صفحة 18 من 25 الأولىالأولى ... 81617181920 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 69 إلى 72 من 100

الموضوع: تجارب أمم المجلد الرابع

العرض المتطور


  1. #1
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 37
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 486
    Array

    فمضى إلى قصر أبي هبيرة يستعدّ هناك واختار محمد بن عبد الله الحسين بن إسماعيل للأنبار ووجّه معه محمد بن رجاء الحصارى وعبد الله بن نصر بن حمزة ورشيد بن كاوس وجماعة من أهل النجدة وأمر للناس برزق أربعة أشهر ممّن يخرج مع الحسين. فامتنع من قدم من الثغور من قبض رزق أربعة أشهر لأنّ أكثرهم كانوا بغير دوابّ وقالوا نحتاج أن نقوّى في أنفسنا ونشتري دوابّ، فوعدهم. ثم أرضوا برزق أربعة أشهر كما بدءوهم.
    ثم أحضر الحسين مع قوّاده الكبار وهم نحو من عشرين قائدا فخلع عليه وقدّمت مرتبته إلى الفوج الثاني وكان في الفوج الرابع وصيّر رشيد على المقدّمة ومحمد بن رجاء على الساقة وخرج الحسين إلى معسكره وأمر وصيف وبغا بتشييعه وأخرج لأهل العسكر من المال ستّة وثلاثون ألف دينار وسار الحسين وكان أهل الأنبار حين تنحّى نجوبة ورشيد وصار الأتراك والمغاربة إلى الأنبار ونادوا:
    « الأمان. » وأمروا بفتح حوانيتهم والتسوّق فيها، اطمأنّوا إلى ذلك منهم وسكنوا وطمعوا في أن يفوا لهم، فأقاموا بذلك يومهم وليلتهم حتى أصبحوا ووافت الأنبار سفن من الرقّة فيها دقيق وأطواف فيها زيت، فأخذوا جميعه وانتهبوا ما وجدوا وأخذوا الإبل والبغال والحمير ووجّهوا بذلك مع من يؤدّيه إلى منازلهم بسرّ من رأى مع رؤوس من قتل من أصحاب رشيد ومن أسروا، وكان الأسارى مائة وعشرين رجلا والرؤوس سبعين رأسا، وسار الحسين وانضمّ إليه نجوبة وكان بقصر ابن هبيرة وسأل لأصحابه مالا، فحمل إلى عسكر الحسين ثلاثة آلاف دينار لأصحاب بجونه وحمل إلى الحسين مال وأطواق وأسورة لمن أبلى وأمدّ بالرجال فجاءه أبو السنا محمد بن عبدوس والجحّاف بن سوادة في ألف فارس وراجل وجند انتخبوا من قيادات شتّى ونزل الحسين بعسكره إلى قريب من دممّا.
    ذكر رأي أشير به عليه صواب

