رؤبة قال‏:‏ دخلت على أبي مسلم صاحب الدعوة فلما أبصرني نادى‏:‏ يا رؤبة فأجبته‏:‏ لبيك إذ دعوتني لبيكا أحمد رباً ساقني إليكا الحمد والنعمة في يديكا قال‏:‏ بل في يدي الله تعالى‏.‏ قلت له‏:‏ وأنت إذا أنعمت أجدت‏.‏ ثم قلت‏:‏ يأذن لي الأمير في الإنشاد قال‏:‏ نعم فأنشدته‏:‏ ما زال يأتي الملك من أقطاره وعن يمينه وعن يساره مشمراً لا يصطلى بناره حتى أقر الملك في قراره فقال‏:‏ يا رؤية إنك أتيتنا وقد شف المال واستنفده الإنفاق وقد أمرنا لك بجائزة وهي تافهة يسيرة ومنك العود وعلينا المعول والدهر أطرق مستتب فلا تجعل بيننا وبينك الأسدة‏.‏ قال رؤبة‏:‏ فقلت‏:‏ الذي أفادني الأمير من كلامه أكثر من الذي أفادني من ماله‏.‏ ودخل نصيب بن رباح على هشام فأنشده‏:‏ إذا استبق العلا سبقتهم يمينك عفواً ثم صلت شمالك فقال هشام‏:‏ بلغت غاية المدح فسلني‏.‏ فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين يداك بالعطية أطلق من لساني بالمسألة قال‏:‏ لا بد أن تفعل قال‏:‏ لي ابنة نفضت عليها من سوادي فكسدها فلو أنفقها أمير المؤمنين بشيء يجعله لها قال‏:‏ فأقطعها أرضاً وأمر لها بحلي وكسوة فنفقت السوداء‏.‏ الرياشي عن الأصمعي قال‏:‏ مدح نصيب بن رباح عبد الله بن جعفر فأمر له بمال كثير وكسوة شريفة ورواحل موقرة براً وتمراً‏.‏ فقيل له‏:‏ أتفعل هذا بمثل هذا العبد الأسود قال‏:‏ أما لئن كان عبداً إن شعره في لحر ولئن كان أسود إن ثناءه لأبيض وإنما أخذ مالاً يفنى وثياباً تبلى ورواحل تنضى وأعطى مديحاً يروى وثناء يبقى‏.‏ وذكروا عن أبي النجم العجلي أنه أنشد هشاماً شعره الذي يقول فيه‏:‏ الحمد لله الوهوب المجزل وهو من أجود شعره حتى انتهى إلى قوله‏:‏ والشمس في الجو كعين الأحول وكان هشام أحول فأغضبه ذلك فأمر به فطرد‏.‏ فأمل أبو النجم رجعته فكان يأوي إلى المسجد‏.‏ فأرق هشام ذات ليلة فقال لحاجبه‏:‏ ابغنى رجلاً عربياً فصيحاً يحدثني وينشدني‏.‏ فطلب له ما سأل فوجد أبا النجم فأتى به‏.‏ فلما دخل عليه قال‏:‏ أين تكون منذ أقصيناك قال‏:‏ حيث ألفاني رسولك‏.‏ قال‏:‏ فمن كان أب النجم أبا مثواك قال‏:‏ رجلين أتغدى عند أحدهما وأتعشى عند الآخر‏.‏ قال‏:‏ فما لك من الولد قال‏:‏ ابنتان‏.‏ قال‏:‏ أزوجتهما قال‏:‏ زوجت إحداهما‏.‏ قال‏:‏ فبم أوصيتها ليلة أهديتها قال‏:‏ قلت لها‏:‏ سبي الحماة وابهتي عليها وإن أبت فازدلفي إليها ثم اقرعي بالعود مرفقيها وجددي الخلف به عليها قال‏:‏ هل أوصيتها بعد هذا قال‏:‏ نعم‏:‏ أوصيت من برة قلباً برا بالكلب خيراً والحماة شرا لا تسأمي خنقاً لها وجرا والحي عميهم بشر طرا وإن كسوك ذهباً ودرا حتى يروا حلو الحياة مرا قال هشام‏:‏ ما هكذا أوصى يعقوب ولده‏.‏ قال أبو النجم‏:‏ ولا أنا كيعقوب ولا ولدي كولده‏.‏ قال‏:‏ فما حال الأخرى قال‏:‏ هي ظلامة التي أقول فيها‏:‏ كان ظلامة أخت شيبان يتيمة ووالداها حيان الرأس قمل كله وصئبان وليس في الرجلين إلا خطيان فهي التي يذعر منها الشيطان قال هشام لحاجبة‏:‏ ما فعلت بالدنانير التي أمرتك بقبضها قال‏:‏ هي عندي وهمس خمسمائة أبو عبيدة قال‏:‏ حدثني يونس بن حبيب قال‏:‏ لما استخلف مروان بن محمد دخل الشعراء يهنئونه بالخلافة فتقدم إليه طريح بن إسماعيل الثقفي خال الوليد بن يزيد فقال‏:‏ الحمد الله الذي أنعم بك على الإسلام إماماً وجعلك لأحكام دينه قوماً ولأمة محمد المصطفى جنة ونظاماً ثم أنشده شعره الذي يقول فيه‏:‏ تسوء عداك في سداد ونعمة خلافتنا تسعين عاماً وأشهرا فقال مروان‏:‏ كم الأشهر قال‏:‏ وفاء المائة يا أمير المؤمنين تبلغ فيها أعلى درجة وأسعد عاقبة في النصرة والتمكين‏.‏ فأمر له بمائة ألف درهم‏.‏ ثم تقدم إليه ذو الرمة متحانياً كبرة قد انحلت عمامته منحدرة على وجهه فوقف يسويها‏.‏ فقيل له‏:‏ تقدم‏.‏ قال‏:‏ إني أجل أمير المؤمنين أن أخطب بشرفه مادحاً بلوثة عمامتي فقال مروان‏:‏ ما أملت أنه قد أبقت لنا منك مي ولا صيدح في كلامك إمتاعاً‏.‏ قال‏:‏ بلى والله يا أمير المؤمنين أرد منه قراحاً والأحسن امتداحاً‏.‏ ثم تقدم فأنشد شعراً يقول فيه‏:‏ فقلت لها سيري أمامك سيد تفرع من مروان أو من محمد فقال له‏:‏ ما فعلت مي فقال‏:‏ طويت غدائرها ببرد بلى ومحا الترب محاسن الخد فالتفت مروان إلى العباس بن الوليد فقال‏:‏ أما ترى القوافي تنثال انثيالاً يعطى بكل من سمى من آبائي الربيع حاجب المنصور قال‏:‏ قلت يوماً للمنصور‏:‏ إن الشعراء ببابك وهم كثيرون طالت أيامهم ونفدت نفقاتهم‏.‏ قال‏:‏ أخرج إليهم فاقرأ عليهم السلام وقل لهم‏:‏ من مدحني منكم فلا يصفني بالأسد