لا يخلو شخص من نقص ،ومن المستحيل يجد كل مايريده أحدنا في الطرف الآخركاملاً.. كما أنه لا يكاد يمر وقت دون أن يشعر أحدنا بالضيق من تصرف عمله الآخر. ولهذا علىكل واحد منا تقبل الطرف الآخر والتغاضي عما لا يعجبه فيه من صفات ، أو طبائع ، وكماقال الإمام أحمد بن حنبل "تسعة أعشار حسن الخلق فيالتغافل".


التغافللغةً : هو تعمد الغفلة ، و أرى من نفسه أنه غافلُ و ليس بهغفلة


التغافل : وهو تكلف الغفلة مع العلم والإدراك لما يتغافل عنه تكرماً وترفعاً عن سفاسف الأمور.


قالالحسن:ما استقصى كريمٌقط.
وقالسفيان: ما زال التغافل من شيمالكرام.


واعلم أنمن الدهاء كل الدهاء التغافل عن كل ذنب لا تستطاع العقوبة عليه، ومن عداوة كل عدولا تقدر على الانتصارمنه.

فأماالتغافل عن ما لا يعني فهو العقل. وقد قال الحكماء: لا يكون المرءعاقلاً حتى يكون عما لا يعنيهغافلاً.



الاميرالمجاهد قتيبة بن مسلموالتغافل

دخل رجل على الأمير المجاهدقتيبة بن مسلم الباهلي، فكلمه في حاجة له، ووضع نصل سيفه على الأرض فجاء على أُصبعرجلِ الأمير، وجعل يكلمه في حاجته وقد أدمى النصلُ أُصبعه، والرجل لا يشعر، والأميرلا يظهر ما أصابه وجلساء الأمير لا تكلمون هيبة له، فلما فرغ الرجل من حاجته وانصرفدعا قتيبة بن مسلم بمنديل فمسح الدم من أُصبعه وغسله، فقيل له: ألا نحَّيت رجلكأصلحك الله، أو أمرت الرجل برفع سيفه عنها؟ فقال: خشيت أن أقطع عنهحاجته.


فلقد كان في قدرة الأمير أنيأمره بإبعاد نصل سيفه عن قدمه، وليس هنالك من ملامة عليه، أو على الأقل أن يبعدالأمير قدمه عن نصل سيفه، ولكنه أدب التغافل حتى لا يقطع على الرجل حديثه، وبمثلهذه الأخلاق ساد أولئكالرجال.



منكان يرجو أن يسود عشيرة **** فعليه بالتقوى ولينالجانب


ويغضطرفا عن إساءة من أساء **** ويحلم عند جهلالصاحب



لماذا سميحاتم الأصمبذلك؟



قال أبو علي الدقاق:
جاءتامرأة فسألت حاتماً عن مسألة ، فاتفق أنه خرج منها صوت في تلك الحالة فخجلت ،
فقالحاتم : ارفعي صوتك فأوهمها أنه أصمّ فسرّت المرأة بذلك ،
وقالت : إنه لم يسمع الصوتفلقّب بحاتم الأصم..

هذا الأدب الذي وقع من حاتمالأصم هو من أدب السادة ،
أما السوقة فلا يعرفون مثل هذا الآداب ،
ولذلك تراهم لدنوهمتهم يحصون الصغيرة ،
ويجعلون من الحبة قبة ،
ومن القبة مزاراً ،
وهؤلاء وإنأظهروا في الإحصاء على الآخرين فنون متنوعة من ضروب الذكاء والخداع ،
ولكنه ذكاءأشبه بإمارات أهل الحمق والترق الذين تستفزهم الصغائر عند غيرهم ،
ولا يلقون بالاللكبائر عند أنفسهم،و
أمثال هؤلاء لا يكونون من السادة في أقوامهم الذين عناهمالشاعر بقوله:

ليس الغبيبسيد في قومه **** لكن سيد قومهالمتغابي




وقال الشاعر:
1.أحب من الأخوان كل مواتي **** وكل غضيض الطرف عن هفوات

ومنالمواقف الجلية في أدب التغافل ، ما ذكره ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح قال :
إنالرجل ليحدثني بالحديث فأنصت له كأن لم أسمعه قط وقد سمعته قبل أن يولد..



