صفحة 8 من 21 الأولىالأولى ... 67891018 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 29 إلى 32 من 84

الموضوع: تاريخ الرسل والملوك(للطبري)1-

العرض المتطور


  1. #1
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 37
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 486
    Array

    قال: وكان بنو أميم بن لاوذ بن سام بن نوح أهل وبار بأرض الرمل، رمل عالج، وكانوا قد كثروا بها وربلوا، فأصابهم من الله عز وجل نقمة من معصية أصابوها، فهلكوا وبقيت منهم بقية، وهو الذين يقال لهم النسناس.
    قال: وكان طسم بن لاوذ ساكن اليمامة وما حولها، قد كثروا بها وربلوا إلى البحرين، فكانت طسم والعماليق وأميم وجاسم قومًا عربًا، لسانهم الذي جبلوا عليه لسان عربي. وكانت فارس من أهل المشرق ببلاد فارس، يتكلمون بهذا اللسان الفارسي.
    قال: وولد إرم بن سام بن نوح عوص بن إرم، وغاثر بن إرم، وحويل بن إرم. فولد عوص بن إرم غاثر بن عوص وعاد بن عوص، وعبيل ابن عوص. وولد غاثر بن إرم ثمود بن غاثر، وجديس بن غاثر. وكانوا قومًا عربًا يتكلمون بهذا اللسان المضري، فكانت العرب تقول لهذه الأمم: العرب العاربة، لأنه لسانهم الذي جبلوا عليه، ويقولون لبني إسماعيل بن إبراهيم: العرب المتعربة، لأنهم إنما تكلموا بلسان هذه الأمم حين سكنوا بين أظهرهم. فعاد وثمود والعماليق وأميم وجاسم وجديس وطسم هم العرب، فكانت عاد بهذه الرمل إلى حضرموت واليمن كله، وكانت ثمود بالحجر بني الحجاز والشام إلى وادي القرى وما حوله، ولحقت جديس بطسم، فكانوا معهم باليمامة وما حولها إلى البحرين، واسم اليمامة إذ ذاك جو، وسكنت جاسم عُمان فكانوا بها.
    وقال غير ابن إسحاق: إن نوحًا دعا لسام بأن يكون الأنبياء والرسل من ولده، ودعا ليافث بأن يكون الملوك من ولده، وبدأ بالدعاء ليافث وقدمه في ذلك على سام، ودعا على حام بأن يتغير لونه، ويكون ولده عبيدًا لولد سام ويافث.
    قال: وذكر في الكتب أنه رق على حام بعد ذلك فدعا له بأن يرزق الرأفة من إخوته، ودعا من ولد ولده لكوش بن حام ولجامر بن يافث بن نوح، ذلك أن عدة من ولد الولد لحقوا نوحًا فخدموه، كما خدمه ولده لصلبه، فدعا لعدة منهم.
    قال: فولد لسام عابر وعليم وأشوذ وأرفخشد ولاوذ وإرم، وكان مقامه بمكة. قال: فمن ولد أرفخشد الأنبياء والرسل وخيار الناس، والعرب كلها، والفراعنة بمصر. ومن ولد يافث بن نوح ملوك الأعاجم كلها من الترك والخزر وغيرهم، والفرس الذي آخرُ من ملك منهم يزدجرد بن شهريار بن أبرويز، ونسبه ينتهي إلى جيومرت بن يافث بن نوح!
    قال: ويقال إن قومًا من ولد لاوذ بن سام بن نوح وغيره من إخوته نزعوا إلى جامر هذا، فأدخلهم جامر في نعمته وملكه، وأن منهم ماذي بن يافث، وهو الذي تنسب السيوف الماذية إليه. قال: وهو الذي يقال إن كيرش الماذوي قتل بلشصر بن أولمرودخ بن بختنصر من ولده.
    قال: ولد حام بن نوح، النوبة، والحبشة، وفزان، والهند والسند، وأهل السواحل في المشرق والمغرب.
    قال: ومنهم نمرود، وهو نمرود بن كوش بن حام.
    قال: وولد لأرفخشد بن سام ابنة قينان، ولا ذكر له في التوراة، وهو الذي قيل أنه لم يستحق أن يذكر في الكتب المنزلة، لأنه كان ساحرًا، وسمى نفسه إلهًا، فسيقت المواليد في التوراة على ارفخشد بن سام ثم على شالخ بن فقنان بن أرفخشد من غير أن يذكر قينان في النسب، لما ذكر من ذلك.
    قال: وقيل في شالخ: إنه شالخ بن أرفخشد من ولد لقينان. وولد لشالخ عابر. وولد لعابر ابنان: أحدهما فالغ، ومعناه بالعربية قاسم - وإنما سمي بذلك لأن الأرض قسمت والألسن تبلبلت في أيامه - وسمي الآخر قحطان.
    فولد لقحطان يعرب ويقطان ابنا قحطان بن عابر بن شالخ، فنزلا أرض اليمن، وكان قحطان أول من ملك اليمن، وأول من سلم عليه " أبيت اللعن "، كما كان يقال للملوك. وولد لفالغ بن عابر أرغوا - وولد لأرغوا ساروغ، وولد لساروغ ناحورا، وولد لنا حورا تارخ - واسمه بالعربية أزر - وولد لتارخ إبراهيم صلوات الله عليه. وولد لأرفخشد أيضًا نمرود بن أرفخشد، وكان منزله بناحية الحجر. وولد للاوذ بن سام طسم وجديس، وكان منزلهما اليمامة.
    وولد للاوذ أيضًا عمليق بن لاوذ، وكان منزله الحرم وأكناف مكة، ولحق بعض ولده بالشام، فمنهم كانت العماليق، ومن العماليق الفراعنة بمصر.
    وولد للاوذ أيضًا أميم بن لاوذ بن سام، وكان كثير الولد، فنزع بعضهم إلى جامر بن يافث بالمشرق. وولد لإرم بن سام عوص بن إرم، وكان منزله الأحقاف. وولد لعوص عاد بن عوص.
    وأمام حام بن نوح، فولد له كوش ومصرايم وقوط وكنعان، فمن ولد كوش نمرود المتجبر الذي كان ببابل، وهو نمرود بن كوش بن حام، وصارت بقية ولد حام بالسواحل من المشرق والمغرب والنوبة والحبشة وفزان.
    قال: ويقال: إن مصرايم ولد القبط والبربر، وإن قوطًا صار إلى أرض السند والهند فنزلها، وإن أهلها من ولده.
    وأما يافث بن نوح فولد له جامر وموعج وموادي وبوان وثوبال وماشج وتيرش. ومن ولد جامر ملوك فارس. ومن ولد تيرش الترك والخزر. ومن ولد ماشج الأشبان. ومن ولد موعج يأجوج ومأجوج، وهم في شرقي أرض الترك والخزر. ومن ولد بوان الصقالبة وبرجان والأشبان، كانوا في القديم بأرض الترك والخزر. ومن ولد بوان الصقالية وبرجان والأشبان، كانوا في القديم بأرض الروم قبل أن يقع بها من وقع من ولد العيص وغيرهم، وقصد كل فريق من هؤلاء الثلاثة: سام وحام ويافث أرضًا، فسكنوها ودفعوا غيرهم عنها.
    حدثني الحارث بن محمد، قال: حدثنا محمد بن سعد، قال: أخبرنا هشام بن محمد عن أبيه: قال: الهند والسند بنو توقير بن يقطن بن عابر بن شالخ ابن أرفخشد بن سام بن نوح. ومكران بن البند، وجرهم، اسمه هذرم بن عابر بن سبأ بن يقطن بن عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح. وحضرموت بن يقطن بن عابر بن شالخ. ويقطن هو قحطان بن عابر بن شالخ ابن أرفخشد بن سام بن نوح، في قول من نسبة إلى غير إسماعيل. والفرس بنو فارس بن تيرش بن ناسور بن نوح. النبط بنو نبيط بن ماش ابن إرم بن سام بن نوح. وأهل الجزيرة والعال من ولد ماش بن إرم بن سام ابن نوح. وعمليق - وهو عريب - وطسم وأميم بنو لوذ بن سام بن نوح وعمليق هو أبو العمالقة، ومنهم البربر وهم بنو ثميلا بن مارب بن فاران بن عمرو بن عمليق بن لوذ بن سام بن نوح، ما خلا صنهاجة وكتامة، فإنهما بنو فريقيش بن قيس بن صيفي بن سبأ.
