ذكر وقت إسلامه

قال أبو جعفر: ذكر أنه أسلم بعد خمسة وأربعين رجلًا وإحدى وعشرين امرأة.
ذكر من قال ذلك
حدثني الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثني محمد بن عبد الله، عن أبيه، قال: ذكرت له حديث عمر، فقال: أخبرني عبد الله بن ثعلبة بن صعير، قال: أسسلم عمر بعد خمسة وأربعين رجلًا وإحدى وعشرين امرأة.
ذكر بعض سيره

حدثني أبو السائب، قال: حدثنا ابن فضيل، عن ضرار، عن حصين المرّي، قال: قالعمر: نما مثل العرب مثل جمل أنفٍ اتبع قائده، فلينظر قائده حيث يقوده؛ فأمّا أنا فوربّ الكعبة لأحملنّهم على الطريق.
وحدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن يونس، عن الحسن، قال: قال عمر: إذا كنت في منزلة تسعني وتعجز عن الناس فوالله ما تلك لي بمنزلة حتى أكون أسوةً للناس.
حدثنا خلّاد بن أسلم، قال: حدثنا النضر بن شميل، قال: أخبرنا قطن، قال: حدثنا أبو يزيد المديني، قال: حدثنا مولىً لعثمان ابن عفان، قال: كنت رديفًا لعثمان بن عفان؛ حتى أتى على حظيرة الصدقة في يوم شديد الحرّ شديد السموم؛ فإذا رجل عليه إزار ورداء، قد لفّ رأسه برداء يطرد الإبل يدخلها الحظيرة؛ حظيرة إبل الصدقة؛ فقال عثمان: من ترى هذا؟ قال: فانتهينا إليه؛ فإذا هو عمر بن الخطاب، فقال: هذا والله القوي الأمين.
حدثني جعفر بن محمد الكوفي وعباس بن أبي طالب؛ قالا: حدثنا أبو زكرياء يحيى بن مصعب الكلبي، قال: حدثنا عمر بن نافع، عن أبي بكر العبسي، قال: دخلت حير الصدقة مع عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب، قال: فجلس عثمان في الظلّ يكتب، وقام على رأسه يملّ عليه ما يقول عمر، وعمر في الشمس قائم في يوم حارّ شديد الحرّ، عليه بردان أسودان؛ متّزرًا بواحد، وقد لفّ على رأسه آخر، يعدّ إبل الصدقة، يكتب ألوانها وأسنانها، فقال علي لعثمان - وسمعته يقول: نعت بنت شعيب في كتاب الله: " يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوى الأمين "، ثم أشار علي بيده إلى عمر، فقال: هذا القوي الأمين! حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا إسماعيل، عن يونس، عن الحسن، قال: قال عمر: لئن عشت إن شاء الله لأسيرنّ في الرعيّة حولًا، فإني أعلم أنّ للناس حوائج تقطع دوني؛ أما عمّالهم فلا يرفعونها إلي؛ وأمّا هم فلا يصلون إلي، فأسير إلى الشأم، فأقيم بها شهرين، ثم أسير إلى الجزيرة فأقيم بها شهرين، ثم أسير إلى مصر فأقيم بها شهرين، ثم أسير إلى البحرين فأقيم بها شهرين، ثم أسير إلى الكوفة فأقيم بها شهرين، ثم أسير إلى البصرة فأقيم بها شهرين، والله لنعم الحول هذا! حدثنى محمد بن عوف، قال: حدثنا أبو المغيرة عبد القدوس بن الحجاج، قال: حدثنا صفوان بن عمرو، قال حدثنى أبو المخارق زهير ابن سالم، أنّ كعب الأحبار، قال: نزلت على رجل يقال له مالك - وكان جارًا لعمر بن الخطاب - فقلت له: كيف بالدخول على أمير المؤمنين؟ فقال: ليس عليه باب ولا حجاب، يصلي الصلاة ثم يقعد فيكلمه من شاء.
حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال حدثنا سفيان، عن يحيى، قال أخبرني سالم، عن أسلم، قال: بعثني عمر بإبل من إبل الصدقة إلى الحمى، فوضعت جهازي على ناقة منها؛ فلما أردت أن أصدرها، قال: اعرضها علي، فعرضتها عليه، فرآى متاعي على ناقة منها حسناء، فقال: لا أم لك! عمدت إلى ناقة تغني أهل بيت المسلمين! فهلّا ابن لبون بوّالًا، أو ناقةً شصوصًا! حدثنى عمر بن إسماعيل بن مجالد الهمدانى، قال: حدثنا أبو معاوية عن أبي حيان، عن أبي الزنباع، عن أبي الدهقانة، قال: قيل لعمر بن الخطاب: إن ها هنا رجلًا من أهل الأنبار له بصر بالديوان؛ لو اتخذته كاتبًا؟! فقال عمر: لقد اتخذت إذًا بطانةً من دون المؤمنين! حدثنى يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: حدثنا عبد الرحمن بن زيد، عن أبيه، عن جدّه، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب الناس، فقال: والذى بعث محمدًا بالحق؛ لو أنّ جملا هلك ضياعًا بشطّ الفرات خشيت أن يسأل الله آل الخطاب. قال أبو زيد: آل الخطاب يعنى نفسه، مايعنى غيرها.
حدثنا ابن المثنى، قال حدثنا ابن أبي عدي، عن شعبة، عن أبي عمران الجوني، قال: كتب عمر إلى أبي موسى: إنه لم يزل للناس وجوه يرفعون حوائجهم؛ فأكرم من قبلك من وجوه الناس، وبحسب المسلم الضعيف من العدل؛ أن ينصف فى الحكم وفى القسم.
وحدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن إدريس، قال: سمعت مطرّفًا عن الشعبي، قال: أتى أعرابي عمر، فقال: إن ببعيري نقبًا ودبرًا فاحملني؛ فقال له عمر، ما ببعيرك نقب ولا دبر، قال: فولى وهو يقول:
أقسم بالله أبو حفص عمر ** ما مسّها من نقبٍ ولا دبرٍ
فاغفر له اللهم إن كان فجر
فقال: اللهم اغفر لي! ثم دعا الأعرابي فحمله.
وحدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا إسماعيل، قال: أخبرنا أيّوب، عن محمد، قال: نبّئت أن رجلًا كان بينه وبين عمر قرابة، فسأله فزبره، وأخرجه فكلم فيه، فقيل: يا أمير المؤمنين؛ فلان سألك فزبرته وأخرجته، فقال: إنه سألني من مال الله؛ فما معذرتي إن لقيته ملكًا خائنًا! فلولا سألني من مالى! قال: فأرسل إليه بعشرة آلاف. وكان عمر رحمه الله إذا بعث عاملًا له على عمل يقول - ما حدثنا به محمد بن المثّنى، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: حدثنا شعبة، عن يحيي بن حضين، سمع طارق بن شهاب يقول: قال عمر فى عماله: اللهم إني لم أبعثهم ليأخذوا أموالهم، ولا ليضربوا أبشارهم، من ظلمه أميره فلا إمرة عليه دوني.
وحدثنا ابن بشار، قال: حدثنا ابن أبي عدي، عن شعبة عن قتادة، عن سالم بن أبي الجعد، عن معدان بن أبي طلحة؛ أنّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب الناس يوم الجمعة، فقال: اللهمّ إني أشهدك على أمراء الأمصار أني إنما بعثتهم ليعلّموا الناس دينهم وسنّة نبيّهم؛ وأن يقسموا فيهم فيئهم، وأن يعدلوا؛ فإن أشكل عليهم شيء رفعوه إلي.
