صفحة 13 من 60 الأولىالأولى ... 3111213141523 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 49 إلى 52 من 239

الموضوع: العقد الفريد/الجزء الثاني/7


  1. #49
    << صديق الدرب >>
    الحالة : الصقرالحنون غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: May 2010
    رقم العضوية: 990
    الدولة: ليبيا
    الإهتمامات: كرة القدم والسباحة والجودو
    العمل: مقاولات في مجال البناء
    المشاركات: 9,840
    معدل تقييم المستوى : 670
    Array

    كتاب الزمردة في المواعظ والزهد ‏

    قال أحمدُ بن محمّد بن عبد ربه‏:‏ قد مضى قولُنا في الأمثال وما تَفَنَنَّوا فيه على كلِّ لسان ومع كلِّ زمان ونحن نبدأ بعوْن اللهّ وتوفيقه بالقَوْل في الزُهد ورجاله المشهورين به ونذكر المُنْتَحَلَ من كلامهم والمواعظَ التي وَعظت بها الأنبياء واْسْتَخْلصها الآباءُ للأبناء وجَرَت بين الحكماءِ والأدباء ومَقاماتِ العُبَّاد بين أيدي الخلفاء‏.‏ فأبلغ المواعظ كلِّها كلام الله تعالى الأعزّ الذي لا يأتيه الباطلُ من بين يدَيْه ولا من خَلْفه تنزيلٌ من حكيم حَميد‏.‏ قال اللهّ تبارك وتعالى‏:‏ ‏"‏ ادْعُ إلى سَبِيل رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَة الْحَسَنَة ‏"‏ إلى آخر السورة‏.‏ وقال جلّ ثناؤه‏:‏ ‏"‏ كيْفَ تَكْفُرًونَ بالله وَكُنْتُم أَمْواتَاَ فَأَحْيَاكُمْ ثَم يُميتُكُمْ ثَمَّ يُحْيِيكُمْ ثَمّ إلَيْه تُرْجَعُون ‏"‏ وقال ‏"‏ أَوَلَمْ يَرَ الِإنْسَان أَنّا خَلقْنَاهُ مِنْ نُطْفةٍ فَإذَا هُوَ خصِيمٌ مبِين ‏"‏ إلى قوله‏:‏ ‏"‏ عَلِيم ‏"‏‏.‏ فهذه أبلغُ الحُجَج وَأَحْكم المواعظ‏.‏ ثم مواعظُ الأنبياء صلواتُ الله عليهم ثم مواعظُ الآباء للأبناء ثمّ مواعظُ الحُكماء والأدباء ثم مَقامات العُبّاد بي أيدي الخُلفاء‏.‏ ثم قولهم في الزُّهد ورجاله المعروفين ثم المَشْهورين من المنتَسِبين إليه‏.‏ والموعظةُ ثقيلةٌ على السمع مُحَرِّجة على النفس بعيدة من القَبول لاعتراضها الشًهوة ومُضَادَّتها الهوى الذي هو ربيع القَلْب ومَرَاد الرُّوح ومَرْبَع اللًهو ومَسْرَح الأماني إلا لَنْ تَرْجِعَ الأنْفًسُ عن غَيها حتى يُرى منها لها واعظ وقالت الحكماء‏:‏ السًعِيد مَن وعِظ بغيره لاَ يَعْنُون مَن وَعظه غيرُه ولكنْ مَن رأى العِبر في غيره فاتِّعظ بها في نفسه‏.‏ ولذلك كان يقول الحَسَن‏:‏ آقْدَعُوا هذه النفوس فإنها طُلَعة وحادثوها بالذِّكر فإنها سريعة الدُثور واعْصُوها فإنها إن أُطِيعت نَزَعَتْ إلى شَرَّ غاية‏.