    ويقال: إن عمليق أول من تكلم بالعربية حين ظعنوا من بابل، فكان يقال لهم ولجرهم: العرب العاربة، وثمود وجديس ابنا عابر بن إرم بن سام ابن نوح، وعاد وعبيل ابنا عوص بن إرم بن سام بن نوح، والروم بنو لنطي ابن يونان، وبن يافث بن نوح. ونمرود بن كوش بن كنعان بن حام بن نوح وهو صاحب بين، وهو صاحب إبراهيم خليل الرحمن صلى الله عليه.
    قال: وكان يقال لعاد في دهرهم عادُ إرم، فلما هلكت عاد قيل لثمود إرم، فلما هلكت ثمود قيل لسائر بني إرم: إرمان، فهم النبط، فكل هؤلاء كان على الإسلام وهم ببابل، حتى ملكهم نمرود بن كوش بن كنعان بن حام بن نوح، فدعاهم إلى عبادة الأوثان ففعلوا، فأمسوا وكلامهم السريانية، ثم أصبحوا وقد بلبل الله ألسنتهم، فجعل لا يعرف بعضهم كلام بعض، فصار لبني سام ثمانية عشر لسانًا، ولبني حام ثمانية عشر لسانًا، ولبني يافث ستة وثلاثون لسانًا، ففهم الله العربية عادًا وعبيل وثمود وجديس وعمليق وطسم وأميم وبني يقطن بنعابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح.
    وكان الذي عقد لهم الألوية ببابل بوناظر بن نوح، وكان نوح فيما حدثني الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: أخبرني هشام، قال: أخبرني أبي عن أبي صالح عن ابن عباس: تزوج امرأة بني قابيل، فولدت له غلامًا، فسماه بوناظر، فولده بمدينة بالمشرق يقال لها معلون شمسا، فنزل بنو سام المجدل سرة الأرض، وهو ما بين ساتيدما إلى البحر، وما بين اليمن إلى الشام، وجعل الله النبوة والكتاب والجمال والأدمة والبياض فيهم. ونزل بنو حام مجرى الجنوب والد بور، ويقال لتلك الناحية الداروم، وجعل الله فيهم أدمة وبياضًا قليًا، وأعمر بلادهم وسماءهم، ورفع عنهم الطاعون، وجعل في أرضهم الأئل والأراك والعثر والغار والنخل، وجرت الشمس والقمر في سمائهم. ونزل بنو يافث الصفون مجرى الشمال والصبا، وفيهم الحمرة والشقرة، وأخلى الله أرضهم فاشتد بردها، وأخلى سماءهم، فليس يجري فوقهم شيء من النجوم السبعة الجارية، لأنهم صاروا تحت بنات نعش والجدي والفرقدين، فابتلوا بالطاعون. ثم لحقت عاد بالشحر، فعليه هلكوا بواد يقال له مغيث فلحقتهم بعد مهرةُ بالشحر. ولحقت عبيل بموضع يثرب، فأخروجوا منها عبيل، فنزلوا موضع الجحفة، فأقبل السيل فأجتحفهم فذهب بهم فسميت الجحفة. ولحقت ثمود بالحجر وما يليه فهلكوا ثم، ولحقت طسم وجديس باليمامة فهلكوا، ولحقت أميم بأرض أبار فهلكوا بها، وهي بني اليمامة والشحر، ولا يصلُ إليها اليوم أحد، غلبت عليها الجن. وإنما سميت أبار بأبار بن أميم. ولحقت بن يقطن بنو عابر باليمن، فسميت اليمن حيث تيامنوا إليها، ولحق قوم من بني كنعان بالشأم فسميت الشأم حيث تشاءموا إليها، وكانت الشأم يقال لها أرض بني كنعان، ثم جاءت بنو إسرائيل فقتلوهم بها، ونفوهم عنها، فكانت الشأم لبني إسرائيل، ثم وثبت الروم على بني إسرائيل فقتلوهم، وأجلوهم إلى العراق إلا قليلًا منهم، ثم جاء العرب فغلبوا على الشأم، وكان فالغ وهو فالغ بن عابر بن أرفخشد بن سام بن نوح - هو الذي قسم الأرض بين بني نوح كما سمينا.
    وأما الأخبار عن رسول الله وعن علماء سلفنا في أنساب الأمم التي هي في الأرض اليوم، فعلى ما حدثني أحمد بن بشير بن أبي عبد الله الوراق، قال: حدثنا يزيد بن زريع، عن سعيد، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة، قال: قال رسول الله : " سام أبو العرب، ويافث أبو الروم، وحام أبو الحبش ".
    حدثني القاسم بن بشر بن معروف، قال: حدثنا روح، قال: حدثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة. عن الحسن، عن سمرة بن جندب، عن النبي صلى الله عليه وسمل، قال: " ولد نوح ثلاثة: سام وحام ويافث، فسام أبو العرب، وحام أبو الزنج، ويافث أبو الروم ".
    حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا عباد بن العوام، عن سعيد، قتادة، عن الحسن، عن سمرة، قال: قال رسول الله : " سام أبو العرب، ويافث أبو الروم، وحام أبو الحبش ".
    حدثني عبد الله بن أبي زياد، قال: حدثني روح، قال: حدثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة، عن النبي ، قال: " ولد نوح سام وحام ويافث ". قال عبد الله: قال روح: أحفظ يافث، وسمعت مرة يافت.
    وقد روي هذا الحديث عن عبد الأعلى بن عبد الأعلى، عن سعيد، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة وعمران بن حصين، عن النبي .
    حدثني عمران بن بكار الكلاعي قال: حدثنا أبو اليمان، قال: حدثنا إسماعيل بن عياش، عن يحيى بن سعيد، قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: ولد نوح ثلاثة، وولد كل واحد ثلاثة: سام، حام، ويافث.
    فولد سام العرب وفارس والروم، وفي كل هؤلاء خير. وولد يافث الترك والصقالبة ويأجوج ومأجوج، وليس في واحد من هؤلاء خير، وولد حام القبط والسودان والبربر.
    وروي عن ضمرة بن ربيعة، عن ابن عطاء، عن أبيه، قال: ولد حام كل أسود جعد الشعر، وولد يافث كل عظيم الوجه صغير العينين، وولد سام كل حسن الوجه حسن الشعر. قال: وعاد نوح على حام ألا يعدو شعر ولده أانهم، وحيثما لقى ولده ولد سام استعبدوهم.
    وزعم أهل التوراة أن سام ولد لنوح بعد أن مضى من عمره خمسمائة سنة، ثم ولد لسام أرفخشد بعد أن مضى من عمر سام مائة سنة وسنتان، فكان جميع عمر سام - فيما زعموا - ستمائة سنة. ثم ولد لأرفخشد فينان، وكان عمر أرفخشد أربعمائة وثمانيًا وثلاثين سنة. وولد قينان لأفرفخشد بعد أن مضى من عمره خمس وثلاثون سنة، ثم ولد لقينان شالخ بعد أن مضى من عمره تسع وثلاثون سنة، ولم يذكر مدة عمر قينان في الكتب فيما ذكر لما ذكرنا من أمره قبل. ثم ولد لشالخ عابر بعد أن مضى من عمره ثلاثون سنة، وكان عمر شالخ كله أربعمائة سنة وثلاثًا وثلاثين سنة.
    ثم ولد لعابر فالغ وأخوه قحطان، وكان مولد فالغ بعد الطوفان بمائة وأربعين سنة، فلما كثر الناس بعد ذلك مع قرب عهدهم بالطوفان هموا ببناء مدينة تجمعهم فلا يتفرقون، أو صرح علاٍ يحرزهم من الطوفان إن كان مرة أخرى فلا يغرقون، فأراد الله عز وجل أن يوهن أمرهم، ويخلف ظنهم ويعلمهم أن الحول والقوة له، فبدد شملهم، وشتت جمعهم، وفرق ألسنتهم. وكان عمر عابر أربعمائة سنة وأربعًا وسبعين سنة.
رد مع اقتباس رد مع اقتباس  


