صفحة 19 من 21 الأولىالأولى ... 91718192021 الأخيرةالأخيرة
النتائج 73 إلى 76 من 81

الموضوع: الأضواء الكاشفة

العرض المتطور


  1. #1
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 37
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 486
    Array

    وذكر أبو رية (ص330) كلمات لبعض المحدثين في ذم أهل الحديث يعنون طلابه، التقطها من كتاب العلم لابن عبد البر، وقد قال ابن عبد البر هناك (2: 125): (وهذا كلام خرج على ضجر، وفيه لأهل العلم نظر). وإيضاح ذلك أن الرغبة في طلب الحديث كانت في القرون الأولى شديدة، وكان إذا اشتهر شيخ ثقة مُعمَّر مكثر من الحديث قصده الطلاب من آفاق الدنيا، منهم من يسافر الشهر والشهرين وأكثر ليدرك ذاك الشيخ، وأكثر هؤلاء الطلاب شبان، ومنهم من لا سعة له من المال إنما يستطيع أن يكون معه من النفقة قدر محدود يتقوت منه حتى يرجع أو يلقى تاجرًا من أهل بلده يأخذ منه الشيء، وكان منهم من كل نفقته جراب يحمله فيه خبز جاف يتقوت كل يوم منه كسرة يبلها بالماء ويجتزئ بها، ولهم في ذلك قصص عجيبة فكان يجتمع لدى الشيخ جماعة من هؤلاء كلهم حريص على السماع منه وعلى الاستكثار ما أمكنه في أقل وقت، إذ لا يمكنه إطالة البقاء هناك لقلة ما يبده من النفقة، ولأنه يخاف أن يموت الشيخ قبل أن يستكثر من السماع منه، ولأنه قد يكون شيوخ آخرون في بلدان أخرى، يريد أن يدركهم ويأخذ عنهم، فكان هؤلاء الشباب يتكاثرون على الشيخ ويلحون عليه ويبرمونه، فيتعب ويضيق بهم ذراعًا، وهو إنسان له حاجات وأوقات يجب أن يسترح فيها وهم لا يدعونه، ومع ذلك فكثير منهم لا يرضون أن يأخذوا من الشيخ سلامًا بسلام بل يريدون اختباره ليتبين له أضابط هو أم لا. فيوردون عليه بعض الأسئلة التي هي مظنة الغلط ويناقشونه في
    210
    بعض الأحاديث ويطالبونه بأن يبرز أصل سماعه، وإذا عثروا للشيخ على خطأ أو سقط أو استنكروا شيئًا من حاله خرجوا يتناقلون ذلك بقصد النصيحة، فكان بعض أولئك الشيوخ إذا ألح عليه الطلبة وضاف بهم ذرعًا أطلق تلك الكلمات (أنتم سخنة عين، ولو أدركنا وإياكم عمر بن الخطاب لأوجعنا ضربا، ما رأيت علمًا أشرف ولا أهلًا أسخف من أهل الحديث. صرت اليوم ليس شيء أبغض إلي من أن أرى واحدًا منهم. إن هذا الحديث يصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون؟ لأنا أشد خوفًا منهم من الفساق) لأنهم يبحثون عن خطئه وزلله ويشيعون ذلك.
    والغريب أن أولئك الطلاب لم يكونوا يدعون هذه الكلمات تذهب، بل يكتبونها ويروونها فيما يروون، فيذكر من يريد عتاب الطلاب وتأديبهم كابن عبد البر، ويهتبلها أبو رية ليعيب بها الحديث وأهله جملة.
    فأما قول الثوري: «أنا في هذا الحديث منذ ستين سنة، وودت أني خرجت منه كفافًا لا علي ولا لي». فهذا كلام المؤمن الشديد الخشية تتضاءل عنده حسناته الكثيرة العظيمة ويتعاظم في نظره ما يخشى أن يكون عرض له من تقصير أو خالطه من عجب، وقد قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب نحو هذا فيما كان له بعد رسول الله من عمل، وإنما كان عمله ذلك جهادًا في سبيل الله وإعلاء دينه وتمكين قواعده وإقامة العدل التام، وغير ذلك من الأعمال الفاضلة، وقد كان فيها كلها أبعد الناس عن حظ النفس، بل كان يبلغ في هضم نفسه وأهل بيته، وكل عارف بالإيمان وشأنه يعرف لكلمة عمر حقها، ولكن الرافضة عكسوا الوضع، وقفاهم أبو رية في كلمة الثوري وما يشبهها!
    وعلق أبو رية على كلمة (لو أدركنا وإياكم عمر بن الخطاب… إلخ) ما تقدم تفنيده في مواضع.
    خاتمة أبي رية