‏ وكان يقول عند انقضاء مجلسه وختْم مَوْعظته‏:‏ يا لها من موْعظة لو صادفت من القلوب حياةً‏.‏ وكان ابن السماك يقول إذا فَرَغ من كلامه‏:‏ أَلْسُنٌ تَصف وقلوب تعرف وأعمال تُخالَف‏.‏ وقال يونُس بن عُبَيد‏:‏ لو أُمِرْنا بالجزَع لَصَبرنا‏.‏ يريد ثِقَل الموعظة على السْمع وجُنوحَ النفس إلى مُخالفتها‏.‏ ومنه قولهم‏:‏ أَحَبُّ شيء إلى الإنسان ما مُنِعَا وقولهم‏:‏ والشيءُ يُرْغَبُ فيه حين يَمْتِنعُ والموعظةُ مانعةٌ لك مما تَشْتهي حاملٌة لك على ما تَكْرَه إلا أن تلْقَاها بِسَمْع قد فَتقَتْه العِبْرة وقلبٍ قدَحَتْ فيهِ الفِكْرَة ونفس لها من عِلْمها زاجر ومن عقلها رادع فيُفْتَح لك بابُ التوبة ويُوَضَحُ لك سبيلُ الإنابة‏:‏ قال النبي ‏:‏ حُفَّت الجنّة بالمكاره وخُفَت النار بالشَهوات‏.‏ يريد أنَ الطريقَ إلى الجنة احتمالُ المكاره في الدنيا والطريقَ إلى النار ركوب وخيرُ الموعظة ما كانت من قائل مخلص إلى سامعِ مُنْصِف‏.‏ وقال بعضهم‏:‏ الكلِمة إذا خَرَجَتْ من القلب وقعَتْ في القلب وإذا خرَجَتْ من اللِّسَان لم تُجَاوز الآذان‏.‏ وقالوا‏:‏ ما أَحْسَن التاجَ‏!‏ وهو على رأس المَلِك أَحْسَنُ وما أَحسن الدُّرَّ‏!‏ وهو على نَحر الفتاة أحسن وما أحسنَ الموعظةَ‏!‏ وهي من الفاضل التَّقِيّ أحسنُ وقال زياد‏:‏ أيها الناسُ لا يَمْنَعكم سوء ما تعلمون منّا أن تَنتَفعوا بأحْسَن ما تسمعون منّا قال الشاعر‏:‏ اعْمَل بقوْلي وَإنْ قَصَّرْتُ في عَمَلي يَنْفَعْكَ قَوْلِي ولا يضْرًرْكَ تَقْصِيري وقال عبدُ الله بن عبّاس‏.‏ ما انتفعَتُ بكلام أحدٍ بعدَ رسول الله ما انتفعتُ بكلامٍ كتبَه إليّ علي بن أبي طالب رضي الله عنه‏.‏ كَتب إليّ‏:‏ أمّا بعد فإن المرءَ يَسره إدراكًُ ما لم يَكُن ليَفوتَه ويسوءُه فَوْتُ ما لم يكن لِيُدْرِكه فَلْيَكن سرورُك بما نِلْتَ من أمر آخرِتك ولْيَكن أسفُك على ما فاتَك منها‏.‏ وما نِلْتَ من أمرِ دُنياك فلا تكن به فَرِحاً وما فاتك منها فلا تَأْسَ عليه جَزَعا وليكن هَمُّك ما بعد الموت‏.‏ ووقَفَ حكيم بباب بعض المُلوك فَحُجب فتلطّف برُقْعة أَوْصَلَها إليه‏.‏ وكتب فيها هذا البيت‏:‏ أَلم تَرَ أَنَّ الفَقْرَ يُرجى له الغِنَى وأَنَ الغِني يُخشى عليه من الفقرِ فلمّا قرأ البيتَ لم يلبث أن انتعل وجَعل لاطئةً على رأسه وخرج في ثوْب فِضَال‏:‏ فقال له‏:‏ واللهّ ما اتّعظتُ بشيء بعد القرآن اتعاظي ببَيْتك هذا ثمّ قضى حوائجه‏.‏
    مواعظ الأنبياء عليهم السلام ‏