    فأشار عليه رشيد والقوّاد أن ينزل عسكره بذلك الموضع لسعته وحصانته وأن يسير في قوّاده في خيل جريدة. فإن كان الأمر له كان قادرا أن ينقل عسكره، وإن كان عليه انحاز إلى عسكره ثم راجع عدوّه.
    فلم يقبل الرأي وحملهم على المسير من موضعهم ومن الموضعين فرسخان. فلمّا بلغوا الموضع الذي أراد الحسين النزول فيه أمر الناس بالنزول وكانت جواسيس الأتراك في عسكر الحسين فصاروا إليهم فأعلموهم رحيل الحسين، وضيق معسكره الذي نزل به، فوافوهم والناس يحطّون أثقالهم.
    فثار أهل العسكر فكانت بينهم قتلى، ثم حمل أصحاب الحسين عليهم فكشفوهم كشفا قبيحا وقتلوا منهم مقتلة عظيمة وغرق منهم خلق. وكان الأتراك قد كمنوا قوما فخرج الكمين على بقية العسكر فلم تكن لهم همّة إلّا الهرب ولا ملجأ إلّا الفرات. فغرق خلق وقتل جماعة. فأمّا الفرسان فضربوا دوابّهم لا يلوون على شيء والقوّاد ينادونهم يسألونهم الرجعة فلم يرجع أحد. وأبلى محمد بن رجاء ورشيد ونجوبة بلاء حسنا ولم يكن لمن انهزم معقل دون الياسرية على باب بغداد فلم يملك القوّاد أمور أصحابهم فأشفقوا حينئذ على أنفسهم فانثنوا راجعين وراءهم يحمونهم من أدبارهم أن يتبعوا وحوى الأتراك عسكر الحسين. ولقي رجل من التجّار في جماعة ممّن ذهبت أموالهم في عسكر الحسين.
    فقال له:
    « الحمد لله الذي بيّض وجهك أصعدت في اثنى عشر يوما ورجعت في يوم واحد. » فتغافل عنه.
    وأمر ابن طاهر الشاه بن ميكال في صبيحة الليلة التي وافى فيها الحسين أن يتلقاه ويمنعه من دخول بغداد، فلقيه في الطريق فردّه إلى بستان الحروى فأقام يومه. فلمّا كان الليل صار إلى دار ابن طاهر فوبّخه ابن طاهر وأمره بالرجوع إلى الياسرية، ثم أمر بإخراج مال لإعطاء شهر واحد لأهل هذا العسكر، فحملت تسعة آلاف دينار وصار كتاب ديوان العطاء وديوان العرض إلى الياسريّة لعرض الجند وإعطاءهم.
    ونودى ببغداد فيمن يدخلها من الجند الذين في عسكر الحسين أن يلحقوا بالحسين في عسكره وأجّلوا ثلاثة أيّام فمن وجد منهم ببغداد بعد ثالثة ضرب ثلاثمائة سوط وقرض اسمه من الديوان فخرج الناس.
    وأمر خالد بن عمران في الليلة التي قدم فيها الحسين أن يعسكر بأصحابه بالمحوّل ورحل الحسين وكتب إلى خالد بن عمران أن يرحل متقدّما أمامه فامتنع خالد من ذلك وذكر أنّه لا يبرح حتى يأتيه قائد في جند كثيف فيقيم مكانه لأنّه يتخوّف أن يأتيه الأتراك من خلفه من عسكرهم. وصار إلى الحسين رجل فأخبره أنّ الأتراك قد دلّوا على عدّة مواضع من الفرات تخاض إلى عسكره. فأمر بضرب الرجل مائتي سوط ووكّل بمواضع المخاوض رجلا من قوّاده يقال له الحسن بن عليّ بن يحيى الأرمني في مائة فارس ومائة راجل، فطلع أوّل القوم فخرج إليهم وقد أتاه منهم أربعة عشر علما، فقاتل أصحابه ساعة ووكّل بالقنطرة أبا السنا وأمر أن يمنع من انهزم من العبور فأبى الأتراك المخاضة فرأوا الموكّل بها فتركوه واقفا وصاروا إلى مخاضة أخرى من خلف المتوكّل فصبر الحسين بن علي وقاتل وقيل للحسين بن إسماعيل، فقصد نحوه فلم يصل إليه حتى انهزم وانهزم خالد بن عمران ومنعهم أبو السنا من العبور على القنطرة، فرجع الرجّالة والخراسانية فرموا بأنفسهم في الفرات فغرق من لم يكن يحسن السباحة وعبر من كان يحسنها فنجا عريان، وخرج إلى جزيرة لا يصل منها إلى الشاطئ لما عليه من الأتراك.
رد مع اقتباس رد مع اقتباس  


  • #2
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 37
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 486
    Array