  • #2
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 37
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 486
    Array

    ثم ولد لفالغ أرغوا، وكان عمر فالغ مائتين وتسعًا وثلاثين سنة، وولد أرغوا لفالغ وقد مضى من عمره ثلاثون سنة، ثم ولد لأرغوا ساروغ، وكان عمر أرغوا مائتين وتسعًا وثلاثين سنة، ثم ولد لأرغوا ساروغ، وكان عمر أرغوا مائتين وتسعًا وثلاثين سنة، وولد له ساروغ بعد ما مضى من عمره اثنتان وثلاثون سنة. ثم ولد لساروغ ناحور، وكان عمر ساروغ مائتين وثلاثين سنة. وولد له ناحور، وقد مضى من عمره ثلاثون سنة.
    ثم ولد لناحور تارخ أبو إبراهيم، صلوات الله عليه، وكان هذا الاسم اسمه الذي سماه أبوه، فلما صار مع نمرود قيمًا على خزانة آلهته سماه آزر. وقد قيل: إن أزر ليس باسم أبيه، وإنما هو اسم صنم، فهذا قول يروي عن مجاهد. وقد قيل إنه عيب عابه به بمعنى معوج، بعد ما مضى من عمر ناحور سبع وعشرون سنة، وكان عمر ناحور كله مائتين وثمانيًا وأربعيًا سنة.
    وولد لتارخ إبراهيم، وكان بين الطوفان ومولد إبراهيم ألف سنة وتسع وسبعون سنة، وكان بعضُ أهل الكتاب يقول: كان بين الطوفان ومولد إبراهيم ألف سنة ومائتا سنة وثلاث وستون سنة، وذلك بعد خلق آدم بثلاثة آلاف وثلاثمائة سنة وسبع وثلاثين سنة.
    وولد لقحطان بن عابر يعرب، فولد يعرب يشجب بن يعرب، فولد يشجب سبأ بن يشجب، فولد سبأ حمير بن سبأ وكهلان بن سبأ وعمرو ابن سبأ، والأشعر بن سبأ وأنمار بن سبأ ومر بن سبأ عاملة بن سبأ. فولد عمرو ابن سبأ عدي بن عمرو، فولد عدي لخم بن عدي وجذام بن عدي.
    وقد زعم بعض نسابي الفرس أن نوحًا هو أفريدون الذي قهر الأزدهاق، وسلبه ملكه. وزعم بعضهم أن أفريدون هو ذو القرنين صاحب إبراهيم عليه السلام الذي قضى له ببئر السبع، الذي ذكر الله في كتابه. وقال بعضهم: هو سليمان بن داود.
    وإنما ذكرته في هذا الموضع لما ذكرت فيه من قول من قال: إنه نوح، وإن قصته شبيهة بقصة نوح في أولاد له ثلاثة، وعدله وحسن سيرته، وهلاك الضحاك على يده. وأنه قيل إن هلاك الضحاك كان على يد نوح وأن نوحًا إنما كان أرسل - في قول من ذكرت عنه أنه قال: كان هلاك الضحاك على يدي نوح - حين أرسل إلى قومه، وهم كانوا قوم الضحاك.
    فأما الفرس فإنهم ينسبونه النسبة التي أنا ذاكرها، وذلك أنهم يزعمون أن أفريدون من ولد جم شاذ الملك الذي قتله الأزدهاق، على ما قد بينا من أمره قبل، وان بينه جم عشرة آباء.
    وقد حدثت عن هشام بن محمد بن السائب، قال: بلغنا أن أفريدون - وهو من نسل جم الملك الذي كان من قبل الضحاك، قال: ويزعمون أنه التاسع من ولده، وكان مولده بدنباوند - خرج حتى ورد منزل الضحاك، فأخذه وأوثقه، وملك مائتي سنة، ورد المظالم، وأمر الناس بعبادة الله والإنصاف والإحسان، ونظر إلى ما كان الضحاك غصب الناس من الأرضين وغيرها، فرد ذلك كله على أهله، إلا ما لم يجد له أهلًا، فإنه وقفه على المساكين والعامة.
    قال: ويقال إنه أول من سمي الصوافي، وأول من نظر في الطب والنجوم، وإنه كان له ثلاثين بنين: اسم الأكبر سلم، والثاني طوج، والثالث إبرج، وأن افريدون تخوف ألا يتفق بنوه، وأن يبغي بعضهم على بعض، فقسم ملكه بنيهم ثلاثًا، وجعل ذلك في سهام كتب أسماءهم عليها، وأمر كل واحد منهم فأخذ سهمًا، فصارت الروم وناحية المغرب لسلم، وصارت الترك والصين لطوج، وصارت للثالث - وهو إيرج - العراق والهند، فدفع التاج والسرير إليه، ومات أفريدون، فوثب إيرج أخواه فقتلاه، وملكا الأرض بينهما ثلاثمائة سنة.
    قال: والفرس تزعم أن لأفريدون عشرة آباء، كلهم يسمي أثفيان باسم واحد. قالوا: وإنما فعلوا ذلك فعلوا ذلك خوفًا من الضحاك على أولادهم، لرواية كانت عندهم، بأن بعضهم يغلب الضحاك على ملكه، ويدرك منه ثأر جم، وكانوا يعرفون ويميزون بألقاب لقبوها، فكان يقال للواحد منهم: أثفيان صاحب البقر الحمر، وأثفيان صاحب البقر البلق، وأثفيان صاحب البقر الكدر. وهو أفريدون بن أثفيان بوكاو - وتفسيره صاحب البقر الكثير - بن أثفيان نيككاو - وتفسيره صاحب البقر الجياد، بن أثفيان سيركاو - وتفسيره صاحب البقر السمان العظام - بن أثفيان بوركاو - وتفسيره صاحب البقر التي بلون حمير الوحش - بن أثفيان أخشين كاو - وتفسيره صاحب البقر الصفر - بن أثفيان سياه كاو - وتفسيره صاحب البقر السود - بن أثفيان اسبيذكاو - وتفسيره صاحب البقر البيض - بن أثفيان كيروكاو - وتفسيره صاحب البقر الرمادية - بن أثفيان رمين - وتفسيره كل ضرب من الألوان والقطعان - بن أثفيان بنفر وسن، بن جم الشاذ.
    وقيل: إن أفريدون أول من سمي بالكيية فقيل له: كي أفريدون، وتفسير الكيية أنها بمعنى التنزيه، كما يقال: روحاني، يعنون به أن أمره أمر مخلص منزه يتصل بالروحانية. وقيل إن معنى " كي " اي طلب الدخل، ويزعم بعضهم أن " كي " من البهاء، وأن البهاء يغشى أفريدون حين قتل الضحاك، وتذكر العجم من الفرس أنه كان رجلًا جسيمًا وسيمًا بهيًا مجربًا، وأن أكثر قتاله كان بالجرز، وأن جرزه كان رأسه كرأس الثور، وأن ملك ابنه إبرج العراق ونواحيها كان في حياته، وأن أيام إيرج داخله في ملك أفريدون، وأنه ملك الأقاليم كلها، وتنقل في البلدان، وأنه لما جلس على سريره يوم الملك قال: نحن القاهرون بعون الله وتأييده للضحاك، القامعون للشيطان وأحزابه، ثم وعظ الناس، فأمرهم بالتناصف وتعاطي الحق وبذل الخير بينهم، وحثهم على الشكر والتمسك به، ورتب سبعة من القوهياربين - وتفسير ذلك محولو الجبال سبع مراتب - وصير إلى كل واحد منهم ناحية من دنباوند وغيرها على شبيه بالتمليك. قالوا: فلما ظفر بالضحاك قال له الضحاك: لا تقتلني بجدك جم، فقال له أفريدون منكرًا لقوله: لقد سمت بك همتك، وعظمت في نفسك حين قدرتها لهذا، وطمعت لها فيه! وأعلمه أن جده كان أعظم قدرًا من أن يكون مثله كفئًا له في القود، وأعلمه أنه يقلته بثور كان في دار جده.
    وقيل إن أفريدون أول من ذلل الفيلة وامتطاها، ونتج البغال، واتخذ الإوز والحمام، وعالج الدرباق، وقاتل الأعداء فقتلهم ونفاهم، وأنه قسم الأرض بين أولاده الثلاثة: طوج وسلم وإيزج، فملك طوجًا ناحية الترك والخزر والصين، فكانوا يسمونها صين بغا، وجمع إليها النواحي التي اتصلت بها، وملك سلمًا ابنه الثاني الروم والصقالية والبرجان وما في حدود ذلك، وجعل وسط الأرض وعامرها - وهو إقليم بابل، وكانوا يسمونها خنارث بعد أن جمع إلى ذلك ما اتصل به من السند والهند والحجاز وغيرها - لأيرج وهو الأصغر من بنيه الثلاثة، وكان أحبهم إليه. وبهذا السبب سمي إقليم بابل إيرانشهر، وبه أيضًا نشبت العداوة بين ولد أفريدون وأولادهم بعد، وصار ملوك خنارث والترك والروم إلى المحاربة ومطالبة بعضهم بعضًا بالدماء والترات.
    وقيل: إن طوجًا وسلمًا لما علما بأن أباهما قد خص إيرج وقدمه عليهما أظهرا له البغضاء، ولم يزل التحاسد ينمي بينهم إلى أن وثب طوج وسلم على أخيمها إيرج. فقتلاه متعاونين عليه، وأن طوجا رماه بوهق فخنقه، فمن أجل ذلك استعملت الترك الوهق، وكان لإيرج ابنان، يقال لهما وندان وأسطوية، وابنة يقال لها خوزك، ويقال خوشك، فقتل سمل وطوج الابنين مع أبيهما، وبقيت الإبنة.
    وقيل: إن اليوم الذي غلب فيه أفريدون الضحاك كان روزمهر من مهرماه، فاتخذ الناس ذلك اليوم عيدًا لارتفاع بلية الضحاك عن الناس، وسماه المهرجان، فقل: إن أفريدون كان جبارًا عادلًا في ملكه، وكان طوله تسعة أرماح، كل رمح ثلاثة أبواع، وعرض حجرته ثلاثة أرماح، وعرض صدره أربعة أرماح، وأنه كان يتبع من كل بقي بالسودان من آل نمرود والنبط، وقصدهم حتى أتى على وجوههم، ومحا أعلامهم وآثارهم، وكان ملكه خمسمائة سنة.
    ذكر الأحداث التي كانت بين نوح وإبراهيم خليل الرحمن عليهما السلام

