العرف كنهب ينهز فضحك المهدي وقال‏:‏ الفعل أحسن ما يكو ن إذا تقدمه ضمان وقال المهلب بن أبي صفرة لبنيه‏:‏ يا بني إذ غدا عليكم الرجل وراح مسلماً فكفى بذلك أروح بتسليمي عليك وأغتدي وحسبك بالتسليم مني تقاضيا وقال آخر‏:‏ كفاك مخبراً وجهي بشأني وحسبك أن أراك وأن تراني وما ظني بمن يعنيه أمري ويعلم حاجتي ويرى مكاني كتب العتابي إلى بعض أهل السلطان‏:‏ أما بعد فإن سحائب وعدك قد أبرقت فليكن وبلها سالماً من علل المطل والسلام‏.‏ وكتب الجاحظ إلى رجل وعده‏:‏ أما بعد فإن شجرة وعدك قد أورقت فليكن ثمرها سالماً من جوائح المطل والسلام‏.‏ ووعد عبد الله بن طاهر دعبلاً بغلام فلما طال عليه تصدى له يوماً وقد ركب إلى باب الخاصة فلما رآه قال‏:‏ أسأت الافتضاء وجهلت المأخذ ولم تحسن النظر ونحن أولى بالفضل فلك الغلام والدابة لما ننزل إن شاء الله تعالى‏.‏ فأخذ دعبل بعنانه وأنشده‏:‏ يا جواد اللسان من غير فعل ليت في راحتيك جود اللسان عين مهران قد لطمت مراراً فاتقي ذا الجلال في مهران عرت عيناً فدع لمهران عيناً لا تدعه يطوف في العميان وسأل خلف بن خليفة أبان بن الوليد جارية فوعده بها وأبطأت عليه فكتب إليه‏:‏ أرى حاجتي عند الأمير كأنها تهم زماناً عنده بمقام وأحصر عن إذكاره إن لقيته وصدق الحياء ملجم بلجام أراها إذا كان النهار نسيئة وبالليل تقضى عند كل منام فيا رب أخرجها فإنك مخرج من الميت حياً مفصحاً بكلام فتعلم ما شكري إذا ما قضيتها وكيف صلاتي عندها وصيامي وكتب أبو العتاهية إلى رجل وعده وعداً وأخلفه‏:‏ أحسبت أرض الله ضيقة عني فأرض الله لم تضيق وجعلتني فقعاً بقرقرة فوطئتني وطئاً على حنق فإذا سألتك حاجة أبداً فاضرب لها قفلاً على غلق وأعد لي غلاً وجامعة فاجمع يدي بها إلى عنقي ما أطول الدنيا وأوسعها وأدلني بمسالك الطرق ومن قولنا في رجل كتب إلى بعدة في صحيفة ومطلني بها‏:‏ من وجهه نحس ومن قربه رجس ومن عرفانه شوم لا تهتضم إن بت ضيفاً له فخبزه في الجوف هاضوم تكلمه الألحاظ من رقة فهو بلحظ العين مكلوم ولا تأتدم على أكله فإنه بالجوع مأدوم وقلت فيه‏:‏ صحيفة كتبت ليت بها وعسى عنوانها راحة الراجي إذا يئسا وعد له هاجس في القلب وقد برمت أحشاء صدري به من طول ما هجسا يراعة غرني منها وميض سنى حتى مددت إليها الكف مقتبسا فصادفت حجراً لو كنت تضربه من لؤمه بعضا موسى لما انبجسا كأنما صيغ من بخل ومن كذب فكان ذاك له روحاً وذا نفسا وقلت فيه‏:‏ رجاء دون أقربه السحاب ووعد مثل ما لمع السراب وتسويف يكل الصبر عنه ومطل ما يقوم له حساب لطيف الاستمناح قال الحكماء‏:‏ لطيف الاستمناح سبب النجاح والأنفس ربما انطلقت وانشرحت بلطيف السؤال وانقبضت وامتنعت بجفاء السائل كما قال الشاعر‏:‏ وجفوتني فقطعت عنك فوائدي كالدر يقطعه جفاء الحالب وقال العتابي‏:‏ إن طلب حاجة إلى ذي سلطان فأجمل في الطلب إليه وإياك والإلحاح علي فإن إلحاحك يكلم عرضك ويريق ماء وجهك فلا تأخذ منه عوضاً لما يأخذ منك ولعل الإلحاح يجمع عليك إخلاق الوجه وحرمان النجاح فإنه ربما مل المطلوب إليه حتى يستخف بالطالب‏.‏ وقال الحسن بن هانئ‏:‏ تأن مواعيد الكرام فربما حملت من الإلحاح سمحاً على بخل وقال آخر‏:‏ إن كنت طالب حاجة فتجمل فيها بأحسن ما طلب وأجمل إن الكريم أخا المروءة والنهى من ليس في حاجاته بمثقل وقال مروان بن أبي حفصة‏:‏ لقيت يزيد بن مزيد وهو خارج من عند المهدي فأخذ بعنان دابته وقلت له‏:‏ إني قلت فيك ثلاثة أبيات أريد لكل بيت منها مائة ألف‏.‏ قال‏:‏ هات لله أبوك‏!‏ فأنشأت أقول‏:‏ يا أكرم الناس من عجم ومن عرب بعد الخليفة يا ضرغامة العرب أفنيت مالك تعطيه وتنهبه يا آفة الفضة البيضاء والذهب إن السنان وحد السيف لو نطقا لا خبراً عنك في الهيجاء بالعجب فأمر لي بها‏.