    قال أبو بكر أبي شْبَة يرفعه إلى النبي قال‏:‏ يكفي أحدَكم من الدنيا قدرُ زادِ الرَّاكب‏.‏ وقال ‏:‏ ابن آدم اغْتنم خَمْساً قبل خمس‏:‏ شبابَك قبل هَرمك وصِحَّتك قبل سَقَمك وغِناك قبل فَقْرك وفَراغك قبل شُغْلك وحياتَك قبل مَوْتك‏.‏ عبد الله بن سلاًم قال‏:‏ لما قَدِم علينا رسول الله المدينة أتيتُه فلمّا رأيتُ وجهه عَلمْتُ أنّه ليس بوجِه كذّاب فسمعتُه يقول‏:‏ أيها الناسُ أطعِموا الطعامَ وأَفْشوا السلامَ وصلُوا والناسُ نيام‏.‏ وقال عيسى بنُ مرْيِمِ عليه السلام‏:‏ أَلا أُخْبِركم بخيركم مُجالسةً قالوا‏:‏ بلى يا رُوح الله قال‏:‏ مَن تُذكركم باللهّ رؤيتُه ويَزيد في عَمَلكم مِنْطِقُه ويَشُوقكم إلى الجنة عملُه‏.‏ وقال عيسى بن مريم عليهما السلام للحواريين‏:‏ ويلكم يا عَبيد الدُّنيا‏!‏ كيف تُخالف فروعُكم أصولَكم وأهواؤكم عقولَكم قولُكم شِفاءٌ يبرئ الداء وَفِعْلكُم داء لا يقبلُ الدواء لستُم كالكَرْمَة التي حَسُنَ وَرَقها وطابَ ثَمَرُها وَسَهُل مُرْتَقاها ولكنكم كالسَّمُرهَ التي قَلّ وَرَقُها وكثر شَوْكها وصَعُب مُرْتقاها‏.‏ ويلكم يا عَبيدَ الدنيا‏!‏ جعلتم العملَ تحت أقدامكم من شاءَ أخذَه وجعلتم الدنيا فوق رؤوسكم لا يمكن تناوًلها فلا أنتم عبيدٌ نُصحاء ولا أحرارٌ كِرام‏.‏ ويلكم يا أُجَرَاءَ السَّوْء‏!‏ الأجْر تأخذون والعملَ تفْسِدون سوف تَلْقَوْن ما تحذَرون إذا نظر ربُّ العمل في عَمَلِه الذيٍ أفسدتُم وأجرِه الذي أخذتُم‏.‏ وقال عليه السلام للحواريين‏:‏ اتخذوا المساجِدَ بُيُوتاً والبيوتَ منازلَ وكُلُوا بَقْل البرّيّة واشربوا الماءَ القَرَاح وانجُوا من الدنيا سالمين‏.‏ وقال عليه السلام للحواريّيِن‏:‏ لا تنظُروا في أعمال الناس كأنكم أَرْباب



    سأكِونكالِوُرد


    كِلما ينجرحُ "بزخِات مِطِر " يفِوٌحُ عِطِراً ..!







  • #50
    << صديق الدرب >>
    الحالة : الصقرالحنون غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: May 2010
    رقم العضوية: 990
    الدولة: ليبيا
    الإهتمامات: كرة القدم والسباحة والجودو
    العمل: مقاولات في مجال البناء
    المشاركات: 9,840
    معدل تقييم المستوى : 670
    Array