    قد ذكرنا قبلُ ما كان من أمر نوح عليه السلام وأمر ولده واقتسامهم الأرض بعده، ومساكن كل فريق منهم، وأي ناحية سكن من البلاد. وكان ممن طغا وعتا على الله عز وجل بعد نوح، فأرسل الله إليهم رسولًا فكذبوه وتمادوا في غيهم، فأهلكهم الله هذان الحيان من إرم بن سام بن نوح: أحدهما عاد ابن عوص بن إرم ابن سام بن نوح، وهي عاد الأولى، الثاني ثمود بن جاثر بن إرم بن سام بن نوح، وهم كانوا العرب العاربة.
    فأما عاد فإنّ الله عز وجل أرسل إليهم هود بن عبد الله بن رباح بن الخلود ابن عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح. ومن أهل الأنساب من يزعم أن هودًا هو عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح، وكانوا أهل أوثان ثلاثة يعبدونها، يقال لإحداها: صداء، وللآخر صمود، وللثالث الهباء. فدعاهم إلى توحيد الله وإفراده بالعبادة دون غيره، وترك ظلم الناس، فكذبوه وقالوا: من أشد منا قوة! فلم يؤمن بهودٍ منهم إلا قليلٍ، فوعظهم هود إذ تمادوا في طغيانهم، فقال لهم: " أتبنون بكل ريع آية تعبثون، وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون، وإذا بطشتم بطشتم جبارين، فاتقوا الله وأطيعون واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون، أمدكم بأنعام وبنين، وجنات وعيون، إني أخافُ عليكم عذاب يوم عظيم ". فكان جوابهم له أن قالوا: " سواء علينا أو عظت أم لم تكن من الواعظين ". وقالوا له: " يا هود ما جئتنا ببنيةٍ وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين إن نقول إلا اعتراك بعضُ آلهتنا بسوء "، فحبس الله عنهم - فيما ذكر - القطر سنين ثلاثًا، حتى جهدوا، فأوفدوا وفدًا ليستسقوا لهم.
    فكان من قصتهم ما حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا أبو بكر بن عياش، قال: حدثنا عاصم، عن أبي وائل، عن الحارث بن حسان البكري، قال: قدمتُ على رسول الله : فمررت بامرأة بالربذة، فقالت: هل أنت حاملي إلى رسول الله ؟ قلتُ: نعم، فحملتها حتى قدمت المدينة، فدخلت المسجد، فإذا رسول الله على المنبر، وإذا بلالُ متقلد السيف، وإذا رايات سود، قال: قلت: ما هذا؟ قالوا: عمر بن العاص قدم من غزوته، فلما نزل رسول الله عن منبره أتيته فاستأذنته، فأذن لي، فقلتُ. يا رسول الله، إن بالباب امرأة من بني تميم، قد سألتني أن أحملها إليك، قال: يا بلال، ائذن لها، قال: فدخلت، فلما جلست قال لي رسول الله : هل كان بينكم وبين تميم شيء؟ قلت: نعم، وكانت الدبرة عليهم، فإن رأيت أن تجعل الدهناء بيننا وبينهم فعلت، قال: تقول المرأة فأين تضطر مضرك يا رسول الله؟ قال: قلت: مثلي مثل معزى حملت حتفًا، قال: قلت: أو حملتك تكونين على خصمًا! أعوذ بالله أن أكون كوفد عاد. قال رسول الله : وما وفد عاد؟ قال: قلت: على الخبير سقطت، إن عادًا قحطت، فبعثت من يستسقي لها، فمروا على بكر بن معاوية بمكة يسقيهم الخمر، وتغنيهم الجرادتان شهرًا، ثم بعثوا رجلًا من عنده، حتى أتى جبال مهرة، فدعا، فجاءت سحابات، قال: وكلما جاءت قال: إذهبي إلى كذا، حتى جاءت سحابة فنودي منها: خذها رمادًا رمددا، لا تدع من عاد أحدًا قال: فسمعه وكتمهم حتى جاءهم العذاب.
    قال أبو كريب: قال أبو بكر بعد ذاك في حديث عاد، قال: فأقبل الذي أتاهم، فأتى جبال مهرة فصعد فقال: اللهم إني لم أجئك لأسير فأفاديه، ولا لمريض أشفيه، فأسق عادًا ما كنت مسقيه! قال: فرفُعت له سحابات. قال: فنودي منها: أختر، فجعل يقول: اذهبي إلى بني فلان اذهبي إلى بني فلان. قال: فمرت آخرها سحابة سوداء، فقال: اذهبي إلى عاد. قال: فنودي منها: خذها رمادًا رمددًا، لا تدع من عاد أحدًا. قال: وكتمهم والقوم عند بكر بن معاوية يشربون. قال: وكره بكر بن معاوية أن يقول لهم من أجل أنهم عنده، وأنهم في طعامه. قال: فأخذ في الغناء وذكرهم.


  • #3
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 37
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 486
    Array