    قال (ص331): (خاتمة…).
    ذكر عبارات لابن خلدون تتلخص في أمور: الأول ذكر من الدواعي إلى الكذب التشيع للمذاهب والتزلف إلى ذوي المراتب. فأقول قد عرف المحدثون هذا وعدة أسباب أخرى أشاروا إليها في البواعث على الوضع، وإنما الفرق بينهم وبين بعض من يتعاطى النقد في عصرنا أن المحدثين علموا أن هذين الداعيين -مثلًا- لا يدعوان إلى الكذب؛ لأنه كذب، وإنما يدعو الأول إلى ما ذكر ما يؤيد المذهب، والثاني إلى ذكر ما يرضي ذا المرتبة،
    211
    وإن كلًا من التأييد والإرضاء ليس وقفًا على الكذب، بل يمكن أن يقع بما هو صدق، إذن فالمخبر بما يؤيد مذهبه أو يرضي رئيسه يجوز مع صرف النظر عن الأمور الأخرى أن يكون صادقًا وأن يكون كاذبًا، فالحكم بأحدهما لوجود الداعي غير سائغ، بل يجب النظر في الأمور الأخرى ومنها الموانع، فإذا وجد داع ومانع وانحصر النظر فيهما تعين الأخذ بالأقوى، وكل من الدواعي والموانع تتفاوت قوته في الأفراد تفاوتًا عظيمًا، فلابد من مراعاة ذلك ومن تدبر هذا علم أنه الحق لا ريب فيه وأنه يرى شواهده في نفسه وفي من حواليه، وعلم أن ما يسلكه بعض متعاطي النقد من أهل العصر في اتهام بعض أفاضل المتقدمين بالكذب لوجود بعض الدواعي عندهم في الجملة تهور مؤسف أما أئمة الحديث فقد عرفوا الرواة وخبروهم وعرفوا أحوالهم وأخبارهم واعتبروا مروياتهم كما تقدم في مواضع منها (ص55، 62) فمن وثقه المتثبتون منهم فمحاولة بعض العصريين اتهامه لأنه كان -مثلًا- يتشيع أو يخالط بني أمية أو نحو ذلك لغو لا يرتضيه العارف البتة، هذا حكم يقبله علماء السنة لهم وعليهم، ألا ترى أن مسلمًا صحح حديث أبي معاوية عن الأعمش عن عدي بن ثابت عن زر قال: (قال علي: «والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي الأمي إلي أن يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلامنافق») ولا أعلم أحدًا طعن فيه، مع أن عدي بن ثابت معروف بالتشيع بل وصفه بعضهم بالغلو فيه، وكان إمام مسجد الشيعة وقاصهم، والبخاري إن لم يخرج هذا الحديث فقد احتج بعدي بن ثابت في عدة أحاديث، ولو كان يتهمه بكذب ما في الرواية لما احتج به البتة.
    الأمر الثاني: ذكر من أسباب الكذب خطأ أن يخطئ المخبر في معرفة حقيقة ما عاين أو سمع، وينقل الخبر بحسب ما اعتقد، أقول: قد عرف المحدثون هذا، ولذلك شرطوا في الراوي أن يكون ضابطًا متثبتًا عارفًا بمعاني الكلام إذا روى بالمعنى، ويختبرون حاله في ذلك باعتبار حديثه كما تقدم (ص55، 62) وغيرهما.
    الأمر الثالث: ذكر من أسباب تلقي الراوي الصدوق خبر الكاذب ونقله له، حسن الظن بالمخبر، وموافقة الخبر لرغبة الراوي وضعف تمحيصه. أقول: وهذا قد عرفه أئمة الحديث، ولذلك لم يعدوا رواية الثقة لخبر عن رجل تصحيحًا ولا توثيقًا.
    212
    الأمر الرابع: ذكر أن الحكم بصحة الخبر لا ينبغي أن يكتفي فيه بثقة الراوي، بل ينبغي أن يتقدم ذلك النظر في طبيعة الخبر وعرضه على أصول العادة، وقواعد السياسة، وطبيعة العمران، والأحوال في الاجتماع الإنساني، ويقاس الغائب على الشاهد، فإذا عرف أنه ممكن نظر في حال الرواة، قال: (أما إذا كان مستحيلًا فلا فائدة للنظر في التعديل والتجريح).
    أقول: وهذا قد عرفه الأئمة، وقدروا كل شيء من هذا قدره. راجع (ص191).
    وقال (ص334) عن ابن خلدون: (فأبو حنيفة رضي الله عنه يقال: بلغت روايته إلى سبعة عشر حديثًا).
    أقول: هذه مجازفة قبيحة وتفريط شائن، أفما كان ابن خلدون يجد عالمًا يسأله؟ الأحاديث المروية عن أبي حنيفة تعد بالمئات، ومع ذلك لم يرو عنه إلا بعض ما عنده؛ لأنه لم يتصدَّ لإسماع الحديث. راجع (ص34)
    قال: (ومالك رحمه الله إنما صح عنده ما في كتاب الموطأ).
    أقول: وهذه مجازفة أخرى، لم يقصد مالك أن يجمع حديثه كله ولا الصحيح منه في الموطأ، إنما ذكر في الموطأ ما رأى حاجة جمهور الناس داعية إليه.
    قال: (وغايتها ثلثمائة حديث أو نحوها).
    أقول: وهذه مجازفة ثالثة، انظر كتاب أبي رية (ص271) حيث ذكر عن الأبهري أنها ستمائة، فأما ما ذكره هناك أن الموطأ كان عشرة آلاف حديث فلم يزل مالك ينقص منه، فقد فنده ابن حزم في إحكامه (2/137).
    وقال أيضًا (إن الصحابة لم يكونوا كلهم أهل فتيا، ولا كان الذين يؤخذ عن جميعهم). [64]
    أقول: قال الإمام الشافعي: «أصحاب النبي كلهم ممن له أن يقول في العلم» راجع ما تقدم (ص42).
    ثم قال أبو رية (ص334-338): (أعظم ما رزئ به الإسلام. قال الأستاذ الإمام محمد عبده…) فذكر أمورًا قد تقدم النظر فيها، وذكر (ص336) قول يحيى القطان: (ما رأيت الصالحين في شيء أكذب منهم في الحديث) ففسر الصالحين بالمرائين، والمعروف عند أهل الحديث أنهم أناس استغرقوا في العبادة والتقشف وغفلوا عن ضبط الحديث، فصاروا يحدثون على التوهم، كأبان بن أبي عياش ويزيد بن أبان الرقاشي وصالح المري وغيرهم.
    وفي آخر (ص337): (أما الأخبار الآحاد فإنما يجب الإيمان بما ورد فيها على من بلغته وصدق بصحة روايتها).
    أقول: ومن لم يصدق فمدار الحكم فيه على المانع له من التصديق، فمن الموانع ما لا يمنع إلا الزائغ، وراجع (ص56).
رد مع اقتباس رد مع اقتباس  