    وَانظروا في أعمالكم كأنكم عَبيد فإنما الناسُ رجلان‏:‏ مُبْتَلًى ومُعافي فارحموا أهلَ البلاء واحمدَوا الله عَلَى العافية‏.‏ وقال عليه السلامُ لهم أيضاً‏:‏ عجَباً لكم تَعْملُون لِلدُّنيا وأنتم تُرزقون فيها بلا عَمل ولا تَعملون للآخرة وأنتم لا تُرْزَقون فيها إلا بعمل‏.‏ وقال يحيى بن زكريا عليه السلام للمُكَذِّبين من بني إسرائيل‏:‏ يا نَسْلَ الأفاعي من دلَكم على الدخول في مَساخط الله المُوبقة لكم ويلكم‏!‏ تَقرًبوا بِعَمَل صالح ولا تَغُرَّنَّكم قرابتكم من إبراهيم ‏"‏ عليه السلام ‏"‏ فإن الله قادر على أن يَسْتخرج من هذه الجنادِل نَسْلاً لإبراهيم‏.‏ إن الفأس قد وُضِعَتْ في أصول الشجر فأَخْلِق بكلِّ شَجَرَة مُرَّة الطَّعم أن تًقْطع وتُلقى في النار‏.‏ وقال شَعْيَاء لبنىِ إسرائيل إذ أنطق الله لسانه بالوَحي‏:‏ إن الدابّة تَزْداد على كثرة الرِّياضة لِيناً وقُلوبَكم لا تَزداد على كثرة المَوْعظة إلاّ قَسْوة إنّ الجَسد إذا صلَح كفاه القليلُ من الطَّعام وإنِّ القَلْب إذا صَحَّ كَفاه القليلُ من الحِكْمة‏.‏ كم من سِرَاج قد أَطْفَأَتْه الرِّيح وكم من عابدٍ قد أفسده العُجْب‏.‏ يا بني إسرائيل اسمعوا قولي فإنّ قائلَ الحِكمة وسامعَها شريكان وأَوْلاهما بها مَن حقَّقها بعمله‏.‏ وقال المسيحُ عليه السلام‏:‏ إنَ أَوْليَاء الله لا خوفٌ عليهم ولا هم يَحْزنون الذين نَظَروا إلى باطن الدُّنيا إذ نَظر الناسُ إلى ظاهرها وإلى اجلها إذ نَظروا إلى عاجلها فأماتُوا منها ما خَشُوا أن يُمِيتهم وتركوا ما علموا أن سَيَترْكهم هم أعداء لما سالم الناسُ وسَلْم لما عادى الناسُ لهم خبرٌ وعندهم الخبر العجيب بهم نَطَق الكِتابُ وبه نَطقوا وبهم عُلِم الهُدى وبه عُلِمُوا لا يَرَوْنَ أماناً دون ما يَرْجون ولا خَوْفاً دون ما يَحْذَرُون‏.‏ وَهْب بن مُنَبِّه‏:‏ قال ‏"‏ قال ‏"‏ داودُ عليه السلام‏:‏ يا رب ابن آدم ليس منه شَعَرة إلا وتحتها لك نِعْمة وفوقها لك نِعْمة فمَن أيْن يُكافئُك بما أعطيتَه فأوْحى الله إليه‏:‏ يا داود إني أًعطي الكثير وأَرْضى من عبادي بالقليل وأَرْضى من شُكْر نِعْمتي بأن يعلم العبدُ أن ما به من نِعْمة فمن عندي لا من عِنْد نفسه‏.