    حدثنا أبو كريب، قال حدثنا زيد بن حباب، قال: حدثنا سلام أبو المنذر النحوي، قال، حدثنا عاصم، عن أبي وائل، عن الحارث بن يزيد البكري، قال: خرجت لأشكو العلاء بن الحضرمي إلى رسول الله ، فمررت بالربذة، فإذا عجوز منقطع بها من بني تميم، فقالت: يا عبد الله، إن لي إلى رسول الله حاجة، فهل أنت مبلغي إليه؟ قال: فحملتها، فقدمتُ المدينة - قال أبو جعفر: أظنه أنا قال: " فإذا رايات سود " - قال: قلت: ما شأن الناس؟ قالوا: يريد أن يبعث بعمرو بن العاص وجهًا. قال: فجلست حتى فرغ، قال: فدخل منزله - أو قال رحله - فاستأذنتُ عليه، فأذن لي. قال: فدخلت فقعدت، فقال لي رسول الله : هل كان بينكم وبين تميم شيء؟ قال: قلت: نعم، وكانت الدبرة عليهم، وقد مررت بالربذة، فإذا عجوز منهم منقطع بها، فسألتني أن أحملها إليك، وها هي بالباب، فأذن لها رسول الله فدخلت، فقلت: يا رسول الله، اجعل بيننا وبين تميم الدهناء حاجزًا، فحميت العجوزُ واستوفزت، وقالت: فأين تضطر مضرك يا رسول الله؟ قال: قلت: أنا كما قالوا: " معزي حملت حتفًا "، حملتُ هذه ولا أشعر أنها كائنة لي خصمًا، أعوذ بالله ورسوله أن أكون كوافد عاد! قال: وما وافد عاد؟ قلت: على الخبير سقطت، قال: وهو يستطعمني الحديث قلت: إن عادا قحطوا فبعثوا " قيلًا " وافدًا، فنزل على بكر، فسقاه الخمر شهرًا، وتغنيه جاريتان يقال لهما الجرادتان، فخرج إلى جبال مهرة، فنادى: إني لم أجئ لمريض فأدوايه ولا لأسير فأفاديه، اللهم أسق عادًا ما كنت تسقيه! فمرت به سحابات سود، فنودي منها: خذها رمادًا رمددًا، لا تبقي من عاد أحدًا. قال: فكانت المرأة تقول: لا تكن كوافد عاد، فما بلغني أنه أرسل عليهم من الريح يا رسول الله إلا قدر ما يجري في خاتمي. قال أبو وائل: وكذلك بلغني.
    وأما ابن إسحق فإنه قال كما حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة عنه: أن عادًا لما أصابهم من القحط ما أصابهم قالوا: جهزوا منكم وفدًا إلى مكة فيستسقوا لكم، فبعثوا قيل بن عتر ولقيم بن هزال بن هزيل بن عتيل ابن صد بن عاد الأكبر، ومرثد بن سعد بن عفير - وكان مسلمًا يكتم إسلامه - وجلهمة بن الخبيري، خال معاوية بن بكر أخا أمه، ثم بعثوا لقمان بن عاد بن فلان بن فلان بن صد بن عاد الأكبر، فانطلق كل رجل من هؤلاء القوم معه رهط من قومه، حتى بلغ عدةُ وفدهم سبعين رجلًا، فلما قدموا مكة نزلوا على معاوية بن بكر وهو بظاهر مكة خارجًا من الحرم، فأنزلهم وأكرمهم، وكانوا أخواله وصهره. وكانت هزيلة ابنة بكر أختَ معاوية بن بكر لأبيه وأمه كلهدة ابنة الخيبري عند لقيم بن هزال بن عتيل بن صد بن عاد الأكبر، فولدت له عبيد بن لقيم بن هزال وعمرو بن لقيم بن هزال وعامر بن لقيم بن هزال وعمير بن لقيم بن هزال، فكانوا في أخوالهم بمكة عند آل معاوية بن بكر، وهم عاد الأخيرة التي بقيت من عاد الأولى. فلما نزل وفد عاد على معاوية بن بكر أقاموا عنده شهرًا بشربون الخمر، وتغنيهم الجرادتان - قينتان لمعاوية بن بكر - ولكان مسيرهم شهرًا، ومقامهم شرهًا، فلما رأى معاوية بن بكر طول مقامهم، وقد بعثهم قومهم يتغوثون بهم من البلاء الذي أصابهم، شق ذلك عليه فقال: هلك أخوالي وأصهاري وهؤلاء مقيمون عندي، وهو ضيق نازلون علي، والله ما أدري: كيف أصنع بهم! أستحي أن آمرهم بالخروج إلى ما بعثوا إليه، فيظنوا أنه ضيق مني بمقامهم عندي، وقد هلك من وراءهم من قومهم جهدًا وعطشًا، أو كما قال. فشكا ذلك من أمرهم إلى قينتيه الجرادتين، فقالتا: قل شعرًا نغنيهم به لا يدرون من قاله، لعل ذلك أن يحركهم! فقال معاوية بن بكر حين أشارتا عليه بذلك:
    ألا يا قيلُ، ويحك قم فهينم ** لعل الله يسقينا غمامًا
    فيسقي أرض عادٍ، إن عادًا ** قد أمسوا لا يبينون الكلاما
    من العطش الشديد، فليس نرجو ** به الشيخ الكبير ولا الغلاما
    وقد كانت نساؤهم بخيرٍ ** فقد أمست نساؤهم غيامى
    وإن الوحش تأتيهم جهارًا ** ولا تخشى لعادي سهامًا
    وأنتم ها هنا فيما اشتهيتم ** نهاركم وليلكم التماما
    فقبح وفدكم من وفدٍ قومٍ ** ولا لقوا التحية والسلام!
    فلما قال معاوية ذلك الشعر، غنتهم به الجرادتان. فلما سمع القوم ما غنتا به، قال بعضهم لبعض: يا قوم إنما بعثكم قومكم يتغوثون بكم من هذا البلاء الذي نزل بهم، وقد أبطأتم عليهم، فادخلوا هذا الحرم فاستسقوا لقومكم، فقال مرثد بن سعد بن عفير: إنكم لا تسقون بدعائكم، ولكن إن أطعتم نبيكم، وأنبتم إليه سقيتم. فأظهر إسلامه عند ذلك، فقال لهم جلهمة بن الخيبري، خال معاوية بن بكر حين سمع قوله، وعرف أنه قد تبع دين هود آمن به:
    أبا سعد فإنك من قبيلٍ ** ذوي كرمٍ وأمك من ثمود
    فإنا لن نطيعك ما بقينا ** ولسنا فاعلين لما تريدُ
    أتأمرنا لنترك آل رفدٍ ** وزمل وآل صدٍ والعبود
    ونترك دين آباء كرم ** ذوي رأي ونتبع دين هود
    ورفد وزمل وصد قبائل من عاد، والعبود منهم. ثم قال لمعاوية بن بكر وأبيه بكر: احبسا عنا مرثد بن سعد فلا يقدمن معنا مكة، فإنه قد اتبع دين هود، وترك ديننا. ثم خرجوا إلى مكة يستسقون بها لعاد، فلما ولو إلى مكة خرج مرثد بن سعد من منزل معاوية، حتى أدركهم بها قبل أن يدعوا الله بشيء مما خرجوا له. فلما انتهى إليهم قام يدعو الله، وبها وفد عاد قد اجتمعوا يدعون. فقال: اللهم أعطني سؤلي وحدي، ولا تدخلني في شيء مما يدعوك به وفد عاد. وكان قيل بن عتر رأس وفد عاد. وقال وفد عاد: " اللهم أعط قيلا ما سألك، واجعل سؤلنا مع سؤله ". وقد كان تخلف عن وفد عاد لقمان بن عاد، وكان سيد عاد، حتى إذا فرغوا من دعوتهم قال: اللهم إن جئتك وحدي في حاجتي فأعطني سؤلي. وقال قيل بن عتر حين دعا: يا إلهنا، إن كان هود صادقًا فاسقنا فإنا قد هلكنا. فأنشأ الله سحائب ثلاثًا: بيضاء وحمراء، وسوداء، ثم ناداه مناد من السحاب: يا قيل، اختر لنفسك وقومك من هذا السحاب. فقال: قد اخترتُ السحابة السوداء، فإنها أكثر السحاب ماءً، فناداه مناد: اخترت رمادًا رمددًا، لا تبقي من عاد أحدًا، لا والدًا تترك ولا ولدًا، إلا جعلته همدًا، إلى بني اللوذية المهدي وبنو اللوذية بنو لقيم بن هزال بن هزيل بن هزيلة ابنة بكر، كانوا سكانًا بمكة مع أخوالهم، لم يكونوا مع عاد بأرضهم، فهم عاد الآخرة، ومن كان من نسلهم الذين بقوا من عاد.