  • #2
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 37
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 486
    Array

    وقال: (ص338) (هل كل من وثقه جمهور المتقدمين يكون ثقة)؟ وذكر في هذه الصفحة إلى (ص344) كلمات لصاحب المنار، منها كلام في كعب الأحبار ووهب بن منبه، وقد تقدم النظر في ذلك (ص67-70) وغيرها. ومنها في نقد المتون: (ومن تعرض له منهم كالإمام أحمد والبخاري لم يوفه حقه كما تراه فيما يورده الحافظ ابن حجر في التعارض بين الروايات الصحيحة له ولغيره).
    أقول: من أنعم النظر في الرواة والمرويات ومساعي أئمة الحديث في الجمع والتنقيب والبحث والتخليص والتمحيص عرف كيف يثني عليهم، وأبقى الله لمن بعدهم ما يتم به الابتلاء وتنال به الدرجات العلى ويمتاز هؤلاء عن هؤلاء، وقد أسلفت (ص161، 188) أن الاستشكال لا يستلزم البطلان. بدليل استشكال كثير من الناس كثيرًا من آيات القرآن، وذكرت في (ص172) أن الخلل في ظن البطلان أكثر جدًا من الخلل في الأحاديث التي يصححها الأئمة المتثبتون.
    قال: (ومنه ما كان يتعذر عليهم العلم بموافقته أو مخالفته للواقع ظاهر حديث أبي ذر عند الشيخين وغيرهما أين تكون الشمس بعد غروبها؟ فقد كان المتبادر منه للمتقدمين أن الشمس تغيب عن الأرض كلها وينقطع نورها عنها مدة الليل إذ تكون تحت العرش تنتظر الإذن لها بالطلوع ثانية).
    أقول: للحديث روايات: إحداها: رواية وكيع عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر «سألت النبي عن قوله تعالى: { وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا } قال: مستقرها تحت العرش» أخرجاه في الصحيحين.
    الثانية في الصحيحين أيضًا من طريق أبي معاوية عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر قال «دخلت المسجد ورسول الله جالس، فلما غابت الشمس قال: يا أبا ذر! هل تدري أين تذهب هذه؟ قال: قلت: الله ورسوله أعلم. قال: فإنها تذهب فتستأذن في السجود فيؤذن لها. وكأنها قد قيل لها: ارجعي من حيث جئت، فتطلع من مغربها»، قال: (ثم قرأ في قراءة عبد الله: وذلك مستقر لها)، لا أدري من القارئ، ولعله إبراهيم التيمي. وظاهر اختلاف سياق الروايتين أنهما حديثان كل منها مستقل عن الآخر، وليس في المرفوع عن هاتين الروايتين ذكر أنها حين تغرب تكون تحت العرش أو في مستقرها.
    وهناك رواية البخاري عن الفريابي عن الثوري عن الأعمش بنحو رواية أبي معاوية إلا أنه قال: («تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن. ». ) ونحوه بزيادة في رواية لمسلم من وجه آخر عن إبراهيم التيمي وقال: («حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة…») فقد يقال: لعل أصل الثابت
    214
    عن أبي ذر الحديثان الأولان، ولكن إبراهيم التيمي ظن اتفاق معناهما فجمع بينهما في الرواية الثالثة، وقد يقال: بل هو حديث واحد اختصره وكيع على وجه، وأبو معاوية على آخر. فالله أعلم
    هذا وجري الشمس هو -والله أعلم- هذا الذي يحسه الناس، فإنه على كل حال هو الذي تطلق عليه العرب (جري الشمس) تدبر، وبحسب ذلك يفهم الحديث. وقال الله تبارك وتعالى: { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ } ومهما يكن هذا السجود فإنه يدل على الانقياد التام، والشمس منقادة لأمر ربها أبدًا، وانحطاطها في رأي العين إلى أسفل أجدر بأن يسمى سجودًا، والمأمور يعمل إذا انقاد، وشأنه الانقياد دائمًا، فشأنه عند توقع أن يؤمر بتركه أن يستأذن.
    فأما طلوعها آخر الزمان من مغربها فرأيت لبعض العصريين كلامًا سأذكره لينظر فيه: ذكر أنه يحتمل أن يحدث الله عز وجل ما يعوق هذه الحركة المحسوسة الدائرة بين الشمس والأرض فتبطئ تدريجًا كما يشعر به ما جاء في بعض الأخبار أن الأيام تطول آخر الزمان، حتى تصل إلى درجة استقرار، ويكون عروض هذا الاستقرار بعد غروبها عن هذا الوجه من الأرض الذي كان فيه النبي ، ثم تنعكس الحركة فتطلع على أهل هذا الوجه من مغربهم. قال: وذاك الموضوع الذي سوف تستقر فيه معين بالنسبة إلى موضعها من الأرض، فيصح أن يكون هو المستقر. قال: وكان الظاهر والله أعلم أن يقال: (تحت الأرض) أي بالنظر إلى أهل الوجه. لكنه عدل إلى (تحت العرش) لأوجه: منها كراهية إثارة ما يستغربه العرب حينئذ من هيأة الخلق مما يؤدي إلى شك وتساؤل واشتغال الأفكار بما ليس من مهمات الدين التي بعث لها الرسل، وقد ذكر بعضهم نحو هذا في قوله تعالى: { يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ }. ومنها أنه إن كان تحت الأرض عند أهل هذا الوجه فهو فوقها عند غيرهم، أما العرش فذاك الموضع والعالم كله تحته، راجع الرسالة العرشية لشيخ الإسلام ابن تيمية، ومنها أنه لما ذكر أنه موضع سجودها كانت نسبة السجود إلى كونه تحت العرش أولى.
    أقول: فلم يلزم مما في الرواية الثالثة من الزيادة غيبوبة الشمس عن الأرض كلها، ولا استقرارها عن الحركة
    215
    كل يوم بذاك الموضع الذي كتب عليها أن تستقر فيه متى شاء ربها سبحانه.
    بحث مع صاحب المنار