‏ ولمّا أمر الله عزً وجلَّ إبراهيم عليه السلامُ أن يَذبح ولده ويجعلَه قُرْباناً أَسرَّ بذلك إلى خليل لهُ يقال له العازر وكان له صديقاً فقال له الصديق‏:‏ إن الله لا يَبْتلى بمثل هذا مِثْلَك ولكنه يريد أن يختَبِرك أو يَخْتبر بك وقد علمتَ أنه لا يبتليك بمثل هذا لِيَفْتنك ولا ليُضلك ولا ليُعْنتك ولا ليَنْقُصَ به بصيرَتك وإيمانَك ويَقينك فلا يَرُوعَنّك هذا ولا يَسُوأَنَ بالله ظنك وإنما رَفع الله اسمك في البلاء عنده على جميع أهل البلايا حتى كنت أعظمَهم مِحْنة في نفسك ووَلدك لِيَرْفعك بقَدر ذلك في المنازل والدرجات والفَضَائل فليس لأهل الصبر في فضيلة الصَبر إلا فضلُ صبْرك وليس لأهل الثواب في فضيلة الثواب إلا فضلُ ثوابك وليس هذا من وُجوه البلاء الذي يَبْتلي الله به أولياءه لأنّ الله أكرمُ في نفسه وأعدل في حكمه وأَرْحم بعباده من أن يجعل ذبح الولد الطيب بيد الوالد النبي المُصْطفي وأنا أعوذ بالله أن يكون هذا منّي حتْماً على الله أو ردَّاً لأمره أو سُخطاً لِحُكمه ولكنْ هذا الرَّجاء فيه والظنُّ به فإن عَزَم ربُّك على ذلك فكُنْ عند أَحْسَن علمه بك فإني أعلمُ أٍنه لم يُعرِّضك لهذا البلاء الجَسيم والخَطْب العظيم إلا لحُسْن عِلْمه بك وصِدْقك وتَصَبرك ليجعلك إماماً ولا حَوْل ولا قوّة إلاّ باللهّ العليّ العظيم‏.‏ من وحي الله تعالى إلى أنبيائه أَوْحى الله عزّ وجلّ إلى نبيّ من أنبيائه‏:‏ إنّي أنا اللهّ مالكُ المُلوك قلوبُ المُلوك بيديِ فمَن أطاعني جعلتُ الملوكَ عليهم رحمةً ومَن عَصاني جعلتُ الملوك عليهم نِقْمةَ‏.‏ ومما أنزل اللَهُ على المسيح ‏"‏ عليه السلام ‏"‏ في الإنجيل‏:‏ شَوَقناكم فلم تشتاقوا ونُحْنا لكم فلم تبكوا‏.‏ يا صاحبَ الخمسين ما قدَمْتَ وما أَخّرْت ويا صاحبَ السِّتين قد دنا حَصادُك ويا صاحبَ السَبْعين هلمّ إلى الحِساب‏.‏ وفي بعض الكُتب القديمة المنزّلة‏:‏ يقول الله عزّ وجل يومَ القيامة‏:‏ يا عِبادي طالما ظَمِئتم وتقلَّصت في الدنيا شِفاهُكم وغارت أعينكم عطَشاً وجُوعاً فكُلُوا واشربوا هَنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية‏.‏ وأوحْى الله تعالى إلى نبيّ من أنبيائه‏:‏ هَبْ لي من قلْبك الخُشوع ومن نَفْسك الخضوع ومن عَينيْك الدموع وسَلْني فأنا القريب المجيب‏.‏ وفي بعض الكتب‏:‏ عَبْدي كم أتحبّب إليك بالنِّعم وتَتبغَّض إلي بالمَعاصي‏!‏ خَيْري إليك نازل وشرُّك إليّ صاعد‏.‏ وأوْحى الله إلى نَبيّ من أنبيائه‏:‏ إن أردتَ أن تَسكن غداً حظيرةَ القُدْس فكُنْ في الدنيا فريداً وحيداً طريداً مهموماً حزيناً كالطير الوُحْدانيّ يَظَلّ بأرض الفَلاة ويَرِدُ ماء العيون ويأكل من أطراف الشجر فإذا جَنَّ عليه الليلُ أَوَى وحدَه استيحاشاَ من الطير واستئناساً بربه‏.