    وساق الله السحابة السوداء فيما يذكرون التي اختار قيل بن عتر بما فيها من النقمة إلى عاد، حتى خرجت عليهم من واد لهم يقال له المغيثُ. ولما رأوها استبشروا بها، وقالوا: " هذا عارض ممطرنا "، يقول الله عز وجل: " بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم تدمر كل شيء بأمر بها "، أي كل شيء أمرت به. فكان أول من أبصر ما فيها أنها ريخ - فيما يذكرون - امرأة من عاد يقال لها مهدد، لما تبينت ما فيها صاحت ثم صعقت، فلما أفاقت قالوا: ماذا رأيت يا مهدد؟ قالت: رأيت ريحًا فيها كشهبُ النار، أمامها رجال يقودونها. فسخرها الله عليهم " سبع ليال وثمانية أيام حسومًا "، كما قال الله: والحسوم: الدائمة، فلم تدع من عادٍ أحدًا إلا هلك.
    فاعتزل هود - فيما ذكر - ومن معه من المؤمنين في حظيرة، ما يصيبه ومن معه منها إلا ما تلين عليه الجلود، وتلتذ الأنفس، وإنها لتمر من عاد بالظعن ما بين السماء والأرض، وتدمغهم بالحجارة. وخرج وفد عاد من مكة حتى مروا بمعاوية بن بكر وأبيه، فنزلوا عليه، فبيناهم عنده، إذا أقبل رجل على ناقة له في ليلة مقمرة مسى ثالثة من مصاب عاد، فأخبرهم الخبر، فقالوا: فأين فارقت هودا وأصحابه؟ قال: فارقتهم بساحل البحر، فكأنهم شكوا فيما حدثهم، فقالت هزيلة ابنة بكر: صدق ورب مكة. ومثوب بن يعفر بن أخي معاوية بن بكر معهم. وقد كان قيل - فيما يزعمون والله أعلم - لمرثد بن سعد ولقمان بن عاد، وقيل بن عتر حين دعوا بمكة: قد أعطيتم مناكم فاختاروا لأنفسكم، إلا أنه لا سبيل إلى الخلد، فإنه لا بد من الموت، فقال مرثد بن سعد: يا رب، أعطني برًا وصدقًا، فأعطي ذلك، وقال لقمان بن عاد: أعطني عمرًا، فقيل له: أختر لنفسك، إلا إنه لا سبيل إلى الخلد: بقاء أيعار ضأن عفر، في جبل وعر، لا يلقي به إلا القطر، أم سبعة أنسر إذا مضى نسر حلوت إلى نسر؟ فاختار لقمان لنفسه النسور، فعمر - فيما يزعمون - عمر سبعة أنسر، يأخذ الفرخ حين يخرج من بيضته، فيأخذ الذكر منها لقوته، حتى إذا مات أخذ غيره، فلم يزل يفعل ذلك، حتى أتى على السابع. وكان كل نسر فيما زعموا يعيش ثمانين سنة، فلما لم يبق غير السابع قال ابن أخ للقمان: أي عم، ما بقي من عمرك إلا عمر هذا النسر، فقال له لقمان: أي ابن أخي: هذا لبد - ولبد بلسانهم الدهر - فلما أدرك نسر لقمان، وانقضى عمره، طارت النسور غداةً من رأس الجبل، ولم ينهض فيها لبد، وكانت نسور لقمان تلك لا تغيب عنه، إنا هي بعينه. فلما لم ير لقمان لبدًا نهض مع النسور، نهض إلى الجبل لينظر ما فعل لبد، فوجد لقمان في نفسه وهنًا لم يكن يجده قبل ذلك، فلما انتهى إلى الجبل رأى نسره لبدًا واقعًا من بين النسور، فناداه: انهض لبد، فذهب لبد لينهض فلم يستطع، عريت قوادمه وقد سقطت، فماتا جميعًا.
    وقيل لقيل بن عتر حين سمع ما قيل له في السحاب: اختر لنفسك كما اختار صاحباك فقال: أختار أن يصيبني ما أصاب قومي، فقيل: إنه الهلاك، قال: لا أبالي، لا حاجة لي في البقاء بعدهم. فأصابه ما أصاب عادًا من العذاب فهلك، فقال مرثد بن سعد بن عفير حين سمع من قول الراكب الذي أخبر عن عاد بما أخبر من الهلاك:
    عصت عاد رسولهم فأمسوا ** عطاشًا ما تبلهم السماء
    وسير وفدهم شرهًا ليسقوا ** فأردفهم مع العطش العماء
    بكفرهم بربهم جهارًا ** على آثار عادهم العفاء
    ألا نزع الإله حلوم عادٍ ** فإن قلوبهم فقر هواء
    من الخبر المبين أن يعوه ** وما تغني النصيحة والشفاء
    فنفسي وابنتاي وأم ولدي ** لنفس نبينا هودٍ فداء
    أتانا والقلوب مصمدات ** على ظلم، وقد ذهب الضياء
    لنا صم يقال له صمود ** يقابله صداء والبهاء
    بأبصرهُ الذين له أنابوا ** وأدرك من يكذبه الشقاء
    فإني سوف ألحق آل هودٍ ** وإخوته إذا جن المساء
    وقيل: إن رئيسهم وكبيرهم في ذلك الزمان الخلجان.
    حدثني العباس بن الوليد، قال: حدثنا أبي، عن إسماعيل بن عياش، عن محمد بن إسحاق، قال: لما خرجت الريحُ على عاد من الوادي، قال سبعة رهط منهم، أحدهم الخلجان: تعالوا حتى نقوم على شفير الوادي فنردها، فجعلت الريح تدخل تحت الواحد منهم فتحمله، ثم ترمي به فتندق عنقه، فتركهم كما قال الله عز وجل: " صرعى كأنهم أعجاز نخلٍ خاويةٍ " حتى لم يبق منهم إلا الخلجان، فمال إلى الجبل، فأخذ بجانب منه، فهزه فاهتز في يده، ثم أنشأ يقول:
    لم يبق إلى الخلجان نفسه ** نالك من يوم دهاني أمسه
    بثابت لوط شديد وطسه ** لو لم يجئني جئته أجسه
    فقال له هود: ويحك يا خلجان! أسلم تسليم، فقال له: وما لي عند ربك إن أسلمت؟ قال: الجنة، قال: فما هؤلاء الذين أراهم في هذا السحاب كأنهم البخت، قال هود: تلك ملائكة ربي، قال: فإن أسلمت أيعيذني ربك منهم؟ قال: ويلك! هل رأيت ملكًا يعيذ من جنده! قلا: لو فعل ما رضيت، قال: ثم جاءت الريح فألحقته بأصحابه، أو كلامًا هذا معناه.
    قال أبو جعفر: فأهلك الله الخلجان، وأفنى عادًا خلا من بقي منهم، ثم بادوا بعد، ونجى الله هودًا ومن آمن به. وقيل: كان عمر هودٍ مائة سنة وخمسين سنة.
    حدثنا محمد بن الحسين، قال: حدثنا أحمد بن المفضل، قال: حدثنا أسباط، عن السدي، قال: " وإلى عادٍ أخاهم هودًا قال يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره " إن عادًا أتاهم هود فوعظهم وذكرهم بما قص الله في القرآن، فكذبوه وكفروا، وسألوه أن يأتيهم العذاب فقال له: " إنما العلم عند الله وأبلغكم ما أرسلت به "، وإن عادًا أصابهم حين كفروا قحط من المطر، حتى جهدوا لذلك جهدًا شديدًا، وذلك أن هودًا دعا عليهم، فبعث الله عليهم الريح العقيم، وهي الريح التي لا تلقح الشجر، فلما نظروا إليها قالوا: هذا عارض ممطرنا، فلما دنت منهم نظروا إلى الإبل والرجال، تطير بهم الريح بين السماء والأرض، فلما رأوها تبادروا إلى البيوت، حتى دخلوا البيوت دخلت عليهم فأهلكتهم فيها، ثم أخرجتهم من البيوت، فأصابتهم " في يوم نحس "، والنحس هو الشؤم " مستمر " استمر عليهم بالعذاب. " سبع ليال وثمانية أيام حسومًا "، حسمت لك شيء مرت به، حتى أخرجتهم من البيوت، قال الله تبارك وتعالى: " تنزع الناس " عن البيوت، " كأنهم أعجاز نخل منقعرٍ "، انقعر من أصوله. " خاوية " خوت فسقطت، فلما أهلكهم الله أرسل عليهم طيرًا سودًا، فنقلتهم إلى البحر، فألقتهم فيه، فذلك قوله عز وجل: " فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم ".


