حذر مراقبون واقتصاديون من الاستثمار في الذهب بعد ظهور مؤشرات قوية، مع تحركات كبار المضاربين في الأسواق العالمية للتخلص من جانب كبير من الأصول الذهبية، التي تشير جميعها إلى اقتراب انهيار أسعار الذهب عالميا.

من جانبه أكد محمد عزوز، نائب رئيس اللجنة الوطنية للمعادن الثمينة في مجلس الغرف السعودية، أن هناك توقعات بانهيار ونكسة قادمة لأسعار الذهب تذهب فيها أموال المساهمين الصغار، لحظة خروج اللاعبين الكبار في السوق، ودخول لاعبين جدد.


جذب صغار المضاربين


وكشف عزوز في حديثه مع صحيفة "الاقتصادية" عن عمليات جذب لصغار المضاربين لأسواق الذهب من قبل كبار المضاربين الذين يملكون نسبة من السوق العالمية، ويستطيع أي شخص المضاربة حاليا في الذهب من خلال الإنترنت من أي موقع، كما أصبح الذهب تحت سيطرة فئة معينة.


وأوضح "هناك شائعات بوصول الذهب إلى أسعار فلكية، كما أن هناك محللين ومكاتب استشارية تتوقع انخفاض أسعار الذهب حتى تموز (يوليو) إلى 1100 دولار للأوقية، ثم يعاود الارتفاع إلى أكثر من 1600 دولار للأوقية، ليتجاوز الأسعار الحالية 1500 دولار للأوقية، خلال الأشهر الستة المقبلة.


ويرى عزوز أن بعض التوقعات مقبولة و90 في المائة من التوقعات لم تكن حقيقية ولا واقعية، ولكن هناك بعض المؤثرات والأحداث التي تؤثر في أسعار الذهب مثلما أثر مقتل أسامة بن لادن على أسعار الذهب، واستدرك " الإحداث لا تؤثر على المدى الطويل"، ولكن على فترة أيام محدودة.


وأضاف "لا يمكن التوقع باستمرار ارتفاع أسعار الذهب أو انخفاضها، لكن هناك تذبذبا مستمرا في الأسعار، والسبب يعود للمضاربات على الذهب التي أصبحت بأقل من 100 دولار، وهو سبب رئيس؛ لأن الذهب أصبح التعامل فيه مثل الأسهم وأصبح لا يرتكز على الأحوال العالمية التي لها أثر على الأسعار، لكن شهدت الأحوال العالمية تقلبات أثرت على ارتفاع أسعار الذهب، كما شهدت تقلبات أسهمت في انخفاض أسعار الذهب، بينما نجد أن الأحوال العالمية في ركود بعض الأوقات ونجد ارتفاعا للأسعار، ولا يمكن التوقع باستمرار ارتفاع الأسعار، بل سيظل في حالة تذبذب على المدى الطويل".


وقال نائب رئيس اللجنة الوطنية للمعادن الثمينة في مجلس الغرف السعودية: "لا أنصح أي شخص بالاستثمار عن طريق المضاربات الالكترونية، التجارة الفعلية هي التجارة الرابحة دون قلق أو توتر، بينما المضاربات تحدث توترا، ونحذر صغار المضاربين من المضاربة في الذهب، مؤكدا خسارة تلك الأموال وضياعها لعدم وجود الخبرة وعدم تحمل الخسارة، وبالتالي خروجهم من السوق، مع تسجيل أول خسارة، حيث إن كل تجارة معرّضة في فترة من الفترات للكساد، ولا يمكن التعامل معها إلا من قبل المتخصص والتجار، وليس المضاربين".


وقال "هناك عمليات جذب لصغار المضاربين للمساهمة والاستثمار بجميع ممتلكاتهم، وفي نهاية المطاف لن يكسب أحد من صغار المضاربين، مشيرا إلى أنه تم وضع سياسة لجذب صغار المستثمرين إلى المضاربة، وتجارة المضاربة غير صحيحة".