‏ ومما أوحى الله إلى موسى في التوراة‏:‏ يا موسى بن عمران يا صاحبَ جبل لُبْنان أنت عَبْدي وأنا الملك الديّان لا تستذلَّ الفقيرَ ولا تَغْبِط الغَنيّ ‏"‏ بشيء يسير ‏"‏ وكُن عند ذكْرى خاشعاً وعند تلاوة وَحْيي طائعاً أسْمِعني لذاذةَ التوراة بصوت حزين‏.‏ وقال وَهْبُ بن مُنَبِّه‏:‏ أوحي اللهّ إلى موسى عند الشجرة‏:‏ لا تُعْجبك زينةُ فِرْعون ولا ما مًتِّع به ولا تَمُدَّنْ إلى ذلك عينَك فإنها زهرة الحياة الدنيا وزينةُ المترَفين ولو شئتُ أن أُوتيك زينة يَعْلِم فرْعون حين ينظر إليها أنّ مقْدِرَتَه تعجِزُ عنها فعلتُ ولكني أرغبتُك عن ذلك وأَزْوَيْته عنك فكذلك أفعل بأوليائي إني لأذودهم عن نعيمها ولذاذتها كما يذًود الراعي الشفيقُ غَنَمه عن مراتع الهَلَكة وإني لأحمِيهم عيشَها وسَلْوَتها كما يَحْمِي الراعي ذَوْده عن مَبَارك العُرّ‏.‏ وذُكر عن وَهْب بن مُنَبّه‏:‏ أنّ يوسف لما لَبِثَ في السجن بِضْع سنين أرسل اللهّ جبريلِ إليه بالبِشارة بخروجه فقال‏:‏ أما تَعْرِفُني أيها الصدِّيق قال يوسف‏:‏ أرى صورةَ طاهرة ورُوحاً طيِّباً لا يُشبِه أرواح الخاطئين قال جِبْريلُ‏:‏ أنا الرُّوح الأمين رسولُ ربّ العالمين قال يوسف‏:‏ فما أَدْخلك مَداخل المُذْنبين وأنت سيِّد المُرسلين ورأسُ المُقَرَّبين قال‏:‏ ألم تَعلم أيها الصِّدَيق أن الله يُطَهَر البيوت بطُهْر النبيين وأن البُقعة التي تكون فيها هي أطهرُ الأرَضين وأَنّ الله قد طهَر بك السجن وما حوله يا بن الطّاهرين قال يوسف‏:‏ كيف تُشَبهني بالصالحين وتسميني بأسماء الصادقين وتَعُدُني مع آبائي المُخلصين وأنا أسير بين هؤلاء المجرمين قال جبريل‏:‏ لم يَكْلَم قلبك الجَزْع ولم يغير خلقك البَلاء ولم يَتعاظَمْكَ السجن ولم تَطَأْ فراشَ سيّدك ولم يُنْسك بلاء الدُّنيا الاخرة ولم يُنْسك بلاء نفسك أباك ولا أبوك ربك وهذا الزَّمان الذي يَفُك الله فيه عُنُقك وَبعتِق فيه رَقَبتك ويبين للناس فيه حِكْمَتَك ويُصَدِّق رؤياك ويُنْصفك ممن ظَلمك ويجمع لك أَحِبَّتك ويهَب لك مُلْك مصر تملك ملوكها وتُعَبِّد جبابرتها وتُصَغر عظماءها وُيذِلُّ لك أَعِزَتها ويُخْدِمُك سُوقَها ويُخَوَلك خَوَلَها ويرحم بك مساكينَها ويُلْقي لك المودّة والهيْبة في قلوبهم ويجعل لك اليد العُليا عليهِم والأثَر الصالح فيهم ويُرى فرعونَ حُلْماً يفزَعُ منه حتى يسهرَ ليلَه ويُذْهبَ نوْمَه ويُعَمَي عليه تفسيرَه وعلى السَّحَرة والكهنة ويُعَلِّمك تأويلَه‏.‏