    فذكر عن بعض جند الحسين أنّه قال: بعث الحسين بن عليّ الأرمني إلى الحسين بن إسماعيل:
    « إنّ الأتراك قد وافوا المخاضة. » فأتاه الرسول فقال الحاجب:
    « الأمير نائم. » فرجع الرسول فأعلمه فردّ رسولا ثانيا. فقال له الحاجب:
    « الأمير في المخرج. » فرجع فأخبره فردّ رسولا ثالثا فقال:
    « قد خرج من المخرج ونام. »
    وجاءت الصبيحة وعبر الأتراك فقعد الحسين في زورق وانحدر واستأمن قوم من الخراسانية رموا ثيابهم وسلاحهم وقعدوا على الشاطئ عراة وشدّ أصحاب أعلام الأتراك حتى ضربوا أعلامهم على مضرب الحسين واقتطعوا السوق ولحق الأتراك أصحاب الحسين فوضعوا فيهم السيف فقتلوا وأسروا نحوا من مائتين وغرق خلق كثير ووافى الحسين والمنهزمة نصف الليل ووافى فلّهم وبقيّتهم بالنهار وفيهم جرحى كثير وفقد جماعة من القوّاد.
    وورد كتاب أبي الساج بوقعة كانت له مع الأتراك ورئيسهم بايكباك فهزم الأتراك وقتل بايكباك وغرق منهم خلق كثير فحمل إليه محمد بن عبد الله بن طاهر عشرة آلاف دينار صلة ومعونة وخمسة أبواب خلعية وسيف.
    وفي هذه السنة نقبت الأتراك السور الذي عليه أصحاب ابن طاهر من ناحية بغواريا في موضعين ودخلوهما وقاتلهم أصحاب ابن طاهر فهزموهم حتى وافوا باب الأنبار وعليه إبراهيم بن محمد بن مصعب وابن أبي خالد وغيره وهم لا يعلمون بما وراءهم ويقاتلون من بين أيديهم قتالا شديدا. ثم إنّهم علموا بهم فانهزموا لا يلوون على شيء فضرب الأتراك باب الأنبار بالنار فاحترق وأحرقوا ما كان هناك من المجانيق والعرّادات ودخلوا بغداد حتى صاروا إلى باب الحديد من الشارع إلى موضع الدواليب فأحرقوا كلّ شيء قرب من ذلك الموضع من أمامهم ووراءهم ونصبوا أعلامهم وانهزم الناس.
    فركب محمد بن طاهر في السلاح ووافاه القوّاد فوجههم إلى باب الأنبار وباب بغواريا وجميع الأبواب التي في الجانب الغربي وشحنها بالرجال، وركب بغا ووصيف والشاه بن ميكال وتوجّهوا إلى هذه الأبواب. فقتل من الأتراك خلق كثير ووجّه برؤوسهم إلى ابن طاهر وكاثرهم الناس حتى أخرجوهم من بغداد بعد أن قتل منهم خلق كثير. فلمّا انصرفوا وكّل بغا بالباب من يحفظه ووجّه في حمل الآجر والجصّ وأمر بسده.
    وفيها وافى بغداد بالفردك بن ابرنكجيل الأسروشنى فأمر له محمد بن عبد الله بفرض وضمّ إليه رجالا من الشاكرية وأمر أن يعسكر بالكناسة ويجمع مع المظفر بن سيسل بالياسرية في ضبط تلك الناحية ويكون أمرهما واحدا فاختلفا وكتب كلّ واحد منهما يشكو الآخر ويستعفى من المقام بالكناسة فأفرد بالموضع بالفردك وأعفى المظفّر.
    مقتل بالفردك

    وفي آخر ليلة بقيت من شهر رمضان من هذه السنة قتل بالفردك.
    ذكر السبب في ذلك

    كان سبب قتله أنّ أبا نصر ابن بغا لمّا غلب على الأنبار وهزم جيوش ابن طاهر من تلك الناحية فأجلاهم [ عنها ] بثّ خيله ورجاله في أطراف بغداد وصار إلى قصر ابن هبيرة وبها نجوبه بن قيس من قبل ابن طاهر، فهرب منه من غير قتال. ثم صار أبو نصر إلى نهر صرصر واتصل بابن طاهر خبره وخبر وقعة كانت بين أبي الساج والأتراك بجرجرايا وخذلان من معه إيّاه ندب بالفردك إلى اللحاق بأبي الساج والمصير إليه بمن معه، فسار في أصحابه لليلتين بقيتا من شهر رمضان فسار يومه وصبّح المدائن فوافاها مع موافاة الأتراك وبالمدائن أصحاب ابن طاهر، فقاتلهم الأتراك فانهزموا ولحق من فيها من القوّاد بأبي الساج وقاتل قتالا شديدا. فلمّا رأى انهزام من هناك مضى متوجّها نحو أبي الساج فأدرك فقتل وقيل إنّه غرق.
    انهزام الترك في وقعة بغداد