‏ المدائني قال‏:‏ قدم قوم من بني أمية على عبد الملك بن مروان فقالوا‏:‏ يا أمير المؤمنين نحن ممن تعرف وحقنا لا ينكر وجئناك من بعيد ونمت بقريب وهما تعطنا فنحن أهله‏.‏ دخل عبد الملك بن صالح على الرشيد فقال‏:‏ أسألك بالقرابة والخاصة أم بالخلافة والعامة قال‏:‏ بل بالقرابة والخاصة‏.‏ قال‏:‏ يداك يا أمير المؤمنين بالعطية أطلق من لساني بالمسألة‏.‏ فأعطاه وأجزل له‏.‏ ودخل أبو الريان على عبد الملك بن مروان وكان عنده أثيراً فرآه خائراً فقال‏:‏ يا أبا الريان مالك خائراً قال‏:‏ أشكو إليك الشرف يا أمير المؤمنين‏.‏ قال‏:‏ وكيف ذلك قال‏:‏ نسأل ما لا نقدر عليه ونعتذر فلا نعذر‏.‏ قال عبد الملك‏:‏ ما أحسن ما استمنحت واعتررت يا أبا العتابي قال‏:‏ كتب الشعبي إلى الحجاج يسأله حاجة فاعتل عليه‏.‏ فكتب إليه الشعبي‏:‏ والله لا عذرتك وأنت والي العراقين وابن عظيم القريتين فقضى حاجته‏.‏ وكان جد الحجاج لأمه عروة بن مسعود الثقفي‏.‏ العتبي قال‏:‏ قدم عبد العزيز بن زرارة الكلابي على أمير المؤمنين معاوية فقال‏:‏ إني لم أزل أهز ذئاب الرحال إليك فلم أجد معولاً إلا عليك امتطى الليل بعد النهار وأسم المجاهل بالآثار يقودني إليك أمل وتسوقني بلوى المجتهد يعذر وإذا بلغتك فقطني‏.‏ فقال‏:‏ احطط عن راحلتك رحلها‏.‏ ودخل كريز بن زفر بن الحارث على يزيد بن المهلب فقال‏:‏ أصلح الله الأمير أنت أعظم من أن يستعان بك ويستعان عليك ولست تفعل من الخير شيئاً إلا وهو يصغر عنك وأنت أكبر منه وليس العجب أن تفعل ولكن العجب أن لا تفعل قال‏:‏ سل حاجتك‏.‏ قال‏:‏ قد حملت عن عشيرتي عشر ديات‏.‏ قال‏:‏ قد أمرت لك بها وشفعتها بمثلها‏.‏ العتبي عن أبيه قال‏:‏ أتى رجل إلى حاتم الطائي فقال‏:‏ إنها وقعت بيني وبين قومي ديات فاحتملتها في مالي وأملي فعدمت مالي وكنت أملي فإن تحملها عني فرب هم فرجته وغم كفيته ودين قضيته وإن حال دون ذلك حائل لم أذم يومك ولم أيأس من غدك‏.‏ فحملها عنه‏.‏ المدائني قال‏:‏ سأل رجل خالداً القسري حاجة فاعتل عليه‏.‏ فقال له‏:‏ لقد سألت الأمير من غير حاجة‏.‏ قال وما دعاك إلى ذلك قال رأيتك تحب من لك عنده حسن بلاء فأردت أن أتعلق منك بحبل مودة‏.‏ فوصله وحباه وأدنى مكانه‏.‏ والأصمعي قال‏:‏ دخل أبو بكير الهجري على المنصور فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين نغض فمي وأنتم أهل البيت بركة فلو أذنت لي فقبلت رأسك لعل الله يشدد لي منه‏.‏ قال‏:‏ اختر منها ومن الجائزة‏.‏ فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين أهون علي من ذهاب درهم من الجائزة ألا تبقى حاكة في فمي‏.‏ فضحك المنصور وأمر له بجائزة‏.‏ وذكروا أن جاراً لأبي دلف ببغداد لزمه كبير دين فادح حتى احتاج إلى بيع داره‏.‏ فساوموه بها فسألهم ألف دينار فقالوا له‏:‏ إن دارك تساوي خمسمائة دينار‏.‏ قال‏:‏ وجواري من أبي دلف بألف وخمسمائة دينار‏.‏ فبلغ أبا دلف فأمر بقضاء دينه وقال له لا تبع دارك ولا تنتقل من جوارنا‏.‏ ووقفت امرأة على قيس بن سعد بن عبادة فقالت‏:‏ أشكو إليك قلة الجرذان قال‏:‏ ما أحسن هذه الكناية‏!‏ املئوا لها بيتاً خبزاً ولحماً وسمناً وتمراً‏.‏ إبراهيم بن أحمد عن الشيباني قال‏:‏ كان أبو جعفر المنصور أيام بني أمية إذا دخل البصرة دخل مستتراً فكان يجلس في حلقة أزهر السمان المحدث‏.‏ فلما أفضت الخلافة إليه قدم عليه أزهر فرحب به وقربه وقال له ما حاجتك يا أزهر قال‏:‏ داري متهدمة وعلي أربعة آلاف درهم وأريد أن يبني محمد ابني بعياله فوصله باثني عشر ألفاً وقال‏.‏ قد قضينا حاجتك يا أزهر فلا تأتنا طالباً‏:‏ فأخذها وارتحل‏.‏ فلما كان بعد سنة أتاه‏.‏ فلما رآه أبو جعفر قال‏:‏ ما جاء بك يا أزهر قال جئتك مسلماً‏.‏ قال‏:‏ إنه يقع في خلد أمير المؤمنين أنك جئت طالباً‏.‏ قال‏:‏ ما جئت إلا مسلماً‏.‏ قال‏:‏ قد أمرنا لك باثني عشر ألفاً واذهب فلا تأتنا طالباً ولا مسلماً‏.‏ فأخذها ومضى‏.‏