    سأكِونكالِوُرد


    كِلما ينجرحُ "بزخِات مِطِر " يفِوٌحُ عِطِراً ..!







  • #51
    محظور
    الحالة : kofykofy غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 639
    الدولة: مصر
    المشاركات: 1,849
    الحالة الإجتماعية: متزوج
    معدل تقييم المستوى : 0
    Array



    شكراً صقر باشا
    موضوع جميل


  • #52
    << صديق الدرب >>
    الحالة : الصقرالحنون غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: May 2010
    رقم العضوية: 990
    الدولة: ليبيا
    الإهتمامات: كرة القدم والسباحة والجودو
    العمل: مقاولات في مجال البناء
    المشاركات: 9,840
    معدل تقييم المستوى : 670
    Array

    العقد الفريد/الجزء الثاني/11

    مواعظ الحكماء

    قال عليّ بن أبي طالب كرّم الله وَجْهَه‏:‏ أُوصيكمِ بخَمس لو ضرَبتم عليها آباط الإبل لكان قليلاً‏:‏ لا يَرْجًوَن أحدكم إلا ربّه ولا يخافنَ إلا ذنبه ولا يستحي إذا سُئل عما لا يَعلم أن يقول‏:‏ لا أعلم‏.‏ وإذا لم يعلم الشيء أن يتعلّمه واعلموا أن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد فإذا قُطع الرأس ذهب الجسد‏.‏ وقال أيضاً‏:‏ من أراد الغِنَى بغير مال والكثرةَ بلا عَشية فليتحوَّل من ذُلِّ المَعصية إلى عزِّ الطاعة ‏"‏ أبى الله إلا أن يُذِلّ مَن عصاه‏.‏ وقال الحسنُ‏:‏ مَن خاف اللهّ أخاف اللهّ منه كل شيء ومن خاف الناسَ أخافه الله من كل شيء‏.‏ وقال بعضُهم‏:‏ من عَمِلَ لأخرته كَفَاه الله أمرَ دنياه ومن أصلح ما بينه وبين الله أصلح اللهّ ما بينه وبين الناس ومَن أخلص سريرتَه أخلص الله علانيَته‏.‏ قال العُتْبيّ‏:‏ اجتمعت العربُ والعجم على أربع كلمات‏:‏ قالوا‏:‏ لا تَحْملنّ على قلبك مالا يُطِيق ولا تعملنَّ عملاَ ليس لك فيه مَنْفعة ولا تَثِقْ بامرأة ولا تغتر بمال وإن كثُر‏.‏ وقال أبو بكر الصدِّيق لعُمَر بن الخطّاب رضي الله عنهما عند مَوته حين استخلْفه‏:‏ أُوصيك بتقوى الله إن لله عملاً بالليل لا يَقْبَلُه بالنهار وعملا بالنهار لا يَقْبَله بالليل وإنه لا يقبل نافلة حتى تُؤَدَّى الفرائض وإنما ثَقُلَتْ موِازين مَن ثقُلت موازينهم يومَ القيامة باتباعهم الحقّ وثقَلِه عليهم وحُقّ لميزانٍ لا يُوضعِ فيه إلا الحقُّ أن يكون ثقيلا وإنما خَفّت موازينُ من خَفّت موازينهم يومَ القيامة باْتباعهم الباطل في الدُّنيا وخِفّته عليهمِ وحُقِّ لميزان لا يوضع فيه إلا الباطل أن يكون خفيفاً وإن الله ذَكَر أهلَ الجنَّة فَذكَرهم بأحسن أعمالهم وتجاوَزَ عن سيئاتهم فإذا سمعتَ بهم قُلْت‏:‏ إني أخاف أن لا أكون من هؤلاء وذكرَ أهل النار بأقبح أعمالهم وأمسك عن حَسَناتهم فإذا سمعتَ بهم قلتَ‏:‏ أنا خيرٌ من هؤلاء وذكر آية الرّحمة مع آية العذاب ليكونَ العبدُ راغباً راهباً لا يتمنى على الله غيرَ الحق‏.‏ فإذا حفظت وصيَّتي فلا يكون غائبٌ أحبَّ إليك من الموت وهو آتيك وإن ضيّعْت وصيَّتي فلا يكون غائبٌ أكرَه إليك من الموت ولن تُعْجزه‏.‏ ودخل الحسن بن أبي الحسن على عبد الله بن الأهتم يعوده في مرضه فرآه يُصَوِّب بصره في صُندوق في بيته وُيصَعِّده ثم قال‏:‏ أبا سَعِيد ما تقول في مائة ألف في هذا الصندوق لم أُؤَدِّ منها زكاةً ولم أصِل منها رَحِماً قال‏:‏ ثَكِلَتْكَ أُمك ولمن كنتَ تَجْمعها قال‏:‏ لرَوْعة الزِمان وجَفْوة السلطان ومُكاثرة العَشيرة‏.