج إلى فقه في اللغة عزيز المأخذ كما وضع الأبيض بالوضع العام لكل ما فيه بياض ثم اختص ما فيه بياض من الخيل بالأشهب و من الإنسان بالأزهر و من الغنم بالأملح حتى صار استعمال الأبيص في هذه كلها لحنا و خروجا عن لسان العرب. و اختص بالتأليف في هذا المنحى الثعالبي و أفرده في كتاب له سماه فقه اللغة و هو من أكد ما بأخذ به اللغوي نفسه أن يحرف استعمال العرب عن مواضعه. فليس معرفة الوضع الأول بكاف في الترتيب حتى يشهد له استعمال العرب لذلك. و أكثر ما يحتاج إلى ذلك الأديب في فني نظمه و نثره حذرا من أن يكثر لحنه في الموضوعات اللغوية في مفرداتها و تراكيبها و هو أشد من اللحن في الإعراب و أفحش. و كذلك ألف بعض المتأخرين في الألفاظ المشتركة و تكفل بحصرها و إن لم تبلغ إلى النهاية في ذلك فهو مستوعب للأكثر. و أما المختصرات الموجودة في هذا الفن المخصوصة بالمتداول من اللغة الكثير الاستعمال تسهيلا لحفظها على الطالب فكثيرة مثل الألفاظ لابن السكيت و الفصيح لثعلب و غيرهما. و بعضها أقل لغة من بعض لاختلاف نظرهم في الأهم على الطالب للحفظ. و الله الخلاق العليم لا رب سواه. فصل: و اعلم أن النقل الذي تثبت به اللغة، إنما هو النقل عن العرب أنهم استعملوا هذه الألفاظ لهذه المعاني، لا تقل إنهم وصغوها لأنه متعذر و بعيد. و لم يعرف لأحد منهم. و كذلك لا تثبت اللغات بقياس ما لم نعلم استعماله. على ما عرف استعماله في ماء العنب، باعتبار الإسكار الجامع. لأن شهادة الاعتبار في باب القياس إنما يدركها الشرع الدال على صحة القياس من أصله. و ليس لنا مثله في اللغة إلا بالعقل، و هو محكم، و على هذا في جمهور الأئمة. و إن مال إلى القياس فيها القاضي و ابن سريح و غيرهم. لكن القول بنفيه أرجح. و لا تتوهمن أن إثبات اللغة في باب الحدود اللفظية، لأن الحد راجع إلى المعاني. ببيان أن مدلول اللفظ المجهول الخفي هو مدلول الواضح المشهور، و اللغة إثبات أن اللفظ كذا، لمعنى كذا، و الفرق في غاية الظهور. علم البيان هذا العلم حادث في الملة بعد علم العربية و اللغة، و هو من العلوم اللسانية لأنه متعلق بالألفاظ و ما تفيده. و يقصد بها الدلالة عليه من المعاني و ذلك أن الأمور التي يقصد المتكلم بها إفادة السامع من كلامه هي: إما تصور مفردات تسند و مسند إليها و يفضي بعضها إلى بعض. و الدالة على هذه هي المفردات من الأسماء و الأفعال و الحروف و إما تمييز المسندات من المسند إليها و الأزمنة. و يدل عليها بتغير الحركات من الإعراب و أبنية الكلمات. و هذه كلها هي صناعة النحو. و يبقى من الأمور المكتنفة بالواقعات المحتاجة للدلالة أحوال المتخاطبين أو الفاعلين و ما يقتضيه حال الفعل و هو محتاج إلى الدلالة عليه لأنه من تمام الإفادة و إذا حصلت للمتكلم فقد بلغ غاية الإفادة في كلامه. و إذا لم يشتمل على شيء منها فليس من جنس كلام العرب فإن كلامهم واسع و لكل مقام عندهم مقال يختص به بعد كمال الإعراب و الإبانة. ألا ترى أن قولهم زيد جاءني مغاير لقولهم جاءني زيد من قبل أن المتقدم منهما هو الأهم عند المتكلم فمن قال: جاءني زيد أفاد أن اهتمامه بالمجيء قبل الشخص المسند إليه و من قال: زيد جاءني أفاد أن اهتمامة بالشخص قبل المجيء المسند. و كذا التعبير عن أجزاء الجملة بما يناسب المقام من موصول أو مبهم أو معرفة. و كذا تأكيد الإسناد على الجملة كقولهم: زيد قائم و أن زيدا قائم و إن زيدا لقائم متغايرة كلها في الدلالة و إن استوت من طريق الإعراب فإن الأول العاري عن التأكيد أنما يفيد الخالي الذهن و الثاني المؤكد بإن يفيد المتردد و الثالث يفيد المنكر فهي مختلفة. و كذلك تقول: جاءني الرجل ثم تقول مكانه بعينه جاءني رجل إذا قصدت بذلك التنكير تعظيمه و أنه رجل لا يعادله أحد من الرجال. ثم الجملة الإسنادية تكون خبرية و هي التي لها خارج تطابقه أولا، و إنشائية و هي التي لا خارج لها. كالطلب و أنواعه. ثم قد يتعين ترك العاطف بين الجملتين إذا كان للثانية محل من الإعراب: فيشرك بذلك منزلة التابع المفرد نعتا و توكيدا و بدلا بلا عطف أو يتعين العطف إذا لم يكن للثانية محل من الإعراب. ثم يقتضي المحل الإطناب و الإيجاز فيورد الكلام عليهما. ثم قد يدل باللفظ و لا يراد منطوقه و يراد لازمه إن كان مفردا كما تقول: زيد أسد فلا تريد حقيقة الأسد المنطوقة و إنما تريد شجاعته اللازمة و تسندها إلى زيد و تسمى هذه استعارة. و قد تريد باللفظ المركب الدلالة على ملزومه كما تقول: زيد كثير الرماد و تريد ما لزم ذلك عنه من الجود و قرى الضيف لأن كثرة الرماد ناشئة عنهما في دالة عليهما. و هذه كلها دلالة زائدة على دلالة الألفاظ من المفرد و المركب و إنما هي هيئات و أحوال الواقعات جعلت للدلالة عليها أحوال و هيئات في الألفاظ كل بحسب ما يقتضيه مقامه، فاشتمل هذا العلم المسمى بالبيان على البحث عن هذه الدلالة التي هي للهيئات و الأحوال و المقامات و جعل على ثلاثة أصناف: الصنف الأول يبحث فيه عن هذه الهيآت و الأحوال التي تطابق باللفظ جميع مقتضيات الحال و يسمى علم البلاغة، و الصنف الثاني يبحث فيه عن الدلالة على اللازم اللفظي و ملزومه و هي الاستعارة و الكناية كما قلناه و يسمى علم البيان. و ألحقوا بهما صنفا آخر و هو النظر في تزيين الكلام و تحسينه بنوع من التنميق إما