    قال (ص339): (…بعد العلم القطعي لا مندوحة لنا عن أحد أمرين، إما الطعن في سند الحديث وإن صححوه؛ لأن رواية ما يخالف القطعي من علامات الوضع عند المحدثين أنفسهم. وأقرب تصوير للطعن فيما اشتهر رواية بالصدق والضبط أن يكون الصحابي أو التابعي منهم سمعه من مثل كعب الأحبار. ونحن نعلم أن أبا هريرة روى عن كعب الأحبار، وكان يصدقه، ونرى الكثير من أحاديثه عنعنة لم يصرح بسماعه من النبي ، ومن القطعي أنه لم يسمع الكثير منها من لسانه لتأخر إسلامه، فمن القريب أن يكون سمع بعضها من كعب الأحبار، ومرسل الصحابي إنما يكون حجة إذا سمعه من صحابي مثله، ومثل هذا يقال في ابن عباس وغيره ممن روى عن كعب الأحبار وكان يصدقه. وإما تأويل الحديث بأنه مروي بالمعنى وأن بعض رواته لم يفهم المراد منه فعبر بما فهمه…).
    أقول: عليه في هذا مؤاخذات:
    الأولى: أن الأمرين اللذين ذكر أنه لا مندوحة عنهما وهما الطعن والتأويل لا يتعينان، بل بقى ثالث وهو التوقف، ويتعين حيث لا يتهيأ للناقد تأويل مقبول ولا طعن معقول.
    الثانية: أنه قدم الطعن على التأويل، والواجب ما دام النظر في حديث ثابت في الصحيحين تقديم التأويل.
    الثالثة: قوله: إن مخالفة القطعي من علامات الوضع، محله إذا تحققت المخالفة، ولم يكن هناك احتمال للتأويل البتة.
    الرابعة: الطعن المعقول هو الذي يتحرى أضعف نقطة في السند، فما باله عمد إلى أقوى من فيه وهو الصحابي، وهو أبو ذر الغفاري، وقد قال النبي : «ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر» ثبت من حديث أمير المؤمنين علي وعدد من الصحابة.
    الخامسة: أن أبا ذر لم ينقل عنه إصغاء إلى كعب، ولا إلى من هو مثل كعب، بل جاء أن كعب قال في مجلس عثمان: «ما أديت زكاته فليس بكنز. فضربه أبو ذر بعصاه. وقال: ما أنت وهذا يا ابن اليهودية؟» أو كما قال. وفي المسند (5: 162) عنه: (لقد تركنا رسول الله وما يتقلب في السماء طائر إلا ذكر لنا منه علمًا) وفي البخاري عنه أنه قال في زمان عثمان: «لا والله أسألهم دينًا ولا أستفتيهم عن دين حين ألقى الله عز وجل» افتراه يستغني عن إخوانه من جلة الصحابة هذا الاستغناء ثم يأخذ عن كعب أو نحوه؟
    216
    السادسة: أن من سمع الصحابة من كعب لم يسمعوا منه إلا بعض ما يخبر به عن صحف أهل الكتاب، ورواية أبي هريرة عن كعب قليلة وكلها من هذا القبيل. وراجع (ص68، 73)
    السابعة: لم يذكر دليلًا على دعواه أن أبا هريرة وابن عباس كانا يصدقان كعبًا، ولا أعلم أنا دليلًا على ذلك، أما إخبارهما عنه ببعض ما يخبر به عن صحف أهل الكتاب فغايته أنهما كانا يميلان إلى عدم كذبه.
    الثامنة: أن الذي عرف للصحابة في قول أحدهم: (قال النبي …) أنه إن لم يكن سماعًا له من النبي فهو سماع له من صحابي آخر ثابت الصحبة كما تقدم (ص115)، وجميع ما ثبت عنهم جملة وتفصيلًا مما فيه ذكر إرسالهم إنما هو هذا أو الدليل الصريح الذي استدلوا به على أن أبا هريرة قد يرسل إنما هو حديثه في «من أصبح