‏ قال‏:‏ ثم مات فشَهده الحسنُ فلما فَرَغ من دَفْنِه قال‏:‏ انظروا إلى هذا المِسكين أتاه شيطانُه فحذّره رَوْعة زَمانه وجفوة سُلطانه ومُكاثرة عشيرته عما رزقه اللهّ إياه وغَمره فيه انظروا كيف خرج منها مَسْلوباً محروباً‏.‏ ثم التفتَ إلى الوارث فقال‏:‏ أيها الوارث لا تُخْدَعَنّ كما خُدِعَ صوَيْحبك بالأمس أَتاك هذا المال حلالاً فلا يكونن عليك وبالا أتاك عفواً صفواً ممن كان له جمُوعا مَنُوعا من باطل جَمَعه ومن حقً مَنَعه قطع فيه لُجَجَ البِحار ومفاوِزَ القِفار لم تَكْدح فيه بِيَمين ولم يَعْرَق لك فيه جَبين‏.‏ إِنّ يوم القيامة يوم ذو حَسَرَات وإن من أعظم الحسرات غداً أن ترى مالك في ميزان غيرك فيالها عَثَرة لا تُقال وتوبة لا تُنال‏.‏ ووعظَ حكيم قوماً فقال‏:‏ يا قوم استَبْدِلوا العَوَارِيَ بالهِبات تَحْمَدوا العُقْبَى واستقْبِلوا المصائب بالصَبْر تستحِقُّوا النُّعْمَى واستَدِيموا الكَرَامة بالشُّكر تَسْتَوْجبوا الزِّيادة واعرفوا فَضْل البَقاء في النِّعمة والغِنَى في السلامة قبل الفِتْنَة الفاحِشةِ والمَثُلة البينة وانتقال العَمَل وحُلول الأجَل فإنما أنتم في الدُّنيا أَغراض المَنايا وأَوطان البلايا ولن تنالوا نِعْمَة إلا بِفِراق أُخرى ولا يَسْتقبل مُعَمَّر مِنكم يوماً من عُمره إلا بانتقاص آخرَ من أجله ولا يَحيا له أَثر إلا مات له أَثر‏.‏ فأنتم أعوان الحُتُوف على أنفسكم وفي معايشكم أسبابُ مَنَاياكم لا يَمنعكم شيء منها ولا يَشْغَلكم شيء عنها‏.‏ فأنتم الأخْلاف بعد الأسلاف وستكونون أَسلافاً بعد الأخلاف‏.‏ بكل سبيل منكمِ صَرِيعٌٍ مُنْعَفر وقائم يَنْتظر فمن أيّ وجه تَطْلُبون البَقَاء وهذان الليلُ والنهِارُ لم يرْفعا شيئا قَطّ إلا أسرَعا الكرَّة في هَدْمه ولا عقدا أَمراً قطُّ إلاَّ رَجَعا في نقضه‏.‏ وقال أبو الدَّرْداء‏:‏ يا أَهل دمَشق مالكم تَبْنون مالا تسكنون وتأمُلون ما لا تُدرِكون وتَجمعون ما لا تأكلون هذه عادٌ وثمود قد مَلَئُوا ما بين بُصْرَى وعَدَن أموالاً وأولاداً فمن يَشْتري مني ما تركوا بدرهمين وقال ابن شُبْرُمَة‏:‏ إذا كان البَدَن سقيماً لم يَنجع فيه الطعام ولا الشراب وإذا كان القلب مُغْرَماً بِحُبّ الدنيا لم تَنْجِع فيه الموعظة‏.‏ وقال الرًبيع بن خُثَيم‏:‏ أَقْلِل الِكلام إلا من تِسع‏:‏ تكبيرِ وتهليل وتسْبيح وتَحْمِيد وسؤالِكَ الخير وتَعَوّذِك من الشرّ وأمرِكَ بالمعروف ونهْيِكَ عن المُنْكر وقراءتك



    سأكِونكالِوُرد


    كِلما ينجرحُ "بزخِات مِطِر " يفِوٌحُ عِطِراً ..!






  • صفحة 13 من 60 الأولىالأولى ... 3111213141523 ... الأخيرةالأخيرة

    معلومات الموضوع

    الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

    الذين يشاهدون الموضوع الآن: 5 (0 من الأعضاء و 5 زائر)

    المواضيع المتشابهه

    1. العقد الفريد/الجزء الثاني/2
      بواسطة الصقرالحنون في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 3
      آخر مشاركة: 08-04-2010, 01:12 AM
    2. العقد الفريد/الجزء الثاني/1
      بواسطة الصقرالحنون في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 3
      آخر مشاركة: 08-04-2010, 01:08 AM

    الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

    مواقع النشر (المفضلة)

    مواقع النشر (المفضلة)

    ضوابط المشاركة

    • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
    • لا تستطيع الرد على المواضيع
    • لا تستطيع إرفاق ملفات
    • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
    •  
    Untitled-1