  • #4
    مغترب ذهبي
    الحالة : عاشق الوطنية غير متواجد حالياً
    تاريخ التسجيل: Apr 2010
    رقم العضوية: 464
    الدولة: سوريا
    الإهتمامات: الرياضة , الصداقة والغناء
    السيرة الذاتية: أحب سوريا و لا تسألني كيف أو لماذا
    العمل: على باب الله
    العمر: 37
    المشاركات: 11,254
    الحالة الإجتماعية: اعزب و الله يبعت بنت الحلال
    معدل تقييم المستوى : 486
    Array

    ولم تخرج الريح قط إلا بمكيال إلا يومئذ، فإنها عتت على الخزنة فغلبهم، ثم يعلمواكم كان مكيالها؟ فذلك قوله " فأهلكوا بريح صرصرٍ عاتيةٍ ".
    والصرر: ذات الصوت الشديد.
    حدثني محمد بن سهل بن عسكر، قال: حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم، قال: حدثني عبد الصمد، أنه سمع وهبًا يقول: إن عادًا لما عذبهم الله بالريح التي عذبوا بها، كانت تقلع الشجرة العظيمة بعروقها وتهدم عليهم بيوتهم، فمن لم يكن في بيتٍ هبت به الريح حتى تقطعه بالجبال، فهلكوا بذلك كلهم.
    وأما ثمود فإنهم عتوا على ربهم، وكفروا به، وأفسدوا في الأرض، فبعث الله إليهم صالح بن عبيد بن أسف بن ماسخ بن عبيد بن خادر بن ثمود ابن جاثر بن إرم بن سام بن نوح، رسولًا يدعوهم إلى توحيد الله وإفراده بالعبادة.
    وقيل: صالح، هو صالح بن أسف بن كماشج بن إرم بن ثمود بن جاثر ابن إرم بن سام بن نوح.
    فكان من جوابهم له أن قالوا له: " يا صالحُ قد كنت فينا مرجوًا قبل هذا أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا وإننا لفي شك مما تدعونا إليه مريبٍ ". وكان الله عز وجل قد مدّ لهم في الأعمار، وكانوا يسكنون الحجر إلى وادي القرى، بين الحجاز الشام، ولم يزل صالح يدعوهم إلى الله على تمردهم وطغيانهم، فلا يزيدهم دعاؤه إياهم إلى الله إلى مباعدة من الإجابة، فلما طال ذلك من أمرهم وأمر صالح قالوا له: إن كنت صادقًا فأتنا بآية.
    فكان من أمرهم وأمره ما حدثنا الحسن بن يحيى، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا إسرائيل، عن عبد العزيز بن رفيع، عن أبي الطفيل، قال: قالت ثمود لصالح: ائتنا بآية إن كنت من الصادقين. قال: فقال لهم صالح: اخرجوا إلى هضبة من الأرض، فإذا هي تتمخص كما تتمخض الحامل، ثم تفرجت فخرجت من وسطها الناقة، فقال صالح عليه السلام: " هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم ". " لها شربُ ولكم شربُ يومٍ معلومٍ " فلما ملوها عقروها، فقال لهم: " تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب ". قال عبد العزيز: وحدثني رجل آخر أن صالحًا قال لهم: إن آية العذاب أن تصبحوا غدًا حمرًا، واليوم الثاني صفرًا، واليوم الثالث سودًا، فصبحهم العذاب، فلما رأوا ذلك تحنطوا واستعدوا.
    حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن أبي بكر بن عبد الله، عن شهر بن حوشب، عن عمرو بن خارجة، قال: قلنا له: حدثنا حديث ثمود، قال: أحدثكم عن رسول الله عن ثمود. كانت ثمود قوم صالح عمرهم الله عز وجل في الدنيا، فأطال أعمارهم حتى جعل أحدهم يبني المسكن من المدر فيتهدم والرجل منهم حي، فلما رأوا ذلك اتخذوا من الجبال بيوتًا فرهين، فنحتوها وجابوها وجوفوها، وكانوا في سعة من معايشهم، فقالوا: يا صالح، ادع لنا ربك يخرج لنا آية نعلم أنك رسول الله فدعا ربه، فأخرج لهم الناقة فكان شربها يومًا وشربهم يومًا معلومًا، فإذا كان يوم شربها خلوا عنها وعن الماء، وحلبوهًا لبنًا، ملئوا كل إناء ووعاء وسقاء، فإذا كان يوم شربهم صرفوها عن الماء ولم تشرب منه شيئًا، فملئوا كل إناء ووعاء وسقاء، فأوحى الله عز وجل إلى صالح أن قومك سيعقرون ناقتك، فقال لهم، فقالوا: ما كنا لنفعل، قال: إلا تعقروها أنتم أو شك أن يولد فيكم مولود يعقرها، قالوا: ما علامةُ ذلك المولود؟ فوالله لا نجده إلى قتلناه، قال: فإنه غلام أشقرُ أزرق أصهب أحمر، قال: فكان في المدينة شيخان عزيزان منيعان، لأحدهما ابن يرغب له عن المناكح، وللآخر ابنة لا يجد لها كفئًا، فجمع بينهما مجلس، فقال أحدهما لصاحبه: مايمنعك أن تزوج ابنك؟ قال: لا أجد له كفئًا، قال: فإن ابنتي كفء له، وأنا أزوجك، فزوجه فولد منهما ذلك المولود.
    وكان في المدينة ثمانية رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون، فلما قال لهم صالح: إنما يعقرها مولودٌ فيكم اختاروا ثماني نسوة قوابل من القرية، وجعلوا معهن شرطًا كانوا يطوفون في القرية، فإذا وجدوا المرأة تمخض نظروا ما ولدها؟ فإن كن غلامًا قتلنه، وإن كانت جارية أعرضن عنها، فلما وجدوا ذتك المولود صرخ النسوة، وقلن: هذا الذي يريد رسول الله صالح، فأراد الشرط أن يأخذوها، فحال جداه بينه وبينهم. وقالوا: إن أراد صالح هذا قتلناه، وكان شر مولود، وكان يشب في اليوم شباب غيره في الجمعة، ويشب في الجمعة شباب غيره في الشهر، ويشب في الشهر شباب غيره في السنة، فاجتمع الثمانية الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون، وفيهم الشيخان، فقالوا: استعمل علينا هذا الغلام لمنزلته وشرف جديه، فصاروا تسعة، وكان صالح عليه السلام لا ينام معهم في القرية، بل كان في مسجد يقال له مسجد صالح، فيه يبيت بالليل، فإذا أصبح أتاهم فوعظهم وذكرهم، فإذا أمسى خرج إلى مسجده فبات فيه.
    قال حجاج: قال ابن جريج: لما قال لهم صالح عليه السلام: إنه سيولد غلام يكون هلاكهم على يديه، قالوا: فكيف تأمرنا؟ قال: آمركم بقتلهم، فقتلوهم إلا واحدًا، قال: فلما بلغ ذلك المولود قالوا: لو كنا لم نقتل أولادنا لكان لكل واحد منا مثل هذا، هذا عمل صالح! فأثمروا بينهم بقتله، وقالوا: نخرج مسافرين والناس يروننا علانية، ثم نرجع من ليلة كذا وكذا فنرصد عند مصلاه فنقتله، فلا يحسب الناس إلا أنا مسافرون كما نحن. فأقبلوا حتى دخلوا تحت صخرة يرصدونه، فأنزل الله عز وجل عليهم الصخرة فرضختهم فأصبحوا رضخًا، فانطلق رجال ممن قد اطلع على ذلك منهم، فإذا هم رضخ، فرجعوا يصيحون في القرية: أي عباد الله، أما رضي صالح أن أمرهم أن يقتلوا أولادهم حتى قتلهم! فاجتمع أهل القرية على عقر الناقة أجمعون، فأحجموا عنها إلا ذلك ابن العاشر.
    قال أبو جعفر: ثم رجع الحديث إلى حديث رسول الله ، قال: فأرادوا أن يمكروا بصالح، فمشوا حتى أتوا على سرب على طريق صالح، فاختبأ فيه ثمانية وقالوا: إذا خرج علينا قتلناه وأتينا أهله فبيتناهم، فأمر الله عز وجل الأرض فاستوت عليهم، قال: فاجتمعوا ومشوا إلى الناقة، وهو على حوضها قائمة، فقال الشقي لأحدهم: ائتها فاعقرها، فأتاها، فتعاظمه ذلك، فأضرب عن ذلك، فبعث آخر فأعظم ذلك، فجعل لا يبعث أحدًا إلى تعاظمه أمرها، حتى مشى إليها وتطاول فضرب عرقوبيها، فوقعت تركض، فأتى رجلٌ منهم صالحًا فقال: أدرك الناقة فقد عقرت. فأقبل: فخرجوا يتلقونه ويعتذرون إليه: يا نبي الله، إنما عقرها فلان، إنه لا ذنب لنا، قال: انظروا هل تدركون فصيلها! فإن أدركتموه فعسى الله أن يرفع عنكم العذاب! فخرجوا يطلبونه، فلما رأى الفصيل أمه تضطرب أتى جبلًا - يقال له القارة - قصيرًا فصعده وذهبوا ليأخذوه، فأوحى الله عز وجل إلى الجبل، فطال في السماء حتى ما تناله الطير، قال: ودخل صالح القرية، فلما رآه الفصيل بكى حتى سالت دموعه، ثم استقبل صالحًا، فرغا رغوة، ثم رغا أخرى، ثم رغا أخرى، فقال صالح: لكل رغوة أجل يوم، تمتعوا في داركم ثلاثة أيام، ذلك وعد غير مكذوب، إلا أن آية العذاب أن اليوم الأول تصبح وجوهكم مصفرة، واليوم الثاني محمرة، واليوم الثالث مسودة، فلما أصبحوا إذا وجوهم كأنما طليت بالخلوق، صغيرهم وكبيرهم، ذكرهم وأنثاهم، فلما أمسوا صاحوا بأجمعهم: ألا قد مضى يومٌ من الأجل وحضركم العذاب، فلما أصبحوا اليوم الثاني إذا وجوهم محمرة، كأنما خضبت بالدماء، فصاحوا وضجوا وبكوا وعرفوا أنه العذاب. فلما أمسوا صاحوا بأجمعهم: الا قد مضى يومان من الأجل، وحضركم العذاب، فلما أصبحوا اليوم الثالث فإذا وجوههم مسودة كأنما طليت بالقار، فصاحوا جميعًا: ألا قد حضركم العذاب، فتكفنوا وتحنطوا، وكان حنوطهم الصبر والمقسر، وكانت أكفانهم الأنطاع، ثم ألقوا أنفسهم إلى الأرض، فجعلوا يقلبون أبصارهم إلى السماء مرة، وإلى الأرض مرة، لا يدرون من حيث يأتيهم العذاب، من فوقهم من السماء، أو من تحت أرجلهم من الأرض خشعًا وفرقًا، فلما أصبحوا اليوم الربع أتتهم صيحة من السماء فيها صوت كل صاعقة وصوت كل شيء له صوتٌ في الأرض، فتقطعت قلوبهم في صدورهم فأصبحوا في ديارهم جاثمين.
    حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثنا حجاج، عن ابن جريج، قال: حدثت أنه لما أخذتهم الصيحة أهلك الله من بين المشارق والمغارب منهم، إلا رجلًا واحدًا كان في حرم الله، منعه حرم الله من عذاب الله قيل: ومن هو يا رسول الله؟ قال: أبو رغال، وقال رسول الله حين أتى على قرية ثمود لأصحابه: " لا يدخلن أحد منكم القرية، ولا تشربوا من مائهم "، وأراهم مرتقى الفصيل، حين ارتقى في القارة قال ابن جريج: وأخبرني موسى بن عقبة، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمران، أن النبي حين أتى على قرية ثمود قال: " لا يدخلن على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم أن يصيبكم ما أصابهم ".
    قال ابن جريج: قال جابر بن عبد الله: إن النبي لما أتى على الحجر، حمد الله وأثنى عليه ثم قال: " أما بعد، فلا تسألوا رسولكم الآيات، هؤلاء قوم صالح سألوا رسولهم الآية، فبعث الله لهم الناقة، فكانت ترد من هذا الفج وتصدر من هذا الفج، فتشرب ماءهم يوم وردها ".
    حدثني إسماعيل بن المتوكل الأشجعي، قال: حدثنا محمد بن كثير، قال: حدثنا عبد الله بن واقد، عن عبد الله بن عثمان بن خشيم، قال: حدثنا أبو الطفيل قال: لما غزا رسول الله عزاة تبوك، نزل الحجر فقال: " أيها الناس لا تسألوا نبيكم الآيات، هؤلاء قوم صالح سالوا نبيهم ان يبعث لهم آية، فبعث الله تعالى ذكره لهم الناقة آية، فكانت تلجُ عليهم يوم وردها من هذا الفج فتشرب ماءهم، ويوم وردهم كانوا يتزودون منه، ثم يحلبونها مثل ما كانوا يتزودون من مائهم قبل ذلك لبنًا، ثم تخرج من ذلك الفج. فعتوا عن أمر ربهم وعقروها، فوعدهم الله العذاب بعد ثلاثة أيام، وكان وعدًا من الله غير مكذوب، فأهلك الله من كان منهم في مشارق الأرض ومغاربها إلى رجلًا واحدًا كان في حرم الله، فمنعه حرم الله من عذاب الله، قالوا: ومن ذلك الرجل يا رسول الله؟ قال: أبو رغال.
    فأما أهل التوراة فإنهم يزعمون أن لا ذكر لعاد ولا ثمود ولا لهود وصالح في التوراة، وأمرهم عند العرب في الشهرة في الجاهلية والإسلام كشهرة إبراهيم وقومه.
    قال: ولولا كراهة إطالة الكتاب بما ليس من جنسه، لذكرت من شعر شعراء الجاهلية الذي قيل في عاد وثمود وأمورهم بعض ما قيل. ما يعلم به من ظن خلاف ما قلنا في شهرة أمرهم في العرب صحة ذلك.
    ومن أهل العلم من يزعمون أن صالحًا عليه السلام توفي بمكة وهو ابن ثمان وخمسين سنة، وأنه أقام في قومه عشرين سنة.
    قال أبو جعفر: نرجع الآن إلى:
    ذكر إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام وذكر من كان في عصره من ملوك العجم