  • #3
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 37
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 486
    Array

    جنبًا فلا يصبح»، وقد بين أنه سمعه من صحابيين فاضلين وهما أسامة بن زيد والفضل بن عباس، مع أنه قلما كان يذكر الحديث بل كان الغالب من حاله أن يفتي بذلك فتوى ولا يذكر النبي . ولا يعلم أحدًا من الصحابة قال في حديث: (قال النبي …) ثم بين أو ذكر مرة أخرى أو تبين بوجه من الوجوه أنه عنده عن تابعي عن صحابي عن النبي . بل يعز جدًا أخذ الصحابي عن تابعي عن صحابي عن النبي ، إنما توجد أمثلة يسيرة جدًا لصغار الصحابة يسندونها على وجهها، راجع (ص 156-157) وكان الصحابي إذا قال: (قال النبي …) كان محتملًا عند السامعين للوجهين كما مر، فأما أن يكون إنما سمعه من تابعي عن صحابي عن النبي فلم يكن عندهم محتملًا، وإذ لم يكن محتملًا فارتكاب الصحابي إياه كذب، وقد برأهم الله تعالى عن الكذب، وأبعد من ذلك أن يكون إنما سمعه من تابعي عن النبي ، وأبعد وأبعد أن يكون التابعي مثل كعب. التاسعة: زعم -مع الأسف- أن هذا أقرب تصوير للطعن، وهو كما ترى أبعد تصوير، بل هو محض الباطل، ولو احتجت إلى الطعن في سند الخبر لأريتك كيف يكون الطعن المعقول بشواهده من كلام الأئمة كابن المديني والبخاري وأبي حاتم وغيرهم، فإن لهم عللًا ليس كل منها قادحة حيث وقعت، ولكنها تقدح إذا وقعت في خبر تحقق أنه منكر، وهذا من أسرار الفن.
    العاشرة: أن هذا الطعن يترتب عليه من المفاسد ما لا يعلمه إلا الله تعالى، وهي المكيدة التي مرت الإشارة إليها (ص201) وإيضاحها قبل ذلك، وكل من التأويل ولو مستكرها والوقف أسلم من هذا الطعن،
    217
    ولو غير السيد رشيد رضا قاله لذكرت قصة المرأة التي اشتكى طفلها ولم تعلم ما شكواه غير أنها نظرت إلى يافوخه يضطرب كما هو شأن الأطفال، فأخذت سكينًا وبطت يافوخه كما يصنع بالدمل… إلى آخر ما جرى.
    الحادية عشر: قوله في أبي هريرة (من القطعي… لتأخر إسلامه) قد تقدم رده (ص156)
    الثانية عشر: لا يخفى حال ما ذكره أخيرًا وسماه تأويلًا.
    وذكر (ص340) الحكايات عن كعب ووهب وقال: (لم يكن يحيى بن معين وأبو حاتم وابنه وأمثالهم يعرفون ما يصح من ذلك وما لا يصح، لعدم اطلاعهم على تلك الكتب).
    أقول: في هذا أمور:
    الأول: أن الأئمة كانوا يعرفون النبي ص وسنته، فبذلك كانوا يعرفون حال كعب ووهب في ما نسباه إلى النبي ص، فإذا وثقوها فمعنى ذلك أنهم عرفوا صدقهما في هذا الباب، وهذا هو الذي يهم المسلمين. فأما ما حكياه عن صحف أهل الكتاب فليس بحجة سواء أصدقا فيها أم كذبا.
    الثاني: تقدم في فصل الإسرائيليات (ص67-95) ما يعلم منه أن غالب ما ينسب إلى كعب لا يثبت عنه، ومر (ص91) أن في كتاب فضائل الشام سبع عشرة حكاية عن كعب لا تثبت عنه ولا واحدة منها. وعسى أن يكون حال وهب كذلك، فمن أراد التحقيق فليتتبع ما يثبت عنهما صريحًا بالأسانيد الصحيحة ثم ليعرضه على كتب أهل الكتاب الموجودة كلها، ويتدبر الأمر الثالث وهو ما تقدم (ص69-72) من تتبع اليهود ما كان موجودًا في العالم عند ظهور الإسلام وبعده إلى مدة من نسخ كتبهم في العالم كله وإتلافها لمخالفتها ما يرضونه من نسخ حديثة أبقوها، مع ما عرف عنهم من استمرار التحريف عمدًا، وانقراض كثير من كتبهم البتة، ثم ليحكم.
    قال: (وإننا نرى بعض الأئمة المجتهدين قد تركوا الأخذ بكثير من الأحاديث الصحيحة…).
