وكم دينك قال‏:‏ ثلاثون ألفاً‏.‏ قال‏:‏ فقضاء دينك أحب إليك أم ولاية مكة قال‏:‏ بل ولاية مكة‏.‏ فولاه إياها‏.‏ وقدم الحطيئة المدينة فوق إلى عتيبة بن النهاس العجلي فقال‏:‏ أعطني‏.‏ فقال‏:‏ مالك عند فأعطيكه وما في مالي فضل عن عيالي فأعود به عليك‏.‏ فخرج عنه مغضباً‏.‏ وعرفه به جلساؤه فأمر برده ثم قال له‏:‏ يا هذا إنك وقفت إلينا فلم تستأنس ولم تسلم وكتمتنا نفسك كأنك الحطيئة قال‏:‏ هو ذلك‏.‏ قال‏:‏ اجلس فلك عندما كل ما تحب‏.‏ فجلس فقال له‏:‏ من أشعر الناس قال‏:‏ الذي يقول‏:‏ من يجعل المعروف من دون عرضه يفره ومن لا يتق الشتم يشتم يعني زهيراً‏:‏ قال‏:‏ ثم من قال‏:‏ الذي يقول‏:‏ من يسأل الناس يحرموه وسائل الله لا يخيب يعني عبيداً‏.‏ قال‏:‏ ثم من قال‏:‏ أنا‏.‏ فقال لوكيله‏:‏ خذ بيد هذا فامض به إلى السوق فلا يشيرن إلى شيء إلا اشتريته له‏.‏ فمضى معه إلى السوق فعرض عليه الخز والقز فلم يتلفت إلى شيء منه وأشار إلى الأكسية والكرابيس الغلاظ والأقبية‏.‏ فاشترى له منها حاجته ثم قال‏:‏ أمسك‏.‏ قال‏:‏ فإنه قد أمرني أن أبسط يدي بالنفقة قال‏:‏ لا حاجة في أن يكون له على قومي يد أعظم من هذه ثم أنشأ يقول‏:‏ سئلت فلم تبخل ولم تعط طائلاً فسيان لا ذم عليك ولا حمد وأنت امرؤ لا الجود منك سجية فتعطى وقد يعدى على النائل الوجد من مدح أميراً فخيبه ألا قل لساري الليل لا تخش ضلة سعيد بن سلم نور كل بلاد لنا سيد أربى على كل سيد جواد حثا في وجه كل جواد قال‏:‏ فتأخرت عنه قليلاً‏.‏ فهجاني فأبلغ فقال‏:‏ لكل أخي مدح ثواب علمته وليس لمدح الباهلي ثواب مدحت سعيداً والمديح مهزة فكان كصفوان عليه تراب ومدح الحسن بن رجاء أبا دلف فلم يعطه شيئاً فقال‏:‏ أبا دلف ما أكذب الناس كلهم سواي فإني في مديحك أكذب وقال آخر في مثل هذا المعنى‏:‏ إني مدحتك كاذباً فأثبتني لما مدحتك ما يثاب الكاذب وقال آخر في مثل هذا المعنى‏:‏ لئن أخطأت في مدحي ك ما أخطأت في منعي لقد أحللت حاجاتي بواد غير ذي زرع ومدح حبيب الطائي عياش بن لهيعة وقدم عليه بمصر واستسلفه مائتي مثقال‏.‏ فشاور فيها زوجته فقالت له‏:‏ هو شاعر يمدحك اليوم ويهجوك غداً فاعتل عليه واعتذر إليه ولم يقض عياش إنك للئيم وإنني مذ صرت موضع مطلبي للئيم ثم هجاه حتى مات‏.‏ وهجاه بعد موته فقال فيه‏:‏ لا سقيت أطلالك الدائرة ولا انقضت عثرتك العاثرة يا أسد الموت تخلصته من بين فكي أسد القاصرة ما حفرة واراك ملحودها ببرة الرمس ولا طاهره ومن قولنا في هذا المعنى وسألت بعض موالي السلطان إطلاق محبوس فتلكأ فيه فقلت‏:‏ حاشا لمثلك أن يفك أسيرا أو أن يكون من الزمان مجيرا لبست قوافي الشعر فيك مدارعاً سوداً وصكت أوجهاً وصدورا علا عطفت برحمة لما دعت ويلاً عليك مدائحي وثبورا لو أن لؤمك عاد جوداً عشره ما كان عندك حاتم مذكورا قال‏:‏ ومدح ربعة الرقي يزيد بن حاتم الأزدي وهو والي مصر فاستبطأه ربيعة‏.‏ فشخص عنه من مصر وقال‏:‏ أراني - ولا كفران الله - راجعاً بخفي حنين من نوال ابن حاتم قال‏:‏ نعم قال‏:‏ فهل قلت غير هذا قال‏:‏ لا والله قال‏:‏ لترجعن بخفي حنين مملوءة مالاً‏.‏ فأمر بخلع نعليه وملئت له مالاً‏.‏ فقال فيه لما عزل عن مصر وولي يزيد بن أسيد السلمي مكانه‏:‏ بكى أهل مصر بالدموع السواجم غداة غدا منها الأغر ابن حاتم وفيها يقول‏:‏ لشتان ما بين اليزيدين في الندى يزيد سليم والأغر بن حاتم فهم الفتى الأزدي إنفاق ماله وهم الفتى القيسي جمع الدراهم فلا يحسب التمتام أني هجوته ولكنني فضلت أهل المكارم أجود أهل الجاهلية الذين انتهي إليهم الجود في الجاهلية ثلاثة نفر‏:‏ حاتم بن عبد الله بن سعد الطائي وهرم بن سنان المري وكعب بن مامة الإيادي‏.‏ ولكن المضروب به المثل‏:‏ حاتم وحده وهو القائل لغلامه يسار وكان إذا اشتد البرد وكلب الشتاء أمر غلامه فأوقد ناراً في يفاع من الأرض لينظر إليها من أضل الطريق ليلاً فيصمد نحوه فقال في ذلك‏:‏ أوقد فإن الليل ليل قر والريح ما موقد ريح صر عسى يرى نارك من يمر إن جلبت ضيفاً فأنت حر ومر حاتم في سفره على عنزة وفيهم أسير‏.‏ فاستغاث بحاتم ولم يحضره فكاكه فاشتراه من العنزيين وأطلقه وأقام مكانه في القيد حتى أدى فداءه‏.‏ وقالوا‏:‏ لم يكن حاتم ممسكاً شيئاً ما عدا فرسه وسلاحه فإن كان لا يجود بهما‏.‏ وقالت نوار امرأة حاتم‏:‏ أصابتنا سنة اقشعرت لها الأرض واغبر أفق السماء وراحت الإبل حدبا حدابير