    وفي هذه السنة كانت وقعة عظيمة لأهل بغداد هزموا فيها الأتراك وانتهبوا فيها عسكرهم.
    وكان سبب ذلك أنّ أبواب بغداد كلّها فتحت من الجانبين ونصبت المجانيق والعرّادات في الأبواب كلّها والسيارات في دجلة وخرج منها الجند كلهم وخرج ابن طاهر وبغا ووصيف وتزاحف الفريقان واشتدّت الحرب إلى باب القطيعة، ثم عبروا إلى باب الشمّاسية وقعد ابن طاهر في قبّة ضربت عليه وأقبلت الرماة من بغداد بالناوكية في الزواريق، فربّما انتظم السهم الواحد عدّة منهم فقتلهم فهزم الأتراك وتبعهم أهل بغداد حتى صاروا إلى عسكرهم، فانتهبوا سوقهم وهرب الأتراك على وجوههم لا يلوون على شيء وحملت الرؤوس حتى كثرت. فجعل وصيف وبغا يقولان:
    « كلّما جيء برأس ذهب والله الموالي واتّبعهم أهل بغداد إلى الروذبار. » ووقف أبو أحمد ابن المتوكّل يردّ الموالي ويخبرهم أنّهم إن لم يكرّوا لم يبق لهم بقيّة وأنّ القوم يتبعونهم إلى سرّ من رأى. فتراجعوا وثاب بعضهم وأقبلت العامّة تحزّ رؤوس من قتل وجعل محمد بن عبد الله يطوّق كلّ من جاء برأس ويصله حتى كثر ذلك وبدت الكراهة في وجوه من كان مع بغا ووصيف من الأتراك والموالي للأتراك يقدمها علم أحمر.
    وأقبلت أعلام للحسن بن الأفشين مع الأعلام التي قد استلبه غلام لشاهك فنسي أن ينكسه، فلمّا رأى الناس العلم الأحمر ومن خلفه توهّموا أنّ الأتراك قد رجعوا عليهم فانهزموا وأراد بعض من وقف أن يقتل غلام شاهك، ففهمه ونكس العلم والناس قد ازدحموا منهزمين وتراجع الأتراك إلى معسكرهم ولم يعلموا بهزيمة أهل بغداد، فحملوا عليهم ووضعت الحرب أوزارها فلم تكن بعد ذلك وقعة.


  • #3
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 37
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 486
    Array

