









أمير المؤمنين فوصلته كل ذي رحم قاطعة وهنأته كرامته المنعم بها عليه وقد قبلناه وأمرنا لصاحبك منه بمائة ألف ولشرحبيل بن السمط بمثلها وليزيد بن شجرة بمثلها وفي سعة الله وبسط يد أمير المؤمنين ما عليه معولنا. فركب مسلم بن عقبة إلى معاوية فأعلمه. فقال: صدق ابن عمي فيما قال وأخطأت فيما انتهيت إليه فاجعل نصيبك من المال لروح بن زنباع عقوبة لك فإنه من جنى جناية عوقب بمثلها كما أنه فعل خيراً كوفئ عليه. ومن جوده أيضاً: أن معاوية كان يداول بينه وبين مروان بن الحكم في ولاية المدينة فكان مروان يقارضه. فلما دخل على معاوية قال له: كيف تركت أبا عبد الملك - يعني مروان - قال: تركته منفذاً لأمرك مصلحاً لعملك. قال معاوية: إنه كصاحب الخبزة كفى إنضاجها فأكلها. قال: كلا يا أمير المؤمنين إنه من قوم لا يأكلون إلا ما حصدوا. ولا يحصدون إلى ما زرعوا. قال: فما الذي باعد بينك وبينه قال: خفته على شرفي وخافني على مثله. قال: فأي شيء كان له عندك قال: أسوءه حاراً وأسره غائباً. قال: يا أبا عثمان تركتنا في هذه الحروب. قال: حملت الثقل وكفيت الحزم. قال: فما أبطأ بك قال: غناك عني أبطأني عنك. وكنت قريباً لو دعوت لأجبناك ولو أمرت لأطعناك. قال: ذلك ظننا بك. فأقبل معاوية على أهل الشام فقال يا أهل الشام هؤلاء قومي وهذا كلامهم. ثم قال: أخبرني عن مالك فقد نبئت أنك تتجر فيه. قال: يا أمير المؤمنين لنا مال يخرج لنا منه فضل فإذا كان ما خرج قليلاً أنفقناه على قلته وإن كان كثيراً فكذلك غير أنا لا ندخر منه شيئاً عن معسر ولا طالب ولا مستحمل ولا نستأثر منه بفلذة لحم ولا مزعة شحم. قال: فكم يدوم لك هذا قال: من السنة نصفها. قال: فما تصنع باقيها قال: نجد من يسلفنا ويسارع إلى معاملتنا. قال: ما أحد أحوج إلى أن يصلح من شأنه منك. قال: إن شأننا لصالح يا أمير المؤمنين ولو زدت في مالي مثله ما كنت إلا بمثل هذه الحال. فأمر له معاوية بخمسين ألف درهم وقال: اشتر بها ضيعة تعينك على مروءتك. فقال سعيد: بل أشتري بها حمداً وذكراً باقياً أطعم بها الجائع وأزوج بها الأيم وأنك بها العاني وأواسي بها الصديق وأصلح بها حال الجار. فلم تأت عليه ثلاثة أشهر وعنده منها درهم. فقال معاوية: ما فضيلة بعد الإيمان بالله هي أرفع في الذكر ولا أنبه في الشرف من الجود وحسبك أن الله تبارك وتعالى جعل الجود أحد صفاته. ومن جوده أيضاً ما حكاه الأصمعي قال: كان سعيد بن العاص يسمر معه سماره إلى أن ينقضي حين من الليل فانصرف عنه القوم ليلة ورجل قاعد لم يقم. فأمر سعيد بإطفاء الشمعة وقال: حاجتك يا فتى فذكر أن عليه ديناً أربعة آلاف درهم فأمر له بها. وكان إطفاؤه للشمعة أكثر من عطائه. جود عبيد الله بن أبي بكرة ومن جود عبيد الله بن أبي بكرة: أنه أدلى إليه رجل بحرمة فأمر له بمائة ألف درهم. فقال: أصلحك الله ما وصلني أحد بمثلها قط. ولقد قطعت لساني عن شكر غيرك وما رأيت الدنيا في يد أحد أحسن منها في يدك ولولا أنت لم تبق لها بهجة إلا أظلمت ولا نور إلا جود عبيد الله بن معمر القرشي التيمي ومن جود عبيد الله بن معمر القرشي: أن رجلاً أتاه من أهل البصرة كانت له جارية نفيسة قد أدبها بأنواع الأدب حتى برعت وفاقت في جميع ذلك ثم إن الدهر قعد بسيدها ومال عليه. وقدم عبيد الله بن معمر البصرة من بعض وجوهه فقالت لسيدها: إني أريد أن أذكر لك شيئاً أستحي منه إذ فيه جفاء مني غير أن يسهل ذلك علي ما أرى من ضيق حالك وقلة مالك وزوال نعمتك وما أخافه عليك من الاحتياج وضيق الحال وهذا عبيد الله بن معمر قدم البصرة وقد علمت شرفه وفضله وسعة كفه وجود نفسه فلو أذنت لي فأصلحت من شأني ثم تقدمت بي إليه وعرضتني عليه هدية رجوت أن يأتيك من مكافأته ما يقيلك الله به وينهضك إن شاء الله. قال فبكى وجداً عليها وجزعاً لفراقها منه ثم قال لها: لولا أنك نطقت بهذا ما ابتدأتك به أبداً. ثم نهض بها حتى أوقفها بين يدي عبيد الله فقال: أعزك الله هذه جارية ربيتها ورضيت بها لك فاقبلها مني هدية. فقال: مثلي لا يستهدي من ملك فهل لك في بيعها فأجزل لك الثمن عليها حتى ترضى قال: الذي تراه. قال: يقنعك مني عشرة بدر في كل بدرة عشرة آلاف درهم قال: والله يا سيدي ما امتد أملي إلى عشر ما ذكرت ولكن هذا فضلك المعروف وجودك المشهور. فأمر عبيد الله بإخراج المال حتى صار بين يدي الرجل وقبضه وقال للجارية: ادخلي الحجاب. فقال سيدها: أعزك الله لو أذنت لي في وداعها قال: نعم. فوقفت وقام وقال لها وعيناه
سأكِونكالِوُرد
كِلما ينجرحُ "بزخِات مِطِر " يفِوٌحُ عِطِراً ..!
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
مواقع النشر (المفضلة)