    إذ كنا قد ذكرنا من بينه وبين نوح من الآباء وتأريخ السنين التي مضت قبل ذلك. وهو إبراهيم بن تارخ بن ناحور بن ساروغ بن أرغوا بن فالغ بن عابر بن شالخ بن قينان بن أرفخشد بن سام بن نوح.
    واختلفوا في الموضع الذي كان منه، والموضع الذي ولد فيه، فقال بعضهم: كان مولده بالسوس من أرض الأهواز، وقال بعضهم: كان مولده ببابل من أرض السواد، وقال بعضهم: كان بالسواد بناحية كوثي. وقال بعضهم: كان مولده بالوركاء بناحية الزوابي وحدود كسكر، ثم نقله أبوه إلى الموضع الذي كان به نمرود من ناحية كوئي. وقال بعضهم: كان مولده بحران، لكن أباه تارخ نقله إلى أرض بابل. وقال عامة السلف من أهل العلم: كان مولد إبراهيم عليه السلام في عهد نمرود بن كوش. ويقول عامة أهل الأخبار: كان نمرود عاملًا للازدهاق الذي زعم بعض من زعم أن نوحًا عليه السلام كان مبعوثًا إليه على أرض بابل وما حولها. وأما جماعة من سلف من العلماء فإنما يقولون: كان ملكًا برأسه، واسمه الذي هو اسمه فيما قيل: زرهي بن طهماسلفان.
    وقد حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثنا محمد بن إسحاق - فيما ذكر لنا والله أعلم - أن آزر كان رجلًا من أهل كوثي، من قرية السواد سواد الكوفة، وكان إذا ذاك ملك المشرق لنمرود الخاطئ، وكان يقال له الهاصر، وكان ملكه - فميا يزعمون - قد أحاط بمشارق الأرض ومغاربها، وكان ببابل، قال: وكان ملكه وملك قومه بالمشرق قبل ملك فارس.
    قال: ويقال لم يجتمع ملك الأرض ولم يجتمع الناس على ملك واحد إلا على ثلاثة ملوك: نمرود بن أرغوا، وذي القرنين، وسليمان بن داود.
    وقال بعضهم: نمرود هو الضحاك نفسه.
    حدثت عن هشام بن محمد، قال: بلغنا والله أعلم أن الضحاك هو نمرود، وأن إبراهيم خليل الرحمن ولد في زمانه، وأنه صاحبه الذي أراد إحرقه.
    حدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي في خبر ذكره عن أبي صالح وعن أبي مالك، عن ابن عابس - وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود - وعن ناس من أصحاب النبي : إن أول ملك ملك في الأرض شرقها وغربها نمرود بن كنعان ابن كوش بن سام بن نوح، وكانت الملوك الذين ملكوا الأرض كلها أربعة: نمرود، وسليمان بن داود، وذو القرنين، وبخت نصر: مؤمنان وكافران.

  • صفحة 8 من 21 الأولىالأولى ... 67891018 ... الأخيرةالأخيرة

    معلومات الموضوع

    الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

    الذين يشاهدون الموضوع الآن: 2 (0 من الأعضاء و 2 زائر)

    المواضيع المتشابهه

    1. الرزء الأليم
      بواسطة عاشق الوطنية في المنتدى ملتقى الحـــوار العام للمغتربين السوريينDialogue Discussion Forum
      مشاركات: 0
      آخر مشاركة: 07-06-2010, 06:39 PM
    2. فن الرسم في الماء
      بواسطة رامون في المنتدى مكتبــة صــــور المنتدى
      مشاركات: 6
      آخر مشاركة: 07-03-2010, 10:24 PM
    3. فن الرسم على البطاطس
      بواسطة رامون في المنتدى مكتبــة صــــور المنتدى
      مشاركات: 8
      آخر مشاركة: 06-07-2010, 09:56 PM
    4. فن الرسم بالقهوة
      بواسطة رامون في المنتدى مكتبــة صــــور المنتدى
      مشاركات: 5
      آخر مشاركة: 06-06-2010, 01:19 AM
    5. فن الرسم في الفحم
      بواسطة رامون في المنتدى مكتبــة صــــور المنتدى
      مشاركات: 5
      آخر مشاركة: 06-02-2010, 07:42 PM

    الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

    مواقع النشر (المفضلة)

    مواقع النشر (المفضلة)

    ضوابط المشاركة

    • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
    • لا تستطيع الرد على المواضيع
    • لا تستطيع إرفاق ملفات
    • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
    •  
    Untitled-1