صلاح الدينو التغافل


قال ابن الأثير متحدثًا عنصلاح الدين الأيوبي:
'وكان صبورًا على ما يكره، كثير التغافل عن ذنوب أصحابه،
يسمعمن أحدهم ما يكره، ولا يعلمه بذلك، ولا يتغير عليه.
وبلغني أنه كان جالسًا وعندهجماعة، فرمى بعض المماليك بعضًا بسرموز-
يعني:بنعل- فأخطأته، ووصلت إلى صلاح الدينفأخطأته،
ووقعت بالقرب منه، فالتفت إلى الجهة الأخرى يكلم جليسه؛ ليتغافلعنها'.


التغافل والمشاكل الزوجية:

وأما المشاكل العابرة فهيالمشاكل التي يفتعلها أحد الزوجين بشكل استثنائي عابر ,
وهي ليست من صفاته الدائمة , وإنما كما يقال : لكل عالم هفوة , ولكل جواد كبوة.


ومثالنا على ذلك كأن يستهزئالزوج بزوجته وليس من عادته الاستهزاء ,
أو أن يتحدث عن بعض عيوبها أمام أهلها وليسمن عادته فعل ذلك ,
وهذه التصرفات يكفي في علاجها الإشارة فقط ,
ولا ينبغي لأي منالزوجين أن يعاتب الأخر ويهجره من أجل هذه التصرفات وذلك
باعتبار أنها عابرة وليستدائمة والأصل في المشاكل العابرة إتباع أسلوب التغافل معها.


من فقهالحياة الزوجية التغاضي عن دقيق المحاسبة:

ولكلٍ من الزوجين على الآخرحق ،
وربما كانت الدقة في المراقبة والشدة في المحاسبة من بواعث الاضطراب وعدمالاستقرار ،
وفي التغافل أحياناً ، والمرونة أحياناً كفالة باستدامة السعادة ،وبقاء المعاشرة الجميلة ،
كل ذلك ضمن الضوابط الشرعية والتوصياتالأخلاقية


التغافلوتربيةالأولاد


يجب التغافل عن بعض هفواتالتلاميذ وعدم التعليق على كل حركة تصدر عنه بل لا بد أن ننبههم بروح الشفقةوالرحمة حتى لا نذل نفسه ونحطم شخصيته أو ندفعه لاكتساب عادات خلقية سيئة كالعنادوالكذب، ولنتمثل فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع الصحابي الذي كبر للصلاة من أولالمسجد وركع وظل يمشي حتى وصل الصف فنبهه النبي صلى الله عليه وسلم على خطئه بلطفحيث قال: ((زادك الله حرصا ولاتعد)).
من أنماط التربية، التغافل-لا الغفلة- عن بعض ما يصدر من الأولاد من عبث أو طيش وهو مبدأ يأخذ به العقلاء فيتعاملهم مع أولادهم ومع الناس عموما؛ فالعاقل لا يستقصي، ولا يشعر من تحت يده أو منيتعامل معهم بأنه يعلم عنهم كل صغيرة وكبيرة؛ لأنه إذا استقصى، وأشعرهم بأنه يعلمعنهم كل شيء ذهبت هيبته من قلوبهم ، ليس الغبي بسيد في قومه لكن سيد قومه المتغابي،ثم إن تغافله يعينه على تقديم النصح بقالب غير مباشر، من باب: إياك أعني واسمعي ياجاره، ومن باب: ما بال أقوام. وربما كان ذلك أبلغوأوقع.


من أخطاءالمُعلم:

محاولة ضبط الطفل أكثر مناللازم : بحيث لا تتاح له الفرصة للعب والمرح والحركة. وهذا يتعارض مع طبيعة الطفلوقد يضر بصحته إذ أن هذا اللعب مهم لنمو الطفل بصورة جيدة إذ أن (اللعب في المكانالطلق الفسيح من أهم الأمور التي تساعد على نمو جسم الطفل وحفظ صحته) فينبغي أنيتجنب الأب زجر الأولاد عند مبالغتهم في اللعب بالتراب أثناء النزهة على شاطئ البحرأو في الصحراء. وذلك لأن الوقت وقت ترفيه ولعب وليس وقت انضباط، وليس ثمة وقت ينطقفيه الأولاد بلا قيود إلا في مثل هذه النزهات البريئة، فلابد من التغافل عنهم بعضالشيء.