    ذكر السبب في ذلك

    كان السبب في ذلك أنّ ابن طاهر كان يكاتب المعتزّ في الصلح. فلمّا كانت هذه الوقعة أنكرت فكتب أنّه لا يعود بعدها.
    ثم أغلقت أبواب بغداد فاشتدّ عليهم الحصار فصاحوا على أبواب ابن طاهر:
    « الجوع، الجوع. » وكان الناس يجتمعون في الجزيرة التي تلقاء دار ابن طاهر ويشتمونه.
    فراسل ابن طاهر المعتزّ في الصلح واضطرب أمر أهل بغداد فوافى من سرّ من رأى حمّاد بن إسحاق بن حمّاد ووجّه مكانه رهينة عنه أبو سعيد الأنصاري، فلقى حمّاد ومحمد بن طاهر فخلا به ولم يذكر ما جرى بينهما.
    ثم انصرف حمّاد إلى عسكر أبي أحمد ورجع أبو سعيد إلى بغداد وأمر ابن طاهر بإطلاق جميع من في الحبوس ممّن كان حبس بسبب ما كان بينه وبين أبي أحمد من الحروب ومعاونته إيّاه فأطلقوا.
    وفي غد هذا اليوم اجتمع قوم من رجّالة الجند وكثير من العامّة. أمّا الجند فطلبوا أرزاقهم وأمّا العامّة فشكت سوء الحال التي هم بها من الضيق وغلاء السعر وشدّة الحصار وقالوا:
    « إمّا خرجت فقاتلت وإمّا تركتنا نمضي في البلاد. » فوعدهم الخروج أو فتح الباب للصلح ورفق بهم ومنّاهم، ثم اجتمع الجند والناس من العوامّ مرّة أخرى، وكان ابن طاهر قد شحن الجزيرة بالخيل وكذلك باب داره والجسر، فحصر الجزيرة بشر كثير فطردوا من كان ابن طاهر رتّبهم فيها.
    ثم صاروا إلى الجسر فطردوا من كان هناك من أصحاب ابن طاهر وصاروا إلى الحبس فمانعهم أبو مالك الموكّل بالمحبس الشرقي فشجّوه وجرجوا دابّتين لأصحابه فدخل داره وخلّاهم فانتهبوا ما في مجلسه. ثم عبر إليهم محمد بن أبي عون فضمن للجند رزق أربعة أشهر فانصرفوا.
    ووجّه أبو أحمد خمس سفائن من دقيق وحنطة وشعير وقتّ إلى ابن طاهر فوصلت إليه، ثم علم الناس بما عليه ابن طاهر من خلعه المستعين وبيعته للمعتزّ ووجّه ابن طاهر قوّاده إلى أبي أحمد حتى بايعوه للمعتزّ فخلع على كلّ واحد منهم أربع خلع، وظنّت العامّة أن الصلح جرى بأنّ الخليفة المستعين وانّ المعتزّ ولى عهده بعده.
    فلمّا كان بعد ذلك خرج رشيد بن كاوس مع قائدين آخرين ووجّهوا إلى الأتراك بأنّه على المصير إليهم ليكون معهم فوافاه من الأتراك زهاء ألف فارس فخرج إليهم على أنّ الصلح قد وقع فسلّم عليهم وعانق من عرف منهم وأخذوا بلجام دابّته ومضوا به وبابنه في إثره. فلمّا كان من الغد صار رشيد إلى باب الشمّاسية وقال حين كلّم الناس:
    « إنّ أمير المؤمنين وأبا أحمد يقرءان عليكم السلام ويقولان لكم: من دخل في طاعتنا قرّبناه ووصلناه ومن أبي ذلك فهو أعلم. » فشتمه العامّة ثم طاف على جميع الأبواب الشرقية بمثل ذلك وهو يشتم في كلّ باب [ ويشتم ] المعتزّ. فلمّا فعل رشيد ذلك علمت العامّة ما عليه ابن طاهر، فمضت إلى الجزيرة التي بحيال دار ابن طاهر فصاحوا به وشتموه أقبح شتم، ثم صاروا إلى بابه ففعلوا مثل ذلك. فخرج إليهم راغب الخادم فحضّهم على ما فعلوا بالمستعين ثم مضى إلى الحظيرة التي فيها الجيش فحضّهم، فصاروا إلى باب ابن طاهر فكشفوا من عليه وردّوهم فلم يبرحوا وقاتلوهم حتى صاروا إلى دهليزه وأرادوا حرق الباب الداخل فلم يجدوا نارا وقد كانوا بالجزيرة الليل كلّه يشتمونه ويتناولونه بالقبيح.
    فذكر عن ابن شجاع البلخي قال: كنت عند الأمير ويحدّثني ويسمع ما يقذف به من كلّ إنسان حتى ذكروا اسم أمّه. فضحك ثم قال:
    « يا با عبد الله والله ما أدري كيف عرفوا اسم أمي. ولقد كان كثير من جواري أبي العباس عبد الله بن طاهر لا يعرفون اسمها » فقلت له:
    « أيّها الأمير ما رأيت أوسع من حلمك. » فقال لي:
    « ما رأيت أوفق من الصبر عليهم، ولا بدّ من ذلك. » فلمّا أصبحوا وافوا الباب وصاحوا وصار ابن طاهر إلى المستعين يسأله أن يطّلع عليهم ويسكنهم ويعلمهم ما هو عليه.
    « فأشرف عليهم من أعلى الباب وعليه البردة والطويلة وابن طاهر إلى جانبه. فحلف لهم بالله: ما أتّهمه وإني لفى عافية، ما عليّ منه باس وأنّه لم يخلع. » ووعدهم أن يخرج في غد وهو يوم الجمعة فيصلّى بهم ويظهر لهم.