    أقول: قد تقدم النظر في هذا (ص35، 178).
    وقال (ص341) في حكايات كعب ووهب: (وما كان منها غير خرافة فقد تكون الشبهة فيه أكبر، كالذي ذكره كعب من صفة النبي ص في التوراة).
    أقول: قد مر الخبر (ص70-71) وأنه ثابت عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن التوراة، ويروى عن عبد الله بن سلام وعن كعب،
    218
    فأما الشبهة التي أشار إليها فلا يكاد يوجد حق لا يمكن أن يحاول مبطل بناء شبهة عليه، فمن التزم أن يتخلى عن كل ما يمكن بناء شبهة عليه أوشك أن يتخلى عن الحق كله.
    وقال: (وإني لا أعتقد صحة سند حديث ولا قول عالم صحابي يخالف ظاهر القرآن، وإن وثقوا رجاله، فرب راوٍ يوثق للاغترار بظاهر حاله وهو سيئ الباطن).
    أقول: قد تقدم (ص14) ما نقله أبو رية عن صاحب المنار قال: (النبي ص مبين القرآن بقوله وفعله، ويدخل في البيان التفصيل والتخصيص والتقييد، لكن لا يدخل فيه إبطال حكم من أحكامه أو نقض خبر من أخباره) وأوضحت ذلك هناك، فإن أراد هنا بقوله: (يخالف ظاهر القرآن) ما لو صح لكان إبطالًا أو نقضًا فذاك، فأما البيان بالتفصيل والتخصيص والتقييد ونحوها فإن يثبت بخبر الواحد بشرطه، وأدلة خبر الواحد ومنها: جريان العمل به في عهد النبي ص وأصحابه، وعمل أهل العلم تشمل هذا ومنها ما هو نص فيه. راجع (ص22، 45، 49). ومما يزيده وضوحًا أن دلالة العموم ونحوه كثيرًا ما تتخلف. وقد قيل: ما من عام إلا وقد خص. وذهب بعضهم إلى أنه خص شيء من العام سقطت دلالته على الباقي. وتخصيص العمومات ثابت في قضايا لا تحصى، فاحتمال القضية له أبين وأوضح وأولى من احتمال لا يمكنك أن تثبته في واقعة واحدة وهو كذب راو وثقه الأئمة المتثبتون وصححوا حديثه محتجين به، ولم يطعن فيه أحد منهم طعنًا بينًا. أما كعب ووهب فليسا من هذا لوجهين: الأول: أنهما ليسا بهذه الدرجة، راجع (ص69-70) الثاني: أنه لم يثبت ما نسبه إليهما من سوء الظن.
    ثم قال أبو رية (ص342): (جل أحاديث الآحاد لم تكن مستفيضة في القرن الأول).
    ونقل عبارة للسيد رشيد رضا في مقدمته لمغني ابن قدامة، وقد تقدم النظر فيها (ص15)، وعبارة السيد رشيد (جل الأحاديث التي يحتج بها أهل الحديث على أهل الرأي والقياسيين من علماء الرواية) ثم قال صاحب المنار: (فعلم بذلك أنها ليست من التشريع العام الذي جرى عليه عمل النبي وأصحابه، وليست مما أمر النبي أن يبلغ الشاهد فيه الغائب…).
    أقول: قد تقدم دفع هذا (ص28-35)، وراجع (ص20-21 وص52).
    219
    ثم حكى كلمات عمن ليس قوله حجة، ولا ذكر حجة، فأعرضت عنها، ومنها ما عزاه إلى كتاب ليس عنده، فليراجع.
    ثم ذكر (ص347-348) آيات من القرآن، وقد تقدم ما يتعلق بذلك (ص13).
    ثم ذكر (ص348) قول ابن حجر في الفتح في الكلام على حديث إيصاء النبي ص بالقرآن (اقتصر على الوصية بكتاب الله لكونه أعظم وأوهم، ولأن فيه تبيان كل شيء إما بطريق النص أو بطريق الاستنباط، فإذا تبع الناس ما في الكتاب عملوا بكل ما أمرهم به).
    كذا صنع أبو رية، وآخر عبارة ابن حجر في الفتح (5: 268) هكذا: (…عملوا بكل ما أمرهم النبي ص به لقوله تعالى: { وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ } الآية…).
    وقال (ص349): (وعن أبي الدرداء مرفوعًا: «ما أحل الله في كتابه فهو حلال، وماحرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عافية…»).


