وجه عبد الملك طمعاً أن يعيشها‏.‏ وفود الحجاج بإبراهيم بن محمد بن طلحة على عبد الملك بن مروان عمران بن عبد العزيز قال‏:‏ لما ولي الحجاج بن يوسف الحرمين بعد قتله ابن الزبير استخلص إبراهيم بن محمد بن طلحة فقربه وعظم منزلته فلم تزل حاله عنده حتى خرج إلى عبد الملك بن مروان فخرج معه معادلاً لا يقصر له في بر ولا إعظام حتى حضر به عبد الملك فلما دخل عليه لم يبدأ بشيء بعد السلام إلا أن قال له‏:‏ قدمت عليك أمير المؤمنين برجل الحجاز لم أدع له بها نظيراً في الفضل والأدب والمروءة وحسن المذهب مع قرابة الرحم ووجوب الحق وعظم قد الأبوة وما بلوت منه في الطاعة والنصيحة وحسن الموازرة وهو إبراهيم بن محمد بن طلحة وقد أحضرته بابك ليسهل عليه إذنك وتعرف له ما عرفتك فقال‏:‏ أذكرتنا رحماً قريبة وحقاً واجباً يا غلام ائذن لإبراهيم بن محمد بن طلحة فلما دخل عليه أدناه عبد الملك حتى أجلسه على فراشه ثم قال له‏:‏ يا بن طلحة إن أبا محمد ذكرنا ما لم نزل نعرفك به في الفضل والأدب والمروءة وحسن المذهب مع قرابة الرحم ووجوب الحق وعظم قدر الأبوة وما بلاه منك في الطاعة والنصيحة وحسن الوازرة فلا تدعن حاجة عن خاصة نفسك وعامتك إلا ذكرتها فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين إن أول الحوائج وأحق ما قدم بين يدي الأمور ما كان لله فيه رضا ولحق نبيه (ص) أداء ولك فيه ولجماعة المسلمين نصيحة وعندي نصيحة لا أجد بداً من ذكرها ولا أقدر على ذلك إلا وأنا خال فأخلني يا أمير المؤمنين ترد عليك نصيحتي قال‏:‏ دون أبي محمد قال‏:‏ نعم دون أبي محمد‏.‏ قال عبد الملك للحجاج‏:‏ قم‏.‏ فلما خطرف الستر أقبل علي فقال‏:‏ يا بن طلحة قل نصيحتك فقال‏:‏ تالله يا أمير المؤمنين لقد عمدت إلى الحجاج في تغطرسه وتعجرفه وبعده من الحق وقربه من الباطل فوليته الحرمين وهما ما هما وبهما ما بهما من المهاجرين والأنصار والموالي الأخيار يطؤهم بطغام أهل الشام ورعاع لا روية لهم في إقامة حق ولا في إزاحة باطل ويسومهم الخسف ويحكم فيهم بغير السنة بعد الذي كان من سفك دمائهم وما انتهك من حرمهم ثم ظننت أن ذلك فيما بينك وبين الله زاهق وفيما بينك وبين نبيك غداً إذا جاثاك للخصومة بين يدي الله في أمته أما والله لا تنجو هنالك إلا بحجة فاربع على نفسك أودع‏.‏ فقال له عبد الملك‏:‏ كذبت ومنت وظن بك الحجاج ما لم يجده فيك وقد يظن الخير بغير أهله قم فأنت الكاذب المائن‏.