    فانصرف عامّتهم بعد قتلى وقعت.
    فلمّا كان يوم الجمعة بكّر الناس بالصياح يطلبون المستعين وانتهبوا دوابّ عليّ بن جهشيار وجميع ما كان في منزله وهرب ولم يزل الناس وقوفا إلى أن ارتفع النهار، فوافى وصيف وبغا وأولادهما وقوّادهما ومواليهما وأخوال المستعين، فصاروا مع الناس جميعا إلى الباب فدخل وصيف وبغا في خاصّتهما ودخل أخوال المستعين معهم إلى الدهليز فوقفوا على دوابّهم وأعلم ابن طاهر بمكان الأخوال فأذن لهم فأبوا وقالوا:
    « ليس هذا يوم نزول عن ظهور دوابّنا إلّا بعد أن نعرف نحن والعامّة حقيقة أمرنا. » فلم تزل الرسل تختلف إليهم وهم يأبون. فخرج إليهم محمد بن عبد الله بنفسه وسألهم النزول والدخول إلى المستعين فأعلموه أنّ العامّة قد ضجّت ممّا يبلغها وصحّ عندها ما أنت عليه من خلع المستعين والبيعة للمعتزّ وإرادتك التهويل ليصير الأمر إليه وإدخال الأتراك والمغاربة بغداد فيحكموا فيهم بحكمه واستراب بك أهل بغداد واتّهموك على خليفتهم وأموالهم وأولادهم وأنفسهم وسألوا إخراج الخليفة إليهم ليروه ويكذّبوا ما بلغهم فيه. فلمّا تبيّن محمد بن عبد الله ذلك الأمر ونظر إلى كثرة اجتماع الناس وضجّتهم سأل المستعين الخروج إليهم فخرج إلى دار العامّة التي كان يدخلها جميع الناس فنصب له فيها كرسيّ وأدخل إليه جماعة من الناس فنظروا إليه.
    ثم خرجوا إلى من وراءهم فأعلموهم صحّته فلم يقنعوا بذلك وعرف ابن طاهر كثرة الناس وأنّهم لا يسكنون فأمر بإغلاق باب الحديد الخارج فأغلق وصار هو وأخواله ومحمد بن موسى المنجّم وغيرهم إلى الدرجة التي تفضى إلى سطوح دار العامّة وخزائن السلاح. ثم نصبت لهم سلاليم على سطوح المسجد الذي يجلس فيه محمد بن عبد الله فأشرف المستعين على الناس وعليه سواد وفوق السواد بردة النّبى ومعه القضيب وتكلّم الناس وكلّمهم وناشدهم وسألهم بحقّ صاحب هذه البردة إلّا انصرفوا، فإنّه في أمن وسلامة ولا بأس عليه من محمد بن عبد الله.
    فسألوه الركوب معهم والخروج من دار محمد بن عبد الله، فإنّهم لا يأمنونه عليه. فأعلمهم أنّه على النقلة منها إلى دار عمّته أمّ حبيب بنت الرشيد بعد أن يصلح له ما ينبغي، وبعد أن تحوّل أمواله وخزائنه وسلاحه وفرشه وجميع ما له في دار محمد. فانصرف الناس وسكن أهل بغداد.
    ولمّا فعل أهل بغداد ما فعلوا من اجتماعهم على ابن طاهر مرّة بعد مرّة وإسماعهم إيّاه المكروه وتقدّم إلى أصحاب المعاون ببغداد بتسخير ما قدروا عليه من الإبل والبغال والحمير لينتقل عنهم وأشيع أنّه يقصد المدائن، فاجتمع إلى بابه مشايخ الحربية والأرباض يعتذرون إليه ويسألونه الصفح ويذكرون أنّ ذلك كان من فعل الغوغاء والسفهاء لسوء الحال التي كانوا عليها من الضرّ. فردّ عليهم ردّا جميلا وأثنى عليهم وصفح عمّا كان منهم وتقدّم إليهم بالتقدّم إلى شبابهم وسفهاءهم والأخذ على أيديهم، وأجابهم إلى ترك النقلة وكتب إلى أصحاب المعاون بترك التسخير.
    وانتقل المستعين من دار محمد بن عبد الله وصار إلى دار رزق الخادم في الرصافة فوصل إليها مساء فأمر للفرسان من الجند حين صار إليها بعشرة دنانير لكلّ فارس وللراجل بخمسة دنانير لكلّ واحد، وركب بركوب المستعين ابن طاهر وبيده الحربة يسير بها بين يديه والقواد خلفه، وأقام مع المستعين ليلة ثم انصرف، ولمّا انتقل المستعين اجتمع الناس والقوّاد وبنو هاشم للمصير إلى ابن طاهر والتسليم عليه وأن يسيروا معه إذا ركب إلى الرصافة. فصاروا إليه وحضر الضحى الأكبر من ذلك اليوم، فركب ابن طاهر وجميع قوّاده في تعبئة وحوله ناشبة رجّالة. فلمّا خرج من داره وقف الناس فعاتبهم ثم حلف لهم أنّه ما أضمر لأمير المؤمنين أعزّه الله ولا لولد له ولا لأحد من الناس سوءا وأنّه ما يريد إلّا إصلاح أحوالهم وما تدوم به النعمة عليهم وأنّهم قد توهّموا عليه ما لم يعرفه حتى أبكى عيون الناس فدعوا له.
    ثم ركب وعبر الجسر فصار إلى المستعين.


