لم تكد أوروبا تخرج في الربع الثالث من 2009 من أسوأ ركود منذ الحرب العالمية الثانية حتى وجدت نفسها في مواجهة كابوس جديد يتمثل في الديون والعجز في الموازنات، وهو ما عكسته أزمة اليونان التي تنذر بالانتقال إلى دول أخرى في منطقة اليورو خاصة والاتحاد الأوروبي عامة.

ومع أن أزمة اليونان المثقلة بديون تفوق أربعمائة مليار دولار وبعجز في الموازنة بلغ نهاية 2009 نحو 13% تعود جذورها في الواقع إلى عقد مضى على الأقل, إلا أنها باتت أكثر إلحاحا, وسُلّطت عليها الأضواء نهاية 2009 بعد صعود الاشتراكيين إلى الحكم في اليونان, وبروز آثار الركود في أوروبا بأسرها.

وكانت أوروبا بما فيها منطقة اليورو -التي تضم 16 دولة- قد تعرضت في 2009 لانكماش قياسي بلغ 4% قبل أن تحقق في الأشهر الثلاثة الأخيرة منه نموا ضئيلا بلغ 0.4%.

الديون والعجز
وتعد اليونان مثلا على فداحة الوضع المالي لأغلب الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بما في ذلك الدول الـ16 الأعضاء في منطقة اليورو جراء الأزمة المالية ثم الركود العالميين.


وكانت الدول الأوروبية قد اضطرت لضخ أموال هائلة قدرت بنحو سبعمائة مليار يورو (954 مليار دولار) في أنظمتها المصرفية وفي القطاعات الاقتصادية الحيوية لتجاوز الأزمة.

وألقى ذلك الإنفاق الهائل عبئا ضخما على الموازنات, وفاقم الدين الحكومي لدول على رأسها اليونان التي أثير احتمال خروجها من منطقة اليورو، لكن أكثر من مسؤول أوروبي استبعد ذلك الاحتمال.

ويرجح أن يرتفع معدل العجز في الموازنات الأوروبية في 2010 إلى 7% من الناتج الإجمالي لمنطقة اليورو بعدما بلغ في 2009 نسبة 6.4%.

وقبل عام فقط أي في 2008 لم يتعد ذلك المعدل 2% مما يوضح السرعة التي استفحلت بها الديون الحكومية والعجز في الموازنات الأوروبية في 2009.

يشار إلى أن القوانين الأوروبية تقيد الحد الأقصى للعجز في الموازنة بـ3%.

يشار كذلك إلى أن بعض دول الاتحاد الأوروبي تصل نسبة الديون الحكومية إلى الناتج المحلي الإجمالي فيها إلى 80%.

اليونان وآخرون
وليست اليونان وحدها التي تعاني من معضلة الديون إذ هناك دول أخرى أعضاء في منطقة اليورو تواجه المشكلة ذاتها وفي مقدمها البرتغال وإسبانيا وأيرلندا وقبرص.

وفي هذه الدول -كما في بريطانيا وهي عضو في الاتحاد الأوروبي وليست من ضمن منطقة اليورو- يضاهي العجز في الموازنات العجز المسجل في اليونان.

وحدد الاتحاد الأوروبي لتلك الدول مُهلا تمتد بين 2012 و2014 لخفض العجز في موازناتها إلى الحد المسموح به على المستوى الأوروبي.

عوامل خارجية
وفي حالة اليونان, لم تكن أزمتها المالية ناتجة فقط عن عوامل داخلية مثل الفساد المنسوب إلى الحكومة المحافظة التي كانت تحكم إلى حين تولي الحكومة الاشتراكية بقيادة جورج باباندريو السلطة نهاية 2009.


فقد أكدت تقارير أن مؤسسات مالية كبيرة في وول ستريت على غرار مصرف غولدمان ساكس ساعدت اليونان منذ 2001 على الأقل على إخفاء ديونه وعجزه عن مراقبي الاتحاد الأوروبي من خلال عمليات مالية كسبت منها تلك المؤسسات مئات الملايين من الدولارات.

ومن العوامل الأخرى التي فجرت أزمة اليونان المالية المضاربات على سنداتها, وهي الممارسات التي طلب باباندريو من الرئيس الأميركي باراك أوباما التصدي لها.

خفض الإنفاق
وفي حالة اليونان ودول أوروبية أخرى ترزح تحت الديون, يبدو الحد من الإنفاق الحكومي الحل الوحيد لتجاوز الأزمات المالية.


وتبنت الحكومة اليونانية بالفعل إجراءات تقشفية صارمة في فبراير/شباط ومارس/آذار 2010 تشمل خفض رواتب موظفي القطاع العام وزيادة الضرائب لتوفير مليارات الدولارات, وكي تستطيع الاقتراض من الأسواق الدولية بفوائد منخفضة.

وتتحرك بريطانيا في الاتجاه ذاته إذ يتوقع أن يتجاوز العجز في موازنتها عجز موازنة اليونان, فيما تشير تقديرات إلى أن ديونها العامة قد تزيد عن تريليوني دولار في أربع سنوات.

وتنذر خطط التقشف التي اعتمدت أو ستعتمد لاحقا في 2010 باضطرابات اجتماعية تجلت علاماتها في الإضرابات والاحتجاجات الواسعة في اليونان والبرتغال.

الإنقاذ
وبينما تبدو بعض الدول مثل اليونان معرضة للإفلاس مثلما قال رئيس وزرائها جورج باباندريو الذي حذر أيضا من تفجر أزمة مالية عالمية جديدة, أعلن قادة أوروبيون مثل المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أنه لا سبيل لتقديم مساعدات مالية مباشرة للدول المتعثرة ماليا، إذ إن الاتفاقيات الأوروبية لا تسمح بذلك.


وفي الوقت نفسه, استبعد أكثر من مسؤول أوروبي كبير أن تلجأ اليونان أو غيرها إلى صندوق النقد الدولي.

وفي المقابل, أثيرت فكرة إنشاء صندوق نقد أوروبي لمساعدة الدول الأوروبية على تجاوز أزماتها.

بيد أن مثل هذا الصندوق سيكون ملاذا أخيرا مثلما قالت ميركل التي ترى هي وقادة أوروبيون آخرون أن على كل واحدة من الدول المتعثرة ماليا بمنطقة اليورو أن تحل مشاكلها بنفسها, وأن تقتصر مساعدتها على إرشادها إلى كيفية حل مشكلتها.