  • #4
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 37
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 486
    Array

    أقول: هذا يرويه إسماعيل بن عياش وهو صدوق عن عاصم بن رجاء بن حيوة وهو صدوق يهم، عن أبيه رجاء، عن أبي الدرداء، ورجاء لم يدرك أبا الدرداء، فالخبر منقطع مع ما في سنده، ولو صح لما كان فيه ما يخالف الحجج القطعية، فقد حرم الله في كتابه معصية رسول الله والمخالفة عن أمره، وأمر بأخذ ما آتى والانتهاء عما نهى. وراجع (ص13).
    ثم ذكر مرسل ابن أبي مليكة، وقول عمر: («وعندنا كتاب الله حسبنا») وقد تقدم النظر فيهما ص (36 و39). قال: (ولما سئلت عائشة عن خلق النبي قالت: «إن النبي كان خلقه القرآن».
    أقول: خلقه يشمل جميع أحواله وأفعاله وأقواله، فرأت عائشة أنه لا يمكنها تفصيل ما تعلم من ذلك كله لذلك السائل، وعلمت أنه يقرأ القرآن وفيه تفصيل كثير من الأخلاق التي كانت من خلق النبي وإجمال الباقي، فأحالته عليه، وقد عاد السائل فسألها عن هدي النبي في أعماله، فأخبرته. وفي ذلك وسائر أحاديث عائشة نفسها ذكر أشياء كثيرة جدًا لا يفهمها الناس من نص القرآن وإنما هي من بيان له بما فيه التفصيل والتخصيص والتقييد ونحو ذلك.
    ثم قال أبو رية: (وقال الأستاذ الإمام محمد عبده رضي الله عنه: إن المسلمين ليس لهم إمام في هذا العصر غير القرآن).
    220
    أقول: ها أنتم تلقبون الشيخ محمد عبده نفسه بهذا اللقب نفسه (الإمام) وتقتدون به، وتترضون عنه كما يُترضى عن الصحابة، مع أنكم كثيرًا ما تذكرون النبي فلا تصلون عليه، وتسيئون القول في الصحابة رضي الله عنهم، وفي كتاب أبي رية كثيرًا من ذلك فكأنكم أردتم له أن تسلبوا أئمة الحق هذا اللقب وتخصوه به. أما القرآن فهو الإمام حقًا، وهو نفسه يثبت الإمامة للنبي ، ثم كل راسخ في العلم والدين مبلغ لأحكام الشرع فإنه إمام، إلا أنه كالمبلغ لتكبيرات إمام الصلاة، وإن بان وقوعه في مخالفة للإمام اتبعنا الإمام دونه.
    وقال: (لا يمكن لهذه الأمة أن تقوم ما دام هذه الكتب فيها).
    أقول: إن أراد جميع الكتب غير القرآن فالواقع أن فيها الحق والباطل، وكثير من الحق الذي فيها إذا فات لا يعوض، فأما الباطل فكما قيل: إن ذهب عير، فعير في الرباط! ومن عرف الحق واتبعه فقد استقام، ولا يضر بعد ذلك أن يعرف أضعاف أضعافه من الباطل.
    وذكر (ص350) أمورًا قد تقدم النظر فيها (ص175-177) وغيرها.
    ثم قال: (… ومن عمل بالمتفق عليه كان مسلمًا ناجيًا).
    أقول: تقدم تفنيد هذا، وبيان ما وقع فيه من الغلط (ص15).
    قال (ص351): (هذه هي سنة الرسول أما إطلاقها على ما يشمل الأحاديث فاصطلاح حادث).
    أقول: تفنيده ص (12).
    ثم قال: (أحاديث الآحاد التي لم يعمل بها جمهور السلف هي محل اجتهاد في أسانيدها ومتونها؛ لأن ما صح منها يكون خاصًا بصاحبه).
    أقول: إن أراد بقوله (صاحبه) من عرف صحته بمعنى أنه ليس له إلزام غيره فسيأتي قريبًا، وإن أراد به الصحابي الذي ورد فيه فإنما يصح هذا حديث يثبت دليل على الخصوصية. وراجع (ص28-35).
    قال: (ومن صح عنده شيء منها رواية ودلالة عمل به، ولا تجعل تشريعًا عامًا تلزمه الأمة إلزامًا تقليدًا لمن أخذ به).
    أقول: على من صح عنده أن يبين ذلك لغيره ويعذره إن خالفه ولم يتبين له عناده أو زيغه، وإلا لزمه أمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى الإمام أن يمنع من يتبين له خطأه من الإفتاء بذلك الخطأ، ويمنع الناس من الأخذ بفتواه، وفي سيرة عمر رضي الله عنه ما يبين هذا.
    221
    ثم ذكر أشياء قد تقدم النظر فيها، إلى أن قال: (وما كل ما لم يصح سنده يكون متنه غير صحيح).
    أقول: وجه ذلك أنه قد يثبت بسند آخر صحيح، لكن لا يخفى أن هذا الاحتمال لا يفيد المتن شيئًا من القوة، غايته أن يقتضي التريث في الجزم بضعفه مطلقًا حتى يبحث فلا يوجد له سند صحيح.
    وذكر أشياء تقدم النظر فيها، إلى أن قال (ص352) (ولم يظهر البخاري ولا غيره من كتب الحديث إلا بعد انقضاء خير القرون).
    أقول: هذا مأخوذ من قدح بعض الملحدين في القرآن بأن المصاحف لم تكن في عهد النبي ص، وكما يقال لهذا: ليس المدار على المصاحف إنما المدار على ما فيها، وقد ثبت أنه القرآن الذي أنزله الله على رسوله ص، فكذلك نقول هنا: الأحاديث التي في صحيح البخاري ثبت أنها كانت معروفة عند خير القرون، وإنما رواها الثقات منهم وعنهم، بل ثبتت بالحجة الشرعية عن النبي ص.
    وقال: (لم يقل أحد من سلف الأمة وأئمة الفقه: إن معرفة الدين تتوقف على الإحاطة بجميع ما رواه المحدثون ولا بأكثرها).
    أقول: لا ريب أن الأحاديث الضعيفة والواهية والمكذوبة لا تتوقف معرفة الدين على الوقوف عليها، ومن الصحيحة ما يروى من عدة طرق قد تبلغ المئتين ويكفي لمعرفة الدين معرفة المتن من طريق صحيحة منها.