التغافل على أخطاء قليلة حكمةٌ تربويَّة:

إذا ظهر على الصبي خُلقٌ جميل وفعلٌ محمود ، فينبغي أن يكرَّم عليه ـ يجب أنتثني على ابنك إذا رأيت منه خُلقاً حميداً ؛ أمانةً ، وفاءً ، صدقاً ـ ويجازى عليهلما يفرح به ، وأن يُمدح بين أظهر الناس ، فإن خالف ذلك في بعض الأحوال مرَّةًواحدة فينبغي أن يتغافل عنه . جاء في وصية الغزالي : فإذا خالف ذلك في بعض الأحوالمرَّةً واحدة فينبغي أن نتغافل عنه ـ وأن لا نهتك ستره ، وألا نكاشفه ، أما إذا عادثانيةً يُعاتب عتاباً رقيقاً فيما بينك وبينه.


لمنالتغافل

مسامحة أهل الاستئثاروالاستغنام والتغافل لهم ليس مروءة ولا فضيلة بل هو مهانة وضعف وترضية لهم علىالتمادي على ذلك الخلق المذموم وتغبيط لهم به وعون لهم على ذلك الفعلالسوء.


وإنما تكون المسامحة مروءةلأهل الإنصاف المبادرين إلى الإنصاف والإيثار فهؤلاء فرض على أهل الفضل أن يعاملوهمبمثل ذلك لا سيما إن كانت حاجتهم أمس وضرورتهمأشد.

التغافلشيمة أهل الدين

عن أبي هريرة قال : قال صلىالله عليه وسلم إياكم و الظن فإن الظن أكذب الحديث. متفقعليه
وسوء الظن يدعو إلى التحسسو التجسس . فعن أبي هريرة قال: قال صلى الله عليه وسلم لا تحسسوا ولا تجسسوا ولاتقاطعوا و لاتدابروا وكونوا عباد الله إخوانا . متفقعليه.


التجسس في تطلع الأخبار والتحسس بالمراقبة بالعين فستر العيوب و التجاهل و التغافل عنها شيمة أهل الدينويكفيك تنبيها على كمال الرتبة في ستر القبيح و إظهار الجميل أن الله تعالى وصف بهفي الدعاء فقيل يا من أظهر الجميل وستر القبيح و المرضى عند الله من تخلق بأخلاقهفإنه ستار العيوب و غفار الذنوب ومتجاوز عن العبيد فكيف لا تتجاوز أنت عمن هو مثلكأو فوقك.


وقد قال عيسى عليه السلامللحواريين كيف تصنعون إذا رأيتم أخاكم نائما وقد كشف الريح ثوبه عنه قالوا نسترهونغطيه قال بل تكشفون عورته قالوا سبحان الله من يفعل هذا فقال أحدكم يسمع بالكلمةفي أخيه فيزيد عليها ويشيعها بأعظممنها.
قال عمرو بن عثمانالمكي : المروءة التغافل عن زلل الإخوان.


عن أبي بكر بن أبي الدنياأن محمد بن عبد الله الخزاعي قال : سمعت عثمان بن زائدة يقول:
العافية عشرة أجزاء تسعةمنها في التغافل . قال : فحدثت به أحمد بن حنبل فقال : العافية عشرة أجزاء كلها فيالتغافل.
قال الأعمش : التغافل يطفئشراً كثيراً.

عن أبي بكر بن عياش قال : قال كسرى لوزيره ما الكرم ؟ قال : التغافل عن الزلل .."

و في قوله صلى الله عليهوسلم : (إن الله يحب الرفق في الأمر كله) استحباب تغافل أهل الفضل عن سفه المبطلينإذا لم يترتب عليه مفسدة. قال الشافعي: الكيس العاقل هو الفطنالمتغافل.

قال جعفر بن محمد الصادق‏:‏‏(‏عظموا أقدراكمبالتغافل‏)‏‏.‏

قال المهاجري‏:‏ ‏(‏قالأعرابي لرجل‏:‏ قد استدللت على عيوبك بكثرة ذكرك لعيوب الناس لأن طالبها متهم بقدرما فيه منها‏)‏‏.‏

وكما قال الإمام أحمد بنحنبل"تسعة أعشار حسن الخلق فيالتغافل"

والحسن البصري يقول: ما زال التغافل من فعلالكرام