  • #4
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 37
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 486
    Array

    وذكر أنّ المستعين كان كارها للنقلة عن دار محمد بن عبد الله ولكنّه انتقل من أجل أنّ الناس ركبوا الزواريق بالنفّاطين ليضربوا روشن ابن طاهر بالنار لما صعب عليه فتح الباب وكان يسمع دائما شتم الناس له وتناولهم عرضه بالقبيح. ثم إنّ قوما وقفوا بباب الشمّاسية من قبل أبي أحمد فطلبوا ابن طاهر ليكلّموه. فكتب صالح إلى وصيف يعلمه خبر القوم ويسأله أن يعلم المستعين ذلك ليأمر فيه بما يرى، فردّ المستعين الأمر فيه إليه وقال:
    « إنّ التدبير في جميع أموره مردود إليه. » فتقدّم فيه محمد بما رأى.
    ولم يزل بعد ذلك أحمد بن إسرائيل والحسن بن مخلد وعبد الله بن يحيى يفتلون في الذروة والغارب ويشيرون على محمد بالصلح. فذكر قوم أنّهم سألوا سعيد بن حميد بعد ذلك بدهر وقالوا:
    « ما ينبغي أن يكون محمد إلّا مداهنا وأنّه كان انطوى على غلّ في أوّل أمره. » فقال: « وددت أنّه كان كذلك، لا والله ما هو إلّا أن هزم أصحابه من المدائن والأنبار حتى توالت الهزائم عليه. » فأجاب القوم بعد أن كان قد جادّهم.
    وحكى أحمد بن يحيى النحوي وكان يؤدّب ولد ابن طاهر: أنّ محمد بن عبد الله لم يزل جادّا في نصرة المستعين حتى أحفظه عبد الله بن يحيى بن خاقان، فقال له:
    « أطال الله بقاءك، إنّ هذا الذي تنصره بجدك وجهدك من أشدّ الناس نفاقا وأخبثهم دينا. والله لقد أمر وصيفا وبغا بقتلك فاستعظما ذلك ولم يفعلاه فإن شككت في ذلك فسل تخبر، ومن ظاهر نفاقه أنّه كان بسرّ من رأي لا يجهر في صلاته ب: بسم الله الرحمن الرحيم، فلمّا صار إليك جهر بها مراءاة لك، ويترك نصرة وليّك وتربيتك وصهرك. » ونحو ذلك من الكلام.
    فقال محمد بن عبد الله:
    « هذا ما يصلح لدين ولا لدنيا. » فكان أوّل ما صدّ محمدا عن الجدّ في أمر المستعين. ثم ظاهر عبد الله بن يحيى على ذلك أحمد بن إسرائيل والحسن بن مخلد حتى صرفوه عن رأيه في نصرة المستعين.
    وركب محمد بن عبد الله يوما إلى المستعين وحضر عدّة من الفقهاء والقضاة. فقال للمستعين:
    « قد كنت فارقتني على أن تنفذ أمري في كلّ ما أعزم عليه، ولك عندي بخطّك رقعة بذلك. » فقال المستعين:
    « أحضر الرقعة. » فأحضرها فإذا فيها ذكر الصلح وليس فيها ذكر الخلع. فقال:
    « نعم أنفذ الصلح. » فقام ابن الجبلي فقال:
    « يا أمير المؤمنين إنّه يسألك أن تخلع قميصا قمّصكه والله عز وجل. » وتكلّم قوم وتكلّم عليّ بن يحيى المنجّم فأغلظ لمحمد بن عبد الله فاحتمله ثم ضرب لمحمد بن عبد الله بباب الشمّاسية مضرب كبير أحمر وخرج مع مائتي فارس ومائتي راجل إلى المضرب، وجاءه أبو أحمد فخرج إليه ودخل معه المضرب ووقف الجند الذين مع كلّ واحد منهما ناحية. فتناظر ابن طاهر وأبوه أحمد طويلا ثم خرجا من المضرب وانصرف ابن طاهر إلى داره في زلال. ثم ركب من داره ومضى إلى المستعين يخبره بما دار بينه وبين أبي أحمد، فأقام عنده إلى العصر ثم انصرف.
    فحكى أنّه فارقه على أن يعطى خمسين ألف دينار ويقطع غلّة ثلاثين ألف دينار في السنة على أن يكون مقامه ببغداد حتى يحمل له مال يعطى الجند وعلى أن يولى بغا مكّة والمدينة والحجاز ووصيف الجبل، ويكون ثلث ما يجيء من المال لمحمد بن عبد الله وجند بغداد والثلثان للموالي والأتراك.
    ثم ركب ابن طاهر في ذي الحجّة من هذه السنة ليناظره في الخلع، فناظره فامتنع عليه، وظنّ المستعين أنّ بغا ووصيفا معه فكاشفاه. فقال المستعين:
    « هذه عنقي والسيف [ والنطع ]. » فلمّا رأى امتناعه انصرف عنه.
    وبعث المستعين إلى ابن طاهر بعليّ بن يحيى وقوم من ثقاته وقال لهم:
    « قولوا: اتّق الله إنّما جئتك لتدفع عني فإن لم تدفع عني فكفّ عني. » فردّ عليه:
    « أمّا أنا فأقعد في بيتي ولكن لا بدّ لك من خلعها طائعا أو مكرها. » وذكر عن عليّ بن يحيى أنّه قال:
    « قل له إن خلعتها فلا بأس عليها فو الله لقد تمزّقت تمزّقا لا ترقع أبدا وما تركت فيها فضلا. »
    إجابة المستعين إلى الخلع