    ومنها أحاديث يتفق العدد منها في المعنى أو فيما هو المقصود، كأحاديث تحريم الربا وأحاديث التشهد، ويكفي لمعرفة الدين معرفة واحد منها.
    ومنها أحاديث يوجد في كتاب الله عز وجل ما يفيد معناها، ويكفي لمعرفة الدين معرفة تلك الدلالة على القرآن.
    وبعد هذا كله فمعرفة الدين ليست أمرًا لا يزيد ولا ينقص، وقد علمنا أن الشريعة لم توجب أن يكون كل مسلم عالمًا، وإنما أوجبت على الأمة أن يكون فيها علماء بقدر الكفاية يرجع إليهم العامة في كل ما يعرض لهم، ولم توجب على العالم أن يكون محيطًا بالدين، بل كما أن العامي يستكمل ما يحتاج إليه بسؤال العلماء فكذلك العالم يستكمل ما يخفى عنه أو يشكل عليه بمراجعة غيره من العلماء وراجع (ص32-33).
    قال: (قال البيضاوي في حديث: «لا وصية لوارث»: والحديث من الآحاد، وتلقي الأمة له بالقبول لا يلحقه بالمتواتر).
    222
    أقول: هذا رأي البيضاوي، فإذا خالفه غيره فالمدار على الحجة. وهكذا كل ما يحكيه أبو رية عن فلان وفلان، ومن تدبر آيات المواريث علم أنها تفيد معنى هذا الحديث.
    ثم ذكر قضايا قد تقدم النظر فيها، إلى أن قال: (ص353): (رب راو هو موثوق به عند عبد الرحمن بن مهدي ومجروح عند يحيى بن سعيد القطان، وبالعكس، وهما إمامان عليهما مدار النقد في النقل، ومن عندهما يتلقى معظم شأن الحديث).
    أقول: الغالب اتفاقهما، والغالب فيما اختلفا فيه أن يستضعف يحيى رجلًا فيترك الحديث عنه، ويرى عبد الرحمن أن الرجل وإن كان فيه ضعف فليس بالشديد، فيحدث عنه، ويثنى عليه بما وافق حاله عنده، وقد قال تلميذهما ابن المديني: (إذا اجتمع يحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي على ترك رجل لم أحدث عنه، فإذا اختلفا أخذت بقول عبد الرحمن لأنه أقصدهما وكان في يحيى تشدد) والأئمة الذين جاءوا بعدهما لا يجمدون على قولهما بل يبحثون وينظرون ويجتهدون ويحكمون بما بان لهم، والعارف الخبير الممارس لا يتعذر عليه معرفة الراجح فيما اختلف فيه من قبله، وعلى فرض أننا لم نعرف من حال راو إلا أن يحيى تركه وأن عبد الرحمن كان يحدث عنه، فمقتضى ذلك أنه صدوق يهم ويخطئ فلا يسقط ولا يحتج بما ينفرد به.
    قال: (إن ما كان قطعي الدلالة في النصوص فهو الشرع العام الذي يجب على جميع المسلمين اتباعه عملًا وقضاء، وإن ما كان ظني الدلالة موكول إلى اجتهاد الأفراد في التعبدات والمحرمات، وإلى أولي الأمر في الأحكام القضائية: إن ما كانت دلالته على التحريم من النصوص ظنية غير قطعية لا يجعل تشريعًا عامًا تطالب به كل الأمة، وإنما يعمل فيه كل أحد باجتهاده، فمن فهم منه الدلالة على تحريم شيء امتنع منه، ومن لم يفهم منه ذلك جرى فيه على أصل الإباحة).
    أقول: قد تقدم النظر في نظرية (دين عام ودين خاص) (ص9، 14-15، 28-34، 100) قريبًا (ص220-221) وكذلك حال الاجتهاد والمجتهد.
    هذا والأدلة القطعية تبين أن الواجب على كل مسلم طاعة الله ورسوله ما استطاع، فما ثبت بدليل قطعي المتن والدلالة أو ظنيهما أو قطعي أحدهما ظني الآخر، وإن على
    223
    العامي العمل بما يعلمه من الشريعة قطعًا أو ظنًا، والرجوع فيما يجهله إلى العلماء الموثوق بعلمهم ودينهم، فإذا أفتاه أحدهم بأمر لزمه العمل به سواء أكان قطعيًا أو ظنيًا، فإن اختلف عالمان فقد قال الله تبارك وتعالى: { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } فعلى العامي أن يتحرى أقرب الأمرين إلى طاعة الله وطاعة رسوله، وإذا علم الله تعالى حرصه على طاعته سبحانه فلابد أن يهيئ له من أمره رشدًا.

  • صفحة 19 من 21 الأولىالأولى ... 91718192021 الأخيرةالأخيرة

    معلومات الموضوع

    الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

    الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

    المواضيع المتشابهه

    1. الجزيرة يقيل مدربه العراقي عماد توما رغم بقاء الفريق بدوري الأضواء
      بواسطة Mgtrben Sport في المنتدى الملتقى الرياضي وكرة القدم Football & Sports Forum
      مشاركات: 0
      آخر مشاركة: 05-13-2010, 02:30 AM
    2. «أصيلة» الإماراتي يخطف الأضواء في مهرجان سينما الأطفال
      بواسطة سوسن في المنتدى ملتقى إستراحة المغترب Forum rest expatriate
      مشاركات: 0
      آخر مشاركة: 03-11-2010, 03:46 AM

    الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

    مواقع النشر (المفضلة)

    مواقع النشر (المفضلة)

    ضوابط المشاركة

    • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
    • لا تستطيع الرد على المواضيع
    • لا تستطيع إرفاق ملفات
    • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
    •  
    Untitled-1