‏ قال‏:‏ فقمت وما أعرف طريقاً فلما خطرف الستر لحقني لاحق فقال‏:‏ احبسوا هذا وقال للحجاج‏:‏ ادخل فدخل فمكث ملياً من النهار لا أشك أنهما في أمري ثم خرج الآذن فقال‏:‏ ادخل يا بن طلحة فلما كشف لي الستر لقيني الحجاج وهو خارج وأنا داخل فاعتنقني وقبل ما بين عيني وقال‏:‏ أما إذا جزى الله المتواخيين خيراً تواصلهم فجزاك الله عني أفضل الجزاء فوالله لئن سلمت لك لأرفعن ناظرك ولأعلين كعبك ولأتبعن الرجال غبار قدميك قال‏:‏ قلت‏:‏ يهزأ بي وحق الكعبة‏.‏ فلما وصلت إلى عبد الملك أدناني حتى أدناني عن مجلسي الأول ثم قال‏:‏ يا بن طلحة لعل أحداً شاركك في نصيحتك هذه قلت‏:‏ والله يا أمير المؤمنين ما أعلم أحداً أنصع عندي يداً ولا أعظم معروفاً من الحجاج ولو كنت محابياً أحداً لغرض دنيا لحابيته ولكني آثرت الله ورسوله وآثرتك والمؤمنين عليه قال‏:‏ قد علمت أنك لم ترد الدنيا ولو أردتها لكانت لك في الحجاج ولكن أردت الله والدار الآخرة وقد عزلته عن الحرمين لما كرهت من ولايته عليهما وأعلمته أنك استنزلتني له عنهما استقلالاً لهما ووليته العراقين وما هنالك من الأمور التي لا يدحضها إلا مثله وأعلمته أنك استدعيتني إلى ولايته عليهما استزادة له لألزمه بذلك من حقك ما يؤدي إليك عني أجر نصيحتك فاخرج معه فإنك غير ذام لصحبته‏.‏ فخرجت مع الحجاج وأكرمني أضعاف إكرامه‏.‏ وفود رسول المهلب على الحجاج بقتل الأزارقة أبو الحسن المدائني قال‏:‏ لما هزم المهلب بن أبي صفرة قطري بن الفجاءة صاحب الأزارقة بعث إلى مالك بن بشير فقال له‏:‏ إني موفدك إلى الحجاج فسر فإنما هو رجل مثل وبعث إليه بجائزة فردها وقال‏:‏ إنما الجائزة بعد الاستحقاق وتوجه‏.‏ فلما دخل إلى الحجاج قال له ما اسمك قال‏:‏ مالك بن بشير قال‏:‏ ملك وبشارة كيف تركت المهلب قال‏:‏ أدرك ما أمل وأمن من خاف قال‏:‏ كيف هو بجنده قال‏:‏ والد رءوف قال‏:‏ فكيف جنده له قال أولاد بررة قال‏:‏ كيف رضاهم عنه قال‏:‏ وسعهم بالفضل وأقنعهم بالعدل قال‏:‏ فكيف تصنعون إذا لقيتم عدوكم قال‏:‏ نلقاهم بحدنا فنطمع فيهم ويلقوننا بحدهم فيطعمون فينا قال‏:‏ كذلك الحد إذا لقي الحد قال‏:‏ فما حال قطري قال‏:‏ كادنا ببعض ما كدناه قال‏:‏ فما منعكم من إتباعه قال‏:‏ رأينا المقام من ورائه خيراً من إتباعه قال‏:‏ فأخبرني عن ولد المهل قال‏:‏ أعباء القتال بالليل حماة السرح بالنهار قال‏:‏ أيهما أفضل قال‏:‏ ذلك إلى أبيهم قال‏:‏ لتقولن قال‏:‏ هم كحلقة مضروبة لا يعرف طرفاها قال‏:‏ أقسمت عليك هل روأت في هذا الكلام قال‏:‏ ما أطلع الله على غيبة أحداً فقال الحجاج لجلسائه‏:‏ هذا والله الكلام المطبوع لا الكلام المصنوع‏.‏ وفود جرير على عبد الملك بن مروان لما مدح جرير بن الخطفي الحجاج بن يوسف بشعره الذي يقول فيه‏:‏ أم من يغار على النساء حفيظة إذ لا يثقن بغيرة الأزواج وقوله‏:‏ دعا الحجاج مثل دعاء نوح فأسمع ذا المعارج