وحدثنا أبو كريب، قال: حدثنا أبو بكر بن عيّاش، قال: سمعت أبا حصين، قال: كان عمر إذا استعمل العمّال خرج معهم يشيّعهم فيقول: إنّي لم أستعملكم على أمة محمد على أشعارهم، ولا على أبشارهم؛ إنما استعملتكم عليهم لتقيموا بهم الصلاة، وتقضوا بينهم بالحق، وتقسموا بينهم بالعدل؛ وإنّي لم أسلّطكم على أبشارهم ولا على أشعارهم؛ ولا تجلدوا العرب فتذلّوها، ولا تجمّروها فتفتنوها، ولا تغفلوا عنها فتحرموها؛ جرّدوا القرآن، وألقّوا الرواية عن محمّد ؛ وأنا شريككم. وكان يقتصّ من عمّاله، وإذا شكي إليه عامل له جمع بينه وبين من شكاه؛ فإن صحّ عليه أمرٌ يجب أخذه به أخذه به.
وحدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، قال: أخبرنا سعيد الجريري، عن أبي نضرة، عن أبي فراس، قال: خطب عمر ابن الخطاب، فقال: يا أيها الناس؛ إني والله ما أرسل إليكم عمّالًا ليضربوا أبشاركم، ولا ليأخذوا أموالكم؛ ولكني أرسلهم إليكم ليعلّموكم دينكم وسنّتكم؛ فمن فعل به شيء سوى ذلك فليرفعه إلي؛ فوالذي نفس عمر بيده لأقصنّه منه. فوثب عمرو بن العاص، فقال: يا أمير المؤمنين؛ أرأيتك إن كان رجل من أمراء المسلمين على رعيّة، فأدّب بعض رعيّته، إنك لتقصّه منه! قال: إي والذي نفس عمر بيده إذًا لأقصّنّه منه، وكيف لا أقصّه منه وقد رأيت رسول الله يقصّ من نفسه! ألا لا تضربوا المسلمين فتذلّوهم، ولا تجمّروهم فتفتنوهم، ولا تمنعوهم حقوقهم فتكفروهم، ولا تنزلوهم الغياض فتضيّعوهم.
وكان عمر رضي الله عنه - فيما ذكر عنه - يعسّ بنفسه، ويرتاد منازل المسلمين، ويتفقّد أحوالهم بيديه.
ذكر الخبر الوارد عنه بذلك
حدثنا ابن بشّار، قال: حدثنا أبو عامر، قال: حدثنا قرّة بن خالد، عن بكر بن عبد الله المزني، قال: جاء عمر بن الخطاب إلى باب عبد الرحمن بن عوف فضربه، فجاءت المرأة ففتحته؛ ثم قالت له: لا تدخل حتى أدخل البيت وأجلس مجلسي، فلم يدخل حتى جلست، ثم قالت: ادخل، فدخل، ثم قال: هل من شيء؟ فأتته بطعام فأكل، وعبد الرحمن قائم يصلّي، فقال له: تجوّز أيّها الرجل؛ فسلم عبد الرحمن حينئذ، ثم أقبل عليه، فقال: ما جاء بك في هذه الساعة يا أمير المؤمنين؟ قال: رفقة نزلت في ناحية السوق خشيت عليهم سرّاق المدينة، فانطلق فلنحرسهم؛ فانطلقا فأتيا السوق، فقعدا على نشزٍ من الأرض يتحدثان، فرفع لهما مصباح، فقال عمر: ألم أنه عن المصابيح بعد النوم! فانطلقا، فإذا هم قوم على شراب لهم، فقال: انطلق فقد عرفته؛ فلما أصبح أرسل إليه فقال: يا فلان، كنت وأصحابك البارحة على شراب؟ قال: وما علمك يا أمير المؤمنين؟ قال: شيء شهدته؛ فقال: أو لم ينهك الله عن التجسّس! قال: فتجاوز عنه.
قال بكر بن عبد الله المزني: وإنّما نهى عمر عن المصابيح، لأن الفأرة تأخذ الفتيلة فترمي بها في سقف البيت فيحترق، وكان إذ ذاك سقف البيت من الجريد.