من جهته أكد الدكتور محمد إبراهيم السقا، أستاذ الاقتصاد في جامعة الكويت، أن الاستثمار في الذهب أصبح اليوم أخطر من أي وقت سابق، وربما نلاحظ ذلك في المدى الذي أصبحت تأخذه التقلبات السعرية في الأسابيع الأخيرة، الجميع اليوم مُجمع على أن الفقاعة مقبلة.


حجج ومبررات


وقال: البعض يراها فقاعة قامت لتظل منتفخة إلى الأبد، ويستشهد بذلك بالحجج التي يسوقها أرباب المضاربة في الذهب بأن الذهب معدن نفيس ونادر، وأن دول العالم تطبع النقود لتلقي بها في اقتصادياتها دون زيادة موازية في الناتج أو الإنتاجية، وأن التضخم سيأكل الأخضر واليابس، إلى آخر هذه المبررات المحفوظة عن مستقبل الذهب.


وأشار إلى أن هذه الحجج هي نفسها التي سيقت مع كل فقاعة، فلم يكن أحد في كل مرة يؤمن بأن الفقاعة ستنفجر، وكان الجميع يردد العبارة المألوفة "الوضع مختلف هذه المرة"، ثم يفيق الجميع على الصدمة. والمضاربون في الذهب يرددون العبارة نفسها، الوضع مختلف هذه المرة، والذهب هنا ليبقى، وسعر الذهب يتجه نحو خمسة آلاف دولار، وعشرة آلاف دولار، إلى آخر هذه الدعوات، إنها الدعوات نفسها التي كانت تتكرر مع كل فقاعة، لتثبت أننا بالفعل "عالم لا يتعلم من أزماته".


وحذر أستاذ الاقتصاد في جامعة الكويت المستثمرين الصغار من الدخول في المضاربة على أصل متقلب مثل الذهب طالما أنهم لا يتقنون قواعد اللعبة أو لا يملكون حس المضارب المحترف، وقال في تحذيره للمضاربين الصغار "إن شياطين المضاربة الكبار لا يعدمون وسائل الإغراء وهؤلاء المضاربون الكبار هم أول من سينسحب من السوق دون أن يعلم أحد بذلك عندما توجههم نماذجهم بأن الضغط داخل الفقاعة قد بلغ مداه، أو أن الفقاعة على وشك الانفجار" على سبيل المثال صدم العالم في الأسابيع الماضية عندما علم أن الملياردير سورس (أحد أساطين المضاربة في العالم) قد تخلص من جانب كبيرة من الأصول الذهبية التي يملكها، دون أن يشعر أحد بذلك.


وأضاف "لقد تحول الذهب منذ منتصف العقد الماضي على نحو غير مسبوق من مجرد سلعة إلى أصل أساسي للمضاربة بالشكل الذي أعاد للعالم سيناريو حمى المضاربة في الذهب الذي حدث في نهاية السبعينيات من القرن الماضي وانتهى بكارثة انهيار أسعار الذهب في عام 1980، وبعد أن بدأت البنوك المركزية لبعض الدول المتقدمة، وكذلك صندوق النقد الدولي، في التخلص من رصيدها الذهبي، عندما اكتشفت تلك الدول أن تخزين مثل هذا الأصل لا يقدم أي فائدة ملموسة بالنسبة لعملاتها، حيث يعتمد معدل الصرف أساسا على الأداء الاقتصادي للدولة، ومن ثم الطلب على عملتها في سوق النقد الأجنبي، وليس على ما تملكه الدولة من رصيد ذهبي، إلا أن البنوك المركزية للدول الناشئة التي ليس لها تجربة طويلة مع الذهب كأصل احتياطي أخذت في طلب الذهب وإضافته إلى أصولها الاحتياطية بعد تدهور القوة الشرائية لاحتياطي الدولارية نتيجة المصاعب التي يواجهها منذ اندلاع الأزمة المالية العالمية، ورغبة منها في تنويع هيكل احتياطياتها النقدية".