    فلمّا رأى المستعين ضعف أمره ولم يجد ناصرا أجاب إلى الخلع على شريطة أشياء سألها. ولم يقنع المستعين إلّا بخروج ابن كردية إلى المعتزّ وهو من ولد المنصور وجماعة معه من ثقاته، وكان في شروطه أن ينزل مدينة الرسول وأن يكون مضطربه من مكّة إلى المدينة ومن مدينة إلى مكّة. فأجابه إلى ذلك. وكان سبب استجابة المستعين إلى الخلع أنّ وصيفا وبغا وابن طاهر أشاروا عليه بذلك فأغلظ لهم، فقال له وصيف:
    « أنت أمرتنا بقتل باغر فصرنا إلى ما نحن فيه وأنت عرّضتنا لقتل أوتامش وقلت إنّ محمدا ليس بناصح فاقتلوه. » فقال محمد:

  • صفحة 18 من 25 الأولىالأولى ... 81617181920 ... الأخيرةالأخيرة

    معلومات الموضوع

    الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

    الذين يشاهدون الموضوع الآن: 2 (0 من الأعضاء و 2 زائر)

    المواضيع المتشابهه

    1. تجارب أمم المجلد الثالث
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 79
      آخر مشاركة: 06-14-2010, 09:44 PM
    2. تجارب أمم المجلد الثاني
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الثقافة و الأدب و الشعر و القصص والروايات
      مشاركات: 87
      آخر مشاركة: 06-14-2010, 09:53 AM
    3. أربع اخطاء في تذويب الطعام المجمد
      بواسطة أحمد فرحات في المنتدى ملتقى المطبخ والمأكولات والحلويات السورية Syrian food and sweets
      مشاركات: 6
      آخر مشاركة: 06-10-2010, 03:26 AM
    4. انطلاق السباق المحلي السادس بقطر
      بواسطة أحمد فرحات في المنتدى الملتقى الرياضي وكرة القدم Football & Sports Forum
      مشاركات: 0
      آخر مشاركة: 05-11-2010, 12:27 PM
    5. العشى الليلي Night blindness
      بواسطة Dr.Ahmad في المنتدى ملتقى الطلاب السوريين المغتربين في مجال الطب Medical Students
      مشاركات: 1
      آخر مشاركة: 03-11-2010, 01:57 PM

    الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

    مواقع النشر (المفضلة)

    مواقع النشر (المفضلة)

    ضوابط المشاركة

    • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
    • لا تستطيع الرد على المواضيع
    • لا تستطيع إرفاق ملفات
    • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
    •  
    Untitled-1