وحدثني أحمد بن حرب، قال: حدثنا مصعب بن عبد الله الزبيري، قال: حدثني أبي، عن ربيعة بن عثمان، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، قال: خرجت مع عمر بن الخطاب رحمه الله إلى حرّة واقم، حتى إذا كنا بصرار؛ إذا نار تؤرّث؛ فقال: يا أسلم؛ إني أرى هؤلاء ركبًا قصّر بهم الليل والبرد؛ انطلق بنا؛ فخرجنا نهرول حتى دنونا منهم، فإذا امرأة معها صبيان لها، وقدر منصوبة على النار، وصبيانها يتضاغون؛ فقال عمر: السلام عليكم يا أصحاب الضوء - وكره أن يقول: يا أصحاب النار - قالت: وعليك السلام؛ قال: أأدنو؟ قالت: ادن بخير أو دع؛ فدنا فقال: ما بالكم؟ قالت: قصّر بنا الليل والبرد، قال: فما بال هؤلاء الصبية يتضاغون؟ قالت: الجوع، قال: وأي شيء في هذه القدر؟ قالت: ماء أسكّتهم به حتى يناموا، الله بيننا وبين عمر! قال: أيْ رحمك الله، ما يدري عمر بكم! قالت: يتولّى أمرنا ويغفل عنّا! فأقبل علي، فقال: انطلق بنا؛ فخرجنا نهرول؛ حتى أتينا دار الدقيق؛ فأخرج عدلًا فيه كبّة شحم؛ فقال: احمله علي، فقلت: أنا أحمله عنك، قال: احمله علي؛ مرتين أو ثلاثًا، كلّ ذلك أقول: أنا أحمله عنك؛ فقال لي في آخر ذلك: أنت تحمل عني وزري يوم القيامة، لا أمّ لك! فحمّلته عليه؛ فانطلق وانطلقت معه نهرول، حتى انتهينا إليها، فألقى ذلك عندها، وأخرج من الدقيق شيئًا، فجعل يقول لها: ذرّي علي، وأنا أحرّك لك؛ وجعل ينفخ تحت القدر - وكان ذا لحية عظيمة - فجعلت أنظر إلى الدخان من خلل لحيته حتى أنضج وأدم القدر ثم أنزلها، وقال: ابغني شيئًا، فأتته بصحفة فأفرغها فيها، ثمّ جعل يقول: أطعميهم، وأنا أسطّح لك؛ فلم يزل حتى شبعوا، ثم خلّى عندها فضل ذلك، وقام وقمتت معه، فجعلت تقول: جزاك الله خيرًا! أنت أولى بهذا الأمر من أمير المؤمنين! فيقول: قولي خيرًا، إنك إذا جئت أمير المؤمنين وجدتني هناك إن شاشء الله. ثم تنحى ناحية عنها؛ ثم استقبلها وربض مربض السبع، فجعلت أقول له: إنّ لك شأنًا غير هذا، وهو لا يكلمني حتى رأيت الصبية يصطرعون ويضحكون ثم ناموا وهدءوا، فقام وهو يحمد الله، ثم أقبل علي فقال: يا أسلم؛ إنّ الجوع أسهرهم وأبكاهم، فأحببت ألّا انصرف حتى أرى ما رأيت منهم.
وكان عمر إذا أراد أن يأمر المسلمين بشيء أو ينهاهم عن شيء مما فيه صلاحهم بدأ بأهله، وتقدّم إليهم بالوعظ لهم، والوعيد على خلافهم أمره كالذي حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء، قال: حدثنا أبو بكر بن عيّاش، قال: حدثنا عبيد الله بن عمر بالمدينة، عن سالم، قال: كان عمر إذا صعد المنبر فنهى الناس عن شيء جمع أهله، فقال: إني نهيت الناس عن كذا وكذا، وإنّ الناس ينظرون إليكم نظر الطير - يعني إلى اللحم - وأقسم بالله لا أجد أحدًا منكم فعله إلا أضعفت عليه العقوبة.