وقال: "من المعلوم أن الذهب هو معدن الأزمات، حيث يعد الملجأ الآمن في أوقات الحروب أو الأزمات الاقتصادية؛ لأن فيه قيمة ذاتية لخفة وزنة وارتفاع ثمنه، كونه معدنا نفيسا مقارنة بالأصول الأخرى.


زيادة الطلب


وأشار إلى أن السبب الرئيس المسؤول عن زيادة الطلب على الذهب في المرحلة الحالية هو الأزمة المالية العالمية وما صحبها من تطورات، بالطبع أثناء الأزمة تم تطوير سوق منظمة وعلى نطاق واسع للمضاربة في الذهب، ولم يحدث أن شهد التاريخ هذا الحجم من المعاملات اليومية سواء الحاضرة أو المستقبلية في سبائك الذهب، فقد تزايد الطلب على الذهب لأغراض المضاربة من نحو 89 طنا فقط خلال الربع الأول من 2008 إلى 273 طنا في الربع الرابع من 2010، وهي زيادة هائلة جدا، تعكس الاندفاع المحموم الذي تشهده السوق، والاهتمام الكبير بالمعدن لأغراض المضاربة".


ولفت "هذا العام وحتى هذه اللحظة، ارتفع سعر الذهب في المتوسط بنحو 7.5%، وفي العام الماضي 2010 ارتفع سعر الذهب في المتوسط 27%، وفي العام الذي سبقه 2009 ارتفع سعر الذهب في المتوسط 23.5%"، مضيفا "أن معدل ارتفاع سعر الذهب في السنوات الأخيرة يتكون من رقمين وهو معدل مرتفع جدا للعائد، وهذا هو الذي يدفع المراقبين إلى القول إن الذهب يعيش حالة فقاعة سعرية".


وتطرق إلى العلاقة بين طباعة النقود من دون غطاء حقيقي وبين ارتفاع الأسعار، مضيفا في عالم اليوم لم يعد هناك غطاء حقيقي للنقود أيا كان مسماها، فالنقود في دول العالم كافة تغطى بالسندات التي تصدرها الحكومة، إما لتغطية عجز ميزانيتها، أو لهذا الغرض بالذات، وهناك علاقة بين طباعة النقود (بغطاء أو من دون غطاء) وبين ارتفاع الأسعار، فعندما تقوم الدولة بطباعة المزيد من النقود، وهو ما يطلق عليه الأساس النقدي، فإن كل ريال يتم طباعته مضروبا في مضاعف عرض النقود يؤدي إلى زيادة المعروض النقدي، وعندما يتزايد المعروض النقدي تنخفض معدلات الفائدة ويزيد كل من الإنفاق الاستهلاكي والاستثماري وصافي الصادرات، أي ارتفاع مستويات الطلب الكلي، وهو ما يؤدي إلى الضغط على الأسعار نحو الارتفاع، بصفة خاصة إذا كانت معدلات النمو في عرض النقود تتجاوز معدلات النمو في الناتج بصورة كبيرة.


وعلل إفراط الدولة في إصدار النقود بأنها تواجه حالة التضخم الجامح، مثلما حدث منذ ثلاث سنوات في زيمبابوي، وقد تضطر الدولة إلى تخفيض القيمة الاسمية لعملتها نتيجة عملية الإفراط في إصدار النقود ومن ثم تزايد الحاجة إلى إصدار نقود بقيمة مرتفعة (1000، 10000)، إلى غيرها من القيم، مثلما تفكر إيران حاليا في إلغاء ثلاثة أصفار من القيمة الاسمية لوحدات النقد المصدرة من عملتها، وهو ما يؤدي فعليا إلى تخفيض النقود إلى واحد على ألف من قيمتها.


وعكست المضاربات القوية على الذهب ضخ كميات هائلة من المعدن سنويا في سوق الذهب العالمي بلغت في العام الماضي نحو 4110 طنا من الذهب، من بين هذه الكمية تم طلب نحو 3910 أطنان، منها نحو 990 طنا من الذهب في صورة سبائك